سنوات مع إيميلات الناس!
أسئلة اللاهوت والإيمان والعقيدة
الإجابة:
صاحب هذه الأبيات هو الإمام القيم ابن الجوزية السوري (ويُعْرَف أيضًا باسم أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي)، وهو من علماء الدين الإسلامي (1292-1349 م. - القرن الثامن الهجري)، وهو تلميذ "ابن تيمية" كذلك، وقد نُشِرَت في كتابٍ له بعنوان "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان". وقد بحثنا عن نسخة من الشعر بالتشكيل كذلك، حتى يتضح المعنى أكثر للباحث العزيز، وقمنا أيضًا في هذا المقال بموقع الأنبا تكلاهميانوت بترقيم الأبيات، للتسهيل خلال العرض التالي(*)..
وأولًا، وقبل كل شيء، نود أن نبدي إعجابنا بالأسلوب الشعري وجماليات الشعر الواضحة في النص من قافية مدروسة وخلافه (مع تحفظنا على بعض الأمور؛ مثل عدم التمكن الظاهر في تكرار بعض الكلمات مثل كلمات "قفاه"، و"علاه" في أكثر من بيت، مما يخالف قواعد الشعر المُتعارَف عليها التي تُعتَبَر في عُرف الشعراء أن سبب تكرار الكلمات هو ضعف من الشاعر من استخراج كلمات جديدة، وخاصة أن التكرار لم يأتي بهدف التوكيد أو غيره).. ولكن، ليس أي كلام موزون هو كلام سليم! وإلا لأصبحت الأغاني الهابطة فنًا مقبولًا مادام الكلام يتبع القواعد الشعرية!! وليس أي شيء قديم هو شيء ذو قيمة.. وبخلاف تكرار الكلمات في القصيدة، هناك تكرار للمعاني من بيت لآخر، في نقاط الصلب والقبر وغيره!
والقارئ الفطن لهذا الكتاب يرى مدى بساطة عقل كاتبه، وتحليلاته الخاطئة، وتحريفه للتاريخ والوثائق بتحليلات جديدة للأحداث، وإضفاء معاني غير سليمة عليها.. بخلاف الأخطاء العلمية المذكورة في الكتاب، فنرى في الثلث الأخير في الكتاب مثلًا حينما يتحدث عن اكتشاف الصليب، يستغرب كيف أن الخشب يعيش تحت أنقاض أكثر من 300 سنة ولا يتحلل!! في حين أن لدينا في مصر مئات الأعمال الخشبية المصرية القديمة المُكتشفة التي كانت موجودة سواء في مقابر أو تحت رمال وأنقاض، وعاشت آلاف السنين، ونراها اليوم في متاحف مصر والعالم.. إلى غير ذلك من التزييف والأخطاء للتاريخ وللواقع واستخدام الكذب أو "المعاريض" أو "التقية" حسبما يتيح إيمان الكاتب، لكي يعلي من شأن عقيدة بالكذب، ويقلل من شأن أخرى أو أخريات بنفس الأسلوب..
فنرى الشاعر وهو يتكلم عن موت الله يصور أن المسيح قد انفصل عن عالمنا بالموت مثل سائر البشر الذين بموتهم ينفصلون عن العالم وينتقلون من مكان إلى مكان. ونسي أن الله جل جلاله لا يتغير فهو الكمال المطلق في كل شيء ولا يحده مكان أو زمان وهو موجود في كل مكان وفي كل زمان. طبيعة الله لا تتغير. فالله جل جلاله لا يحده مكان أو زمان. وهنا في موقع الأنبا تكلا توجد مقالات وكتب تتحدث عن طبيعة السيد المسيح لمن يريد الاستزادة. والمُحتوى الإجمالي للقصيدة، والذي يتعرض لبعض العقائد المسيحية، ويقف أمامها البعض حائرًا.. فهذا إجابته بسيطة جدًا.. وربما تكون هي الفرق بين الإسلام والمسيحية.. ففي المسيحية "اللهَ مَحَبَّةٌ" (رسالة يوحنا الرسول الأولى 4: 8، 16)، ونصلي إلى الله دائمًا ونناديه "أَبَانَا" (إنجيل متى 6: 9؛ إنجيل لوقا 11: 2). فالعلاقة مع الله هي علاقة حب، وعلاقة أبوة، وعلاقة شخصية.. فالله ليس إلهًا بعيدًا عنّا في برج عاجي.. ولكنه داخلنا.. والمسيح بتجسده أخذ كل طبيعة الإنسان وكل معاناته، مع احتفاظه بلاهوته.. هذه الأبيات وإن كانت تطرب لها الأذن عند سماعها، إلا أن بها الكثير من الكلمات تدل على غياب الكثير من أساسيات ومفاهيم الديانة المسيحية عن ذهن كاتب الأبيات. وقبل أن نبدأ في مناقشة الأبيات لا بُدّ أن نعرض هذه المفاهيم الغائبة حتى نسهل على القارئ فهم الرد هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت. وفيما يلي أهم المواضيع التي يجب معرفتها عن المسيحية..
