St-Takla.org  >   pub_Bible-Interpretations  >   Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament  >   Father-Tadros-Yacoub-Malaty  >   03-Enjil-Loka
 

شرح الكتاب المقدس - العهد الجديد - القمص تادرس يعقوب ملطي
سلسلة "من تفسير وتأملات الآباء الأولين"

لوقا 3 - تفسير إنجيل لوقا

الإعلان عن الصديق السماوي

 

محتويات:

(إظهار/إخفاء)

* تأملات في كتاب لوقا:
تفسير إنجيل لوقا: مقدمة إنجيل لوقا | لوقا 1 | لوقا 2 | لوقا 3 | لوقا 4 | لوقا 5 | لوقا 6 | لوقا 7 | لوقا 8 | لوقا 9 | لوقا 10 | لوقا 11 | لوقا 12 | لوقا 13 | لوقا 14 | لوقا 15 | لوقا 16 | لوقا 17 | لوقا 18 | لوقا 19 | لوقا 20 | لوقا 21 | لوقا 22 | لوقا 23 | لوقا 24 | مراجع البحث

نص إنجيل لوقا: لوقا 1 | لوقا 2 | لوقا 3 | لوقا 4 | لوقا 5 | لوقا 6 | لوقا 7 | لوقا 8 | لوقا 9 | لوقا 10 | لوقا 11 | لوقا 12 | لوقا 13 | لوقا 14 | لوقا 15 | لوقا 16 | لوقا 17 | لوقا 18 | لوقا 19 | لوقا 20 | لوقا 21 | لوقا 22 | لوقا 23 | لوقا 24 | لوقا كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

قبل أن يحدّثنا عن عمل هذا الصديق السماوي خاصة مع الفئات المرذولة والمنبوذة حدّثنا عن طبيعة هذا الصديق، معلنًا عنها خلال السابق له "يوحنا المعمدان"، وخلال شهادة السماء نفسها "العماد"...

 

1. ظهور يوحنا المعمدان

   

1 - 6.

2. الحث على التوبة

   

7 - 14.

3. شهادة عن المسيح

   

15 - 20.

4. عماد السيِّد

   

21 - 22.

5. نسب السيِّد المسيح

   

23 - 27.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

1. ظهور يوحنا المعمدان

1 وَفِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ عَشْرَةَ مِنْ سَلْطَنَةِ طِيبَارِيُوسَ قَيْصَرَ، إِذْ كَانَ بِيلاَطُسُ الْبُنْطِيُّ وَالِيًا عَلَى الْيَهُودِيَّةِ، وَهِيرُودُسُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى الْجَلِيلِ، وَفِيلُبُّسُ أَخُوهُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى إِيطُورِيَّةَ وَكُورَةِ تَرَاخُونِيتِسَ، وَلِيسَانِيُوسُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى الأَبِلِيَّةِ، 2 فِي أَيَّامِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ حَنَّانَ وَقَيَافَا، كَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ عَلَى يُوحَنَّا بْنِ زَكَرِيَّا فِي الْبَرِّيَّةِ، 3 فَجَاءَ إِلَى جَمِيعِ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالأُرْدُنِّ يَكْرِزُ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا، 4 كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ أقْوَالِ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الْقَائِلِ: «صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ، اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً. 5 كُلُّ وَادٍ يَمْتَلِئُ، وَكُلُّ جَبَل وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ، وَتَصِيرُ الْمُعْوَجَّاتُ مُسْتَقِيمَةً، وَالشِّعَابُ طُرُقًا سَهْلَةً، 6 وَيُبْصِرُ كُلُّ بَشَرٍ خَلاَصَ اللهِ».

 

نظرًا لأهميّة الدور الذي يقوم به القدِّيس يوحنا المعمدان، حتى اهتم رجال العهد القديم بالتنبؤ عنه، يحدّثنا الإنجيلي لوقا عن تاريخ ظهوره كحقيقة واقعة تمت، وعن طبيعة عمله، وعن شهادته عن السيِّد المسيح. فمن جهة تاريخ ظهوره قال:

"وفي السنة الخامسة عشرة من سلطنة طيباريوس قيصر،

إذ كان بيلاطس بنطس واليًا على اليهودية،

St-Takla.org Image: Jan. 21. – (Luke 3: 1-17): Golden text. – Prepare ye the way of the Lord. – (Luke 3:4). - Truth. – All need to repent. - from Providence Lithograph Company Bible Illustrations صورة في موقع الأنبا تكلا: يناير 21. (لوقا 3: 1-17) - أعدوا طريق الرب. (لوقا 3: 4). - الكل محتاج للتوبة. - من صور الإنجيل من شركة بروفيدينس المطبوعة حجريًا

St-Takla.org Image: Jan. 21. – (Luke 3: 1-17): Golden text. – Prepare ye the way of the Lord. – (Luke 3:4). - Truth. – All need to repent. - from Providence Lithograph Company Bible Illustrations

صورة في موقع الأنبا تكلا: يناير 21. (لوقا 3: 1-17) - أعدوا طريق الرب. (لوقا 3: 4). - الكل محتاج للتوبة. - من صور الإنجيل من شركة بروفيدينس المطبوعة حجريًا

وهيرودس رئيس ربع على الجليل،

وفيلبس أخوه رئيس ربع على إيطوريَّة وكورة تراخونيتس،

وليسانيوس رئيس ربع على الأبليّة.

في أيام رئيس الكهنة حنان وقيافا

كانت كلمة الله على يوحنا بن زكريَّا في البرِّيَّة"[1-2].

عند البشارة بالحبل به حدَّد الوحِّي الإلهي التاريخ بإعلان اسم ملك اليهوديَّة الذي تم فيه ذلك الحدث (لو 1: 5)، أما في بداية ظهوره للعمل فأعلن اسم الإمبراطور الروماني، والوالي الروماني وثلاثة رؤساء كل منهم رئيس ربع (حيث قُسِّمت اليهوديَّة إلى أربعة أقسام) واسمي رئيس الكهنة... بين هؤلاء جميعًا من رؤساء زمنيِّين ودينيِّين لم يوجد من تأهَّل لتكون عليه كلمة الله إلا يوحنا الذي تربَّى في البرِّيَّة.

ولعلَّه ذكر هذه الأسماء ليظهر ما بلغ إليه إسرائيل من مذلَّة، فلم يعد فقط خاضعًا للإمبراطور الروماني، إنما تقسَّمت مملكة إسرائيل إلى أربعة أقسام يحكمها ولاة رومانيُّون، حتى رئيس الكهنة كان الحاكم الروماني هو الذي يقيمه! هذا الذل المرير هو أحد علامات مجيء المسيح، إذ قيل: "لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون" (تك 49: 10). وسط هذا الجو القاتم ظهر يوحنا يهيئ الطريق للسيِّد المسيح، وكما يقول القديس أمبروسيوس ظهر الصوت يهيئ الطريق للكلمة.

يعلّق القديس أمبروسيوس على كلمات الإنجيلي لوقا: "كانت كلمة الله على يوحنا بن زكريَّا في البرِّيَّة" [2]، قائلًا بأن كلمة الله، أي السيِّد المسيح، كان يعمل سرِّيًا في يوحنا وهو في البرِّيَّة قبل أن يعمل في كنيسته، التي كانت برِّيَّة مقفرة، فغرسها بأشجار مقدَّسة جاء بها من وسط الشعوب، كانت قبلًا عاقرًا فصار لها أولاد (إش 54: 1).

يمكننا أن نقول بينما كان الرومان يسيطرون على اليهود حتى في الأمور الدينيّة إذ أقال الحاكم الروماني رئيس الكهنة "حنَّان" وأقام " قيافا" عوضًا عنه كان الله يدبر لهم ما هو أعظم، لا أن يحطَّم المملكة الرومانيّة ويقيم إسرائيل من مذلَّة زمنيّة، إنما يعد يوحنا في وسط البرِّيَّة بطريقة خفيّة ليهيئ الطريق لإسرائيل كما للرومان لكي يقبلا العضويّة في جسد المسيح المقدَّس، يرتبطان معًا بالرأس الواحد على مستوى فائق، على صعيد الأبديّة التي لا تنتهي.

قد تسوَدْ الحياة في وجهك وتظن أن الشرّ قد ساد وحطَّم المؤمنين، لكن في كل زمان يعمل الله في وسط البرِّيَّة القاحلة ليقيم منها فردوسًا مقدَّسا يضم أشجارًا من كل أُمَّة وشعب ولسان!

من جهة منطقة عمله وطبيعة خدمته يقول:

"فجاء إلى جميع الكورة المحيطة بالأردن

يكرز بمعموديّة التوبة لمغفرة الخطايا"[3].

منطقة عمله "الكورة المحيطة بالأردن"، ولعلَّ كلمة "كورة" تعني منطقة مستديرة، وهي محيطة بالأردن، لأن جوهر رسالته هو "العماد"، المرتبط بالتوبة، جاء يوحنا بمعموديَّته يهيئ الطريق لمعموديّة السيِّد المسيح لا لمغفرة الخطايا فحسب، وإنما للتمتَّع بروح البنوَّة لله وحلول الروح القدس فينا، حتى ننعم بصداقة مع السيِّد على مستوى الاتِّحاد الحق وشركة أمجاده.

St-Takla.org Image: Descent of the Holy Spirit upon Christ, while John the Baptist baptizing Jesus - from the "Holman Bible", 1890 صورة في موقع الأنبا تكلا: نزول الروح القدس على السيد المسيح في المعمودية من يوحنا المعمدان - من صور "إنجيل هولمان"، 1890

St-Takla.org Image: Descent of the Holy Spirit upon Christ, while John the Baptist baptizing Jesus - from the "Holman Bible", 1890

صورة في موقع الأنبا تكلا: نزول الروح القدس على السيد المسيح في المعمودية من يوحنا المعمدان - من صور "إنجيل هولمان"، 1890

هذا العمل الذي قام به المعمدان لم يتحقَّق بطريقة عشوائيّة، لكنه جاء جزءًا من خطة الله الخلاصيّة، سبق فنظرها الأنبياء من بعيد وتحدّثوا عنها، إذ يقول الإنجيلي:

"كما هو مكتوب في سفر أقوال إشعياء النبي القائل:

صوت صارخ في البرِّيَّة،

اَعدُّوا طريق الرب،

اِصنعوا سبله مستقيمة.

كل وادٍ يمتلئ وكل جبل وأكَمَة ينخفض،

وتصير المُعوجَّات مستقيمة، والشِعاب طرقًا سهلة.

ويبصر كل بشرٍ خلاص الله"[4-6].

 

أولًا: إن كان السيِّد المسيح هو "كلمة الله"، فإن يوحنا مجرَّد الصوت الذي يعد الطريق للكلمة. إن كان السيِّد المسيح هو "الحق" عينه، فيوحنا صوت يدوي في البرية لقبول الحق خلال "السبل" أو الطرق المستقيمة. إنه ينادي للنفوس اليائسة التي تشبه الوديان المنخفضة أن تمتلئ رجاءً، والنفوس المتشامخة كالجبل أو الأكَمَة أن تتَّواضع... بهذا يتمتَّع الكل بالخلاص. ولعلَّه يقصد بالوديان "الأمم" التي حطَّمتها الوثنيّة وأفقدتها كل رجاء في الرب، بالجبل والأكَمَة "شعب إسرائيل ويهوذا" الذي تعجرف، فالدعوة موجَّهة للجميع... "يبصر كل بشر خلاص الله".

