† هناك أنواع كثيرة من الإيمان. منها المستوي العالي في الإيمان الذي يمكنه أن يصنع المعجزات ومثال ذلك إيمان موسي النبي الذي شق البحر الأحمر بعصاه. وكان واثقا ومؤمنا بأنه حينما يضرب البحر بالعصا سينشطر شطرين وبهذا الإيمان ضرب لنا مثلا لم يحدث من قبل.
وهناك الإيمان بأمور لا تري. مثلما نؤمن بالله وبملائكته وبسمائه ونحن لا نري.
وهناك أيضًا الإيمان القلبي، غير الإيمان النظري الذي نعرف به أمورًا عن الله -جل جلاله- من الكتب.
† هناك الإيمان النظري الذي هو مجرد إيمان عقلي. وغير ذلك الإيمان العملي الذي يتخلل الحياة كلها. والذي يكون من نتائجه الإيمان الاختباري في الحياة مع الله. إنه إيمان يرتفع عن مستوي الحواس. وفيه يشعر الإنسان انه أمام الله في كل وقت، وفي كل مكان، وعنه قال داود النبي في المزمور: رأيت الرب أمامي في كل حين، لأنه عن يميني فلا أتزعزع. وواضح من هذا انه لا يري الله بالعين المادية. فالله روح لا يري بالحواس. وقد قرأت قصة عن أن فيلسوفًا ملحدًا كان يتمشي في وسط الحقول. ورأي فلاحا ساجدا علي الأرض يصلي، ويكلم الله بكل ثقة وإيمان فوقف ذلك الفيلسوف متعجبًا من هذا الفلاح البسيط الذي يكلم كائنا لا يراه، ويسجد أمامه بكل خشوع. وقال في نفسه إنني مستعد أن أتنازل عن كل فلسفتي إن أمكنني أن احصل علي بساطة هذا الفلاح!
إن الله بالنسبة إلى المؤمنين الحقيقيين، ليس هو اله مناسبات. ولا مجرد إله يري في المواضع المقدسة. إنما هو إله كل وقت وكل مكان انه معنا باستمرار. إنه إله الحياة كلها نراه (أو نشعر) به في كل الأحداث التي تمر بنا. نؤمن بأنه هو الذي يحرك الكون ويدير دفته، نراه في كل ما مرت علينا من أحداث في الماضي، ونراه فيما نتوقع أن يعمله من اجلنا ومن اجل العالم في المستقبل.
† إن الإيمان ليس مجرد فضيلة منفردة بذاتها، بل هو يتصل بفضائل عديدة: فهو يرتبط بالسلام والهدوء والاطمئنان. كذلك فإن المؤمن إذا يؤمن بوجود الله الذي لا يراه، فهو لا يجرؤ أن يرتكب خطية أمام الله، حتى وهو وحده لا يراه احد. بل انه لا يجرؤ علي ارتكاب خطية بفكره أو بنيته، ولا خطية في قلبه إذا يستحي من الله فاحص القلوب وقارئ الأفكار. وبهذا يقوده الإيمان إلى نقاوة القلب والفكر.
† والمؤمن الحقيقي يستطيع أن يصل إلى حياة التسليم إذا يسلم حياته في يدي الله وينساها هناك. يفعل هذا وهو مطمئن لا يناقش الله فيما يفعله به. إنه لا ينشغل بالحاضر ولا بالمستقبل.
ولا تتعبه الأفكار والتكهنات. يكفي أن حياته في يد الله. وهذا يجعله مستريح البال مطمئن القلب.
† حقًا إن بساطة الإيمان تؤدي إلى السعادة والراحة. عكس ذلك الذين لا يعيشون بالإيمان.
فهم دائمو التفكير، وتتعبهم أفكارهم، وتقودهم إلى الهم وإلي القلق، وإلي البحث عن طرق وحيل بشرية تعينهم. وقد تكون طرقًا فيها العديد من الخطايا! وكل ذلك لأنهم اعتمدوا علي فكرهم البشري وحده وليس علي الإيمان بالله وعمله.