ما معنى أن للسيد المسيح طبيعة واحدة من طبيعتين؟ فالسيد المسيح له طبيعة بشرية محدودة × طبيعة إلهية غير محدودة..
الخلاص وعلاقته بحرية إرادة الإنسان، وهل هذا ما كان يريده الله أم لا؟
وهل سقوط آدم يعتبر سقوط للبشرية جمعاء؟، وما هي نتائج السقوط المروع للبشرية؟ والفرق بين عدل الله ورحمته.. وهل يكفي إنسان لإيفاء العدل الإلهي بحكم الموت.. إلخ. كل هذا وذاك ستجده في كتاب حتمية التجسد الإلهي لكنيسة القديسين بسيدي بشر.
نقطة أخرى هامة يعرفها المسلم مثل المسيحي، وهي أن أجرة الخطية موت (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 5: 12؛ 6: 23). ومبدأ الضحية هذا هو معروف لدى المسلمين، ويتضح من قصة افتداء إسحق (أو كما يقول القرآن بعد قرون من كتابة التوراة أنه هو إسماعيل!) عندما كان سيقوم إبراهيم بذبح ابنه تلبية لأمر الله.. وهذا هو الرمز الذي كان يرمز للفداء الذي قدَّمه المسيح على الصليب؛ فمن غير المعقول أن يُفتَدَى الإنسان بحيوان! ولا حتى بإنسان محدود مثله.. فيتضح من النقاط السابقة أن هدف التجسد هو أن يفتدي الله البشرية، ولا يستطيع إنسان أو ملاك أو نبي أن يفتدي البشرية جمعاء، لأن الأمر يحتاج شخص غير محدود، وفي نفس الوقت أن يكون شخص بلا خطية.. لهذا تجسدت كلمة الله كما يقول كتاب الله: "الْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا" (إنجيل يوحنا 1: 14)، وحتى كتاب القرآن الكريم يقول ذلك أن السيد المسيح هو: "كَلِمَتُهُ.. وَرُوحٌ مِّنْهُ" (سورة النساء 171).
وسنتناول فيما يلي النقاط الرئيسية في أبيات القصيدة، مع العلم أننا سنتجاهل المقدمات، والأسئلة المكررة سيكون لها رد واحد:-
بيت رقم 2: الإله لم يمت.. اللاهوت لا يموت.. الروح والجسد كلاهما كان متحدًا باللاهوت الذي لا يموت، وفي موت السيد المسيح على الصليب انفصل الجسد عن الروح ولكن لم ينفصل أي منهما عن اللاهوت الذي لا يموت.. فأنت بعد الموت مثلًا، لا تموت روحك.. ولكن الذي يحدث هو انفصال الجسد عن الروح.. وفي بيت 6، 7 اللاهوت لم يُدْفَن، واللاهوت لم يُسَمَّر على الصليب.. بل الجسد المتحد باللاهوت هو الذي حدث له هذه الأمور.. فالله كان موجودًا في كل مكان، وفي الوقت ذاته متحد بهذا الجسد البشري.. يقول كتاب الله: "الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 6: 16).
يتساءل الشاعر في بيت 2: "إذا مات الإله": يظهر من هذه الأبيات أن الشاعر لا يعرف شيئًا عن معنى التجسد الإلهي وطبيعة السيد المسيح وأسباب التجسد الذي أوضحناها أعلاه، بل وهناك نقاط كثيرة في جوهر المسيحية غائبة عنه أو لا يعلمها.