 

ثانيًا: كانت الدعوة متَّجهة إلى التوبة العمليّة والسلوك: "تصير المعوجَّات مستقيمة والشِعاب طرقًا سهلة"، دعوة لترك كل طريق معْوج أو مُلتو، فإنه لن يبصر أحد الخلاص وهو قابع في شرِّه واعوجاج حياته،

 

ثالثًا: جاءت كلمة "بشَرْ" هنا في الأصل اليوناني "جسد"، وكما يقول القديس أغسطينوس: [اعتاد الكتاب المقدَّس أن يصف الطبيعة البشريّة بقوله "كل جسد" (135).] وأيضًا: [لا يعني جسدًا بدون نفس ولا عقل، بل "كل جسد" تعني "كل إنسان(136)".]

 

رابعًا: إن دعوة يوحنا لا تزال قائمة في كل نفس، فإن أعماقنا لن تبصر خلاص الله ما لم نسمع صوت يوحنا في داخلنا يملأ قلوبنا المنسحقة بالرجاء، ويحطِّم كل عجرفة وكبرياء، ويحول مشاعرنا الداخليّة عن المعوجَّات ويجعل شِعابنا العميقة سهلة!

 

St-Takla.org Image: John the Baptist: "In those days John the Baptist came preaching in the wilderness of Judea, and saying, “Repent, for the kingdom of heaven is at hand!”" (Matthew 3: 1-2) - "John came baptizing in the wilderness and preaching a baptism of repentance for the remission of sins" (Mark 1: 4) - "And he went into all the region around the Jordan, preaching a baptism of repentance for the remission of sins" (Luke 3: 3) - "Now this is the testimony of John, when the Jews sent priests and Levites from Jerusalem to ask him, “Who are you?” He confessed, and did not deny, but confessed, “I am not the Christ.” And they asked him, “What then? Are you Elijah?” He said, “I am not.” “Are you the Prophet?” And he answered, “No.”" (John 1: 19-21) - Luke, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: يوحنا المعمدان: "وفي تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية قائلا: «توبوا، لأنه قد اقترب ملكوت السماوات" (متى 3: 1-2) - "كان يوحنا يعمد في البرية ويكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا" (مرقس 1: 4) - "فجاء إلى جميع الكورة المحيطة بالأردن يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا" (لوقا 3: 3) - "وهذه هي شهادة يوحنا، حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه: «من أنت؟» فاعترف ولم ينكر، وأقر: «إني لست أنا المسيح». فسألوه: «إذا ماذا؟ إيليا أنت؟» فقال: «لست أنا». «ألنبي أنت؟» فأجاب: «لا»" (يوحنا 1: 19-21) - صور إنجيل لوقا، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: John the Baptist: "In those days John the Baptist came preaching in the wilderness of Judea, and saying, “Repent, for the kingdom of heaven is at hand!”" (Matthew 3: 1-2) - "John came baptizing in the wilderness and preaching a baptism of repentance for the remission of sins" (Mark 1: 4) - "And he went into all the region around the Jordan, preaching a baptism of repentance for the remission of sins" (Luke 3: 3) - "Now this is the testimony of John, when the Jews sent priests and Levites from Jerusalem to ask him, “Who are you?” He confessed, and did not deny, but confessed, “I am not the Christ.” And they asked him, “What then? Are you Elijah?” He said, “I am not.” “Are you the Prophet?” And he answered, “No.”" (John 1: 19-21) - Luke, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: يوحنا المعمدان: "وفي تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية قائلا: «توبوا، لأنه قد اقترب ملكوت السماوات" (متى 3: 1-2) - "كان يوحنا يعمد في البرية ويكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا" (مرقس 1: 4) - "فجاء إلى جميع الكورة المحيطة بالأردن يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا" (لوقا 3: 3) - "وهذه هي شهادة يوحنا، حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه: «من أنت؟» فاعترف ولم ينكر، وأقر: «إني لست أنا المسيح». فسألوه: «إذا ماذا؟ إيليا أنت؟» فقال: «لست أنا». «ألنبي أنت؟» فأجاب: «لا»" (يوحنا 1: 19-21) - صور إنجيل لوقا، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

خامسًا: لما كان إنجيل لوقا موجَّها لليونان، فقد اقتبس كلمات إشعياء النبي هنا التي تفتح أبواب الرجاء لكل الأمم، إذ يقول: "ويَبصر كل بشر خلاص الله". وكما يعلِّق القديس كيرلس الكبير، قائلًا: [وكل إنسان أبصر خلاص الله الآب، لأنه أرسل ابنه فاديًا ومخلِّصًا، ولم يقتصر الأمر على قومٍ دون آخرين، فإن عبارة "كل بشَر" تُطلق على جميع شعوب العالم بأسره، فلا يراد بها شعب بني إسرائيل فحسب، بل جميع الناس في أقاصي الأرض قاطبة، لأن رحمة المخلِّص غير محدودة، فلم تخلِّص أُمَّة دون أخرى بل اِفتدى المسيح جميع الأمم، وأضاء بنوره على كل الذين في الظلمة. وهذا هو الذي قصد إليه المرنِّم: "كل الأمم الذين صنعتهم يأتون ويسجدون أمامك يا رب ويمجِّدون اسمك" (مز 86: 9)، بينما في الوقت نفسه تخْلص البقيّة الباقية من الشعب الإسرائيلي كما أعلن موسى، إذ قال: "تهلَّلوا أيها الأمم شعبه" (تث 32: 43)(137).]

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

2. الحث على التوبة

7 وَكَانَ يَقُولُ لِلْجُمُوعِ الَّذِينَ خَرَجُوا لِيَعْتَمِدُوا مِنْهُ: «يَا أَوْلاَدَ الأَفَاعِي، مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَبِ الآتِي؟ 8 فَاصْنَعُوا أَثْمَارًا تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ. ولاَ تَبْتَدِئُوا تَقُولُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ: لَنَا إِبْرَاهِيمُ أَبًا. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هذِهِ الْحِجَارَةِ أَوْلاَدًا لإِبْرَاهِيمَ. 9 وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ». 10 وَسَأَلَهُ الْجُمُوعُ قائِلِينَ: «فَمَاذَا نَفْعَلُ؟» 11 فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيُعْطِ مَنْ لَيْسَ لَهُ، وَمَنْ لَهُ طَعَامٌ فَلْيَفْعَلْ هكَذَا». 12 وَجَاءَ عَشَّارُونَ أَيْضًا لِيَعْتَمِدُوا فَقَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، مَاذَا نَفْعَلُ؟» 13 فَقَالَ لَهُمْ: «لاَ تَسْتَوْفُوا أَكْثَرَ مِمَّا فُرِضَ لَكُمْ». 14 وَسَأَلَهُ جُنْدِيُّونَ أَيْضًا قَائِلِينَ: «وَمَاذَا نَفْعَلُ نَحْنُ؟» فَقَالَ لَهُمْ: «لاَ تَظْلِمُوا أَحَدًا، وَلاَ تَشُوا بِأَحَدٍ، وَاكْتَفُوا بِعَلاَئِفِكُمْ».

 

"وكان يقول للجموع الذين خرجوا ليعتمدوا منه:

يا أولاد الأفاعي، من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي.

فاصنعوا ثمارًا تليق بالتوبة،

ولا تبتدئوا تقولون في أنفسكم لنا إبراهيم أبًا،

لأني أقول لكم أن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادًا لإبراهيم.

والآن قد وُضعت الفأس على أصل الشجر،

فكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تقطع وتلقى في النار"[7-9].

ويلاحظ في هذا النص الآتي:

 

أولًا: خروج الجموع بأعدادٍ وفيرةٍ للمعموديّة لم يكن في ذاته يُفرِّح قلب القدِّيس يوحنا المعمدان، ولا يحسبه نجاحًا للخدمة، إنما كان يلزم أن ترتبط المعموديّة بالتوبة العمليّة النابعة عن الإيمان الحق، وفي المسيحيّة يرتبط العماد بالإيمان العملي، وإن قُدِّمت للأطفال فيتعهَّد الإشْبين، وغالبًا ما يكون أحد  أو كلا الوالدين هما الإشْبينين، يتعهدان بتربية الطفل في الإيمان المسيحي العملي.

جاء في مقالات القديس كيرلس الأورشليمي لطالبي العماد: [هل دخلتَ لأن الحارس لم يمنعك... أم لأنك تجهل الزيّ اللائق بدخولك الوليمة...؟! اُخرج الآن بلياقة واُدخل غدًا وأنت أكثر اِستعدادًا(138).] [حقًا أن العريس يدعو الجميع بغير تمييز لأن نعمة الله غنيّة، وصوت الرسل يعلو صارخًا لكي يجمع الكل؛ لكن العريس نفسه يقوم بفرز من دخلوا معه في علاقة زوجيّة رمزيّة. آه! ليته لا يسمع أحد ممَّن سُجِّلت أسماءهم هذه الكلمات: يا صاحب كيف دخلت إلى هنا وليس عليك لِباس العرس(139) (مت 22: 12).]

 

St-Takla.org Image: John the Baptist: "Likewise the soldiers asked him, saying, “And what shall we do?” So he said to them, “Do not intimidate anyone or accuse falsely, and be content with your wages.”" (Luke 3: 14) - Luke, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: يوحنا المعمدان: "وسأله جنديون أيضًا قائلين: «وماذا نفعل نحن؟» فقال لهم: «لا تظلموا أحدا، ولا تشوا بأحد، واكتفوا بعلائفكم»" (لوقا 3: 14) - صور إنجيل لوقا، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: John the Baptist: "Likewise the soldiers asked him, saying, “And what shall we do?” So he said to them, “Do not intimidate anyone or accuse falsely, and be content with your wages.”" (Luke 3: 14) - Luke, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: يوحنا المعمدان: "وسأله جنديون أيضًا قائلين: «وماذا نفعل نحن؟» فقال لهم: «لا تظلموا أحدا، ولا تشوا بأحد، واكتفوا بعلائفكم»" (لوقا 3: 14) - صور إنجيل لوقا، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

ثانيًا: دعاهم "أولاد الأفاعي"، قائلًا: "يا أولاد الأفاعي، من أراكم تهربوا من الغضب الآتي؟!" [7]. وقد أخذ هذا التشبيه من واقع البيئة التي عاش فيها، إذ تكثر الأفاعي في البراري. ولعلَّه يقصد بالأفاعي هنا اِتِّسامهم بثلاث سِمات: الأولى: حب الأذيَّة للآخرين، فالأفعى سامة وقاتلة للإنسان. حب الأذى حتى للمقرَّبين فيقال أن بعض الأنواع من الأفعى تأكل الصِغار الأم. كما تزحف الأفعى على بطنها فتُمثِّل الفكر الترابي الأرضي.

* يُقصد بهذه الكلمات شرور اليهود الذين تدنَّسوا بسِموم قلوبهم الشرِّيرة، هؤلاء الذين أحبُّوا معوجَّات الأفاعي وجحورها المُختفية في باطن الأرض، عوضًا عن محبَّتهم لأسرار معرفة الله، ومع ذلك فإن الكلمات: "من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي" تشير إلى رحمة الله التي وهبتهم فرصة للتوبة عن خطاياهم، متوسِّلًا إليهم موضَّحًا لهم بأمانة كاملة الدنيويّة الرهيبة العتيدة.

