"أنا نائمة وقلبي مستيقظ. صوت حبيبي قارعًا افتحي لي يا أختي حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي، لأن رأسي قد امتلأ من الطلّ وقصصي من ندى الليل. قد خلعت ثوبي فكيف ألبسه. قد غسلت رجليّ فكيف أوسخهما" (نش 5: 2-3).
"أنا نائمة وقلبي مستيقظ"... تأتي بأكثر من معنى:
ربما كان النوم هنا يعني الانصراف عن الله، والقلب المستيقظ يشير إلى الإنسان على قيد الحياة بحسب الجسد...
فمنذ البدء خلق الله الإنسان وأعطاه ناموسًا طبيعيًا (الضمير) يحضّه على فعل الخير وينهاه عن فعل الشر ويقوده لمعرفة الإله الحقيقي... لكن البشر "لما عرفوا الله لم يمجدوه ويشكروه كإله بل حمقوا في أفكارهم واظلم قلبهم الغبي. وبينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء، وأبدلوا مجد الله الذي لا يفنى بشبه صورة إنسان الذي يفنى والطيور والدواب والزحافات" (رو 1: 21-23).
الناموس المكتوب لكن الناموس كشف لهم خطاياهم وشرورهم وقبح صورتهم الروحية دون أن يكون له القوة على تخليصهم.
وفي مرحلة تالية أعطاهموأرسل الله أنبياءه، لكن كان نصيبهم القتل والرجم " يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها. كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا " (مت 27:23).
أخيرًا يأتي "كلمة الله"... "صوت حبيبي قارعًا"... يقرع باب قلب الإنسان ويقف راجيًا النفس أن تفتح له... أتى شمس البر ليُنّر الظلمة التي اخترناها لأنفسنا ولكننا فضلنا الليل على النهار الذي تُشرق فيه شمس البر... "استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضيء لك المسيح" (أف 14:5).
+ وربما كان هنا النوم فتور المحبة... في الأصحاح السابق كانت العروس "جنة مغلقة".."عين مقفلة"... "ينبوع محتوم"... تتدفق منها عواطف المحبة القوية، لكنها الآن نائمة... إنه اختبار محزن، فبعد الوليمة العظيمة إذا بالعروس تقول "أنا نائمة"... إن هذه النفس لم تقدر أن تسهر معه الليلة آلامه... لقد فترت محبتها التي يريدها الله قبل كل شيء... يقول القديس يوحنا ذهبي الفم " لا شيء أعظم من المحبة أن يساويها. ولا حتى الاستشهاد نفسه الذي هو قمة الأعمال الصالحة. فالمحبة بدون استشهاد تُصيّر تلاميذ المسيح. لكن الاستشهاد خلوًا من المحبة يعجز عن ذلك. وليس ذلك فقط، بل حتى أولئكَ الذين يستشهدون من غير محبة، فإن الاستشهاد لا يفيدهم شيئًا" [في مديح شهداء رومية 1:1] (انظر نص السفر هنا في موقع الأنبا تكلا).
وهناك عينة من ذلك في كنيسة الرسل... فهناك فارق كبير بين مؤمني أفسس الذين كتب إليهم بولس يقول "كذلك أنا أيضًا إذ قد سمعت بإيمانكم بالرب يسوع ومحبتكم نحو جميع القديسين لا أزال شاكرًا لأجلكم ذاكرًا إياكم في صلواتي" (أفسس 16،15:1). وما وجهه المسيح إلى خادم كنيسة أفسس في سفر الرؤيا "لكن عندي عليك أنك تركت محبتك الأولى. فأذكر من أين سقطت وتب واعمل الأعمال الأولى" (رؤيا 5،4:2).
جدير بالملاحظة أن العروس هنا في حالة فتور في حبه... هي لا تُرى في حالة شر ودنس ولكنها فقدت قوتها الروحية " أنا نائمة وقلبي مستيقظ". إنها في حالة قلق... هي تحن إلى المسيح لكنها لا تميل لأن تجهد نفسها من أجله... إنها في حالة البلّد والخمول الروحي التي معها تصبح الوجبات الروحية تُشكل عبئًا على كاهله.
معنى قول العروس "أنا نائمة وقلبي مستيقظ" إنها لا هي نائمة ولا هي مستيقظة... ضميرها نائم ولكن قلبها في حال يقظة. ومن ثُم لا تجد لذاتها راحة!!
* كان هذا هو موقف العروس: فماذا عن العريس؟!
إزاء تصرف العروس هل تغيرت مشاعر العريس بعد أن تغيرت مشاعرها؟
* إن محبة المسيح لعروسة لم تتغير رغم فتور محبتها " صوت حبيبي قارعًا"... إن كلماته كلها تدل على ذلك " افتحي لي يا أختي حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي " إنه ما من مرة قبل هذه خاطبها بألفاظ وألقاب مثل هذه تدل على الإعزاز.
* قوله "افتحي لي يا.." إنما يشير إلى حرية إرادة الإنسان كما يقول في سفر الرؤيا "هوذا أنا واقف على الباب وأقرع.." (رؤ 3: 20). حتى عندما تقدم إلى تلاميذه ماشيًا على البحر وسط هياج الأمواج لم يقتحم سفينتهم بل يقول يوحنا "فرضوا أن يقبلوه في السفينة" (يو 6: 20).
* إنه يدعوها "حبيبتي" نظرًا للعلاقة الخاصة. ويدعوها "حمامتي" إذ تحمل الروح القدس الذي نزل على شكل حمامة. ويدعوها "كاملتي" أي التي بلا عيب.
* إنه يتوسل إليها أن تفتح "لأن رأسي امتلأ من الطلّ وقصصي من ندى الليل"، وكأنه يتوسل إليها بما احتمله من آلام وأحزان في جثسيماني والجلجثة... لقد دخل المسيح جثسيماني ليلًا، وها هو يأتي إلى عروسه في الليل، ورأسه امتلأ من الطل وقصصه من ندى الليل...
لكن العروس قدمت اعتذارات واهية "قد خلعت ثوبي فكيف فالمسيح هو ثوب البرً الذي يسترنا "قد لبستم المسيح" (غل 3: 27)... "البسوا الرب يسوع المسيح" (رؤ 13: 14). إنه هو الذي يلبس الضال بعد عودته الحلة الأولى (لو 15: 22)... إنه الثوب الذي قال عنه زكريا النبي "قد أذهبت عنك إثمك، وألبستك ثيابًا مزخرفة" (زك 3: 4).
ألبسه. قد غسلت رجلي فكيف أوسخهما"... ما أوهَى ما تقدمه النفس من اعتذارات في وقت فتوره... لقد تشبهت بالذين قدموا أعذارًا لكي لا يحضروا العرس في مثل عرس ابن الملك (مت 22: 5)... إن كانت قد خلعت ثوبهاإن كانت قد غسلت رجليها ولا تريد أن توسخهما، فلتعلم العروس أن القارع على الباب هو سيدها الذي تمنطق وغسل الأقدام... هي غسلت رجليها جسديًا أما غسل الرب فهو من نوع آخر على نحو ما قال لبطرس حينما امتنع عن أن يغسل المعلم رجله " إن كنت لا أغسلك فليس لك معي نصيب" (يو 13: 8)... (إن غسل الأرجل رمز للتطهر مما يلحق الإنسان من خطايا طالما هو يعيش في الجسد. لأن ذرات التراب اللاصقة رمز للخطايا التي تلحق بنا دون أن نشعر).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/y56zr5k