St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   FreeCopticBooks-002-Holy-Arabic-Bible-Dictionary  >   21_KAF
 

قاموس الكتاب المقدس | دائرة المعارف الكتابية المسيحية

شرح كلمة

قداسة

 

صفة من صفات الله تعالى (خر 15: 11) وهي الخلّو من الخطيئة والطهارة التامة والكمال، والانفصال عن كل شر ونجاسة. وهي أخص صفات الله القدوس مصدر كل قداسه، وتمّيزه بنوع كلي من جميع آلهة الوثنيين وتجعله يكره المعصية ويعاقب الخاطئ. وقد خلق الله الإنسان على صورته وشبهه (تك 1: 26) أي في البر والقداسة على أن آدم فقد قداسته (رو 5: 12) وأدخل الخطيئة إلى العالم فجاز الموت إلى جميع الناس إذا أخطأ الجميع.

أما قداسة الإنسان فهي صفة يكتسبها بالتمثل بيسوع وباكتساب شيء من صفاته بشدة التصاقه به (عب 12: 10) وهي مقرونة بالبر والتبرير (رو 6: 19؛ 1 كو 1: 30) ويتقدم فيها المؤمن (2 كو 7: 1). ومع أن الله يرفق بضعفنا متذكرًا بأننا تراب (مز 103: 14) يريد قداستنا (اش 4: 3) وهو يقدسنا إذا كنا أولاده.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

أولًا - في العهد القديم:

(أ‌) قداسة الله:

ولا توجد قداسة بعيدًا عن الله أو بالانفصال عنه، فهو وحده القدوس، لا مثل له ولا نظير (خر 15: 11؛ إش 6: 3). فالقداسة ليست صفة بشرية. ولكنها إلهية تمامًا، بل هي الفكرة المحورية في العهد القديم للإيمان بالله. ويقول الله عن نفسه: "لأني الله، لا إنسان، القدوس في وسطك، فلا آتي بسخط" (هو 11: 9). وهذه العبارة العميقة تؤكد: (1) - تفرد الله وجلاله وسموه، فقد جلَّ عن المثل والنظير. (2) - اقترابه من شعبه - فهو في وسطهم - واهتمامه بشئونهم، في محبته الفائقة ونعمته الدائمة "فالقدوس" هو نفسه الإله الرحيم الحنان الذي اختار شعبه وغمرهم بمراحمه وألطافه.

وقد أعلنت قداسة الله من أقدم العصور، في ناموس موسى، بل ومن قبله. وجاء الأنبياء لكي يؤكدوا هذا الحق، فيوصف الله بأنه "القدوس" أو "قدوس إسرائيل" أربعًا وعشرين مرة في سفر إشعياء وحده (انتظر أيضًا 2مل 19: 22؛ أي 6: 10؛ مز 71: 22؛ 78: 41؛ 89: 18؛ أم 9: 10؛ 30: 3؛ إرميا 50: 29؛ 51: 5؛ حز 39: 7؛ حب 1: 12؛ 30: 3). وليس معنى "قدوس إسرائيل" أنه مختص بإسرائيل لا غير، بل معناه أنه هو الذي قدسهم لنفسه، فأصبح إسرائيل شعبًا مقدسًا لان الله قدسهم لذاته.

والقداسة ليست مجرد صفة من صفات الله، بل هي جوهر طبيعته، فهو "القداسة ذاتها، مثلما هو "المحبة، والمحبة منه" (1يو 4: 7، 8، 16). وعندما يقسم الله بقدسه (أي قداسته) فهو إنما يقسم بذاته (عا 4: 2؛ 6: 8؛ انظر أيضًا تك 22: 16؛ مز 89: 35؛ 108: 7). فهو "الإله القدوس" (إش 5: 16؛ 6: 3؛ هو 11: 9؛ حب 3: 39). والصيغة الفعلية تؤكد هذا بقوة (حز 20: 41؛ 28: 22، 25؛ 38: 16؛ 39: 27؛ انظر أيضًا عد 20: 13). فقداسة الله إنما هي تأكيد لذاته، وهي بذلك تعبر عن كل شخصيته الإلهية، "فصلاح الله" يتألق بالقداسة، فالقداسة هي الله، والله هو القداسة.