هذه الأبيات تدل على أن كاتبها لا يعلم شيئًا عن موت الصليب، فقوله "أماتوه" قول ناقص فالمفروض أن يقول "نفذوا إرادته في أن يموت على الصليب فداءًا عن البشرية لأن أجرة الخطيئة موت". وهذه الجملة يوجد تحتها مفاهيم كثيرة قد تغيب عن الكثير من إخوتنا غير المسيحيين. فنحن نؤمن أن الله قد رتَّب لهذا الفداء منذ سقوط أبينا آدم في الخطيئة. ونؤمن أن السيد المسيح صلب بإرادته وحده عنا. وما هؤلاء القوم الذي قال عنهم الشاعر "أماتوه" إلا منفذين للإرادة الإلهية. وليس معنى هذا أنهم أبرار بل فعلوا هذا بكامل إرادتهم الشريرة ولكن بالرغم من أن إرادتهم كانت شريرة إلا أنها كانت ضمن خطة الله لخلاص العالم. مثلما قام إخوة يوسف بإلقائه في البئر. هذا الفعل في حد ذاته كان شريرًا ولكنه كان ضمن خطة الله في حياة يوسف ليصبح سيدًا على أرض مصر. فالله لا يمنع الناس عن فعل الشر لأن الله ميز الإنسان عن سائر الخليقة بالإرادة الحرة. ولكن الله الكلي القدرة يستخدم ما يفعله الناس من شر ويحوله إلى خير للذين يحبونه. أما هؤلاء الأشرار فالله يعطيهم فرصة للتوبة ويحبهم ولكن يتركهم أيضًا لإرادتهم فمن يستجيب ويندم على خطيئته يُغْفَر له.. فما يميز الإنسان عن الحيوان هو الإرادة.. يقول السيد المسيح حول نقطة أن ما سيحدث له هو بسماح منه: "أَضَعُ نَفْسِي.. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا" (إنجيل يوحنا 10: 17، 18)، ونرى في حديث المسيح مع بيلاطس قوله: "لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ، لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ" (إنجيل يوحنا 19: 11)، "مِنْ ذلِكَ الْوَقْتِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلاَمِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيرًا مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ. فَأَخَذَهُ بُطْرُسُ إِلَيْهِ وَابْتَدَأَ يَنْتَهِرُهُ قَائِلًا: «حَاشَاكَ يَا رَبُّ! لاَ يَكُونُ لَكَ هذَا!» فَالْتَفَتَ وَقَالَ لِبُطْرُسَ: «اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي، لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ»" (إنجيل متى 16: 21-23).. وكل هذا يدل على أن ما حدث كان بإرادته (أقصد الموت على الصليب).
بيت 3 يتساءل: هل موت المسيح الذي أعطاه للبشر أرضاه؟ نعم بالطبع كما أوضحنا، فهذه كانت رغبة المسيح، فلهذا تجسد السيد المسيح ليعطي فداءً للعالمين.. وقد أرضى موته أيضًا الخاطئين الذين قتلوه قد قتلوه كنوع من التشفّي والحكم عليه بالموت لأنه كان "مُعَادِلًا نَفْسَهُ بِاللهِ" (إنجيل يوحنا 5: 18؛ رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي 2: 6). فاليهود الذين قتلوه كان في هذا رضاءً لهم، ظانين أنهم قد انتصروا بهذا.. ولكن لم يكن فائدة لهم، لأنهم لم يقبلوا الخلاص (على الأقل ليس كلهم، فقد قبل بعضهم بالفعل الخلاص مثل اللص اليمين، والجندي الذي طعن المسيح، بخلاف بعض اليهود المعاصرين).. أما الآخرين الذين قبلوا الفداء، فموت المسيح هذا كان تحقيقًا للعدل الإلهي الذي تحدثنا عنه.. وكان هذا ما يتحدث عنه أنبياء الله في العهد القديم..
والبيت الرابع مردود عليه بالتالي كنتيجة.. ولكن ليس الأمر أن "قوتهم قد أوهت قواه" كما يقول الشاعر، بل كان هذا بسماح من الله.. فهناك فرقًا بين أن تُهْزَم في أمرٍ ما، وفي أن تسلم ذاتك ولا تدافع عنها، وأنت القوي.. ومن جانب آخر، الكثير من الأخوة المسلمون لا يستوعبون هذه الفكرة، ظانين أننا عندما نقول أن الإله قد تجسد، كأنه ترك العالم كله، وانحصر في ذلك الجسد. وهذا ما لا نقوله.. فإن تَجَسُّد الله في جسد بشري، لم يَحِد وجوده في كل العالم.. أو أننا نقول -في رأيهم- أنه عندما صُلِب فإن اللاهوت قد صُلِب، وهو الذي تم تقييده على الصليب!! فبالرغم من صلب المسيح على الصليب، إلا أنه كان موجودًا في كل مكان أيضًا، لأنه الإله الذي يحده مكان.. فإن كان الله لا يستطيع التجسد، إذن يوجد شيء لا يستطيع الله فِعله، وحاشا أن يعجز الله عن فعل أي شيء.. فالله قادر على كل شيء عدا الخطية، ليس لعدم قدرة، بل لأن الله كليّ القداسة والقدرة..
