العاملون في هذه الخدمة، سماهم الرب "صيادي الناس"، ولا بُد أن تكون لهم حكمة الصياد الذي يعرف طباع السمك، وطبيعة المياه. والذي يعرف كيف يلقي شباكه في العمق.
حكمة إنسان اختبر الطريق الروحي وسار فيه، وعرف حروبه ومطباته.. لهذا يعرف نوعية الكلام الذي يقدمه للناس.
1- من هذه الحكمة انه لا يقدم للناس روحيات فوق مستواهم، لكي لا ييأسوا أو يفشلوا من أول الطريق.
هذه المشكلة عرضها السيد المسيح في توبيخه للكتبة والفريسيين فقال إنهم "يحزمون أحمالًا عسرة الحمل، ويضعونها على أكتاف الناس (مت23: 4).
كثير من الخدام لهم مثاليات معينة ويريدون أن كل أحد يسير في هذه المثاليات، ومن أول خطوة.!!
وإلا فإنهم يرفضونه وينتقدونه ويقولون إنه لا يصلح للطريق الروحي. بينما السيد المسيح لم يقل هكذا، بل إنه تدرج حتى مع تلاميذه، وقال هم "عندي كلام لأقوله لكم، ولكنكم لا تستطيعون أن تحتملوا الآن" (يو16: 12). وتلميذ بولس الرسول تعلم هذه القاعدة فقال:
"سقيتكم لبنًا لا طعامًا، لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون" (1كو3: 2).
والرسل الاثنا عشر -في مجمع أورشليم- راعوا نفس القاعدة فرأوا أنه "لا يثقل على الأمم الراجعين إلى الله. بل يرسل إليهم أن يمتنعوا عن نجاسات الأصنام، والزنا، والمخنوق والدم" (أع 15: 19، 20). فلا يوضع على أعناقهم نير "لم يستطع آباؤنا ولا نحن أن نحمله" (أع 15: 10).
ولكن ليس معنى التدرج، أن نتساهل في وصايا الله! كلا، بل ندرب الناس عليها بالتدريج، إلى أن يصلوا..
ذلك أن بعض الخدام يغلقون أبواب الملكوت أمام الناس، بتصعيب الطريق فلا هم يدخلون، ولا يجعلون الداخلين يدخلون (مت23: 13).. والبعض الآخر يتساهلون إلى الدرجة التي يفقد فيها المخدوم روحياته، ويفقد جدية الحياة الروحية أيضا..!
2- ومن الحكمة أن الخدام لا يقودون الناس في مناهج روحية متناقضة..
كأن يتوب إنسان، فيقوده البعض إلى حياة الندم والانسحاق والدموع، بينما يشده البعض الآخر إلى حياة الفرح بالرب "وبهجة الخلاص" ويشجعه فريق على الخدمة وعلى التحدث بكم صنع الرب به. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). بينما يقوده آخرون إلى الشعور بعدم الاستحقاق، وعدم الإسراع إلى الخدمة، حتى تستوفي التوبة حقها من مشاعر الخزي على الخطية..
وهكذا يرتبك المسكين بين مشورات متناقضة، ولا يدري أين يسلك!
ويزيد الأمر تعقيدًا أن كل فريق يشرح له أن الفريق الآخر مخطئ، وإن سلك وراءه سيضيع! وهنا تظهر الذات في الخدمة. ويتنافس الخدام بغير حكمة في اختطاف المخدومين من بعضهم البعض.
3- كذلك ليس حسنًا أن يقحم خادم نفسه في خصوصيات إنسان، ويتطوع لإرشاده، بدون معرفة بظروفه وداخلياته ونوع نفسيته.
لذلك فإن الكنيسة وضعت هذا الإرشاد تحت مسئولية أب الاعتراف الذي يعرف نفسية وظروف المعترف، ويستطيع أن بقدم له العلاج الذي يناسب حالته. وفي نفس الوقت يقوده في منهج واحد لا تناقض فيه، يوافق مستواه الروحي.
رابح النفوس الحكيم يعرف متى يقدم التوبيخ على الخطية، ومتى يفتح باب الرجاء بلا توبيخ، حسبما ينفع النفس.
فالشخص الغارق في تبكيت نفسه اليائس من خلاصه، فهذا نقدم له الرجاء. أما الذي لا يشعر بجسامة الخطية، وينظر إليها ويعرف أن الخطية خاطئة جدًا، وأجرتها الموت.
4- والخادم الحكيم لا يحاول أن يجعل من يخدمهم صورة منه فلا يقود الناس إلى الوحدة، والصمت، وإن كان هو يحب ذلك. فربما له تلميذ اجتماعي لا تناسبه الوحدة.
وبالعكس لا يقود مخدوميه كلهم إلى الخدمة التي تستغرق كل الوقت والجهد إن كان هو يحب ذلك، فربما له تلميذ يحب حياة الصلاة والتأمل والهدوء.
لا يجوز له أن يطبعهم بطابعه، فكل إنسان له نفسيته الخاصة، وله ما يناسبه..
وكل إنسان له ظروفه الخاصة، وله درجة معينة في الروحانية، ربما لا يوافقها المنهج الذي يسير عليه الخادم.
وظيفة الخادم إذن أن يرشد إلى الحق مجردًا. ويترك التفاصيل إلى ما يناسب نوعية النفس، وإلى إرشاد أب الاعتراف.
بعض الخدام إذا تحمسوا لشيء، يريدون أن يتحمس له كل احد، مهما كانت حالته!
فمثلًا واحد منهم متحمس لإصلاح معين، وثائر في داخله، يريد أن يكون الجميع ثائرين مثله! وقد تضرهم هذه الثورة، وقد يخطئون فيها، وقد لا تكون حكيمة..
أو شخص يحب الرهبنة، فيدعو الكل إليها وقد لا تناسبهم.
5- رابح النفوس الحكيم، ينبغي أن يكون صبورًا لا يمل.
ليس من الحكمة أن يتعجل الثمر ولا أن ييأس من مخدومة ويتركه، إن لم يستجب لتعليمه بسرعة، أو تحتد أعصابه عليه ويكثر من توبيخه لئلا يفشل ذاك أيضًا.
الخدمة تحتاج إلى طول أناة، وإلى رفق بالخطاة. كما أن الرب نفسه يتأنى، وطول أناته تقتاد إلى التوبة (رو2: 4).
بطول الأناة تحول أوغسطينوس من شاب خاطئ إلى قديس عظيم، وتحول شاول الطرسوسي من مضطهد للكنيسة إلى اكبر كارز في الخدمة.
لذلك لا تشطب من كشفك أسماء الذين افتقدتهم مرات ولم يحضروا، ولا تيأس من الذين نصحتهم مرارًا ولم يتوبوا..
لا تظن أنه لا استجابة، ربما توجد الاستجابة، ولكن تحتاج إلى وقت..
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/2nxnxc2