ولأنه "القدوس" فهو منقطع النظير (1صم 2: 2؛ 6: 20؛ أي 25: 5؛ إش 40: 18-20، 25، 26؛ حب 3: 3). وقداسة الله تميزه عن الملائكة (أي 4: 18؛ 15: 14، 15)، وعن الآلهة الوثنية (خر 15: 11؛ مز 77: 13)، وعن الناس (أي 4: 17؛ 15: 14؛ جا 5: 2). فهو الساكن "في نور لا يُدنى منه" (1تي 6: 16). فقداسته تحوطه "بجلال مرهب" (أي 37: 22؛ انظر أيضًا نح 9: 5؛ أي 31: 22؛ مز 8: 1؛ 29: 4... إلخ.).

والقداسة مظهر من مظاهر سيادة الله. فهو أسمى من كل الوجود، غير محدود، ولا تقيده شروط، فهو السيد المطلق لإرادته ومشاعره، بل ولغضبه وقدرته، وليس من "يقول له ماذا تفعل؟" (أي 9: 12؛ دانيال 4: 35)، وفي غير حاجة إلى تبرير أفعاله، فهو سيد أحكامه وقراراته، لذلك يجب أن "يُخاف منه" (انظر مز 130: 4). فهو "معتز في القداسة مخوف بالتسبيح (خر 15: 11)، واسمه عظيم ومهوب "قدوس هو" (مز 99: 3).

والقداسة مرادفة للقوة، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى. "فالقدوس" يسيطر على كل قوى الكون وهو يفعل هذا، لا ليحتفظ بالسيطرة الطاغية لنفسه، بل ليمنح الحياة والبركة للجنس البشري من خلال شعبه (تك 12: 1-3). وهذا التكامل بين القداسة الإلهية ومقاصد الله الحكيمة العادلة، صبغة مميزة لإعلان العهد القديم (خر 3: 7؛ إش 5: 16). وبهذا تكتسب القداسة معنى أدبيًا عميقًا باعتبارها صفة من صفات الله، تتجلى في عدالته (لا 10: 3؛ عد 20: 12، 13؛ مز 99: 3-5؛ إش 5: 16؛ حز 28: 22؛ 38: 23).

كما تتجلى قداسته في موقفه من الخطية، فقداسة الله لا تدل فقط على انفصاله عن الخطية في كمال ذاته، بل تدل أيضًا على كرهه لها ونفوره منها. وباعتباره "إله أمانة لا جور فيه" (تث 32: 4)، فعيناه أطهر من أن تنظر الشر، ولا تستطيع النظر إلى الجور" (حب 1: 13). وهو يغار على اسمه القدوس من أن يُنجس (حز 36: 20-22). فهو يدافع عن قداسته بإظهار مقته للخطية وتطهير شعبه منها (حز 36: 23-25). وفي محضر قداسة الله، يكتشف الإنسان مدى نجاسته (إش 6: 3-8).

ومن هنا جاء الارتباط بين قداسة الله ودينونته. فالله القدوس الذي يمقت الخطية، لا يسعه إلا أن يعاقبها، فهو إله لا يُسر بالشر، لا يساكنه الشرير (مز 5: 4). ومن ينتهك قداسة الله، فعليه أن ينتظر غضبه (مز 11: 5). فالله يثبت قداسته بإجراء أحكامه (إش 5: 16). ويقسم الله بقدسه بأن النساء اللواتي يظلمن المساكين لن ينجين من القصاص (عا 4: 1-3). وقد حذر يشوع الشعب من أنه لأن الله إله قدوس، فهو لا يغفر ذنوبهم وخطاياهم إذا تركوه وعبدوا الأصنام (يش 24: 19، 20). وعندما خرجت نار من عند الرب لتلتهم ناداب وأبيهو (ابني هرون)، لاستهانتهما بوصايا الرب، قال موسى لهرون: "هذا ما تكلم به الرب قائلًا: في القريبين مني أتقدس، وأمام جميع الشعب أتمجد" (لا 10: 3). وبالمثل هلك قورح وجماعته من اللاويين لأنهم ازدروا بقداسة الرب (عد 16: 30).

وستحيق مثل هذه الدينونة بالأمم كما بالأفراد، لنفس السبب. ويحدث هذا على مدى التاريخ، وفي نهاية التاريخ. "فقدوس إسرائيل" لهيب نار يحرق ويأكل حسك أشور وشوكه في يوم واحد (إش 10: 17). كما أنه سيستدعي كل أنواع الهلاك للقضاء على قوات جوج في الأيام الأخيرة. وبذلك يُظهر عظمته وقداسته (حز 38: 23).