يقصد يوحنا ب "أولاد الأفاعي" اليهود كجنس لا كأفراد، فقد قيل: "كونوا حكماء كالحيَّات" (مت 10: 16)، فقد وُهبت لهم الحكمة الطبيعيّة، لكنهم اِستغلُّوها لذواتهم دون التفكير في ترك خطاياهم.

القديس أمبروسيوس

* حسنًا دعاهم أولاد الأفاعي، إذ يُقال أن ذلك الحيوان عند ولادته تأكل الصغار بطن أُمِّها وتُهلكها فيخرجون إلى النور، هكذا يفعل هذا النوع من الناس، إذ هم قتلة آباء وقتلة أُمَّهات (1 تي 1: 9) يبيدون معلِّميهم بأيديهم(140).

القديس يوحنا ذهبي الفم

 

ثالثًا: يسألهم ألا يتَّكلوا على نسبهم الجسدي لإبراهيم: "لا تبتدئوا تقولون في أنفسكم لنا إبراهيم أبًا"، إنما يليق بهم أن يحملوا البنوَّة لإبراهيم خلال السلوك العملي فكأبناء حقيقيِّين يتمثِلون بإيمانه كما بسلوكه، وإلا فإن الله قادر أن يُقيم من الحجارة أولادًا لإبراهيم، وقد أقام بالفعل، ويبقى على الدوام يقيم من الحجارة أولادًا لإبراهيم، أقام في العهد القديم من أحشاء سارة العاقر والتي تشبه الحجر إسحق ونسله غير المُحصى أولادًا لإبراهيم، ولا يزال يُقيم من القلوب المتحجِّرة قلوبًا مؤمنة تحمل البنوَّة لإبراهيم أب المؤمنين.

* أنذرهم أن يتأيَّدوا لا بنُبل جنسهم بل ببريق أعمالهم، فالمولد لا يُعطي أي اِمتياز ما لم يزكِّيه ميراث الإيمان.

* كان الله يستعد لتليين قسوة قلوبنا ليصنع من هذه الحجارة شعبًا مؤمنًا.

القديس أمبروسيوس

* ما فائدة الحسب والنسب إذا كان الأبناء لا يسيرون في طريق الشرف والنبل كما يسير أجدادهم وأسلافهم؟! لذلك يقول المخلِّص: "لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم" (لو 8: 39)، يريد الله أن تكون القرابة مؤسَّسة على الأخلاق والأعمال، لأنه من العبث أن تفتخر بالوالدين الصالحين المقدَّسين، وأنت قاصر عن بلوغ شأنهم في الصلاح والفضيلة.

* يطلق يوحنا المعمدان المغبوط لفظة الحجارة على الأمم، لأنهم لم يعرفوا المسيح الذي بطبيعته إله، فجنحوا عن عبادة الله وسجدوا للخليقة لا الخالق، ولكن المسيح دعاهم فلبُّوا دعوته، وأصبحوا أبناء لإبراهيم، واعترفوا بإيمانهم بيسوع بأُلوهيّة المخلِّص يسوع المسيح(141).

القديس كيرلس الكبير

St-Takla.org Image: From Bible Verse Ezekiel 11: "I will give them one heart, and I will put a new spirit within them, and take the stony heart out of their flesh, and give them a heart of flesh" صورة من وحي سفر حزقيال 11: "وَأُعْطِيهِمْ قَلْبًا وَاحِدًا، وَأَجْعَلُ فِي دَاخِلِكُمْ رُوحًا جَدِيدًا، وَأَنْزِعُ قَلْبَ الْحَجَرِ مِنْ لَحْمِهِمْ وَأُعْطِيهِمْ قَلْبَ لَحْمٍ،" (سفر حزقيال 11: 19)

St-Takla.org Image: From Bible Verse Ezekiel 11: "I will give them one heart, and I will put a new spirit within them, and take the stony heart out of their flesh, and give them a heart of flesh"

صورة من وحي سفر حزقيال 11: "وَأُعْطِيهِمْ قَلْبًا وَاحِدًا، وَأَجْعَلُ فِي دَاخِلِكُمْ رُوحًا جَدِيدًا، وَأَنْزِعُ قَلْبَ الْحَجَرِ مِنْ لَحْمِهِمْ وَأُعْطِيهِمْ قَلْبَ لَحْمٍ،" (سفر حزقيال 11: 19)

* يستطيع الله أن يجعل من الحجارة أولادًا لإبراهيم؛ يشير هنا إلى الأمم، إذ هم حجارة بسبب قسوة قلوبهم، لنقرأ: "وأنزع قلب الحجر عن لحمك وأعطيكم قلب لحم" (خر 36: 26)، فالحجر صورة القسوة، واللحم رمز اللطف. لقد أراد أن يظهر قوّة الله القادر أن يخلق من الحجارة الجامدة شعبًا مؤمنًا(142).

القدِّيس يروم

 

رابعًا: يستخدم أسلوب التهديد بالعقوبة: "والآن قد وُضعت الفأس على أصل الشجر، فكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تُقطع وتُلقي في النار" [9].

* لنتمثل بالأشجار المثمرة، فتنمو فضائلنا تسندها جذور التواِضع المستمر، ولنرتفع عن الأرضيَّات ونحمل في القمَّة أعمال التوبة المثمرة، فلا يأتي فأس المزارع ليقطع الغصن البرِّي (غير المُثمر)، إذ "ويل لي إن كنتُ لا أبشِّر" (1كو 5: 6)، هذا ما نطق به الرسول، أما أنا فأقول: ويلٌ لي إن كنت لا أبكي على خطاياي؛ ويلٌ لي إن كنت لا "أقوم في نصف الليل لأشكرك على أحكام عدلك" (مز118: 12)؛ ويلٌ لي إن وشيْت بقريبي؛ ويلٌ لي إن كنت لا أنطق بالحق.

هوذا الفأس على أصل الشجرة، فليْتها تنمو وتقدِّم ثمر الشكر وثمرة التوبة.

هوذا الرب يقف يجني الثمار ويَهب الحياة عِوض الثمر، ويكتشف الشجرة التي لم تثمر ولها ثلاث سنوات (لو 13: 7). إنه لم يجد ثمرًا لليهود، لعلَّه يجد فينا ثمرًا، إذ هو مزمع أن يقطع من لا ثمار لهم حتى لا يشغلوا الأرض باطلًا.

ليجاهد من هم بلا ثمر أن يكون لهم في المستقبل ثمر، فإن زارع الأرض الطيِّب يشفع فينا نحن الذين بلا ثمر وبلا نفع لكي تُترك لنا فرصة، ويطيل الله أناته علينا لعلَّنا نقدر أن نقدِّم بعضًا من الثمار.

القديس أمبروسيوس

* وتشير الفأس إلى سخط الله وغضبه من جراء تعدِّي اليهود على المسيح وعظَم جرمهم ضد السيِّد، فيقول زكريَّا في هذا الصدد: "في ذلك اليوم يعظم النوح في أورشليم كنوح هدد رمون..." (زكريَّا 12: 11) ويخاطب إرميا أورشليم أيضًا فيقول: "زيتونة خضراء ذات ثمر جميل الصورة دعا الرب اسمك، بصوت ضجَّة عظيمة أوقد نارًا عليها فانكسرت أغصانها ورب الجنود غارِسك قد تكلَّم شرًا" (إر 11: 16)، ويمكنكم فوق ذلك أن تضيفوا إلى هذا القول مثَل التينة في الأناجيل المقدَّسة، لأنه لمَّا كانت شجرة التينة غير مثمرة فإن الله شاء فجفَّت جذورها،

ولاحظوا أن المعمدان لا يقول "إن الفأس" وُضعت في "داخل" أصل الشجرة بل على أصل الجذور، ويراد بذلك أن الأغصان ذبُلت وهوَت، أما النبات فلم يُستأصل من جذوره، لأنه توجد بقيّة من شعب إسرائيل تابت إلى الله فخلُصت ولم تهلك هلاكًا أبديًا(143).

القديس كيرلس الكبير

ما هي هذه الفأس التي توضع على أصل الشجرة لتقطعها وتُلقيها في النار إلاّ كما يقول القدِّيس يروم(144) "السيف ذي الحدِّين"، كلمة الله التي تقطع كل ما هو غير مُثمر فينا، كلمة الله قويَّة وفعّالة قادرة أن تحطِّم فينا كل عُقْم لتُقيم فينا بالدم الطاهر ثمارًا حيَّة.

 

خامسًا: إذ هدَّد بقطع الشجرة التي بلا ثمر من جذورها والإلقاء بها في النار، أوضح أن الثمر هو "الحب العملي" أو الرحمة، إذ يقول:

"وسأله الجموع قائلين: فماذا نفعل؟

فأجاب وقال لهم: من له ثوبان فليُعطِ من ليس له،

ومن له طعام فليُفعل هكذا"[10-11].

