التقليد هو كل تعليم وصل إلينا عن طريق التسليم الرسولي والآبائي، غير الكلام الذي ترك لنا كتابة في الكتاب المقدس، في موضوعات ربما لم تذكر في الكتاب، ولكنها لا تتعارض معه في شيء.
والبروتستانت لا يؤمنون بالتقليد. ولا يلتزمون إلا بالكتاب المقدس وبهذا الوضع يتركون كل التراث الذي تركته الأجيال السابقة للكنيسة: كل ما تركه الآباء الرسل، آباء الكنيسة الأولى، والمجامع المقدسة، والقوانين والنظم الكنسية، وما في الكنيسة من طقوس ومن نظم، وما أخذناه من تعليم شفاهي عبر هذه الأجيال الطويلة كلها. وسنبحث هنا موضوع التقليد.
والتقليد هو أقدم من الكتاب، يرجع إلى أيام أبينا آدم:
لعل أقدم ما وصل إلينا من الشريعة المكتوبة، كان على يد موسى النبي، الذي عاش في القرنين الخامس عشر والرابع عشر قبل الميلاد، ولكن التقليد أقدم من هذا بكثير... آلاف السنين مرت على البشرية بدون شريعة مكتوبة. فمن الذي كان يقود تفكيرها: الضمير من جهة (ويُسَمَّى الشريعة الأدبية). والتقليد من جهة أخرى وهو تسليم جيل لجيل آخر.
وسنحاول أن نضرب بعض الأمثلة السابقة للشريعة المكتوبة.
1- ورد في سفر التكوين أن هابيل الصديق قدم قربانًا لله من أبكار غنمه ومن سُمانها (تك4: 3). وشرح القديس بولس الرسول هذا الأمر "بإيمان قدم هابيل ذبيحة أفضل من قايين" (عب4:11). وهنا نسأل:
ومن أين عرف هابيل فكرة الذبيحة التي تقدم قربانًا لله؟ ومن أين أتاه هذا الإيمان، ولم تكن في زمنه شريعة مكتوبة؟
لا شك أنه تسلمها بالتقليد من أبيه آدم، وأبونا آدم تسلمها من الله نفسه، كل ذلك قبل أن يكتب موسى النبي عن الذبائح والمحرقات بأربعة عشر قرنًا من الزمان.
2- ونفس الوضع يمكن أن نقوله عن كل المحرقات التي قدمها آباؤنا نوح وإبراهيم واسحق ويعقوب، وأيوب أيضًا...
كلهم عرفوا الذبيحة وتسلموها عن طريق التقليد. وأيضًا تسلموا بناء المذابح كما فعل أبونا نوح بعد الطوفان حينما "بنَى مذبحًا للرب" (تك20:8).، وأبونا إبراهيم حينما بني مذبحًا عند بلوطة مورا (تك6:12). وتتابع معه بناء المذابح ولم يكن هناك كتاب مقدس يأمر ببناء المذابح.
3- يذكر الكتاب أن أبانا نوح بعد الطوفان "أخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة، وأصعد محرقات على المذبح. فتنسم الرب رائحة الرضا" (تك8: 20،21).
فمن أين عرف نوح فكرة تقديم الذبائح من الحيوانات الطاهرة؟
لعله أخذها عن الله مباشرة، ثم سلمها للأجيال من بعده، قبل أن يشرح موسى فكرة ووصف الحيوانات الطاهرة، في التوراة.
4- وفي قصة مقابلة أبينا إبراهيم لملكي صادق، قيل عنه أنه "كاهن الله العلي" (تك18:14).
فمن أين عرف هذا الكهنوت، الذي أتاح لملكي صادق أن يبارك أبانا إبراهيم، والذي جعل أبرام يقدم العشور لملكي صادق؟ (تك20:14) (اقرأ مقالًا آخر عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). ويعتبر بهذا أكبر منه (عب7: 6، 7).
وفي ذلك الحين لم تكن هناك شريعة مكتوبة تشرح الكهنوت وعمله وكرامته ومباركته للآخرين. وفي كل الإصحاحات السابقة من سفر التكوين لم ترد مطلقًا كلمة "كاهن" ولا كلمة "كهنوت"...
من أين معرفة الكهنوت إلا عن طريق التقليد...
5- وفي نفس قصة مقابلة أبرام لملكي صادق، نسمع أن أبرام، أعطاه عشرًا من كل شيء (تك20:14).