أما أعظم تجليات قداسة الله، فتظهر في محبته، والعهد القديم يهيء الطريق للإعلان الأكمل لطبيعة الله، في العهد الجديد. وفي نبوة هوشع يتجلى مفهوم القداسة بكل روعته، في فكرة المحبة. فإن ماساة النبي نفسه تصبح مثالًا لموقف الله من نحو ارتداد الإنسان وخطيته، فاستعداد هوشع لأن يحب زوجته الخائنة ويستعيدها لنفسه، يُصور -بدرجة باهتة- محبة الله غير المحدودة لأولاده الضالين. فرغم أن التباين الشديد بين قداسة الله وفساد الإنسان يظل كما هو، إلا أن محبة الله المقدسة، تستر طبيعة الإنسان الفاسدة. فما يفعله الله - بفضل قداسته - ليحب الإنسان الساقط لا يستطيعه أي إنسان، ولذلك فإن التناقض الكبير بين الله والإنسان، يكمن في ذات المحبة التي تنتصر عليه.

 

(ب‌) قداسة شعب الله:

إن قداسة الله لا تتجلى فقط في أعماله العظيمة في الدينونة والرحمة، لكنها تنعكس على قداسة شعبه. فكان شعبه القديم "شعبًا مقدسًا للرب" (تث 7: 6؛ 14: 2، 21؛ 26: 19؛ 28: 9؛ إرميا 2: 3). "وأمة مقدسة" (خر 19:6)، وشعبًا مقدسًا" (إش 62: 12؛ 63: 18؛ دانيال 12: 7). و"زرعًا مقدسا" (عز 9: 2؛ إش 6: 13). ومجتمع "قديسين" (مز 16: 3؛ 34: 9؛ 89: 5؛ دانيال 7: 21، 27). و"مملكة كهنة" (خر 19: 6)، و"جماعة مقدسة" (عد 16: 3).

وقد أمر الرب موسى أن يعلن للشعب "تكونون قديسين. لأني أنا قدوس، الرب إلهكم" (لا 19: 2). وصيغة الكلام هنا ليست وصية بل تقرير واقع باعتبار مركزهم كشعب الله، أما بالنسبة لسلوكهم فكان أمرًا. وهذا الجانب الثنائي له أهميته بالنسبة لإعلان القداسة في العهد الجديد في تطبيقها على شعب الله. فإن قداسة إسرائيل كانت تكمن -في المكان الأول- في حقيقة أن الله أفرزهم لنفسه ليكونوا وسيلة لإتمام قصده في العالم، وعلى هذا كانوا "مقدسين" بالنسبة لمركزهم، لأنهم كانوا لله الذي دعاهم من بين الأمم ليكونوا شعبه المختار لمجده (خر 19: 4؛ حز 37: 27؛ هو 2: 23). وبفضل هذه العلاقة - التي دعمها العهد - كان يجب على شعب إسرائيل أن يُظهروا قداسة عملية، بترك الخطية، واتباع وصايا الشريعة. وكانت كل الطقوس والمطالب الشرعية والأدبية تهدف إلى هذه الغاية.

ونجد كل ذلك موجزًا في شريعة القداسة (لا 17-26)، حيث تمتزج الطقوس والوصايا الأدبية معًا، وعبارة "تكونون قديسين لأني قدوس" (لا 19: 2)، التي تتكرر كثيرًا، تصلح أن تكون شعارًا للجميع (انظر أيضًا لا 20: 7، 8، 26؛ 21: 6، 8، 15، 23). وأهم ما يميز هذه الأقوال الصيغة المشددة التي تضع القداسة أمام الشعب كعلامة جوهرية لوجودهم كشعب الرب. والشريعة الأدبية تشتمل على أمور عملية، مثل الأمانة (لا 19: 11، 36) والصدق (لا 19: 11) واحترام الوالدين (لا 19: 3؛ 20: 9) واحترام الشيوخ (لا 19: 22)، ومعاملة الأجير بالعدل (لا 19: 13)، ومحبة القريب (لا 19: 13؛ 16-18) ومعاملة الغرباء باللطف (لا 19: 33، 34) والكرم للفقير (لا 19: 10، 15)، ومساعدة المعاقين (لا 19: 14، 32)، والطهارة الجنسية (لا 18: 10-30؛ 20: 1-21). وتجنب الخرافات (لا 19: 26، 31؛ 20: 6، 27).