St-Takla.org Image: John the Baptist: "So the people asked him, saying, “What shall we do then?” He answered and said to them, “He who has two tunics, let him give to him who has none; and he who has food, let him do likewise.” Then tax collectors also came to be baptized, and said to him, “Teacher, what shall we do?” And he said to them, “Collect no more than what is appointed for you.” Likewise the soldiers asked him, saying, “And what shall we do?” So he said to them, “Do not intimidate anyone or accuse falsely, and be content with your wages.” Now as the people were in expectation, and all reasoned in their hearts about John, whether he was the Christ or not, John answered, saying to all, “I indeed baptize you with water; but One mightier than I is coming, whose sandal strap I am not worthy to loose. He will baptize you with the Holy Spirit and fire. His winnowing fan is in His hand, and He will thoroughly clean out His threshing floor, and gather the wheat into His barn; but the chaff He will burn with unquenchable fire.” And with many other exhortations he preached to the people" (Luke 3: 10-18) - "Then they said to him, “Who are you, that we may give an answer to those who sent us? What do you say about yourself?” He said: “I am ‘The voice of one crying in the wilderness: “Make straight the way of the Lord,” ’as the prophet Isaiah said.” Now those who were sent were from the Pharisees. And they asked him, saying, “Why then do you baptize if you are not the Christ, nor Elijah, nor the Prophet?” John answered them, saying, “I baptize with water, but there stands One among you whom you do not know. It is He who, coming after me, is preferred before me, whose sandal strap I am not worthy to loose.”" (John 1: 22-27) - Luke, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: يوحنا المعمدان: "وسأله الجموع قائلين: «فماذا نفعل؟» فأجاب وقال لهم: «من له ثوبان فليعط من ليس له، ومن له طعام فليفعل هكذا». وجاء عشارون أيضًا ليعتمدوا فقالوا له: «يا معلم، ماذا نفعل؟» فقال لهم: «لا تستوفوا أكثر مما فرض لكم». وسأله جنديون أيضًا قائلين: «وماذا نفعل نحن؟» فقال لهم: «لا تظلموا أحدا، ولا تشوا بأحد، واكتفوا بعلائفكم». وإذ كان الشعب ينتظر، والجميع يفكرون في قلوبهم عن يوحنا لعله المسيح، أجاب يوحنا الجميع قائلا: «أنا أعمدكم بماء، ولكن يأتي من هو أقوى مني، الذي لست أهلا أن أحل سيور حذائه. هو سيعمدكم بالروح القدس ونار. الذي رفشه في يده، وسينقي بيدره، ويجمع القمح إلى مخزنه، وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ». وبأشياء أخر كثيرة كان يعظ الشعب ويبشرهم" (لوقا 3: 10-18) - "فقالوا له: «من أنت، لنعطي جوابا للذين أرسلونا؟ ماذا تقول عن نفسك؟» قال: «أنا صوت صارخ في البرية: قوموا طريق الرب، كما قال إشعياء النبي». وكان المرسلون من الفريسيين، فسألوه وقالوا له: «فما بالك تعمد إن كنت لست المسيح، ولا إيليا، ولا النبي؟» أجابهم يوحنا قائلا: «أنا أعمد بماء، ولكن في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه. هو الذي يأتي بعدي، الذي صار قدامي، الذي لست بمستحق أن أحل سيور حذائه»" (يوحنا 1: 22-27) - صور إنجيل لوقا، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: John the Baptist: "So the people asked him, saying, “What shall we do then?” He answered and said to them, “He who has two tunics, let him give to him who has none; and he who has food, let him do likewise.” Then tax collectors also came to be baptized, and said to him, “Teacher, what shall we do?” And he said to them, “Collect no more than what is appointed for you.” Likewise the soldiers asked him, saying, “And what shall we do?” So he said to them, “Do not intimidate anyone or accuse falsely, and be content with your wages.” Now as the people were in expectation, and all reasoned in their hearts about John, whether he was the Christ or not, John answered, saying to all, “I indeed baptize you with water; but One mightier than I is coming, whose sandal strap I am not worthy to loose. He will baptize you with the Holy Spirit and fire. His winnowing fan is in His hand, and He will thoroughly clean out His threshing floor, and gather the wheat into His barn; but the chaff He will burn with unquenchable fire.” And with many other exhortations he preached to the people" (Luke 3: 10-18) - "Then they said to him, “Who are you, that we may give an answer to those who sent us? What do you say about yourself?” He said: “I am ‘The voice of one crying in the wilderness: “Make straight the way of the Lord,” ’as the prophet Isaiah said.” Now those who were sent were from the Pharisees. And they asked him, saying, “Why then do you baptize if you are not the Christ, nor Elijah, nor the Prophet?” John answered them, saying, “I baptize with water, but there stands One among you whom you do not know. It is He who, coming after me, is preferred before me, whose sandal strap I am not worthy to loose.”" (John 1: 22-27) - Luke, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: يوحنا المعمدان: "وسأله الجموع قائلين: «فماذا نفعل؟» فأجاب وقال لهم: «من له ثوبان فليعط من ليس له، ومن له طعام فليفعل هكذا». وجاء عشارون أيضًا ليعتمدوا فقالوا له: «يا معلم، ماذا نفعل؟» فقال لهم: «لا تستوفوا أكثر مما فرض لكم». وسأله جنديون أيضًا قائلين: «وماذا نفعل نحن؟» فقال لهم: «لا تظلموا أحدا، ولا تشوا بأحد، واكتفوا بعلائفكم». وإذ كان الشعب ينتظر، والجميع يفكرون في قلوبهم عن يوحنا لعله المسيح، أجاب يوحنا الجميع قائلا: «أنا أعمدكم بماء، ولكن يأتي من هو أقوى مني، الذي لست أهلا أن أحل سيور حذائه. هو سيعمدكم بالروح القدس ونار. الذي رفشه في يده، وسينقي بيدره، ويجمع القمح إلى مخزنه، وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ». وبأشياء أخر كثيرة كان يعظ الشعب ويبشرهم" (لوقا 3: 10-18) - "فقالوا له: «من أنت، لنعطي جوابا للذين أرسلونا؟ ماذا تقول عن نفسك؟» قال: «أنا صوت صارخ في البرية: قوموا طريق الرب، كما قال إشعياء النبي». وكان المرسلون من الفريسيين، فسألوه وقالوا له: «فما بالك تعمد إن كنت لست المسيح، ولا إيليا، ولا النبي؟» أجابهم يوحنا قائلا: «أنا أعمد بماء، ولكن في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه. هو الذي يأتي بعدي، الذي صار قدامي، الذي لست بمستحق أن أحل سيور حذائه»" (يوحنا 1: 22-27) - صور إنجيل لوقا، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

لقد سأله عشَّارون وجند أيضًا، وكانت وصيَّته لهم تتركَّز في الرحمة والحب العملي، إذ طلب من العشَّارين لا أن يتركوا عملهم، بل في أمانة لا يستغلُّوا مركزهم، فيجمعوا ضرائب أكثر ممَّا يجب لحسابهم الخاص، كما لم يطلب من الجند أن يتركوا عملهم، بل لا يستغلُّوا وظيفتهم فيظلموا الآخرين، أو يَشُوا بأحدٍ، إنما يكتفون بالعمل بأمانة، ولا يطلبوا سِوى أجرتهم (اِكتفوا بعلائفكم).

* أجاب يوحنا المعمدان إجابة واحدة تناسب كل عمل بشري... الرحمة هي فضيلة عامة، والمبدأ الأساسي الذي يجب أن يُعمل به في كل مكان ويمارسه كل سن، فلا يستثني منه الفرِّيسي ولا الجندي ولا الفلاح... لا الغني ولا الفقير، إذ الجميع مدعوُّون أن يُعطوا من ليس معهم، لأن الرحمة هي كمال الفضائل.

القديس أمبروسيوس

* حقًا لم يمنعهم من الخدمة كجنودٍ عندما أمرهم أن يكتفوا بأجورهم حسب الخدمة(145).

القديس أغسطينوس

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

3. شهادته عن المسيح

15 وَإِذْ كَانَ الشَّعْبُ يَنْتَظِرُ، وَالْجَمِيعُ يُفَكِّرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ عَنْ يُوحَنَّا لَعَلَّهُ الْمَسِيحُ، 16 أَجَابَ يُوحَنَّا الْجَمِيعَ قِائِلًا: «أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ، وَلكِنْ يَأْتِي مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلًا أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ. 17 الَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ، وَيَجْمَعُ الْقَمْحَ إِلَى مَخْزَنِهِ، وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ». 18 وَبِأَشْيَاءَ أُخَرَ كَثِيرَةٍ كَانَ يَعِظُ الشَّعْبَ وَيُبَشِّرُهُمْ. 19 أَمَّا هِيرُودُسُ رَئِيسُ الرُّبْعِ فَإِذْ تَوَبَّخَ مِنْهُ لِسَبَبِ هِيرُودِيَّا امْرَأَةِ فِيلُبُّسَ أَخِيهِ، وَلِسَبَبِ جَمِيعِ الشُّرُورِ الَّتِي كَانَ هِيرُودُسُ يَفْعَلُهَا، 20 زَادَ هذَا أَيْضًا عَلَى الْجَمِيعِ أَنَّهُ حَبَسَ يُوحَنَّا فِي السِّجْنِ.

 

كان الشعب اليهودي غريبًا، فبينما نجده قد رفض السيِّد المسيح، ولم يكن قادرًا على قبوله مخلِّصًا وفاديًا نراه يظن في يوحنا أنه "المسيح"، إذ يقول الإنجيلي: "وإذ كان الشعب ينتظر، والجميع يفكِّرون في قلوبهم عن يوحنا لعلَّه المسيح..." [15] ولعل السبب في ذلك ما رأوه في يوحنا من تقشُّف شديد في أكلِه وشُربه وملبسه وحزمه في تبكيته الخطاة، فظنَّوه أنه قادر أن يخلِّصهم من الرومان متى قام بدور قيادي حاسم.

عجيب هو الإنسان فإنه كثيرًا ما يرفض حب الله الفائق ويستهين بطول أناته منجذبًا للمخلوق دون الخالق! لكن يوحنا في أمانته لم يقبل أن يسلب مجد المسيح، رافضًا بشدَّة التكريم الزائد غير اللائق به، شاهدًا عن المسيح الحقيقي، معلنًا أنه ليس هناك مجال مقارنة بين السيِّد المسيح وبينه، وبين معموديَّة السيِّد ومعموديَّته، إذ "أجاب يوحنا الجميع قائلًا: أنا أعمِّدكم بماء، ولكن يأتي من هو أقوى منِّي، الذي لست أهلًا أن أحل سيور حذائه، هو سيعمِّدكم بالروح القدس ونار. الذي رفْشُه في يده وسينقِّي بيٍدَرَه، ويجمع القمح إلى مخزنه، وأما التِبن فيحرِقه بنارٍ لا تُطفأ" [16-17].

يقول القدِّيس يوحنا ذهبي الفم: [هذا هو دور الخادم الأمين ليس فقط لا ينسب لنفسه كرامة سيِّده، بل يمقت ذلك عندما يقدِّمها له كثيرون(146).]

يقول العلامة أوريجينوس: [كان كل الشعب معجبًا به ويحبُّه، فمن المؤكَّد أن يوحنا كان إنسانًا غريبًا يستحق إعجابًا شديدًا من كل الناس، فقد كانت حياته مختلفة تمامًا عن بقيّة الناس... فمحبَّتهم له كان لها ما يبرِّرها، لكنهم تجاوزوا الحد المعقول في محبَّتهم، إذ تساءلوا إن كان هو المسيح. والرسول بولس كان يخشى مثل هذا الحب غير الروحي الذي غيَّر موضعه، إذ يقول عن نفسه: "ولكن أتحاشى لئلاّ يظن أحد من جِهتي فوق ما يراني أو يسمع منِّي، ولئلاّ أرتفع من فرط الإعلانات" (2 كو 12: 6-7)... وأنا نفسي أتألّم من هذه المغالاة في كنيستنا، فالغالبيّة يحبُّونني أكثر ممَّا اَستحق ويمدحون أحاديثي وتعاليمي... وإن كان البعض على العكس ينتقد وعظنا وينسبوا إليّ آراء ليست لي... فإن الذين يبالغون في حبِّنا والذين يبغضوننا كلاهما لا يحتفظون بقانون الحق، هؤلاء يكذبون في حبِّهم المُبالغ وأولئك في كراهيَّتهم، لذلك يجب أن نضع ضوابط للحب ولا نتركه في حريّة يحملنا هنا وهناك... فقد جاء في سفر الجامعة: "لا تكن بارًا كثيرًا ولا تكن حكيمًا بزيادة، لماذا تخرب نفسك؟!" (جا 7: 16).... فلا تحب إنسانًا "من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوَّتك"، ولا تحب ملاكًا هكذا من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوَّتك، إنما أتبع كلام الرب واحفظ تعليمه: "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك" (لو 10: 27).]

ويقول القديس أمبروسيوس: [لم يقصد يوحنا بهذه المقارنة إثبات أن المسيح أعظم منه، فليس من وجه للمقارنة بين الله وإنسان... يوحنا لم يشأ أن يقارن نفسه بالمسيح إذ قال: "لست مستحقًا أن أحل سِيور حذائه"... ربَّما أراد القدِّيس يوحنا أن ينقص من شأن الشعب اليهودي بقوله: "ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص" (يو 3: 30)، كان ينبغي أن ينقص الشعب اليهودي حتى يزداد الشعب المسيحي في المسيح.]

