قساوة القلب لها اتجاهان: قساوة في التعامل مع الناس، وقساوة في التعامل مع الله. أما القساوة في التعامل مع الله، فهي الرفض المستمر للحياة مع الله ولطاعة وصاياه، وإغلاق القلب تجاه محبته، وعدم الانجذاب نحو إحسانات الله التي يظهرها للإنسان في عديد من المناسبات...
أما القسوة في التعامل مع الناس، فمظهرها قسوة المعاملة، والكلمة القاسية، والنظرة القاسية، والعقوبة القاسية، والتوبيخ القاسي. وقد تكون القسوة على الجسد في تعذيبه، أو قد تكون القسوة على النفس في إذلالها وسحقها، والتشهير بها، والعنف في معاملته.
والإنسان الخاطئ يقع في هذين النوعين من القساوة.
وعكس القوة: الرحمة والحنو والعطف والإشفاق...
إن القسوة كثيرًا ما تكون مظهرًا أو نتيجة لكبرياء القلب.
وعلى القساة أن يحترسوا، وليخافوا على أنفسهم من قساوة قلوبهم. لئلا يلاقوا نفس المعاملة. وبالكيل الذي به يكيلون، يُكال لهم ويزاد! فإن القسوة مكروهة من الكل. كما كانت قسوة فرعون الذي ما كان يلين مطلقًا ولا يتوب..
أما القلب الطيب، فإنه قريب جدًا من الله، فهو كعجينة لينة في يد الله يشكلّها مثلما يشاء. وعكس ذلك القساة لأن قلوبهم صخرية صلبة، لا تستجيب لعمل النعمة فيها!
القلب القاسي -من جهة الحياة الروحية- يعيش في جو من اللامبالاة! كلمة الله لا تترك تأثيرها فيه. فهو لا يتأثر بكلام الروح. بل قد يسخر منه ويتهكم، ويرفض السماع! تصبح وصايا الله ثقيلة عليه، بينما الثقل كله هو في القلب!
إنه لا يتأثر إطلاقًا بأي دافع روحي. لا يتأثر بحنان الله، ولا حتى بإنذاراته وعقوباته! ولا يتأثر أيضًا بالأحداث مهما كانت خطيرة! لا يؤثر فيه مرض، ولا موت أحد أحبائه! ولا تؤثر فيه صلاة ولا عظة، ولا كلمة روحية. وكل إحسانات الله إليه، يقابلها بنكران الجميل، أو ينسبها إلى أسباب بشرية!
وقساوة القلب تؤدى إلى العناد والمكابرة. والشخص القاسي القلب، قد تشرح له خطأه لمدة ساعات، وكأنك لم تقل شيئًا! إنه لا يعترف بالخطأ، بل يصّر على موقفه. قلبه صخري، لا يلين ولا يستجيب!
وبسبب إصراره وعناده وعدم استجابته، تتخلى عنه النعمة، وينحرف إلى الضياع! مثل هذا الإنسان، توبته ليست سهلة
الإنسان الرقيق الحساس، دموعه قريبة. أما القاسي فيندر أن تبتل عيناه مهما كانت الأسباب! لأن الدموع دليل على رقة الشعور. أما القاسي فلا رقة في مشاعره، سواء في تعامله مع الله أو مع الناس.
قساوة القلب تقود أيضًا إلى الحدة والغضب (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات)...
فالشخص القاسي القلب تشتعل مشاعره ضد الآخرين بسرعة، ويحتّد ويثور، ويهدّد وينذر. ولا يحتمل أن يمسّه أحد بكلمة. وفي نفس الوقت لا يراعى شعور الآخرين. فيجرح مشاعر غيره بسهولة وفي لا مبالاة! ولا مانع عنده من أن يهين غيره ويشتمه ولا يبالى بوقع الألفاظ عليه...
وهنا يجمع بين أمرين متناقضين: فيكون حساسًا جدًا من جهة المعاملة التي يعامله بها الناس، بينما لا إحساس له! إطلاقًا من جهة تعامله هو مع الآخرين.!