ولمن يريد الاستزادة يقرأ المقال التالي: لماذا الله هو الذي يموت عن العالم؟
بيت 5: سبق الرد عليه في سؤال سابق بالموقع: عند موت المسيح (الإله) على الصليب، مَنْ كان يحكم العالم؟
بيت 6: هناك خطأ في النص، حيث يتحدث الشاعر أن عدد السموات سبعة، ولكن في المسيحية عدد السموات ثلاثة.. على أي الأحوال هذا أمر عادي، فقد أتى القرآن بعد قرون طوال بكلام كثير جديد لا علاقة له بكتاب الله ولا بكلامه..
هناك خطأ آخر في البيت السابق يوضح الجهل بطريقة دفن جسد المسيح، فهو لم يدفن في الأرض ويوضع عليه التراب.. بل وضع في قبر منحوت في الصخر، وأغلق باب القبر بحجر (إنجيل متى 27: 60).. فجسد المسيح "وُضِعَ" في القبر، ولم يدفن تحت التراب، ولا حتى باب القبر والحجر وضع عليه تراب، بدليل أنهم بعد وضعه في القبر قاموا بختم الحجر. ولكن العِبرة ليست في هذا، فالأهم هو أن جسد ليس كجسدنا الفاسد الذي يتحلَّل بموته.. فجسد المسيح لم يرَ فسادًا، ولم ينفصل عن لاهوته.. فالكتاب يقول: "لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَادًا" (سفر المزامير 16: 10؛ سفر أعمال الرسل 2: 27)، "سَبَقَ فَرَأَى وَتَكَلَّمَ عَنْ قِيَامَةِ الْمَسِيحِ، أَنَّهُ لَمْ تُتْرَكْ نَفْسُهُ فِي الْهَاوِيَةِ وَلاَ رَأَى جَسَدُهُ فَسَادًا." (سفر أعمال الرسل 2: 31).
بيت 7: التجسد الإلهي لم يحد وجود الله في ذلك الجسد.. كما يقول الكتاب: "لَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ" (إنجيل يوحنا 3: 13)، فبرغم نزوله من السماء ووجوده في جسد بشري، إلا أنه ما زال في السماء وكل العالم بلاهوته.
بيت 8 يتحدث عن "تخلي الأملاك عنه"، وإذا قرأ الشاعر الكتاب المقدس ولو لمرة واحدة، سيكون قد عبر عليه أكثر من مرة الآية القائلة: "يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ" (سفر المزامير 91: 11؛ إنجيل متى 4: 6؛ إنجيل لوقا 4: 10). وعند الربط بين الآية والحدث، نعرف أن ما حدث كان بسماح من الله، وليس بسبب تخلي السماء عنه.. هذا من جانب، ومن جانب آخر، كيف يتخيَّل الشاعر العزيز أن الملائكة هي التي تنصر الله، وكأن الله في انتظار مَنْ ينصره!! حاشا! إن كان هذا إيمان الشعر وعقيدته، فهذا لا علاقة له بالمسيحية..
وإن كان الشاعر يقصد جملة "إلهي إلهي لماذا تركتني؟"، فقد قمنا بالرد عليها سابقًا هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أحد المقالات.. اضغط على الروابط لتقرأ الرد بنفسك..
في نفس البيت يذكر الشاعر مغالطة أخرى وهي "بكاء المسيح على الصليب"، وهي لم تحدث.. هناك فرقًا بين الكلام والطلب والصراخ (أي الكلام بصوتٍ عال) وبين البكاء.. فقط أردنا توضيح الخطأ في الأبيات عما حدث بالفعل في القصة التاريخية، ولكن حتى وإن بكى المسيح على الصليب، فهذا أيضًا دليل آخر على أنه أخذ طبيعتنا البشرية الكاملة فيما عدا الخطية.
