[17] إقامة الشمامسة بوضع اليد:
احتاجت الكنيسة إلى شمامسة للخدمة، فهل تطوع البعض للخدمة وخدموا؟ أو هل تقدمت الكفاءات وخدمت؟ كلا.
بل قال الرسل "انتخبوا أيها الإخوة سبعة رجال منكم، مشهودًا لهم، مملوءين من الروح القدس والحكمة، فنقيمهم على هذه الحاجة" (أع 6: 3).
يا آباءنا الرسل، وجدنا هؤلاء المملوءين من الروح القدس والحكمة، فهل يخدمون إذن؟ كلا، بل نقيمهم نحن على هذه الحاجة..
نضع عليهم الأيادي، فيأخذون سلطانًا من الروح القدس للخدمة.
حتى هذه الدرجة، لا يأخذها أحد من نفسه، بل المدعو من الله. "فحسن هذا الأمر أمام كل الجمهور. فاختاروا استفانوس رجلًا مملوءًا من الإيمان والروح القدس.." (أع 6: 5). إنه ليس مملوءًا من الروح القدس والحكمة فقط، بل والإيمان أيضًا. وماذا بعد " وأما استفانوس فإذ كان مملوءًا إيمانًا وقوة، كان يصنع عجائب وآيات عظيمة في الشعب" (أع 6: 8)..
[18] وهنا نرى عجبًا، يرينا أهمية الكنيسة كقناة شرعية يمر بها الخدام.
أمامنا شخص مملوء من الروح القدس والحكمة، مملوء من الإيمان والقوة، يصنع عجائب وآيات عظيمة. ولكن كل هذه المؤهلات لا تكفى لأن يبدأ الخدمة من ذاته، بل ترسله الكنيسة أولًا. يمر في القنوات الشرعية التي قررها الإنجيل. توضع عليه اليد، وحينئذ يأخذ وضعه الشرعي في الكنيسة، ويأخذ سلطانًا للخدمة. (انظر المزيد عن مثل هذه الموضوعات هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وحينئذ فقط يبدأ خدمته.
إذن الأمر ليس لمن يشاء، ولا لمن يسعى..
[19] ووضع اليد، هل ناله استفانوس وباقي الشمامسة السبعة من الشعب الذي اختارهم؟ كلا، بل من الرسل، من رئاسة الكهنوت..
أقاموهم أمام الرسل. فصلوا ووضعوا عليهم الأيادي" (أع 6: 6).
هل استطاع أحد من هؤلاء المملوءين من الروح القدس والحكمة أن يقول " كلنا ملوك وكهنة "، كما يقولها حاليًا مَنْ هم أقل من أستفانوس في المواهب؟ كلا، بل في تواضع، وتسليم للحق الكتابي، أحنوا رؤوسهم جميعًا، وأخذوا وضع اليد من رئاسة الكنيسة، من الرسل الذين قالوا " نقيمهم نحن على هذه الحاجة".
نقيمهم نحن، على الرغم من امتلائهم من الروح القدس، وامتلائهم من الحكمة ومن الإيمان ومن القوة، وعلى الرغم من صنع المعجزات.
[20] إن المؤهلات شيء، وسلطان الكهنوت شيء آخر..
والمؤهلات وحدها، بدون وضع اليد لا تكفى للقيام بالخدمة.
كان استفانوس كارزًا عظيمًا بالكلمة. واستطاع أن يقف أمام كل المجامع التي حاورته في الإيمان "ولم يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم به" (أع 6: 10). ولكن هذه القدرة على عمل الكرازة لابد لها من إرسالية شرعية لكي تخدم "كيف يكرزون، إن لم يُرْسَلوا؟"! (رو 10: 15).
لا بُد نقيمهم نحن على هذه الحاجة". توضع عليهم اليد الرسولية، فينالوا سلطانًا من الكنيسة للخدمة، ولا يخدمون من تلقاء أنفسهم.
قال السيد المسيح للرسل " كما أرسلني الآب، أرسلكم أنا" (يو 20: 21)، والرسل كما أرسلهم المسيح، يرسلوا باقي الخدام، يسلمونهم نفس السلطان ونفس الروح، ويتتابع وضع اليد من جيل إلى جيل..
وهنا نسأل: هل وضع اليد اقتصر على درجة الشماسية فقط، أم على ما هو أعلى منها درجات أيضًا..
نقول إنه اتبع حتى مع رسول عظيم مثل القديس بولس الرسول.
[21] وضع اليد على القديس بولس الرسول (شاول الطرسوسى):
هذا الإناء المختار، ظهر له السيد المسيح في الطريق إلى دمشق، ودعاه بنفسه، وقال الرب عنه لحنانيا " هذا لي إناء مختار، ليحمل اسمي أمام أمم وملوك وبنى إسرائيل" (أع 9: 15).
* ولم يدعه الابن فقط، بل الآب أيضًا. وهو نفسه قال عن هذا " لما سر الله الذي أفرزني من بطن أمي، ودعاني بنعمته، أن يعلن ابنه في لأبشر به بين الأمم، للوقت لم استشر لحما ولا دمًا.." (غل 1: 15، 16)
ولم يدعه الآب والابن فقط، بل الروح القدس أيضًا (أع 13: 2)، إذن فقد دعى من الثالوث القدوس..