فهو، إذا وبخّ غيره -بحق أو بغير حق- يكون كثير التوبيخ وعميقة. وإذا غضب على أحد، يكون طويل الغضب وعنيفة..
في قسوته لا يحتمل أحدًا. ويريد أن يحتمله الكل! وعليهم ألاّ يثوروا بسبب ثورته عليهم، بل يتقبلوها كما لو كانوا يستحقون ما ينالهم منه!
وعمومًا، فالقسوة منفرة. ومن يتصف بها يخسر من يتعامل معهم من الناس، ويفشل في حياته الاجتماعية...
* ربما من أسباب هذه القسوة، طباع موروثة عن الآباء أو الأمهات..
وهنا قد يسأل البعض: ما ذنب إنسان ورث طبعًا قاسيًا؟ بينما غيره قد وُلد وديعًا، وليس في حاجة إلى بذل مجهود لمقاومة قسوة كالتي وُلد بها غيره..
وهنا نقول إن الطبع يمكن تغييره مهما كان موروثًا.. والذي يبذل جهدًا لتغيير طبعه، تكون مكافأته عند الله أكثر...
* من أسباب قسوة القلب أيضًا، الكبرياء التي تدفع الإنسان إلى أن يبالغ في كرامته وعزة نفسه، ووجوب احترام الناس له، بأسلوب يجعله يقسو على كل شخص يظن أنه يمس كرامته بشيء!
والكبرياء تجعل القسوة تظهر في ملامحه وفي نظراته، وفي حدة صوته، وفي نوعية ألفاظه، وطريقة معاملاته...
* ومما يقسّي القلب أيضًا، تأثير الآخرين: إما بأصدقاء يوحون إليه بمعانٍ جديدة عن القوة والبطولة، أو عن الحرية وما يلزم له من حقوق.. وهكذا يثور على كل سلطة أو رئاسة، سواء في البيت أو في الدراسة. بل قد يثور أيضًا على النظام وعلى القانون! ويرى الرجولة في أن يفرض رأيه!
وفى بعض بلاد الغرب: كثير من الشباب -حينما يشعرون بنضوجهم- يرفضون الخضوع لآبائهم بحجة الحرية الشخصية! ويعتبر الشاب أن نصيحة والده له، هي مجرد رأى يمكن أن يأخذ به، أو لا يأخذ! وهكذا يتقسى قلبه من جهة والده. ويصر على أنه هو صاحب القرار، مهما كان قليل الخبرة في الحياة!
يلزم إذن أن نربى أولادنا منذ طفولتهم المبكرة، حتى لا تتلفهم أفكار جديدة عليهم، تتلفهم وتقسي قلوبهم، وتدفعهم إلى الجدل في البديهات، والى رفض كل شيء لمجرد الرفض!
تلك الأفكار التي تصّور لهم الطاعة ضعفًا، والخضوع خنوعًا، والهدوء خوفًا وجبنًا..!! وفي تقسية قلوبهم، تقلب لهم كل الموازين، فيفرحون بذلك إحساسًا منهم بالوجود وبالشخصية...! وكما تصل إليهم تلك الأفكار من أشخاص، يمكن أن تصل إليهم من بعض الكتب والمطبوعات...
وما نقوله عن تأثر الصغار بأفكار غيرهم، يمكن أن نقوله عن الكبار أيضًا!
مثال ذلك في محيط الأسرة: زوجة الأب التي تقسى قلب زوجها على أولاده من زوجة سابقة. وتظل تحدثه عن أخطائهم وخطورتها، حتى يثور عليهم ويقسو في معاملتهم..! أو مثل أم تظل تصب في أذن ابنها المتزوج أحاديث عن أخطاء زوجته، أو إهانات هذه الزوجة لها، حتى تتغير معاملته لزوجته ويقسو عليها...
فعلى كل إنسان أن يكون حريصًا، ولا يسمح للقسوة أن تزحف إليه من الآخرين، ولا يصدق كل ما يسمعه...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/pbq2643