St-Takla.org Image: John the Baptist: "Now as the people were in expectation, and all reasoned in their hearts about John, whether he was the Christ or not, John answered, saying to all, “I indeed baptize you with water; but One mightier than I is coming, whose sandal strap I am not worthy to loose. He will baptize you with the Holy Spirit and fire. His winnowing fan is in His hand, and He will thoroughly clean out His threshing floor, and gather the wheat into His barn; but the chaff He will burn with unquenchable fire.” And with many other exhortations he preached to the people" (Luke 3: 15-18) - Luke, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: يوحنا المعمدان: "وإذ كان الشعب ينتظر، والجميع يفكرون في قلوبهم عن يوحنا لعله المسيح، أجاب يوحنا الجميع قائلا: «أنا أعمدكم بماء، ولكن يأتي من هو أقوى مني، الذي لست أهلا أن أحل سيور حذائه. هو سيعمدكم بالروح القدس ونار. الذي رفشه في يده، وسينقي بيدره، ويجمع القمح إلى مخزنه، وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ». وبأشياء أخر كثيرة كان يعظ الشعب ويبشرهم" (لوقا 3: 15-18) - صور إنجيل لوقا، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: John the Baptist: "Now as the people were in expectation, and all reasoned in their hearts about John, whether he was the Christ or not, John answered, saying to all, “I indeed baptize you with water; but One mightier than I is coming, whose sandal strap I am not worthy to loose. He will baptize you with the Holy Spirit and fire. His winnowing fan is in His hand, and He will thoroughly clean out His threshing floor, and gather the wheat into His barn; but the chaff He will burn with unquenchable fire.” And with many other exhortations he preached to the people" (Luke 3: 15-18) - Luke, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: يوحنا المعمدان: "وإذ كان الشعب ينتظر، والجميع يفكرون في قلوبهم عن يوحنا لعله المسيح، أجاب يوحنا الجميع قائلا: «أنا أعمدكم بماء، ولكن يأتي من هو أقوى مني، الذي لست أهلا أن أحل سيور حذائه. هو سيعمدكم بالروح القدس ونار. الذي رفشه في يده، وسينقي بيدره، ويجمع القمح إلى مخزنه، وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ». وبأشياء أخر كثيرة كان يعظ الشعب ويبشرهم" (لوقا 3: 15-18) - صور إنجيل لوقا، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

يقول القديس كيرلس الكبير:

[دُهش الناس لما رأوا من الجلال الرائع في عيشة يوحنا الهادئة، عظمة أخلاق وسِمو تقوى وصلاح، فقد هال الشعب اليهودي سِمو يوحنا ورُقيِّه في عيشته وتعاليمه، حتى ظنَّوا أنه لا بُد وأن يكون المسيح الذي أشار إليه الناموس بمختلف الرموز، ووصفه كثير من الأنبياء والرسل، إلا أن يوحنا سرعان ما لاحظ ظنونهم حتى وقف يبدِّدها بحزمٍ وعزمٍ، فأعلن في غير لبس أنه ما هو إلا خادم لسيِّده، وأن المجد والكرامة والسجود والعظمة لا تليق إلا بالمسيح الذي اسمه يفوق كل اسم.

عَلَم يوحنا أن المسيح أمين لكل من يخدمه، فما على الخادم إلاّ أن يعلن الحق والصدق، إذ الفرق شاسع بين الخادم وسيِّده، أي بين يوحنا والمسيح ولذلك يقول: "أنتم أنفسكم تشهدون لي أني قلت لست أنا المسيح بل أني مرسل أمامه" (يو 3: 28)، فحقًا أن يوحنا عظيم في رسالته وعظيم في شهادته، فقد كان رائع الجلال ككوكب الصباح الذي يعلن شروق الشمس من وراء الأفق.

أراد يوحنا أن يثبت للملأ أنه دون سيِّده مرتبة ومقامًا، فقال: "أنا أعمِّدكم بماء، ولكن يأتي من هو أقوى منِّي الذي لست أهلًا أن أحل سيور حذائه" (لو 3: 16).

حقًا أن الفرق شاسع بين المسيح ويوحنا، بل لا تصح المقارنة بينهما، ولذلك صدَق المعمدان المغبوط رغمًا عن سِمو فضيلته وكريم خلقه بأنه "غير أهل لأن يحل سِيور حذائه"، لأنه إذا كانت القوَّات السمائيّة والعروش والسيرافيم المقدَّسة تقف حول عرش المسيح الإلهي مقدِّمة له المجد والتسبيح، فمن ذا الذي يستطيع من سكان الأرض أن يقترب من الله؟! نعم يحب الله الإنسان فهو رؤوف به رحوم عليه، ولكن يجب ألا ننكر بأي حال من الأحوال بأننا لا شيء بالنسبة له فنحن بشر ضعفاء جهلاء(147).]

ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [إنه عالٍ جدًا ولا أستحق أن أُحُسب أقل عبد عنده، فإن حلْ سيور الحذاء هو أكثر الأعمال وضاعة(148).]

ويقدَّم لنا الأب غريغوريوس (الكبير) تفسيرًا رمزيًا لكلمات القدِّيس يوحنا المعمدان: فيرى في حذاء السيِّد إشارة إلى الجسد الذي اِلتحف به، فإن حلْ سيوره إنما يعني فكْ أسرار التجسُّد، إذ يشعر نفسه عاجزًا عن إدراك هذا السرْ الإلهي وبحثه(149)، بينما يقدِّم لنا القدِّيس يروم(150) تفسيرًا آخر وهو أن يوحنا المعمدان لا يتجاسر أن يمد يده ليحل سيور حذاء سيِّده، لأن السيِّد يريد عروسه المترمِّلة ولا يرفضها، إذ جاء في الشريعة أن الوليّ الذي يرفض الأرملة كزوجة ليُقيم منها نسلًا للميِّت يخلع نعليْه أمام شيوخ المدينة ويُعطيه لمن يَقبل الزواج منها، كما فعل وليّ راعوث (را 4: 7-8). مسيحنا لن يخلع نعليْه ليعطيهما لأحد، إذ يوَد أن يقتنينا عروسًا له، ويشترينا بحبُّه ودمه المبذول.

لم يجد القدِّيس يوحنا وجهًا للمقارنة بينه وبين سيِّده، ولا بين معموديَّته ومعموديّة سيِّده، إذ قال: "أنا أعمِّدكم بماء... هو سيعمِّدكم بالروح القدس ونار" [16].

* الماء يطهِّر الجسد، والروح يطهِّر القلب من الخطايا، نحن نقوم بالعمل الأول ونصلِّي لكي يتم العمل الثاني حيث ينفخ الروح في الماء فيقدِّسه، الماء وحده ليس دليلًا على التطهير وإن كان الاثنان لا ينفصلان: الماء والروح، لذلك اِختلفت معموديّة التوبة (ليوحنا) عن معموديّة النعمة التي تشمل العنصرين، أما الأولى فتشمل عنصرًا واحدًا. إن كان كل من الجسد والروح يشتركان في الخطيّة فالتطهير لازم لكيهما.

القديس أمبروسيوس

St-Takla.org Image: John lived in the wilderness. His clothes were made of camel hair with a leather belt around his waist. He ate locusts and wild honey. (John 1: 6) (Matthew 3: 4) (Mark 1: 6) (Luke 3: 1-2) - "John baptizes Jesus" images set (Matthew 3:1-17, Mark 1:1-11, Luke 3:1-22, John 1:6-34): image (1) - The Gospels, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "كان إنسان مرسل من الله اسمه يوحنا" (يوحنا 1: 6) - "ويوحنا هذا كان لباسه من وبر الإبل، وعلى حقويه منطقة من جلد. وكان طعامه جرادا وعسلا بريا" (متى 3: 4) - "وكان يوحنا يلبس وبر الإبل، ومنطقة من جلد على حقويه، ويأكل جرادا وعسلا بريا" (مرقس 1: 6) - "وفي السنة الخامسة عشرة من سلطنة طيباريوس قيصر، إذ كان بيلاطس البنطي واليا على اليهودية، وهيرودس رئيس ربع على الجليل، وفيلبس أخوه رئيس ربع على إيطورية وكورة تراخونيتس، وليسانيوس رئيس ربع على الأبلية، في أيام رئيس الكهنة حنان وقيافا، كانت كلمة الله على يوحنا بن زكريا في البرية" (لوقا 3: 1-2) - مجموعة "يوحنا يعمد يسوع" (متى 3: 1-17, مرقس 1: 1-11, لوقا 3: 1-22, يوحنا 1: 6-34) - صورة (1) - صور الأناجيل الأربعة، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: John lived in the wilderness. His clothes were made of camel hair with a leather belt around his waist. He ate locusts and wild honey. (John 1: 6) (Matthew 3: 4) (Mark 1: 6) (Luke 3: 1-2) - "John baptizes Jesus" images set (Matthew 3:1-17, Mark 1:1-11, Luke 3:1-22, John 1:6-34): image (1) - The Gospels, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: "كان إنسان مرسل من الله اسمه يوحنا" (يوحنا 1: 6) - "ويوحنا هذا كان لباسه من وبر الإبل، وعلى حقويه منطقة من جلد. وكان طعامه جرادا وعسلا بريا" (متى 3: 4) - "وكان يوحنا يلبس وبر الإبل، ومنطقة من جلد على حقويه، ويأكل جرادا وعسلا بريا" (مرقس 1: 6) - "وفي السنة الخامسة عشرة من سلطنة طيباريوس قيصر، إذ كان بيلاطس البنطي واليا على اليهودية، وهيرودس رئيس ربع على الجليل، وفيلبس أخوه رئيس ربع على إيطورية وكورة تراخونيتس، وليسانيوس رئيس ربع على الأبلية، في أيام رئيس الكهنة حنان وقيافا، كانت كلمة الله على يوحنا بن زكريا في البرية" (لوقا 3: 1-2) - مجموعة "يوحنا يعمد يسوع" (متى 3: 1-17, مرقس 1: 1-11, لوقا 3: 1-22, يوحنا 1: 6-34) - صورة (1) - صور الأناجيل الأربعة، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

* المعموديّة هي الكُور العظيم الممتلئ نارًا، فيها يُسبك الناس ليصيروا غير أموات(151).

القديس يعقوب السروجي

* الروح القدس هو نار كما جاء في أعمال الرسل، إذ حلّ على المؤمنين على شكل ألسنة ناريّة. وهكذا تحقَّقت كلمة المسيح: "جئت لأٌلقي نارًا على الأرض، فماذا أريد لو اضطرَمَت؟!" (لو 12: 49). يوجد تفسير آخر وهو أننا نعتمد حاليًا بالروح، وبعد ذلك (في يوم الرب) بالنار كقول الرسول: "ستمتَحِن النار عمل كل واحد ما هو" (1 كو 3: 13)(152).

القدِّيسيروم

* يقول يوحنا ذلك ثانية للدلالة على ضعفه وجهله "أنا أعمِّدكم بماء ولكن هو سيعمِّدكم بالروح القدس ونار" (لو 3: 16)، وهذا برهان جليل على أُلوهيّة المسيح، لأنه من خاصيَّات يسوع الذي يفوق الكل قوَّته على منح الناس الروح القدس حتى أن كل من يقبله يتمتَّع بالطبيعة الإلهيَّة، ولكن لاحظوا أن هذه القوّة في يسوع المسيح لم يمنحها ولم يرسلها أحد بل هي له وفيه، وخاصة به، إذ ورد "يعمِّدكم بالروح القدس". فالله الكلمة المتأنِّس هو ثمرة الله الآب، فلا يعترض أحد بأن الذي يُعمِّد بالروح القدس هو الله الكلمة، وليس ذاك الذي أتى من ذُرِّيَّة داود، فلم يشاء أن يقسِم المسيح ابنين، فقد وصف الكتاب المقدَّس هؤلاء الناس بأنهم: "حيوانات ومعتزلون بأنفسهم ولا روح لهم" (يه 19).