أما باقي شريعة القداسة، فيتعلق بنظم العبادة، ولا يمكن إهمالها باعتبارها قليلة الأهمية، فإن الطهارة الطقسية لشعب الله كانت تعبيرًا عن حبهم له. وعندما ترتبط - كما في سفر اللاويين - بالدعوة للبر الشخصي، يصبح لها دورها في "تطور النموذج الدينين المطلوب. وما شجبه الأنبياء بعد ذلك، إنما كان الصورة الطقسية الخالية من البر. فقداسة شعب الله كانت مشتقة من علاقتهم به. وكانت طقسية وأدبية في نفس الوقت، وقلما ينفصل المفهومان (انظر 2مل 4: 9). فأولهما يستلزم ثانيهما، والطهارة الطقسية لا قيمة لها بدون طهارة أدبية.

 

(ج) قداسة الأوقات والأماكن والأشياء:

وكانت هذه كلها تعتبر مقدسة لعلاقتها بالله وعبادته. فلا قداسة لها في ذاتها، ولكنها تتقدس بارتباطها به.

فالأوقات المخصصة للعبادة كانت تعتبر مقدسة. وبخاصة يوم السبت (تك 2: 3؛ خر 16: 23؛ 20: 8؛ 35: 2؛ لا 23: 3، 8؛ نح 9: 14؛ إش 58: 13، 14)، والأيام المقدسة (نح 8: 11؛ 10: 11). والأعياد (خر 12: 16؛ لا 23: 4؛ نح 8: 9، 10)، والمحافل المقدسة (لا 23: 3، 4، 7، 8، 21، 24، 35؛ عد 28: 18، 25، 26؛ 29: 7، 12).

والأماكن المقدسة هي الأماكن التي ظهر فيها الله، أو أماكن عبادته. فالسماء - باعتبارها مسكن الله - مقدسة لأنها "مسكن قدسه" (تث 26: 15؛ 2أخ 30: 27؛ مز 11: 4؛ 68: 5؛ 102: 19؛ إش 63: 15؛ إرميا 25: 30؛ يونان 2: 4، 7؛ ميخا 1: 2؛ حب 2: 20؛ زك 2: 13). وارض العليقة المشتعلة (خر 3: 5)، وجبل سيناء (خر 19: 11)، والجلجال (يش 5: 13-15)، وأماكن التابوت في أورشليم (2أخ 8: 11)، وبيت إيل وحوريب (تك 28: 17؛ 1مل 19: 8)، كل هذه كانت أماكن مقدسة. وأرض الموعد مقدسة (خر 15: 13؛ حز 4: 12، 13؛ هو 9: 3، 4؛ عا 7: 17؛ زك 2: 12). ومحلة إسرائيل مقدسة (لا 10: 4، 5؛ 13: 6؛ 16: 20-22؛ تث 23: 14). ومدينة أورشليم مقدسة (نح 11: 1، 8؛ مز 46: 2، 4؛ إش 48: 2؛ 52: 1، 2). وصهيون جبل مقدس (إش 11: 5؛ 27: 13؛ 56: 7).

كما أن خيمة الشهادة، ثم الهيكل، بكل مشتملاتهما، كانت مقدسة، بل كانت الخيمة هي "المقدس" أو "القدس" (خر 38: 24؛ لا 10: 4.. إلخ.). وكان الفناء مقدسًا (خر 40: 9؛ لا 10: 17، 18). وكان القسم الأمامي من خيمة الشهادة يسمى "القدس" (خر 26: 33؛ 28: 29)، والقسم الخلفي كان يسمى "قدس الأقداس" (خر 26: 33، 34). وكذلك كان الهيكل (1أخ 29: 3؛ مز 5: 7؛ 79: 1؛ 138: 2؛ إش 64: 11... إلخ.).

ولكن ليس معنى كل هذا أن هذه الأشياء كان لها قداسة في ذاتها، بل لصلتها بعبادة الله وقد سأل حجي النبي الكهنة: "عن حمل إنسان لحمًا مقدسًا في طرف ثوبه، ومس بطرفه خبزًا أو طبيخًا أو خمرًا أو زيتًا أو طعامًا فهل يتقدس؟ فاستطاعوا أن يجيبوه قائلين: "لا" (حجي 2: 12).