وتساؤلات الشاعر في الأبيات اللاحقة (9-10-11) حول الخشب والمسمار أو الحربة وأيدي الأعداء، كلها في صيغة استنكار لحدوث هذا للإله، وهذا بسبب عدم التفريق بين الله والله المتجسد الذي قبل أن يظهر في الجسد ويأخذ طبيعتنا ويتألم بأقصى الآلام التي يمكن أن يتعرض لها البشر، سواء كانت آلام جسدية أو آلام نفسية، مع أننا نحن الذين كنا نستحق هذه الآلام ولكنه حملها عنا لأنه أحبنا..
وهذا بسبب الربط بين اللاهوت والناسوت.. أي الله في جوهره، والجسد البشري الذي اتخذه واتحد به.. فالله يستخدم ويُسَخِّر الطبيعة لأهدافه..
في بيت 11 هناك مغالطة جديدة في قوله: "صفعوا قفاه".. هذا أيضًا لم يحدث..
بيت 12: كلمة "المحيي له رب سواه" هذه لها علاقة بالآريوسية، التي قالت بأن المسيح إله مخلوق من إله آخر أعلى شأنًا منه..
وحول قيامة السيد المسيح (سيدنا عيسى في الإسلام)، فقد أقام نفسه بنفسه.. وقد أوضح المسيح ذلك بنفسه: "فَأَجَابَ الْيَهُودُ وَقَالوُا لَهُ: «أَيَّةَ آيَةٍ تُرِينَا حَتَّى تَفْعَلَ هذَا؟» أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «انْقُضُوا هذَا الْهَيْكَلَ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ». فَقَالَ الْيَهُودُ: «فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً بُنِيَ هذَا الْهَيْكَلُ، أَفَأَنْتَ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ تُقِيمُهُ؟» وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ" (إنجيل يوحنا 2: 18-21). كل الأموات الذين حدثت لهم معجزات كانت معجزات "إقامة"، من شخص لشخص.. ولا يوجد شخص واحد استطاع أن يقيم نفسه بنفسه بعد الموت، ولا حتى لأي من أعظم أنبياء الإسلام!
بيت 13 يتعجب لبطن أو قبر احتوى الله.. وهذا كلام غير صحيح أوضحناه أعلاه هنا في موقع الأنبا تكلا بأن اللاهوت لم يُحتوى، بل الناسوت..
الأبيات 14-15-16 تتحدث عن الحبل بالمسيح، الولادة، ما بعد الميلاد، وحياته البشرية العادية.. والسيد المسيح قد "شابهنا في كل شيء فيما خلا الخطية وحدها"، "يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ" (رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 2: 17). فهذه الأحداث لم يفعلها الله بروحه، بل الإله المتجسد (بجسده البشري).
بيت 17 يتحدث عن النصارى.. وبرغم كون النصارى هم طائفة لا وجود لها الآن، أو هم المسيحيين في المعنى العام الذي يقصده المسلم (كنوع من الاشتقاق من مدينة الناصرة)، حيث أن المسيح "يُدْعَى نَاصِرِيًّا" (إنجيل متى 2: 23). على أي الأحوال، سنُسأل جميعًا في يوم الدين حسب ما يفعله الإنسان.. ولكننا لم نفتري شيئًا، فهذا هو كتاب الله، والذي سيُسأل هو مَنْ سيرفضه، أو مَنْ يدّعي بتحريف كتاب الله، وكأن الله في نظر القائل بهذا هو عاجز عن الحِفاظ على كتبه! حاشا!
بيت 18 يبدأ بقوله: "أعباد الصليب"! ولا أعرف من أين يأتي الشاعر بهذا الكلام، فلم يحدث في يوم من الأيام أن قام أحد المسيحيون بعبادة الصليب! هذا فقط مرجعه سوء فهم ليس بسبب آخر سوى عدم محاولة الفهم.. فنحن نكرم الصليب ولا نعبده.. "فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 1: 18)، "وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 6: 14).
والأبيات من 18-19-20-21-22-23-24 تتحدث عن الصليب.. تعرضنا لما فيها من نِقاط في النقطة السابقة، وللمزيد اقرأ كتاب الصليب في المسيحية: رؤية كنسيّة آبائية، وستجده في قسم الكتب القبطية هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت.
لتعرف أيضًا تقديرنا للصليب وعلاقتنا به.. اقرأ أقوال القديس الأنبا شنوده رئيس المتوحدين هنا في موقع الأنبا تكلا عن الصليب في حياة المؤمنين على سبيل المثال..