وما معنى ذلك كله؟ يجب أن نؤكِّد تمام التأكيد غيرَ مكتَرثين بنقض أو اِعتراض بأن الله الكلمة يَمنح الروح القدس الذي له، لكل من كان جديرًا بهذه الهِبة

وحتى لما تأنَّس الله الكلمة وهبنا الروح القدس، لأنه ابن الله الوحيد الذي صار جسدًا، فهو والآب واحد بطريقة لا يًدركها العقل ولا يحدَّها الوصل، يقول المعمدان "لست أهلًا أن أحلْ سِيور حذائه" ثم يعطف على ذلك قوله "هو سيعمِّدكم بالروح القدس ونار"، فمن الواضح أنه كانت هناك قدمان للبس الحذاء، ولا يمكن للإنسان العاقل أن يفترض أن المسيح كان يلبس قبل تجسُّده حذاء فلم يحدث ذلك إلا عند تجسُّده، ولما كان المسيح بتجسُّده لم يكُف عن أن يكون إلهًا، وجب أن يعمل أعمالًا تليق بأُلوهيَّته، فأعطى الروح القدس لكل الذين آمنوا، لأنه هو واحد وشخص واحد وفي الوقت نفسه إله وإنسان أيضًا(153)..

القديس كيرلس الكبير

إذ أعلن عن معموديّة المخلِّص، تحدّث كديَّان: "الذي رفْشُه في يده، وسينقِّي بيدَرَه، ويجمع القمح إلى مخزنه، وأما التبن فيحرقه بنار لا تُطفأ" [17].

* تكشف الإشارة إلى رفْشْ المسيح إلى سلطانه في تمييز عمل كل واحد. حينما يُذَرِّي القمح يفصل الفارغ عن الملآن، المثمر عن الذي بلا ثمر بفضل نسمة الهواء (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى)... سيميِّز الرب في يوم الدينونة بين الأعمال المثمرة بفضائل ممتلئة وبين الأعمال الفارغة، فيدعو الكاملين إلى الوطن السماوي... بينما يمقُت القَشْ ولا يحب الأعمال العقيمة، لذلك: "قدَّامه تذهب نار" (مز 97: 3)، [لكنها نار من طبيعة غير مؤذيّة تحرق أيضًا أعمال الظلمة وتُظهر بريق أعمال النور.]

القديس أمبروسيوس

St-Takla.org Image: John warned the Pharisees and Sadducees that they must practice what they preached. ‘If you have two coats,’ John said, ‘give one to the poor. If you have extra food, give it away to those who are hungry.’ (Luke 3: 8-12) - "John baptizes Jesus" images set (Matthew 3:1-17, Mark 1:1-11, Luke 3:1-22, John 1:6-34): image (5) - The Gospels, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "ولا تبتدئوا تقولون في أنفسكم: لنا إبراهيم أبا. لأني أقول لكم: إن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادا لإبراهيم. والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر، فكل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار». وسأله الجموع قائلين: «فماذا نفعل؟» فأجاب وقال لهم: «من له ثوبان فليعط من ليس له، ومن له طعام فليفعل هكذا»" (لوقا 3: 8-12) - مجموعة "يوحنا يعمد يسوع" (متى 3: 1-17, مرقس 1: 1-11, لوقا 3: 1-22, يوحنا 1: 6-34) - صورة (5) - صور الأناجيل الأربعة، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: John warned the Pharisees and Sadducees that they must practice what they preached. ‘If you have two coats,’ John said, ‘give one to the poor. If you have extra food, give it away to those who are hungry.’ (Luke 3: 8-12) - "John baptizes Jesus" images set (Matthew 3:1-17, Mark 1:1-11, Luke 3:1-22, John 1:6-34): image (5) - The Gospels, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: "ولا تبتدئوا تقولون في أنفسكم: لنا إبراهيم أبا. لأني أقول لكم: إن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادا لإبراهيم. والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر، فكل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار». وسأله الجموع قائلين: «فماذا نفعل؟» فأجاب وقال لهم: «من له ثوبان فليعط من ليس له، ومن له طعام فليفعل هكذا»" (لوقا 3: 8-12) - مجموعة "يوحنا يعمد يسوع" (متى 3: 1-17, مرقس 1: 1-11, لوقا 3: 1-22, يوحنا 1: 6-34) - صورة (5) - صور الأناجيل الأربعة، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

* أريد أن أكشف عن السبب الذي لأجله يمسك ربَّنا الرفْشْ وعن النفخة التي ترفع التِبن ليتطاير هنا وهناك، بينما القمح الأكثر ثقْلًا يبقى في مكانه...

الهواء على ما أظن يعني التجارب التي تكشف المؤمنين، إن كانوا تِبنًا أو قمحًا، لأنه عندما تحل بنفسك بعض التجارب، فليست التجربة هي التي تجعل المؤمنين تبنًا أو قمحًا، إنما إن كنتم تبنًا خفيفًا بلا إيمان تكشف التجارب عن طبيعتك المختفية؛ وعلى العكس إن واجَهْتُم التجربة بشجاعةٍ فليست التجربة هي التي تجعلكم أوفياء صابرين، إنما تكشف عن فضيلة الصبر والقوّة التي فيكم وكانت مختفية.

* عندما تهبْ العاصفة لا يمكنها أن تزعزع المبنى المٌقام على الصخر، إنما تكشف عن ضعف حجارة المبنى المزعزع المُقام على الرمل(154).

العلامة أوريجينوس

* يشبِّه يوحنا سكان الأرض بسنابل الحنطة وبالأحرى يقارنهم بقمح في حقل دَرَّاس. فإن كُلًا منَّا ينمو كسُنبلة قمح، وقد بين ربَّنا مرَّة وهو يخاطب الرسل المقدَّسين هذه الحقيقة، فقال لهم: "إن الحصاد كثير، ولكن الفعَلة قليلون، فاُطلبوا من رب الحصاد أن يُرسل فعَلة إلى حصاده" (لو 10: 2). نحن الذين نعيش على الأرض نُسمَّى سنابل الحنطة وقمحًا وحصادًا، وهذا الحصاد يملك عليه الله لأنه رب الجميع. لكن تأمَّلوا في كلام المعمدان المغبوط فإنه يصف حقل الدَرَّاس بأنه ملك المسيح، فهو الذي ينقِّي بيدَرَه ويجمع القمح إلى منزله ويحرق التبن بنار لا تُطفأ. فالقمح هو رمز للأخيار الذين ثبتوا في إيمانهم ورسخوا في عقيدتهم، أما التِبن فُيشير إلى أولئك الناس الذين ضعُفت عقولهم وسقُمَت قلوبهم، فأصبحوا قلقين تهب عليهم الرياح فتفرِّقهم... فلا غرابة بعد ذلك إن جُمع القمح في مخزنه لأنه جدير بأن يُحفظ في مكان أمين بعناية الله له ورحمته ونعمته، ولكن التِبن يُحرق بنار لا تُطفأ إذ لا يساوي قلامة ظفر(155).

القديس كيرلس الكبير

* هذا التِبن لا يُهلك من هم حنطة الرب، والذين هم قليلون، إن قورنوا بالآخرين، لكنهم هم جمع عظيم(156).

القديس أغسطينوس

أبرز الإنجيلي لوقا عمل القدِّيس يوحنا المعمدان الرئيسي، وهو الشهادة للسيِّد المسيح وعمله الخلاصي، ومعموديَّته بالروح القدس، وقد جاءت هذه الشهادة ممتزجة بكلمة التبكيت للتوبة مع بث روح الرجاء، مبشِّرًا إيَّاهم برحمة الله، إذ يقول: "وبأشياء أُخر كثيرة كان يعظ الشعب ويبشِّرهم" [18].

لم تكن كرازته وعظاته خاصة بالعامة فحسب، إنما اِمتدَّت إلى الرؤساء بلا مُداهنة ولا مُجاملة. يقول:

"أما هيرودس رئيس الرُبع فإذ توبَّخ منه لسبب هيروديَّا امرأة فيلبس أخيه،

ولسبب جميع الشرور التي كان هيرودس يفعلها.

زاد هذا أيضًا على الجميع أنه حبس يوحنا في السجن"[19-20].

لقد سبق فدرسنا قصَّة سجن يوحنا بواسطة هيرودس، الذي أراد أن يكتم أنفاس الحق، ويقيِّد الكلمة والوصيّة بالسجن والقيود والسيف، فكان الصوت يزداد علوًّا خلال الضيق، وكيف صار هذا رمزًا لمحاولة اليهود تقييد الكلمة النبويّة (يوحنا النبي) ومنعها من الإعلان عن المسيَّا(157)

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: The baptism of Jesus Christ by Saint John the Baptist (with angels) - Mosaic ceiling, date from 1225 until the fourteenth century, Byzantine style - Florence Baptistery of Saint John (Battistero di San) Giovanni at the Florence Cathedral: The Cattedrale di Santa Maria del Fiore (Il Duomo di Firenze, cattedrale metropolitana di Santa Maria del Fiore), Florence, Italy. It was established in 1296, and work completed in 1436. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, September 28-29, 2014. صورة في موقع الأنبا تكلا: معمودية السيد المسيح يسوع بواسطة القديس الشهيد يوحنا المعمدان (مع الملائكة) - سقف الفسيفساء، تم العمل به من 1225 م. وحتى القرن الرابع عشر، بأسلوب بيزنطي - صور معمودية القديس يوحنا في كاتدرائية القديسة العذراء مريم: كاتدرائية عذراء الزهور (دومو دي فيرينزي)، فلورنسا، إيطاليا. وقد بدأ العمل بها عام 1296، وتم إكماله عام 1436 م. - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 28-29 سبتمبر 2014

St-Takla.org Image: The baptism of Jesus Christ by Saint John the Baptist (with angels) - Mosaic ceiling, date from 1225 until the fourteenth century, Byzantine style - Florence Baptistery of Saint John (Battistero di San) Giovanni at the Florence Cathedral: The Cattedrale di Santa Maria del Fiore (Il Duomo di Firenze, cattedrale metropolitana di Santa Maria del Fiore), Florence, Italy. It was established in 1296, and work completed in 1436. - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, September 28-29, 2014.

صورة في موقع الأنبا تكلا: معمودية السيد المسيح يسوع بواسطة القديس الشهيد يوحنا المعمدان (مع الملائكة) - سقف الفسيفساء، تم العمل به من 1225 م. وحتى القرن الرابع عشر، بأسلوب بيزنطي - صور معمودية القديس يوحنا في كاتدرائية القديسة العذراء مريم: كاتدرائية عذراء الزهور (دومو دي فيرينزي)، فلورنسا، إيطاليا. وقد بدأ العمل بها عام 1296، وتم إكماله عام 1436 م. - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 28-29 سبتمبر 2014

4. عماد السيِّد

أن كان يوحنا قد شهد للسيِّد ولمعموديَّته، فإنه إذ قبل الجموع القادمة إليه لتعتمد جاء السيِّد نفسه يعتمد:

"21 وَلَمَّا اعْتَمَدَ جَمِيعُ الشَّعْبِ اعْتَمَدَ يَسُوعُ أَيْضًا.

