أين ترعى؟ أين تربض وقت الظهيرة؟
إنه نداء من النفس البشرية، التي بعدت عن حظيرة الرب، ولكنها ما تزال تحبه وتبحث عن طريقه..
فهي تناديه قائلة: أين ترعى؟ أين أجدك؟ أين الطريق إليك "يا مَنْ تحبه نفسي".
أنا وإن بعدت عنك بالعمل لم أبعد عنك بالحب.
ما أزال أحن إليك، وأشتاق إلى الأيام التي عشتها معك، واسأل أين أنت؟ كيف أصل إليك؟ أين ترعى؟ وأين تربض وقت الظهيرة.
"وقت الظهيرة"، عندما تشتد حرارة الحر، ولا تستطيع الطبيعة أن تحتمل، أين أجدك لتحميني من ضربة الشمس بالنهار؟ هذه الشمس التي لوحتني، فصرت سوداء، أين ظللك الذي يحميني منها، لأنه "تحت ظلك اشتهيت أن أجلس" (نش 2: 3). أنا أعرف أنك تحمى رعيتك في ذلك الوقت، فلا تضربها الشمس، فأين تربض وقت الظهيرة.
إنها نفس بعيدة عن الله، ولكن تشتاق إليه..
هناك نفوس متمتعة بالرب ولذة عشرته، تقول في غمرة الحب الإلهي "شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني" (نش 2: 6)، "أنا لحبيبي وحبيبي لي" (نش 2: 6)، "أنا لحبيبي وحبيبي لي" (نش 6: 3). وهناك نفوس أخرى بعيدة عن الرب، ولكنها غير مهتمة، لا تشتاق إلى الله، وإن اشتاقت إلى الله، وإن اشتاقت يدركها اليأس..
أما هذه فتشتاق إلى الرب، على الرغم من الخطية.
هذه النقطة تجعلنا لا ندين الآخرين، ولا ننظر في اشمئزاز إلى البعيدين عن الرب.
فهناك نفوس تحبه على الرغم من بعدها.
مثل بطرس الذي أنكر الرب ثلاث مرات، ومع ذلك قال له "أنت يا رب تعلم كل شيء، أنت تعلم إني أحبك" (يو 21: 17). كذلك هذه النفس تقول "يا مَنْ تحبه نفسي".
كيف تحبه وهي بعيده والرب يقول "من يحبني يحفظ وصاياي".
إن الخطية عندها قد يكون سببها الضعف، وليس عدم الحب.
أين تربض وقت الظهيرة، عندما أحتاج إلى ظلك، أنا الذي قد يفرحني ظل يقطينه (يون 4: 6)، فكم بالأولى ظلك أنت؟!
أولادك في وقت التجربة ولهيبها، أنت تظلل عليهم بجناحيك فيستريحون في كنفك. كيف أستريح أنا أيضًا؟
هذه العذراء بعدت عن الرب بالجسد، ولم تبعد بالروح، بعدت بالعمل ولم تبعد بالعاطفة.
الأخطاء التي تقع فيها دخيلة عليها، وليست في طبيعتها.
إن طبيعتها على صورة الله ومثاله، لذلك تشتاق إلى الله بالطبع، وإن كانت تخطئ بالضعف وبالضغط الخارجي.
حسن أن الإنسان في فترات فتوره وضعفه، يتذكر أيامه الجميلة الحلوة مع الله، ويقول له أين ترعى؟
أنت يا من ترعى الكل، ارعاني أنا أيضًا معهم.
هناك أشخاص في حالة الخطية يقطعون صلتهم بالله، ويبعدون عنه، ويهربون منه، فلا كنيسة، ولا صلاة، ولا اجتماعات، ولا أية واسطة من وسائط النعمة. وحجة الواحد منهم بأي وجه أكلم الله في خطيتي؟
مثال ذلك آدم الذي هرب من الله عندما أخطأ..
اختفى وراء الشجرة، وقال له "سمعت صوتك في الجنة فخشيت، لأني عريان فاختبأت" (تك 3: 10).
أما هذه النفس ففي بعدها تبحث عن الرب: أين يرعى؟
نسمع إجابة عن هذا السؤال في آيات كثيرة من سفر النشيد تقول "الراعي بين السوسن" (نش 2: 16)، "حبيبي نزل إلى جنته، إلى خمائل الطيب، ليرعى في الجنات ويجمع السوسن" (نش 6: 2).
أنا عارف يا رب أنك نزلت إلى خمائل الطيب، وسط قديسيك.
هؤلاء الذين لحياتهم رائحة ذكية، نشتم منهم رائحة المسيح. خميلة منهم اسمها "خميلة التأمل والعبادة" نزلت إليها. وأخرى اسمها "خميلة التعب والجهاد" نزلت إليها. وثالثة اسمها "خميلة الخدمة والسعي وراء النفوس الضائعة". وخمائل أخرى خاصة بالفضائل الجميلة.
أنت يا رب وسط قديسيك، في خمائل الطيب، ترعى في الجنات. كل قديس منهم عبارة عن شجرة موثقة ثمرًا، تطرح ثلاثين وستين ومائة (مت 13: 23).