 

ثانيًا - القداسة في العهد الجديد:

(أ‌) معاني القداسة:

أكثر الكلمات المستخدمة للتعبير عن القداسة في العهد الجديد هي "أجيوس" (hagios) ومشتقاتها، وهي تعني "مقدسًا" أو "قدوسًا". وترد الكلمة في العهد الجديد نحو 230 مرة. أما الفعل منها وهو "يقدس" فيرد سبعًا وعشرين مرة. ولا تستخدم كلمة "قدوس" في العهد القديم إلا عن الله ولا تستخدم في العهد الجديد إلا عن الابن (انظر مرقس 1: 24؛ لو 1: 35؛ 4: 34؛ يو 6: 69؛ أع 2: 27؛ 3: 14؛ 13: 35؛ عب 7: 26؛ رؤ 3: 7؛ 15: 4). أما كلمة "قديس" فتستخدم عن الملائكة (1تس 3: 13؛ 2تس 1: 10). وعن كل المؤمنين لأنهم مقدسون لله (أع 9: 13، 32؛ رو 1: 7؛ 8: 27؛ 12: 13، 15، 25؛ 1كو 1: 2؛ 6: 12؛ 2كو 1: 1؛ أف 2: 19؛ 3: 9؛ في 4: 22؛ كو 1: 4، 26؛ 1تي 5: 10؛ عب 6: 10). وترد هذه الكلمة ستين مرة في العهد الجديد.

وتوصف أورشليم -كما في العهد القديم- بأنها "المدينة المقدسة" (مت 4: 5؛ 27: 53؛ رؤ 11: 2). وكذلك توصف أورشليم السماوية (رؤ 21: 2، 10؛ 22: 19). كما يقال عن الهيكل إنه "المكان أو الموضع المقدس" (مت 24: 15؛ أع 6: 13؛ 21: 28). ويوصف جبل التجلي بأنه "الجبل المقدس" (2بط 1: 18). كما نقرأ أن "الناموس مقدس والوصية مقدسة" (رو 7: 12). وأن الجسد "مقدس" لأنه هيكل الله، (1كو 3: 17؛ انظر أيضًا 1كو 6: 19). وجماعة المؤمنين "هيكل مقدس" (أف 2: 21). ويطلب الرسول بولس من المؤمنين أن يقدموا أجسادهم ذبيحة حية مقدسة" (رو 12: 1).

وفي الغالبية الساحقة من المواضع، تستخدم كلمة "قديس" أو "مقدس" وصفًا للأفراد في صلتهم بالله الذي هو وحده "القدوس" (يو 17: 11؛ 1بط 1: 15؛ رؤ 4: 1). فيوصف أنبياء العهد القديم "بأنبيائه القديسين" (لو 1: 27؛ أع 3: 21؛ 2بط 3: 2). ويوصف يوحنا المعمدان بأنه "رجل بار وقديس" (مر 6: 20). ويوصف الرسل أيضًا بـ"القديسين" (أف 3: 5). وأكثر استخداماتها هو لجميع المؤمنين الذين بالنسبة لمركزهم في المسيح، وتقديس الروح القدس (2تس 2: 13) الساكن فيهم، يُطلق عليهم "قديسين" لارتباطهم بشخصه "القدوس" فهو الذي يقدسهم (انظر يو 17: 19؛ أع 20: 23؛ 26: 18؛ رو 15: 16؛ 1كو 1: 2). فقد صار المسيح لنا "حكمة من الله وبرًا وقداسة وفداء" (1كو 1: 30). كما أن الوصية المسلمة لهم "مقدسة" (2بط 2: 21). ودعوتهم "مقدسة" (كو 3: 12؛ 2تي 1: 9). وهذا الارتباط بين الدعوة والوصية والقداسة، يتجلى بقوة في القول: "نظير القدوس الذي دعاكم، كونوا أنتم أيضًا قديسين في كل سيرة. لأنه مكتوب: كونوا قديسين لأني أنا قدوس" (1بط 1: 15، 16؛ انظر أيضًا لا 11: 44؛ 19: 2؛ 20: 7).