وَإِذْ كَانَ يُصَلِّي انْفَتَحَتِ السَّمَاءُ،

22 وَنَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ الْقُدُسُ بِهَيْئَةٍ جِسْمِيَّةٍ مِثْلِ حَمَامَةٍ.

وَكَانَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ قَائِلًا:

«أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ، بِكَ سُرِرْتُ»." [21-22].

 

فيما يلي بعض تعليقات الآباء على معموديّة السيِّد:

* جاء إلى المعموديّة بدون خطيّة تمامًا، وهكذا لم يكن بدون الروح القدس، لقد كُتب عن خادمه وسابقه يوحنا نفسه أنه من بطن أمه يمتلئ من الروح القدس (لو 1: 15)، فإن كان وقد وُلد من أبيه (من زرع بشر) تقبَّل الروح القدس وهو يتشكَّل في الرحم، فماذا يمكننا أن نفهم ونعتقد بالنسبة للمسيح نفسه الذي حبل به، لا بطريقة جسدانيّة بل بالروح القدس؟!(158)

القديس أغسطينوس

* لم يّحلْ الروح القدس على جموع اليهود بل على يسوع وحده، إن أردت أن تقبل الروح القدس أيها اليهودي آمن بيسوع فإن الروح القدس حالْ فيه(159).

القديس جيروم

* المسيح يوُلد، والروح هو المهيئ له!

إنه يعتمد، والروح يشهد له!

إنه يُجرب، والروح يقوده (لو 4: 1، 18)!

إنه يصنع معجزات، والروح يرافقها!

إنه يصعد إلى السماء، والروح يحل محلُّه!(160)

القديس غريغوريوس النزينزي

St-Takla.org Image: Jesus went from Galilee to the River Jordan to be baptized by John. When John saw Jesus he didn’t want to baptize Him. ’This isn’t proper,’ he said. ‘I am the one who needs to be baptized by you.’ (John 1: 28-31) (Matthew 3: 13-14) (Mark 1: 9) (Luke 3: 21) - "John baptizes Jesus" images set (Matthew 3:1-17, Mark 1:1-11, Luke 3:1-22, John 1:6-34): image (7) - The Gospels, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media صورة في موقع الأنبا تكلا: "هذا كان في بيت عبرة في عبر الأردن حيث كان يوحنا يعمد. وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلا إليه، فقال: «هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم! هذا هو الذي قلت عنه: يأتي بعدي، رجل صار قدامي، لأنه كان قبلي. وأنا لم أكن أعرفه. لكن ليظهر لإسرائيل لذلك جئت أعمد بالماء»" (يوحنا 1: 28-31) - "حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليعتمد منه. ولكن يوحنا منعه قائلا: «أنا محتاج أن أعتمد منك، وأنت تأتي إلي!»" (متى 3: 13-14) - "وفي تلك الأيام جاء يسوع من ناصرة الجليل" (مرقس 1: 9) - "ولما اعتمد جميع الشعب.." (لوقا 3: 21) - مجموعة "يوحنا يعمد يسوع" (متى 3: 1-17, مرقس 1: 1-11, لوقا 3: 1-22, يوحنا 1: 6-34) - صورة (7) - صور الأناجيل الأربعة، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

St-Takla.org Image: Jesus went from Galilee to the River Jordan to be baptized by John. When John saw Jesus he didn’t want to baptize Him. ’This isn’t proper,’ he said. ‘I am the one who needs to be baptized by you.’ (John 1: 28-31) (Matthew 3: 13-14) (Mark 1: 9) (Luke 3: 21) - "John baptizes Jesus" images set (Matthew 3:1-17, Mark 1:1-11, Luke 3:1-22, John 1:6-34): image (7) - The Gospels, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media

صورة في موقع الأنبا تكلا: "هذا كان في بيت عبرة في عبر الأردن حيث كان يوحنا يعمد. وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلا إليه، فقال: «هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم! هذا هو الذي قلت عنه: يأتي بعدي، رجل صار قدامي، لأنه كان قبلي. وأنا لم أكن أعرفه. لكن ليظهر لإسرائيل لذلك جئت أعمد بالماء»" (يوحنا 1: 28-31) - "حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليعتمد منه. ولكن يوحنا منعه قائلا: «أنا محتاج أن أعتمد منك، وأنت تأتي إلي!»" (متى 3: 13-14) - "وفي تلك الأيام جاء يسوع من ناصرة الجليل" (مرقس 1: 9) - "ولما اعتمد جميع الشعب.." (لوقا 3: 21) - مجموعة "يوحنا يعمد يسوع" (متى 3: 1-17, مرقس 1: 1-11, لوقا 3: 1-22, يوحنا 1: 6-34) - صورة (7) - صور الأناجيل الأربعة، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

* لم يعتمد الرب ليتطهَّر... الذي لم يعرف خطيّة له سلطان على التطهير، بهذا كل من يدفن في جرن المسيح يترك فيه خطاياه...

* شرح الرب نفسه سبب عماده: "اسمح الآن لأنه ينبغي لنا أن نكمِّل كل برْ" (مت 3: 15). من بين مراحمه الكثيرة بناؤه الكنيسة، فبعد الآباء والأنبياء نزل الابن الوحيد وجاء ليعتمد، هنا تظهر بوضوح الحقيقة الإلهيّة التي ذُكرت بخصوص "الكنيسة"، وهي إن لم يبنِ الرب البيت فباطلًا تعب البنَّاؤون". إذ لا يستطيع الإنسان أن يبني ولا أن يحرس: "إن لم يحرُس الرب المدينة، فباطل سهِر الحُرَّاس" (مز 126: 1). إني أتجاسر فأقول أنه لا يستطيع الإنسان أن يسلك في طريق ما لم يكن الرب معه يقوده فيه، كما هو مكتوب: "وراء الرب إلهكم تسيرون وإيَّاه تتَّقون" (تث 13: 4)، "الرب يقود خُطى الإنسان" (حك 20: 24)... الآن تُخلق الكنيسة... يقول "اسمح الآن"، أي لكي تُبني الكنيسة، إذ يليق بنا أن نكمِّل كل برْ.

* اغتسل المسيح لأجلنا، أو بالحري غسلنا نحن في جسده، لذا يليق بنا أن نُسرع لغسل خطايانا...

* دُفن وحده ولكنه أقام الجميع،

نزل وحده ليرفعنا جميعًا،

حمل خطايا العالم وحده ليطهِّر الكل في شخصه، وكما يقول الرسول: "نقُّوا أيديكم إذن وتطهَّروا" (يع 4: 8)، فالمسيح غير محتاج إلى التطهير، تطهَّر لأجلنا.

القديس أمبروسيوس

* هل كان المسيح في حاجة إلى العماد المقدَّس؟ وأية فائدة تعود عليه من ممارسة هذه الفريضة؟ فالمسيح كلمة الله، قدُّوس من قدُّوس كما يصفه السيرافيم في مختلف التسبيحات (إش 3: 6)، وكما يصفه الناموس في كل موضع، ويتَّفق جمهور الأنبياء مع موسى في هذا الصدد.

وما الذي نستفيده نحن من العماد المقدَّس؟ لا شك محو خطايانا، ولكن لم يكن شيء من هذا في المسيح، فقد ورد: "الذي لم يفعل خطيَّة ولا وُجد في فمِه مكْر" (1 بط 2: 22)، "قدُّوس بلا شرْ ولا دنَس قد اِنفصل عن الخطاة وصار أعلى من السماوات" (عب 7: 26).

ولكن رُبَّ سائل ضعُف إيمانه يقول: هل اعتمد الله الكلمة وهل كان المسيح في حاجة إلى موهبة الروح القدس؟ كلاَّ لم يكن شيء من ذلك. ما اعتمد المسيح إلا لتعليمنا بأن الإنسان الذي من ذرِّيّة داود وهو المتَّحد بالله الابن عُمد وقبِل الروح القدس. فلماذا تقسِمون غير المقسُوم إلى ابنين وتقولون أنه عُمد في سن الثلاثين فأصبح مقدَّسًا.

ألم يكن المسيح مقدَّسًا حتى بلغ الثلاثين من عمره؟ مَن هو الذي يرضى بقولكم هذا، وأنتم تُلبِسون الحق بالباطل، وتزيِّفون العقيدة بالزيغ والريب إذ يوجد "رب واحد يسوع المسيح" (1 كو 8: 6)، ولذلك نُعلن على رؤوس الأشهاد: إنه لم ينفصل من روحه لمَّا اِعتمد(161)، لأن الروح القدس وإن كان ينبثق من الله الآب فإنه يخُص أيضًا الله الابن، إذ "من مِلئِه نحن جميعًا أخذنا" (يو 1: 16). بل وكثيرًا ما سُميَ الروح القدس روح المسيح، مع أنه منبثق من الله الآب على حد قول الرسول بولس: "فالذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يُرضوا الله، وأما أنتم فلستم في الجسد بل في الروح، إن كان روح الله ساكنًا فيكم... يهب الروح القدس لكل من كان جديرًا به، إذ قال: "بما أنكم أبناء الله أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخًا يا أبَا الآب" [راجع غل 4: 6]، فبالرغم من أن الروح القدس ينبثق من الله الآب، فإن المسيح الكلمة ابن الله الوحيد الذي يشترك مع الآب في العظمة والسلطان لأنه بطبيعته ابن حقيقي يرسل الروح القدس إلى الخليقة ويهبه لكل من كان جديرًا به، إذ قال: "حقًا كل ما للآب هو لي" (لو 16: 15)...

كان من الضروري إذن أن الله الكلمة وقد أفرغ نفسه بتواضعه بأن يتَّخذ صورتنا ويكون شبهنا، فهو بِكرُنا في كل شيء، ومثالُنا الذي نحتذي به في كل أمر، وعليه فلكي يعلِّمنا قيمة العماد وما فيه من نعمة وقوّة بدأ بنفسه وتعمَّد، ولما تعمَّد صلَّى، لنتعلَّم يا أحبائي أن الصلاة ضروريّة، فيصلِّي كل حين من أصبح جديرًا بنعمة العِماد المقدَّس.

St-Takla.org Image: A graph showing the descent of Jesus Christ (Genealogy) - click on any name to view details صورة في موقع الأنبا تكلا: رسم بياني يصور سلسلة أنساب السيد المسيح - اضغط على أي اسم في الصورة للمزيد من التفاصيل

St-Takla.org Image: A graph showing the descent of Jesus Christ (Genealogy) - click on any name to view details (on PC).

صورة في موقع الأنبا تكلا: رسم بياني يصور سلسلة أنساب السيد المسيح (اضغط على أي اسم في الصورة للمزيد من التفاصيل - للكمبيوتر).

ويصف الإنجيلي السماء بأنها اِنفتحت كما لو كانت مُغلقة، فإن المسيح يقول: "مِن الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزِلون على ابن الإنسان" (يو 1: 51)، لأن طغمة الملائكة في السماء، وبني الإنسان على الأرض يظلِّلهم جميعًا علَم واحد، ويخضعون لراعٍ واحد هو السيِّد المسيح. اِنفتحت السماء فاقترب الإنسان من الملائكة المقدَّسين. نزل الروح القدس إشعارًا منه بأنه وُجدت خليقته ثانية. حلّ أولًا على المسيح الذي قبِل الروح القدس لا من أجل نفسه بل من أجلنا نحن البشر، لأننا به وفيه ننال نعمة فوق نعمة.