† إن الإيمان يقود إلي السلام الداخلي وإلي الفرح بالله. والمؤمن الحقيقي يري أن "كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ" ويطيعونه (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 8: 28). وبهذه الثقة في خيرية الله وصلاح عمله، يكون المؤمن في سلام داخلي، مهما كانت الأمور في ظاهرها غير ذلك! فهو يؤمن أن الله دائما يعمل معه خيرا. وإن هاجمه شر من الخارج، فالله قادر أن يحول الشر إلى خير.
والمؤمن الذي يسلم حياته لله، لا يشترط عليه شروطًا. ولا يطلب منه ضمانات، ولا يضع أمامه تحفظات!! إنما هو يسلم حياته لله، ولا يحمل بعد ذلك هما. ولا تحاربه الشكوك والأوهام وذلك لأنه مؤمن تماما بان الله لابد سيصنع معه خيرًا.
† والمؤمن الحقيقي لا يخشي العقبات ولا يعترف بالمستحيل. بل يؤمن أن الله قادر علي كل شيء ولا يعسر عليه أمر. فمادام الله يريد له الخير، وهو قادر أن يفعل ذلك، لذلك فإن المؤمن لا يضطرب ولا يحمل هما ولا يشك. وكل شيء في دائرة الإيمان سهل وممكن.
† إن الإيمان درجة اعلي من العقل بكثير. فالعقل له دائرة محدودة يعمل فيها أما الإيمان فلا حدود لعمله. بل يصل أحيانًا إلى إمكانية حدوث المعجزة، والله قادر علي ذلك. بينما العقل لا يدرك المعجزة، فهي خاصة بالإيمان وحده.
عجيب أن الإنسان أحيانًا لا يتعبه سوي عقله وطريقة تفكيره. أما الإيمان فيريحه في كل شيء... وعندما يري العقل جميع الأبواب مغلقة أمامه، فإن الإيمان يري بابا يفتحه الله باستمرار، غير تلك الأبواب التي رآها العقل مغلقة. وبالإيمان يري الله يفتح، ولا احد يغلق.. مبارك أنت يا رب في كل رعايتك وعنايتك. ونحن بالإيمان نري أبوابك المفتوحة أمامنا، التي لا يستطيع أحد أن يغلقها، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. إن المؤمن -إذا ضعف إيمانه- فإنه يحتاج حينذاك إلي أدلة وبراهين لكي تقوي إيمانه. أما المؤمن الحقيقي فهو مقتنع دائما بتدبير الله لحياته. واقتناعه مبني علي ثقة بمحبة الله له وحكمته فيما يعمله لأجله. ومادامت هذه الثقة موجودة، فلا حاجة إذن إلي البراهين التي لا يدفع إلي طلبها إلا الشك!
† إن المؤمن الحقيقي لا يؤمن فقط بوجود الله، بل يؤمن أيضا بكل صفات الله وبكل ما يخص الله ويتعلق به.. يؤمن بحكمة الله، وبمشيئته الصالحة. ويؤمن بوصايا الله وبكل وعوده لنا ويؤمن بالمعجزات وبقدرة الله علي كل شيء ويؤمن بالروح، والخلود وحياة الدهر الآتي.
يؤمن بكل ذلك عن ثقة لا تقبل الشك وليست كأمور مفروضة عليه. وتظهر نتيجة إيمانه في حياته وتصرفاته. فهو يقول بإيمان: لتكن مشيئتك يا رب. فمشيئتك هي الصالحة لنا ولخيرنا حتى إن كنت أحيانًا لا أدرك عمق حكمتك. ولكن من كل قلبي أؤمن بان كل ما تشاؤه هو خير وحكمة.
† ولهذا فإن المؤمن الحقيقي يعيش دائمًا في حياة الشكر. فحياة الإيمان لا تعرف التذمر إطلاقًا لان التذمر هو احتجاج علي مشيئة الله، حتى ولو كان احتجاجًا صامتًا. كما انه اعتداد بالفهم البشري الخاص، وفي هذا لون من الغرور.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/hq33z9q