لذلك كله، ينبغي أن يكون العطاء بغير افتخار.
لا افتخار باللسان، ولا بمشاعر القلب من الداخل، ولا بالفكر... وكأنك قد أعطيت من عندك..!! هنا وأتذكر عمق الكلمات التي قالها الرسول "أي شيء لك لم تأخذه؟! وإن كنت قد أخذت، فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ؟!" (1كو 4: 7)... وإن كان كل ما نعطيه قد أخذناه من الرب، ألا يكون افتخارنا بالعطاء افتخارًا باطلًا؟!
لذلك أمر الله أن يكون العطاء في الخفاء.
وقال "احترزوا من أن تصنعوا صدقة قدام الناس، لكي ينظروكم. وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السموات". وقال "لتكون صدقتك في الخفاء، وأبوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك علانية" (مت 6: 1، 4). وهذا الخفاء، لا يقصد به الرب أن يكون خفاء على الناس فقط، وإنما على نفسك أيضًا. فلا تعد أو تُحْصَى كم أعطيت، وإنما:
"لا تُعَرِّف شمالك، ما تفعله يمينك" (مت 6: 3).
لا تذكر كم أعطيت، ولا تتذكر كم أعطيت... ولا تحسب عطاياك. وحاول أن تنساها جميعها، حتى لا يحاربك بذلك شيطان المجد الباطل، أيضًا حتى لا تستوفي خيراتك على الأرض من تمجيد ذاتك لك...
رُوِيَ عن القديسة ميلانيا، في بدء حياتها الروحية قبل أن تترهب، حينما كانت تقدم إحسانات كثيرة للأديرة والرهبان... أنها في إحدى المرات وضعت في كيس خمسمائة قطعة من الذهب، وسلمته للقديس الأنبا بموا ليعطيه للرهبان الساكنين في البرية الداخلية. فنادى القديس على تلميذه، وسلمه الكيس كما هو دون أن يفتحه وكلفه بتوزيعه على أولئك الرهبان... وهنا قالت له ميلانيا "ولكنك لم تفتحه يا أبي لتعرف كم فيه؟" (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). فرد عليها القديس قائلًا "إن كنت قدمت هذا المال لله، فالله يعرف مقداره كم هو"... وكان ذلك درسًا لميلانيا.
صفة أخرى من صفات العطاء، وهي السخاء.
يقول الكتاب "المعطي فبسخاء" (رو12: 8). ويأمرنا أيضًا أن نكون "أسخياء في العطاء، كرماء في التوزيع" (1تي 6: 18). ويقول "من يزرع بالشح / فبالشح أيضًا يحصد. ومن يزرع بالبركات، فبالبركات أيضًا يحصد" (2كو 9: 6). ويعلل الرب ذلك بقوله "بالكيل الذي به تكيلون، يكال لكم" (لو6: 38).
لا يكفي إذن أن تعطي، إنما كن كريمًا في عطائك.
أمامنا مثل جميل في الكتاب هو أرونة اليبوسي، حينما أراد داود الملك أن يشتري منه بيدره لكي يبني مذبحًا للرب. ففرح أرونة بذلك، وأراد أن يتبرع بالبيدر وكل ما فيه. ولذلك قال لداود عن البيدر " فليأخذه سيدي الملك، ويصعد ما يحسن في عينيه. أنظر: البقر للمحرقة. والنوارج وأدوات البقر حطبًا" (سفر صموئيل الثاني 24: 24) " الكل دفعه أرونة إلى الملك. ولكن داود قال لأرونة: "لاَ، بَلْ أَشْتَرِي مِنْكَ بِثَمَنٍ، وَلاَ أُصْعِدُ لِلرَّبِّ إِلهِي مُحْرَقَاتٍ مَجَّانِيَّةً"... كل منهما يريد أن يدفع، وبرضى وفرح، وبسخاء...