وقد استخدمت كلمة "أجيوس" في الترجمة السبعينية للعهد القديم لترجمة كلمة "قدس" العبرية، بمعنى الانفصال والطهارة. مما يعطي لاستخدامها في العهد الجديد طابعًا قويًا، أخلاقيًا وروحيًا. ففي تطبيقها على المؤمنين تعني أنهم قد "أفرزوا لله" وصاروا مكرسين لتسبيحه وخدمته. فقد صار المؤمنون مقدسين بعمل المسيح الكفاري على الصليب، إذ فصلهم عن العالم الحاضر الشرير، ونقلهم "إلى ملكوت ابن محبته" (كو 1: 13). وتستمر عملية تقديسهم بالروح القدس الساكن فيهم. مما يمكنهم من أن يعيشوا في بر وطهارة، وهو ما يؤكده ارتباط القداسة بالبر (مرقس 6: 20؛ أع 3: 14). و"بلا لوم" (أف 1: 4؛ كو 1: 22)، و"بلا عيب" (أف 5: 27)، فإرادة الله من جهتهم هي القداسة (1تس 4: 3)، لأنه بدون القداسة لن يرى أحد الرب (عب 12: 14). و"لأن الله لم يدعنا للنجاسة بل في القداسة" (1تس 4: 7). فأعضاء الجسد التي كانت "عبيدًا للنجاسة والإثم للإثم" يجب أن تصبح "عبيدًا للبر والقداسة" (رو 6: 19) فيكون للمؤمنين "ثمرهم للقداسة والنهاية حياة أبدية" (رو 6: 22). كما ترتبط القداسة بالتعقل" (1تي 2: 15).

ومصدر كل قداسة هو الله، والله وحده هو القدوس، وهو وحده الذي يقدر أن "يقدس بالتمام" (1تس 5: 23) في المسيح يسوع "الذي صار لنا حكمة من الله وبرًا وقداسة وفداء" (1كو 1: 30)، وذلك بعمل الروح القدس في المؤمنين (2تس 2: 13؛ 1بط 1: 2)، "فبدون هذه القداسة التي في المسيح، لن يرى أحد الرب" عند مجيئه (عب 12: 14). فهو يريدنا أن نشترك في قداسته (عب 12: 10) أي أن نصير "شركاء الطبيعة الإلهية" (2بط 1: 4). ومع أن هذا لن يتحقق بالتمام إلا في المجد، إلا أنه مما جاء في (عب 12: 10)، يبدو أن المؤمنين يمكنهم أن يشتركوا في قداسة الله، في هذه الحياة.

(ب) - قداسة الله:

نجد أن السيرافيم (إش 6) يكررون القول "قدوس" ثلاث مرات، قائلين "قدوس، قدوس، قدوس، رب الجنود مجده ملء كل الأرض" (إش 6: 3)، ونجد نفس هذا التكرار الثلاثي في رؤيا يوحنا، حيث سمع الكائنات السماوية "لا تزال نهارًا وليلًا قائلة: قدوس، قدوس، قدوس الرب الإله القادر على كل شيء" (رؤ 4: 8). وليس هذا التكرار مجرد تأكيد، بل هو إشارة ضمنية للأقانيم الثلاثة في العهد القديم، وإشارة صريحة لهم في العهد الجديد. كما يخاطب الابن الأب قائلًا: "أيها الآب القدوس" (يو 7: 11)، كما أنه هو "ابن الله القدوس" (أع 4: 30)، كما أن الأقنوم الثالث هو "الروح القدس" (يو 14: 26)، فالقداسة تنسب للأقانيم الثلاثة.

(1) - الله الآب: وإن كانت قداسة الآب لا تذكر كثيرًا في العهد الجديد. ولكن ليس ذلك تهوينًا من شأنها. فليس بين العهدين أي اختلاف أو تناقض، بل بالحري نراهما في توافق وانسجام، غير أن العهد القديم، قد أعلن بكل قوة ووضوح قداسة الله الآبن وبقي على العهد الجديد أن يركز على قداسة الابن وقداسة الروح القدس.

ومع ذلك نجد العذراء مريم تقول في أنشودتها بعد بشارة الملاك لها: "لأن القدير صنع بي عظائمه واسمه قدوس" (لو 1: 49). حيثما يذكر اسم الله الآب، تتأكد قداسته، كما في افتتاح الصلاة التي علمها الرب لتلاميذه، بالقول: "ليتقدس اسمك" (مت 6: 9؛ لو 11: 2). وفي صلاة الرب في الأصحاح السابع عشر من إنجيل يوحنا، يخاطب الله الآب، لا بالقول: "أيها الأب بل "أيها الآب القدوس" (يو 17: 11). كما يخاطبه أيضًا بالقول: "أيها الآب البار" (يو 17: 25).