بيت 20 يذكر كلمة "كرهًا"، وهي غير سليمة كما أوضحنا سابقًا.. فهذا كان بسماح ورضى من الله، وطريقة الفداء.. ولم يُفاجأ المسيح بالقبض عليه أو بصلبه، بل سبق وتَنَبَّأ وأخبر عن هذا الأمر حرفيًا أكثر من مرة (إنجيل متى 20: 19؛ 26: 2؛ إنجيل لوقا 24: 7)..
بيت 21 فيه نقطة سليمة قالها: "ذاك المركب الملعون"، وهو صحيح حيث يتوافق مع كلام الله عز وجل: "الْمُعَلَّقَ مَلْعُونٌ مِنَ اللهِ" (سفر التثنية 21: 23)، "اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ»." (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 3: 13). فهذه اللعنة لم تأتي عرضًا أو تأتي مفاجأة، ولا هي اكتشاف من الشاعر يريد أن يجرح به إيمان الآخرين، بل هي جزء من الإيمان!
بيت 22 يعيد نقطة عبادة الصليب المذكورة في بيت 18 وقد قمنا بشرحها وتوضيح أنها سوء فهم من الشاعر أو بسبب عقيدته..
وإن كان بعض المسلمون يظنون أن المسيحيون يعبدون الله والمسيح ومريم، فقد أضاف الشاعر عبادة الصليب للقائمة الوهمية!! ونحن نعبد إله واحد فقط لا غير، وإيماننا هذا قبل مجيء الإسلام بقرون، ومن بداية تعاملات الله مع البشر.. وهو ليس ابتداع حديث!
بيت 23: كما أوضحناـ فنحن لا نعظم الصليب للسبب الموضح في البيت، بل بسبب الخلاص الناتِج عنه..
ثم يتهكم الشاعر في نهاية القصيدة بقوله: إن كنتم تعبدون الصليب فلماذا لا تعبدون القبور كذلك.. فهي فرضية خاطئة مبنية على فرضية خاطئة.. فنحن لا نعبد الصليب ولا نعبد القبور.. نحن نكرم الصليب أداة الخلاص، ونقدس مكان القبر المقدس الموجود في القدس.. بنفس القدر الذي يقدس في أخي المسلم الحجر الأسود أو الكعبة الشريفة أو مقابر أولياء الإسلام وغيره.. فالصليب هو علامة الخلاص، وليس مجرد أداة القتل.. فالمسيح بالموت داس الموت..
ليس المُعترف بالمسيح هو الذي ضد الله وقدسيته، بل الذي يرفضه.. فقد قال كتاب الله عز وجل: "قَدْ دَخَلَ إِلَى الْعَالَمِ مُضِلُّونَ كَثِيرُونَ، لاَ يَعْتَرِفُونَ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ آتِيًا فِي الْجَسَدِ. هذَا هُوَ الْمُضِلُّ، وَالضِّدُّ لِلْمَسِيحِ" (رسالة يوحنا الرسول الثانية 1: 7)، "مَنْ هُوَ الْكَذَّابُ، إِلاَّ الَّذِي يُنْكِرُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ؟ هذَا هُوَ ضِدُّ الْمَسِيحِ، الَّذِي يُنْكِرُ الآبَ وَالابْنَ." (رسالة يوحنا الرسول الأولى 2: 22)، "وَكُلُّ رُوحٍ لاَ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ، فَلَيْسَ مِنَ اللهِ. وَهذَا هُوَ رُوحُ ضِدِّ الْمَسِيحِ الَّذِي سَمِعْتُمْ أَنَّهُ يَأْتِي، وَالآنَ هُوَ فِي الْعَالَمِ." (رسالة يوحنا الرسول الأولى 4: 3).
نقطة أخيرة نوضحها، وهي: "لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَسُوعُ رَبٌّ» إِلاَّ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 12: 3). فكل شرحنا هذا، ومقالاتنا العقائدية في موقع الأنبا تكلاهيمانوت هذا وغيره مجرد شرح عام للعقائد، ولكن ينبغي على الإنسان أن يصلي إلى الله عز وجل، ويفتح قلبه وفِكره في طلب الحق.. والله لن يتركه بالتأكيد..
_____
(*) المصدر: من مقالات وأبحاث موقع الأنبا تكلاهيمانوت
www.st-takla.org (م. غ.).الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/4p4x6vw