ولكن ماذا عن شخص مثلي، يعيش في الأشواك؟ هل تنزل إلى أشواكه يا رب كما نزلت إلى الجنات وخمائل الطيب؟
أم هذا الإنسان لا نصيب له عندك، إذ ليس في حياته شيء من السوسن؟
أنا أومن يا رب أنك في بحثك عن الخروف الضال مشيت على الجبال والتلال والأشواك (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات)..
أنا لست في مستوى الجنات وخمائل الطيب. ربما أصل إليها عندما أصطلح معك، وأتحول إلى خميلة طيب، وإلى غصن في شجرة مثمرة في جناتك. أما الآن، فكيف الطريق إليك! أين ترعى؟
يجيب الرب في محبته: إنني أرعى في كل مكان..
كنت في أتون النار، أرعى الثلاثة فتية، في أرض بابل.
اهتممت بهم، فلم تحترق شعرة من رؤوسهم، ولم تدخل رائحة النار في ثيابهم، ولم ينزعجوا. أم يرَ الناس مع الثلاثة فتية شخصًا رابعًا شبيهًا بابن الآلهة؟! (دا 3: 25).
لا تخف إذن يا حبيبي إن كنت في أتون النار، كم بالأولى إن كانت مجرد ضربة شمس وقت الظهيرة..!
إنني أرعاك وسط النار. ولست أرعى فقط وسط السوسن.
قيل عن يهوشع في سفر زكريا إنه "شعلة منتشلة من النار" (زك 3: 2). كاد يحترق وسط النار، ولكن يد الله الذي يرعى وسط النار انتشلته..
مبارك أنت يا رب، حتى الذين يقعون في النار ويشتعلون، لا تتركهم، بل ترعاهم هناك وسط النار، وتنتشلهم..!
وليس وسط النار فقط، بل أيضًا وسط الوحوش..
قال بولس الرسول "حارَبت وحوشًا في أفسس". ووسط الوحوش قال له الرب "لا تخف. لا يقع بك أحد ليؤذيك" (أع 18: 10).
إن الله يقوم بعمله الرعوي في جب الأسود أيضًا، كما قام به في أتون النار، كما كان يرعى يونان النبي حتى وهو في بطن الحوت (يون 2)!! أتسأل أين ترعى؟
إنني أرعى حيثما توجد أنت. حيث الرعية هناك الراعي.
كنت في أتون النار، في جب الأسود، في جوف الحوت، أنا معك، أرعاك، "لا أهملك ولا أتركك".
"ها أنا معكم كل الأيام، وإلى انقضاء الدهر".
في وسط البحر الهايج، السفينة تلاطمه الأمواج، وتكاد تغرق. ولكن الرب أيضا يرعى وسط الأمواج، ينتهرها، وينتهر البحر والرياح، وينقذ التلاميذ (مت 14: 24 33)..
الله كان يرعى في وسط البحر الأحمر، وفي البرية، وفي أرض السبي. أتسأل أين يرعى؟ هناك في قلبك..
إنه يبحث عنك، أكثر مما تبحث عنه. وفيما ترفع صوتك، هو يستجيب ومهما كنت مغتربًا، هو يرعاك في أرض غربتك، كما رعى يوسف في أرض مصر، ودانيال وحزقيال في أرض السبي. كل الأرض هي له..
أين ترعى؟ سؤال تسأله نفس تريد الوصول إلى الله. هل أصل إليك بالمعرفة، بالقراءة، بالصلاة، بالطقس، بالألحان، بالاجتماعات..؟
أين ترعى؟ أين تربض وقت الظهيرة؟ لقد جربت كل هذه الوسائل ولم أصل إليك! فما السبب؟
غالبا تكون قد طلبت الطريق، ولم تطلب الله الذي يوصل إليه هذا الطريق طلبت العبادة والمعرفة ولم تطلب الله!
كثير من الناس ينشغلون بالوسيلة عن الهدف! يصلون ويصومون ويرنمون ويقرأون، ولكن الله ليس في قلوبهم، وليس في أهدافهم. فاطلب الله وحده، حينئذ تجده..
يقول الرب للنفس التي تبحث عنه "إن لم تعرفي أيتها الجميلة بين النساء فاخرجي على أثار الغنم" (نش 1: 8).
تتبعي آثار الغنم التي مشت قبلك في الطريق نحوى.
القديس موسى الأسود، كان واحدًا من الغنم التي تاهت، ثم عرفت الطريق فتتبعي آثاره. كذلك أوغسطينوس وبلاجيوس، ومريم القبطية.
هناك غنيمات سارت في طريق التأمل ووصلت، وأخرى في طريق الخدمة ووصلت.. كل طريق روحي تحبينه ستجدين آثار الغنم فيه، فتتبعيها. وسير القديسين لا تنتهي..
كما سلك هؤلاء، فلنسلك نحن أيضًا..
"اخرجي على آثار الغنم، ارعي جداءك عند مساكن الرعاة".
قال لها جداءك ولم يقل خرافك، لأنها نفس خاطئة. ثم حولها إلى مساكن الرعاة، لأنه أقام قادة روحيين لشعبه..
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/gwf2nhj