(1) - الله الابن: يوصف الرب يسوع المسيح في العهد الجديد "بالقدوس". فقبل أن يولد، أعلن الملاك للعذراء مريم: "الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك، فلذلك أيضًا القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لو 1: 35). والرجل الذي كان به روح نجس في مجمع كفرناحوم، صرخ قائلًا: "أنا أعرفك من أنت: قدوس الله" (مر 1: 24؛ لو 4: 3؛ انظر أيضًا أع 2: 27؛ 3: 14؛ 4: 27، 30؛ 13: 35؛ عب 7: 26؛ 1يو 2: 20). كما سبق أن قال عنه دانيال النبي "قدوس القدوسين" (دانيال 9: 24).

وتجلت قداسة الابن في حياته. فقد أحب البر وأبغض الإثم (عب 1: 9). فكلا الجانبين، الإيجابي والسلبي. أمران جوهريان للقداسة. وهو "لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر" (1بط 2: 22). ومع أنه جُرب في كل شيء مثل سائر الناس. لكنه ظل "بلا خطية" (عب 4: 15)، وبسبب قداسة طبيعته، تغلب على الشرير، وقال إنه في كل حين كان يفعل ما يرضي الآب (يو 8: 29). وبفضل قداسته الكاملة، كفر بموته على الصليب عن "خطايا كل العالم" (1يو 1: 2). فالذي "لم يعرف خطية"، هو وحده الذي كان يمكن أن يُجعل خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه" (2كو 5: 21). فهو وحده البار الذي تألم من "أجل الأثمة لكي يقربنا لله" (1بط 3: 18)، وهو "قدوس بلا شر ولا دنس. قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات" (عب 7: 26).

(3) - الله الروح القدس: وتتأكد قداسة "الروح القدس" بوصفه في غالبية الأحيان بأنه "الروح القدس". ويذكر بهذا الوصف ثلاث مرات في العهد القديم (مز 51: 11؛ إش 63: 10، 11)، ولكنه يذكر أكثر من إحدى وتسعين مرة باسم "الروح القدس" في العهد الجديد، أما في العهد القديم فيذكر عادة باسم "الروح"، "روح ا لرب" أو "روح الله". ويذكر في العهد الجديد "بالروح" ستًا وأربعين مرة. وباسم "روح الله" ثماني عشرة مرة. و"روح الرب" أربع مرات. وهذا الإصرار الواضح على ذكره باسم "الروح القدس" تأكيد لقداسته وتفرده، فهو لا نظير له ولا مثيل (انظر مت 12: 32؛ رو 15: 16؛ 1كو 6: 19؛ أف 2: 18؛ 2تي 1: 14)، فهو يشترك في القداسة ولا تفرد مع الله الآب والله الابن.

كما يوصف بأنه "روح المسيح" (رو 8: 9؛ في 1: 19؛ 1بط 1: 11؛ انظر أيضًا غلا 4: 6).

(4) قداسة الكنيسة: وهو أمر بارز في كل أسفار العهد الجديد. والكنيسة لا ينظر إليها باعتبارها مؤسسة أو هيئة، بل باعتبارها شركة لمن هم في المسيح. ولا توجد -في كل أسفار العهد الجديد- عبارة "كنيسة مقدسة"، فلا يعتبر كل من ينتسب إليها مقدسًا، ولكن المؤمن الحقيقي، قد وُلد ثانية وأصبح ابنًا في عائلة الله وفي هذه العائلة ينمو في النعمة.

وقداسة الكنيسة في العهد الجديد تعادل قداسة شعب الله في العهد القديم، فجماعة المؤمنين بالمسيح هم شعب الله الآن (انظر غل 6: 16؛ أف 2: 12؛ عب 8: 10). فالمؤمنون بالمسيح هم "ورثة" العهد الجديد في المسيح يسوع.

ويأخذ الرسول بطرس ما جاء في سفر الخروج (خر 19: 6) عن الشعب القديم بأنهم "مملكة كهنة وأمة مقدسة"، ويطبقه على الكنيسة، ويضيف إليها لزيادة التوكيد بأن المؤمنين الآن "جنس مختار" و"شعب اقتناء" أي "شعبه الخاص" (1بط 2: 9).