فترون أن المسيح حبًا في خلاصنا وفدائنا أخذ صورتنا، وفي هذه الصورة إخلاء ما بعده إخلاء للطبيعة الإلهيّة، وكيف يمكن أن يكون فقيرًا إن لم ينزل إلى درجة فقرنا وعوْزنا، وكيف كان يمكن أن يُخلي نفسه إذا لم يقبل اِحتمال الطبيعة البشريّة؟!

والآن وقد أخذْنا المسيح مثلْنا الأعلى فلِنقترب إلى نعمة العماد الأقدس، وبذلك نجرُؤ على الصلاة بجِدٍ وحرارة، ونرفع أيدينا المقدَّسة إلى الله الآب، فيفتح لنا كُوَى السماوات(162)...

القديس كيرلس الكبير

* هؤلاء ظهروا كمنفصلين لفهمنا، لكنهم بالحقيقة ثالوث غير منفصل(163).

القديس أغسطينوس

* لنتأمَّل الآن في سر التثليث، فإذ نقول أن الله واحد لكننا نعترف بالآب والابن... الذي أعلن أنه ليس وحده بقوله: "وأنا لست وحدي لأن الآب معي" (لو 16: 32)... والروح القدس حاضر، الثالوث القدِّوس لن ينفصل قط.

القديس أمبروسيوس

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

5. نسب السيِّد المسيح

23 وَلَمَّا ابْتَدَأَ يَسُوعُ كَانَ لَهُ نَحْوُ ثَلاَثِينَ سَنَةً، وَهُوَ عَلَى مَا كَانَ يُظَنُّ ابْنَ يُوسُفَ، بْنِ هَالِي، 24 بْنِ مَتْثَاتَ، بْنِ لاَوِي، بْنِ مَلْكِي، بْنِ يَنَّا، بْنِ يُوسُفَ، 25 بْنِ مَتَّاثِيَا، بْنِ عَامُوصَ، بْنِ نَاحُومَ، بْنِ حَسْلِي، بْنِ نَجَّايِ، 26 بْنِ مَآثَ، بْنِ مَتَّاثِيَا، بْنِ شِمْعِي، بْنِ يُوسُفَ، بْنِ يَهُوذَا، 27 بْنِ يُوحَنَّا، بْنِ رِيسَا، بْنِ زَرُبَّابِلَ، بْنِ شَأَلْتِيئِيلَ، بْنِ نِيرِي، 28 بْنِ مَلْكِي، بْنِ أَدِّي، بْنِ قُصَمَ، بْنِ أَلْمُودَامَ، بْنِ عِيرِ، 29 بْنِ يُوسِي، بْنِ أَلِيعَازَرَ، بْنِ يُورِيمَ، بْنِ مَتْثَاتَ، بْنِ لاَوِي، 30 بْنِ شِمْعُونَ، بْنِ يَهُوذَا، بْنِ يُوسُفَ، بْنِ يُونَانَ، بْنِ أَلِيَاقِيمَ، 31 بْنِ مَلَيَا، بْنِ مَيْنَانَ، بْنِ مَتَّاثَا، بْنِ نَاثَانَ، بْنِ دَاوُدَ، 32 بْنِ يَسَّى، بْنِ عُوبِيدَ، بْنِ بُوعَزَ، بْنِ سَلْمُونَ، بْنِ نَحْشُونَ، 33 بْنِ عَمِّينَادَابَ، بْنِ أَرَامَ، بْنِ حَصْرُونَ، بْنِ فَارِصَ، بْنِ يَهُوذَا، 34 بْنِ يَعْقُوبَ، بْنِ إِسْحَاقَ، بْنِ إِبْرَاهِيمَ، بْنِ تَارَحَ، بْنِ نَاحُورَ، 35 بْنِ سَرُوجَ، بْنِ رَعُو، بْنِ فَالَجَ، بْنِ عَابِرَ، بْنِ شَالَحَ، 36 بْنِ قِينَانَ، بْنِ أَرْفَكْشَادَ، بْنِ سَامِ، بْنِ نُوحِ، بْنِ لاَمَكَ، 37 بْنِ مَتُوشَالَحَ، بْنِ أَخْنُوخَ، بْنِ يَارِدَ، بْنِ مَهْلَلْئِيلَ، بْنِ قِينَانَ، 38 بْنِ أَنُوشَ، بْنِ شِيتِ، بْنِ آدَمَ، ابْنِ اللهِ.

 

في دراستنا للإنجيل بحسب متَّى (الأصحاح الأول) سبق لنا المقارنة بين نسب السيِّد المسيح كما ورد في إنجيل متَّى مع ما ورد في إنجيل لوقا، لذلك نكتفي بتقديم ملخَّص مع إبراز جوانب أخرى:

 

أولًا: القديس متَّى كيهودي يكتب لإخوته اليهود اِهتم بإبراز السيِّد المسيح بكونه "ابن داود"، المسيَّا الملك المنتظر، وأنه ابن إبراهيم الذي به تحقَّقت العهود والمواعيد الإلهيّة، أما القديس لوقا وهو يكتب للأمم فيهتم بإبراز أنه أب كل البشريّة.

 

ثانيًا: قلنا أن القديس متَّى الإنجيلي إذ يقدِّم لنا النسب قبل أحداث الميلاد، حيث أخلى كلمة الله ذاته بالتجسُّد، جاء النسب تنازليًّا من إبراهيم حتى يوسف خطيب مريم، أما في إنجيل القديس لوقا فجاء النسب بعد عماد السيِّد حيث فيه رفعنا إلى البنوَّة لله لذلك جاء النسب تصاعديًا من يوسف حتى آدم "ابن الله".

يقول العلامة أوريجينوس: [اِبتدأ متَّى بذكر الأنساب مبتدئًا بإبراهيم ليصل إلى القول: "أمَّا ولادة يسوع فكانت هكذا" لأنه يهتم ويفرح بذلك الذي جاء إلى العالم... أما لوقا فيصعد بالأنساب ولا ينزل بها، فإنه إذ تحدَّث عن عِماده اِرتفع (بنا) إلى الله نفسه(164).]

يقول القديس أمبروسيوس: [لم يذكر لوقا الأنساب في البداية، بل بعد حادثة العماد، إذ أراد أن يُظهر بذلك أن الله هو أبونا جميعًا بالمعموديّة، كما أكَّد أن المسيح أتى من قِبل الله (الآب) بحسب نسبه، مُظهِرًا أنه ابنًا للآب بالطبيعة وبالنعمة وبالجسد (إذ جاء من نسل آدم ابن الله)، وقد أوضح البُنوَّة الإلهيّة بشهادة الآب: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت".]

لنفس السبب يكرِّر القديس متَّى البشير كلمة "وُلد"، قائلًا مثلًا "إبراهيم وَلد" إسحق... أما الإنجيلي لوقا فيكرِّر كلمة "ابن"...، فالأول يُعلن تسلُّل الخطيّة إلينا خلال الولادات البشريّة، وقد جاء السيِّد الذي بلا خطيّة يحمل خطايا الأجيال كلها، أما القديس لوقا فيرفعنا إلى البُنوَّة لنبلغ "البُنوَّة لله".

 

ثالثًا: الاختلاف بين الأسماء المذكورة في الإنجيلين يرجع إلى اِستخدام أحدهم النسب الطبيعي حسب الجسد، والآخر حسب الناموس، كأن ينسب الطفل لوالدين أحدهما أبوه حسب الطبيعة والآخر حسب الشريعة. ففي الشريعة إن مات رجل بلا أولاد تتزوَّج امرأته ولِيَّها، ويكون الولد الأول منسوبًا للميِّت حسب الشريعة.

كما أوضح القديس أمبروسيوس أن الإنجيلي متَّى ذكر النسب من جهة سليمان أما الإنجيلي لوقا فمن جهة ناثان، الأول أراد تأكيد نسبه الملوكي والثاني نسبه الكهنوتي: [فهو مَلِك بالملوك وكاهن بالكهنة، لكن مُلكه إلهي وكهنوتُه فائق، ولهذا السبب أيضًا صار الثور رمز الإنجيلي لوقا لأنه تكلَّم كثيرًا عن الكهنوت.

 

رابعًا: يرى العلامة أوريجينوس(165) أن القديس متَّى أورد أسماء نساء خاطئات وأمميَّات في الأنساب، لأنه جاء يحمل خطايانا ولا يستنكف من نسبه لأحد، أما القديس لوقا فإذ ذكر الأنساب بعد العماد لا نجد أسماء نساء خاطئات، إذ يريد أن يرفع الكل فوق مستوى الضعف.

تحدّثنا قبلًا كيف يريد الله في الكل "رجال ونساء" أن يكونوا رجالًا لا من جهة الجنس، وإنما من جهة الرجولة أو النُضج الروحي، بلا تدليل النساء ولا ضعف الأطفال.

 

خامسًا: يرى العلامة أوريجينوس أن قول الإنجيلي "ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة، وهو على ما كان يظن ابن يوسف" [23]. يذكرنا بيوسف بن يعقوب حينما بلغ حوالي الثلاثين من عمره (تك 12: 2) حيث تحرَّر من السجن وصار وكيلًا لفرعون على مخازن القمح يقوم بتوزيعها في وقت الجوع، هكذا السيِّد المسيح إذ يحمل مخازن القمح الروحي من كلمة الشريعة وكتابات الأنبياء، يفيض على تلاميذه الجائعين ليُشبعهم روحيًا من القمح الجديد بلا خمير عتيق!

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(135) On the Soul and its origin , 31.

(136)On the Triniy 2:6:11.

(137) عظة 6.

(138) Cat .lect . 3:4 .

(139) Cat .lect . 3:2.

(140)In Matt . hom 11.

(141) عظة 6.

(142) In Matt 3:9. (ترجمة الآنسة/ تريز سعد)

 راجع أيضًا أقوال الآباء الواردة في كتابنا "الإنجيل بحسب متى". 1983، ص 71، 72.

(143) عظة 7.

(144)In Matt. hom 3:16.

(145)Ep .169:5.

(146)In Incan 5:2.

(147) عظة 10.

(148)Catena Aurea (John 1) .

(149)PL 74:1099-1103.

(150)In Matt .8:11.

(151) ميمر عن المعمودية المقدسة ، مخطوط بدير الأنبا انطونيوس ، نسخ عام 1488.

(152) In Matt. 3:11.

(153) عظة 10.

(154)In Luc. 26:4. (ترجمة الآنسة/ تريز سعد)

(155) عظة 10.

(156)Ep. 93: 33.

(157) الإنجيل بحسب متى, ص 326، 327.

(158) On the Trinity15:26:46.

(159) On Ps. hom 1 .

(160) On the Holy Spirit, 29.

(161) يشير إلى بدعة نسطور التي نادت بأن الذي أعتمد هو يسوع في طبيعته البشرية ولم يكن بعد قد حّل فيه اللاهوت .

(162) عظة 11.

(163)Ep .169:5.

(164)In Luc. Hom .28:1. (ترجمة الآنسة/ تريز سعد)

(165)In Luc. Hom .28:1.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

← تفاسير أصحاحات إنجيل لوقا: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament/Father-Tadros-Yacoub-Malaty/03-Enjil-Loka/Tafseer-Angil-Luca__01-Chapter-03.html

تقصير الرابط:
tak.la/dhzzh7v