هذا ما صنعته الخطيئة فينا أنه قد أغلق روح الظلمة على أنفسنا في الجسد فصارت النفس تميل إلى شهوات الجسد وتخضع له.
فبعدما كان الإنسان يتطلع إلى السماويات أحنى رأسه إلى الأرض ليفكر في الأمور الزمنية الأرضية كأنه يحيا خالدًا على الأرض إلى الأبد.
فسدت طبيعة الإنسان صار يدور حول ذاته يبحث عن الملذات التي تشبع جسده والشهوات التي تلذذ نفسه لا يكف عن أن يطلب الشهوات الجسدية من ترف ولهو وممتلكات أرضية يود لو أعطيت له الأرض كلها لا بل وكل العالم المادي وصارت له الشهوات النفسية صار محبًا للمديح ولو خفية وللكرامة الأرضية محبًا للظهور يود أن يكون موضع اهتمام الكل ولو على حساب غيرة...
هذا ما نسميه بالإنسان القديم أو العتيق الذي صار لنا بصلب المسيح في المعمودية أن يصلب هذا الإنسان وتقدم لنا خلقه جديدة قادرة أن تحيا للمسيح وبه وفيه وهذا باختصار ما يعنيه الصلب مع يسوع...
لإيضاح هذا نقول بأن الإنسان يولد في هذه الحياة وهو بعد لم يتعلم شيئًا من الناس محبًا لذاته فإذا اقترب طفل إلى أمه لتلاعبه أو ترضعه صرخ وأزعج كل من هم حوله ولا يهدأ قط حتى تعيده أمه إليه وترفض الآخر.
ينظر في عيني نفسه أن كل ما هو حوله يدور حول نفسه الأم هي له والأب ملك خاص به وكل إنسان يدخل أو يخرج هو أيضًا له وكأنه لا يوجد في الحياة أحد غيرة!
وقد اشتكى أغسطينوس نفسه لنفسه قائلًا في اعترافاته:
+ مَن ترى يمثل لي خطايا
طفولتي لأنه ليس أحدًا طاهرًا قدام عينيك ولو كان طفلًا ابن يوم واحد.
+
بالحقيقة لا يحسن بالإنسان ولو كان طفلًا أن يطلب بدموع وصراخ ما يعود عليه
بالوبال ولا أن يصرخ ويزأر على من هو أكبر منه ولو كانوا والدية ولا أن يضرب
نفسه ويضرب غيرة مظهرًا حنقه وغضبة ممن هم أولياء أمره وذلك بسبب عدم إعطائهم
له ما ليس بنافع له.
ومن ثم فإننا نرى أن براءة الطفولة هي عن ضعف أعضائهم لا من طهارة إرادتهم.
لقد شاهدت بعيني ما يؤيد قولي ذلك أنني رأيت يومًا رضيعًا أخذته الغيرة من طفل جاء يرضع معه من مرضعته وإذ لم يستطع الكلام بدأ يكمد وجهه ويصفر وبدأ يضرب بيديه... (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى).
إلهي... إن كان فساد الطبيعة يظهر في وأنا في ذلك العمر هذا وقد حبل بي بالآثام ففي أي وقت كنت لديك بارًا طاهرًا؟!
وقد اشتكى المرتل داود نفسه (قائلًا بالآثام حُبِلَ بي وبالخطايا ولدتني أمي) (مز50).
حقًا يولد الإنسان ونفسه التي هي نفخة من القدير تتوق إلى خالقها وتسعد بالخير لكن جراثيم الخطية التي تسربت إلى البشرية إي الاهتمام بـ"الأنا" تعمل فيه...
لهذا لا عجب إن رأينا كل طفل يولد يتوق تارة للخير وأخرى تظهر (الأنا) فيه ناظرًا إلى كل ما هو حوله أنه ملك له.
ويسجل لنا التاريخ طفولة باخوميوس الصبي الوثني كيف كان يكره الدخول في هياكل الأوثان أو الاشتراك في شرب خمورهم وسكرهم وهذا لا يعني انه شاذ عن غيرة إنما هذه هي الطفولة والصبوة حتى بين أولاد الوثنيين تارة يتوقون إلى خالقهم وأخرى إلى (الأنا).
هذا من ناحية الطبيعة البشرية بعدما سقط آدم في الخطية لكن البيئة المحيطة بالإنسان غالبًا ما تعمل لتأكيد الأنا وتنميتها!
فيوجد الطفل ليمجد أباه وأمه يقولان له (أنت عظيم) (وأنت تقي) (أنت ذكي) وفي تصرفات كثيرة بمقارنته بالغير يحسب نفسه فعلًا عظيمًا وتقيًا وذكيًا أفضل من غيرة فيسقط في الكبرياء وحب الكرامة وحب الاقتناء والرغبة في إشباع رغباته واشتياقاته مهما كلف الأمر ولو كان ذلك على حساب علاقته بالله أو المجتمع.
هذه هي الذات البشرية التي جاء رب المجد ليصلبها حتى لا يحيا الإنسان فيما بعد لأجل ذاته وبذاته كيف هذا؟!
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/948y5z2