فمن أين عرف تقديم العشور للكهنة وقت أبينا إبراهيم، إلا عن طريق التقليد... إن شريعة العشور لم تكن قد وردت بعد في شريعة مكتوبة.
وبنفس الوضع كيف عرف أبونا يعقوب فكرة العشور حينما قال للرب "وَكُلُّ مَا تُعْطِينِي فَإِنِّي أُعَشِّرُهُ لَكَ" (تك22:28).
قطعًا أبونا يعقوب تسلم شريعة العشور بالتقليد، إذا تسلمها عن جده إبراهيم الذي قدم العشور لملكي صادق، ولم يأخذها إطلاقًا من شريعة مكتوبة...
واضح أن التقليد كان معلمًا للبشرية قبل الشريعة المكتوبة... وبقى بعدها...
6- وفي قصة هروب أبينا يعقوب من وجه رأى أخيه عيسو حينما رأى سلمًا منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء، والملائكة صاعدة ونازلة عليها. وكلمه الرب وأعطاه وعدًا... يقول الكتاب أن يعقوب قال "ما هذا إلا بيت الله وهذا باب السماء". "ودعا اسم ذلك المكان بيت إيل" (أي بيت الله)، "وأخذ الحجر الذي وضعه تحت رأسه، وأقامه عمودًا وصب زيتًا على رأسه".
فمن أين عرف أبونا يعقوب عبارة "بيت الله"؟
ومن أين عرف فكرة تدشين بيوت الله بصب زيت عليها؟ ولا شيء من هذا كله ورد له ذكر في شريعة مكتوبة... وليس له تفسير سوى التقليد...
7- ولما أعطى الرب الشريعة المكتوبة، أبقَى التقليد أيضًا.
وأوصى الآباء في مناسبات عديدة – أن يوصوا أولادهم، ليسلموهم التعليم. فقد أمرهم أن يخبروا أولادهم بقصة ومناسبة تكريس كل بكر فاتح رحم للرب (خر13: 14-16). وقال للشعب أيضًا "إنما احترز واحفظ نفسك جدًا، لئلًا تنسى نفسك ما أبصرت عيناك ولئلا تزول من قلبك كل أيام حياتك، وعلمها لأولادك وأولاد أولادك" (تث9:4).
8- وحتى في المسيحية نرى أن بعض كتبة العهد الجديد كتبوا بعض معلومات عن العهد القديم أخذوها بالتقليد.
مثال ذلك بولس الرسول ذكر اسمي الساحرين اللذين قاوما موسى النبي فقال "وكما قاوم ينيس ويمبريس موسى، كذلك هؤلاء أيضًا يقاومون الحق" (2تي8:3).
ونحن لا نجد هذين الاسمين في أسفار موسى النبي ولا في كل أسفار العهد القديم. ولكن لعل بولس الرسول عرف ذلك عن طريق التقليد.
9- والذي حدث في العهد الجديد هو نفس الذي حدث في العهد القديم. ولكن بنسبة أقل.
إذ مضت مدة طويلة لم تكن هناك فيها أناجيل مكتوبة ولا رسائل مكتوبة.
وكل الناس يتلقون الإيمان كله، وقصة المسيح كلها، وتعاليمه، وعمله الفدائي كل ذلك عن طريق التقليد، ما يقرب من عشرين سنة...
10- إن السيد المسيح لم يكتب إنجيلًا، ولم يترك إنجيلًا مكتوبًا. ولكنه كان يعظ ويعلم، ويترك للناس كلامه روحًا وحياة (يو63:6). وهذا يتناقله الناس وحينما بدأ تعليمه وعمله الكرازي قال للناس "قد كمل الزمان، واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل" (مر15:1). ولم يكن هناك إنجيل مكتوب، إنما كانت هناك كرازة وبشارة مفرحة، تلك التي تمثل الإنجيل الشفاهي، أو التعليم الإلهي الذي يتناقلونه بالتسليم.
ونفس المعنى يطلق على قول الرب لتلاميذه "اذهبوا إلى العالم أجمع، واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (مر15:16). كل ذلك خارج النطاق المكتوب.
الكتاب لم يذكر كل شيء |
في الحوار اللاهوتي اللاهوت المقارن -1 |
هل
المعمودية تُعاد؟ |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/8b6y2hr