ولكنه لم يباشر خدمته، إلا بالمرور على القنوات الشرعية في الكنيسة، فوضعت عليه اليد، ليأخذ سلطانًا للخدمة.. ٍ
وهل نقول هذا من عندياتنا؟ كلا، بل هذا هو الحق الكتابي، وهذا هو الحق الإنجيلي، الذي أعلنه لنا الوحي الإلهي..
ما هو هذا العجب العجاب الذي يسجله لنا سفر أعمال الرسل؟
القصة هي هذه: الروح القدس دعا برنابا وشاول للخدمة، ولكنه لم يشأ مطلقًا أن يرسلهما، إلا بعد أن ينالا وضع اليد من الرسل أولًا الذين "بينما هم يخدمون الرب ويصومون، قال الروح القدس: افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه" (أع 13: 2).
يا رب مادمت قد دعوتهم، فمن نحن؟ نحن مجرد خدام الله قد دعوتنا كما دعوتهم. فما معنى عبارة "افرزوا لي"..؟! من نحن حتى نفرز لك؟ أرسلهم كما تشاء، أنت يا الله.
كلا، بل أنتم الذين تفرزوهما للخدمة، حتى لو كنت أنا الذي دعوتهما. أنتم القنوات الشرعية التي اخترتها للخدمة. أنتم وكلاء سرائر الله (1كو 4: 1). وقد فوضتكم في العمل..
لا بُد لهذين الرسولين المدعوين من روح الله القدوس،، أن يمرا على الكنيسة أولا، على الرغم من الدعوة الإلهية، ولا بد لهما من أن ينالا وضع اليد من السلطة الرسولية، من وكلاء الله..
هل كان يجرؤ شاول الطرسوسي وقتذاك، أن يقول: "كلنا ملوك وكهنة".. ومن جهة الدعوة أنا مدعو من المسيح مثلكم، وقد ظهر لي خصيصًا، وقال إنني إناء مختار له. وقد دعاني الروح القدس أيضًا، وأفرزني الله من بطن أمي..!؟
كلا، بل أحنى رأسه في تواضع، لينال وضع اليد الرسولية، هو وبرنابا، من هؤلاء الرسل الذين كانوا قبله، والذين أطاعوا الروح القدس "فصاموا حينئذ وصلوا، ووضعوا عليهما الأيادي، ثم أطلقوهما" (أع 13: 3).
فلما أرسلتهما الكنيسة بهذا الوضع، اعتبروا مرسلين من الروح القدس، إذ بعد هذا مباشرة يقول الوحي الإلهي "فهذان إذ أرسلا من الروح القدس، انحدرا إلى سلوكية.." (أع 13: 4).
إن وضع اليد الرسولية، هو للرسل كما للشمامسة..
ونلاحظ أن وضع اليد هنا كان من الرسل لا من الشعب..
و الروح القدس نفسه، لم يخاطب في ذلك الكنيسة كلها كجماعة المؤمنين.
[22] ونلاحظ أيضًا أن وضع اليد صحبته صلوات وأصوام:
إنهم لم يضعوا اليد فقط، وإنما "صاموا حينئذ وصلوا" والمقصود طبعًا صلاة طقسية "ليتورجية". ونفس الوضع هو الذي حدث في وضع اليد على الشمامسة السبعة "الذين أقاموهم أمام الرسل، فصلوا ووضعوا عليهم الأيادي" (أع 6: 6).
وكذلك حدث نفس الأمر في سيامة القسوس، إذ يقول الكتاب عن الرسولين بولس وبرنابا، لما وصلا إلى نواحي لسترة وأيقونية وإنطاكية.. "وانتخبا لهم قسوسًا في كل كنيسة.. ثم صليا بأصوام و استودعاهم الرب" (أع 14: 23). وإقامة القسوس تحتاج إلى صوم وإلى صلاة (ليتورجية طبعًا). كما نأتي نحن إلى الكنيسة صائمين، ونصلى الصلوات الخاصة بسيامة القسوس، ثم نضع اليد..
[23] ولا بد أن وضع اليد كان مصحوبًا بنطق خاص بالرتبة.
فهذا أمر بديهي. والسيد المسيح نفسه، لما أعطى الرسل الروح القدس والكهنوت في (يو 20: 20-23)، كان ذلك أيضًا مصحوبًا بنطق مقدس "كما أرسلني الآب أرسلكم أنا.. من غفرتم خطاياه غفرت له..". وهكذا لما منحهم في الكهنوت من قبل سلطان الحِل والربط (مت 16: 18) و(مت 18: 18).
[24] إن عبارة "أفرزوا لي تدل على أن عمل الكهنوت هو لمجموعة أفرزها الله لهذا العمل، وليس الجميع كهنة متساوين في عمل الكهنوت.
وهؤلاء الذين أفرزوا لهذه الخدمة، نالوا الدعوة الإلهية، والاختيار، والإرسالية، ووضع اليد الذي يمثل المسحة المقدسة.
الرسل دعاهم الرب بنفسه، وأرسلهم بنفسه، وأعطاهم السلطان بنفسه، وترك لهم تدبير أمور الكنيسة. وهم أرسلوا غيرهم كما أرسلهم الرب، وأعطوهم السلطان. لأن الكنيسة ما كان ممكنا أن تقف عند حدود العصر الرسولي وتنتهي!..! واستمرارها معناه أن جيل الرسل يسلم الكهنوت بكل ما فيه من خدمة وكرازة وسلطان ووضع يد، إلى الأجيال التي تليه، جيل يسلم جيلًا، إلى أن وصل إلى أيامنا هذه.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/2rtbz3z