ولنتذكر قصة أبينا إبراهيم، لما زاره ثلاثة رجال:
قال لأمنا سارة "أسرعي بثلاث كيلات دقيق... واصنعي خبز ملة"، "ثم ركض إبراهيم إلى البقر، وأخذ عجلًا رخصًا وجيدًا، وأعطاه للغلام، فأسرع ليعمله. ثم أخذ زبدًا ولبنا والعجل الذي عمله، ووضعها قدامهم" (تك 18: 6-8)... هل ثلاثة رجال يحتاجون إلى ثلاثة كيلات دقيق... وإلى عجل بأكمله، بالإضافة إلى الزبد واللبن؟ أم هو كرم أبينا إبراهيم؟.. أو أنه لفرحه بضيوفه أراد أن يأكل الكل معهم، الغلمان ورعاة الغنم يأكلون من العجل، وأيضًا من الخبز الساخن.معهم0
وبنفس الكرم في عطائنا، يعاملنا الله...
وهكذا قال "أعطوا تعطوا، كيلًا جيدًا ملبدًا مهزوزًا فائضًا، يعطون في أحضانكم" (لو 6: 38). وأيضًا "هاتوا جميع العشور إلى الخزانة... وجربوني بهذا قال رب الجنود، إن كنت لا أفتح لكم كوى السموات، وأفيض عليكم بركة حتى لا توسع..." (ملا 3: 10)... وقيل أيضًا "أكرم الرب من مالك ومن كل باكورات غلتك، فتمتلئ خزائنك شبعًا، وتفيض معاصرك مسطارًا" (أم 3: 9)
ومن الآيات التي تدعو إلى الكرم في العطاء، قول الرب...
"اذهب وبع كل أملاكك، وأعط الفقراء" (مت 19: 21).
وأيضًا "بيعوا أمتعتكم وأعطوا صدقة" (لو 12: 33). وكذلك قوله "من سألك فأعطه. ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده" (لو 6: 30). وأيضًا يقول الكتاب "من له ثوبان، فليعط من ليس له. ومن له طعام، فليفعل هكذا" (لو 3: 11).
ومن الصفات الجميلة في العطاء:
* أن تعطي دون أن يُطْلَب منك ذلك. فهكذا يفعل أبونا السماوي معنا. وهكذا يفعل الأب والأم مع أولادهم. لتكن لك الحساسية نحو ما يحتاجه الناس، ولا تحوجهم أن يسألوا ويطلبوا.
* لا تؤجل العطاء. فربما التأخير يسبب أضرارًا للمحتاجين. وفي ذلك يقول الكتاب "لا تمنع الخير عن أهله، حين يكون في طاقة يدك أن تفعله. لا تقل لصاحبك: اذهب وعد فأعطيك غدًا، وموجود عندك" (أم 3: 27، 28).
* دَرِّب نفسك أن تعطي من أفضل ما عندك.
فكثيرون لا يعطون إلا الملابس الممزقة أو القديمة، والأشياء التالفة عندهم أو المرفوضة منهم... هذه يقدمونها للمسيح في أشخاص الفقراء. ليتنا في كل ذلك نتذكر قرابين هابيل الصديق، إذ قيل عنه "وقدم هابيل من أبكار غنمه ومن سِمانها. فنظر الرب إلى هابيل وقربانه" (تك 4: 4)... "من أبكار غنمه ومن سِمانها" أي أفضل ما عنده.
لقد قدم التاريخ أمثلة عجيبة في العطاء.
القديس الأنبا إبرام أسقف الفيوم، والقديس الأنبا صرابامون أبو طرحه أسقف المنوفية، وقصص عطائهما كثيرة جدًا وعجيبة، ليس الآن مجالها... والقديس يوحنا الرحوم الذي باع كل شيء وأعطاه للفقراء. وإذ لم يجد شيئًا آخر يبيعه، باع نفسه عبدًا، وتبرع بالثمن للفقراء. أيضًا القديس سيرابيون، الذي أعطى ثوبه لفقير ومشى عريانًا وباع إنجيله أيضًا وأعطى الثمن للفقراء. فلما سأله تلميذه عن ذلك، أجابه: كان الإنجيل يقول لي اذهب بع كل مالك وأعطه للفقراء، فبعته إذ لم يكن لي غيره
وفي العصر الرسولي قيل "كل الذين كانوا أصحاب حقول أو بيوت، كانوا يبيعونها ويأتون بأثمان المبيعات ويضعونها عند أرجل الرسل. فكان يوزع على كل واحد كما يكون له احتياج (أع 4: 34، 35).
فما مركز عطائنا من كل هؤلاء؟
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/p682kzk