افتحي لي قلبك من الداخل، لأني لا أريد مجرد إيمان شكلي ظاهري، ولا مجرد ممارسات خارجية، وطاعة حرفية.
إنما أريد القلب -يقول الرب- وهكذا أمرت كل واحد منكم قائلا "يا ابني أعطني قلبك" (أم 23: 26).
وهذا القلب يريد منك الله أن تفتحه بكامل إرادتك، برغبتك ومحبتك، غير مضطر ولا مضغوط عليك. يريدك أنت تريده، وليس غير. وهكذا يقف علي بابك ويقول "أنا واقف علي الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب، أدخل وأتعشى معه، وهو معي" (رؤ 3: 20).
افتحي قلبك لي. فإن انفتح القلب، ستنفتح معه الأفكار والمشاعر، بل سينفتح باب الإرادة أيضا، وينفتح باب الحياة كلها، لتحيا مع الله.
إن كلمة (أختي) ترمز إلي الجسد.
لأننا لم نصر أخوة له إلا بتجسده، حينما اتحد بطبيعتنا البشرية.
"وهكذا صار بكرا وسط أخوة كثيرين" (رو 8: 29). حتى أنه عندما أرسل مريم المجدلية لتبشير تلاميذه بالقيامة، قال لها "اذهبي وقولي لأخوتي أن يمضوا إلي الجليل، هناك يرونني" (مت 28: 10).
إنه يقول للنفس البشرية " افتحي لي يا أختي" مذكرًا إياها أنه في هذه الأخوة قد أخلى ذاته من أجل خلاصها. وصار ابنًا للإنسان، لكي يصير الإنسان ابنًا لله. وكما صار هو أخا لنا حينما شاركنا في طبيعتنا، يجب علينا أن نشابهه في مشيئته. وهكذا قال "مَنْ يفعل مشيئة أبي الذي في السموات هو أخي وأختي وأمي" (مت 12: 50).
إذن إن كانت (أختي) تشير إلي التجسد، فإلي أي شيء تشير كلمة (يا حبيبتي)؟
إن قصة الخلاص بدأت بالتجسد، ولكنها كملت في الفداء، حينما "أظهر الله محبته لنا، لأننا ونحن بعد خطاة، مات المسيح لأجلنا" (رو 5: 8). وحينما بذل المسيح حياته ليفدينا بها علي الصليب، تحقق حينئذ قوله:
"ليس حب أعظم من هذا: أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (يو 15: 13).
فكان الرب علي الصليب ذبيحة حب. وبهذا الحب حمل خطايا البشر بدلًا منهم ومحاها بدمه. فكان "مجروحا لأجل معاصينا، مسحوقا لأجل آثامنا. كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل واحد إلي طريقه. والرب وضع عليه إثم جميعنا" (أش 53: 5، 6).
فعندما يقول الرب للنفس البشرية (يا حبيبتي)، إنما يقصد حبه لها، الذي ظهر واضحا في موته عنها.
هذه النفس التي كان محكوما عليها بالموت، فافتداها ومات بدلًا منها..
وكلمة (يا حبيبتي) تذكرنا بعلاقة الحب التي ينبغي أن تربطنا بالله، الحب المتبادل الذي فيه نحب الله كما أحبنا. كما قال القديس يوحنا الحبيب " في هذا هي المحبة. ليس أننا أحببنا الله، بل أنه هو أحبنا، وأرسل ابنه كفارة لخطايانا" (1 يو 4: 10).
إذن، إن كانت قصة الخلاص قد بدأت بالتجسد الذي أشارت إليه كلمة (يا أخوتي). ثم الفداء الذي أشارت إليه عبارة (يا حبيبتي).. فإلي أي شيء تشير عبارة (يا حمامتي)؟
الحمامة تذكرنا بعمل الروح القدس، الذي ظهر في يوم عماد المخلص علي هيئة حمامة (مت 4: 16). حينما يقول الرب للكنيسة يا حمامتي، فكأنما يقول لها: أنت التي يعمل الروح القدس فيك، بعد عمادك باستسلام كامل منك (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). فأري الروح الذي فيك، وكأنك حمامة مثل التي رأيتها يوم العماد.
والحمامة هي التي بشرت نوح بالخلاص من الطوفان.
وذلك بغصن زيتون في فمها، أتت به من الأرض التي انقشعت مياه الطوفان عن أشجار. والرب حينما يقول للكنيسة (يا حمامتي) إنما يقول لها: أرى فيكِ بشرى الخلاص للأرض من طوفان العالم.
والحمامة تتميز بالبساطة كما قال: كونوا بسطاء كالحمام" (مت 10: 16).
وحينما يقول الرب للنفس البشرية (يا حمامتي)، فهو يقول لها: أري فيك البساطة التي كانت للإنسان الأول، وهو في صورته الإلهية، قبل أن يدخل في ثنائية الخير والشر. وأنا قد جئت بتجسدي لأعيد إليه الصورة الأولي في بساطتها ونقاوتها كالحمامة (يا حمامتي).
هذا النداء هو رسالة لنا لنرجع إلي البساطة الأولي، وأن نخلي ذواتنا ليظهر عمل الروح فينا، ولنتذكر باستمرار قصة الطوفان والحمامة.
فماذا إذن تعني عبارة (يا كاملتي).
هذا الخلاص الذي قام به الله بالتجسد والفداء، ونلناه بالميلاد من الماء والروح (يو 3: 5) (تي 3: 5).. يقول لنا الرسول عنه "تمموا خلاصكم بخوف ورعدة" (في 2: 12).
وكيف نتممه؟ بالسلوك بالروح، والسعي إلي الكمال، لأنه يقول:
"كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت 5: 48).
وهذه النفس، وهذه الكنيسة، التي تسعي إلي الكمال بعمل الروح فيها، هي التي يناديها الرب بعبارتي (يا حمامتي) (يا كاملتي).
ما دمت بهذه الصفات المفروضة فيك، إذن افتحي لي.
هذه هي قصة الخلاص، يتمثل فيها دور الله، واستجابة الإنسان.
و بهذا نفهم سفر النشيد في معانيه السامية الرمزية، بعيدًا عن الحرفية وعن السطحية، وعن المستوي الجسداني في التفسير.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/qr96fv9