وقد أكد العهد القديم على قداسة شعب الله قديمًا باعتبارهم شعب العهد (انظر خر 19: 5، 6؛ لا 19: 20؛ تث 7: 6؛ 26: 19؛ مز 89: 5). كما يؤكد العهد الجديد على قداسة المؤمنين بعمل الروح القدس على أساس دم المسيح الذي سفكه على الصليب (يو 17: 19؛ رو 15: 16؛ 1كو 1: 2؛ 6: 11؛ أف 5: 26).

وليست القداسة مجرد صفة ثانوية للكنيسة. بل بالحري هي جوهر وجودها. وتظهر أهمية ذلك في كثرة الإشارات إليها في العهد الجديد. وفكرة أهمية انفصل شعب الله البارزة في العهد القديم، نجدها بارزة أيضًا في العهد الجديد (انظر 2كو 6: 14)، بصورة إيجابية أكثر منها سلبية، بمعنى أن ينفرز المؤمن لله ليكون صالحًا لخدمته. فالكنيسة التي هي جسد المسيح. هي "كنيسة الله". والواسطة التي يتمم من خلالها عمله في العالم (1كو 12: 27؛ كو 1: 18). كما أن الكنيسة باعتبارها "مسكنًا لله في الروح" موجودة في العالم للمناداة ببشارة الفداء (أف 2: 22؛ 3: 5، 6). ولكي تؤدي هذه الرسالة عليها أن تحيا حياة القداسة، في انتظار مجيء الرب، كما يقول الرسول بطرس: "فبما أن هذه كلها تنحل، أي أناس يجب أن تكونوا أنتم في سيرة مقدسة وتقوى، منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب" (2بط 3: 11، 12). وكما يقول الرسول بولس: "منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح الذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل إثم ويطهر لنفسه شعبًا خاصًا غيورًا في أعمال حسنة" (تي 2: 13، 14). ولهذا الهدف "أحب المسيح الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها، لكي يقدسها مطهرًا إياها بغسل الماء بالكلمة. لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك، بل تكون مقدسة وبلا عيب" (أف 5: 25-27) كما يقول الرسول بولس: "لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (2كو 11: 2؛ رؤ 19: 7، 8؛ 21: 9).

(5) - قداسة المؤمنين كأفراد: كثيرًا ما يذكر العهد الجديد "القداسة" في ارتباطها بالأفراد المؤمنين، فكثيرًا ما يوصف المؤمنون بالمسيح بأنهم "قديسون" أو "مقدسون"، إذ بالإيمان بالمسيح، يبرر الله الخطاة. فيصيرون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة" (أف 1: 4). وليس معنى هذا أن الخاطئ المبرر قد أصبح كاملًا أدبيًا، ولكن الله يراه كذلك لأنه يراه في المسيح، فقد كان المؤمنون في كورنثوس جسديين فيهم "حسد وخصام وانشقاق" ويسلكون "بحسب البشر" (1كو 3: 2)، ومع ذلك يكتب لهم: "إلى كنيسة الله التي في كورنثوس المقدسين في المسيح يسوع المدعوين قديسين" (1كو 1: 2).

ولكن العهد الجديد يحض أيضًا بشدة على القداسة العملية في السلوك اليومي للمؤمن، فالله الذي في نعمته يبرر الخاطئ بالإيمان بالمسيح يسوع، يأمر المؤمن أن ينمو في قداسة الحياة، لان هذه هي إرادته من جهة المؤمنين" (1تس 4: 3؛ عب 12: 14).

وقد حث الرسول بولس المؤمنين في رومية، قائلًا: "قدموا أعضاءكم عبيدًا للبر للقداسة (رو 6: 19، 22)، لأنهم مدعوون "ليكونوا مشابهين صورة ابنه، ليكون هو بكرًا بين إخوة كثيرين" (رو 8: 29) ويحرض الرسول بولس المؤمنين في أفسس أن يلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق" (أف 4: 24). وقد وهب الله لنا "كل ما هو للحياة والتقوى بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة، اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة، لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية" (2بط 1: 3، 4).

 


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/FreeCopticBooks-002-Holy-Arabic-Bible-Dictionary/21_KAF/KAF_024.html

تقصير الرابط:
tak.la/th7f9f2