← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8
1 وَكَانَ إِلَيَّ كَلاَمُ الرَّبِّ قَائِلًا: 2 «يَا ابْنَ آدَمَ، مَاذَا يَكُونُ عُودُ الْكَرْمِ فَوْقَ كُلِّ عُودٍ أَوْ فَوْقَ الْقَضِيبِ الَّذِي مِنْ شَجَرِ الْوَعْرِ؟ 3 هَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ عُودٌ لِاصْطِنَاعِ عَمَل مَّا، أَوْ يَأْخُذُونَ مِنْهُ وَتَدًا لِيُعَلَّقَ عَلَيْهِ إِنَاءٌ مَّا؟ 4 هُوَذَا يُطْرَحُ أَكْلًا لِلنَّارِ. تَأْكُلُ النَّارُ طَرَفَيْهِ وَيُحْرَقُ وَسَطُهُ. فَهَلْ يَصْلُحُ لِعَمَل؟ 5 هُوَذَا حِينَ كَانَ صَحِيحًا لَمْ يَكُنْ يَصْلُحُ لِعَمَل مَّا، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِعَمَل إِذْ أَكَلَتْهُ النَّارُ فَاحْتَرَقَ؟ 6 «لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: مِثْلَ عُودِ الْكَرْمِ بَيْنَ عِيدَانِ الْوَعْرِ الَّتِي بَذَلْتُهَا أَكْلًا لِلنَّارِ، كَذلِكَ أَبْذُلُ سُكَّانَ أُورُشَلِيمَ. 7 وَأَجْعَلُ وَجْهِي ضِدَّهُمْ. يَخْرُجُونَ مِنْ نَارٍ فَتَأْكُلُهُمْ نَارٌ، فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ حِينَ أَجْعَلُ وَجْهِي ضِدَّهُمْ. 8 وَأَجْعَلُ الأَرْضَ خَرَابًا لأَنَّهُمْ خَانُوا خِيَانَةً، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ».
كثيرًا ما يناجي الله شعبه بكونه كرمته الإلهية التي غرسها بيمينه ورعاها بنفسه ولم يدعها في عوز إلى شيء. اختار الله الكرمة لأنها بين الأشجار الأخرى تُعتبر صغيرة، لينة العود... لا يصلح خشبها كألواح لأغراض البناء ولا كأوتار ودعامات للخيّم، ولا حتى كوقود، إذ تلتهمها النار بكليتها في لحظات... إن ميزتها الوحيدة تقريبًا هي الثمر المتكاثر. فإن لم تثمر لا تصلح لشيء بالمرة. هكذا ما يطلبه الله من كنيسته: ثمر الروح النفيس.
ففي إشعياء النبي يعلن أنه أقامها على أكمة خصبة، نقبها ونقى حجارتها وبنى برجًا في وسطها ونقر فيها معصرة (إش 5: 1-2). لقد وهبها كل إمكانية للإثمار، سيَّج حولها بروحه القدوس وأزال عنها الطبع الحجري، ووهبها برج المعرفة الإلهية... وانتظر منها ثمرًا جيدًا فإذا به عنب رديء. لهذا يعاقبها قائلًا: "والآن يا سكان أورشليم ورجال يهوذا احكموا بيني وبين كرمي، ماذا يُصنع أيضًا لكرمي وأنا لم أصنعه له؟! لماذا انتظرت أن يصنع عنبًا صنع عنبًا رديئًا؟! فالآن أعرّفكم ماذا أصنع بكرمي: أنزع سياجه فيصير للرعي، أهدم جدرانه فيصير للدوس وأجعله خرابًا لا يقضب ولا ينقب، فيطلع شوك وحسك وأوصي الغيم أن لا يمطر عليه مطرًا. إن كرم رب الجنود هو بيت إسرائيل، وغرس لذته رجال يهوذا، فانتظر حقًا فإذا سفك دم، وعدلًا فإذا صراخ" (إش 5: 3-7).
مرة أخرى يصف المرتل شعب الله ككرمة الرب التي رعاها بيمينه لكنها لم تحتفظ بكيانها... إذ يقول: "كرمة من مصر نقلت، طردت أممًا وغرستها، هيأت قدامها فأصَّلت أصولها فملأت الأرض. غطى الجبال ظلها وأغصانها أرز الله. مدت قضبانها إلى البحر وإلى النهر فروعها. فلماذا هدمْتَ جدرانها فيقطفها كل عابري الطريق، يفسدها الخنزير من الوعر، ويرعاها وحش البرية؟!" (مز 80: 8-13).
هذا ما حدث حرفيًا مع شعب إسرائيل كما يحدث رمزيًا في حياة الكثيرين فمن الناحية الحرفية أقام الرب شعبه في مصر كأول نبتة على مستوى أمة خاصة به، ثم نقلها من هناك على يدي موسى بيد رفيعة وذراع قوية. طرد الكثير من الأمم من أمام وجهها لتقطن في أرض الموعد، فتزايد شعبها وكثر عددهم وملأت أرض الموعد، واحتضنت جبال إسرائيل وأرز لبنان، امتدت شرق البحر الأبيض إلى نهر الأردن... لكنها إذ انحرفت عن الله هدم الرب سورها ودخل إليها كثير من الغرباء يذلونها، وصارت نجسة بدخول العبادات الوثنية إلى هيكلها، وعوض رعاية الرب لها صار وحش البرية في داخلها يفترس أولادها.
أما من الناحية الرمزية فإن المؤمن وهو مغروس في مصر (العالم) يعبر به الرب إلى أورشليم العليا، ويدخل به إلى السمويات على يدي السيد المسيح نفسه بيد قوية. يطرد من أمامه كل قوات الظلمة فلا يكون لها موضع في قلبه ويعيش ملكًا، له سلطان أن يدوس على الحيات والعقارب، يحتضن في داخله الجبال المقدسة (أنبياء العهد القديم ورسل العهد الجديد) وأرز الله إذ يدخل في شركة مع القديسين الذين يعيشون في استقامة الأرز. تمتد حياته إلى البحر والنهر أي إلى مجاري المياه المقدسة، أو نهر المعمودية المبارك لكي تعيش على روح الله القدوس كسر استنارتها ونموها الدائم. مثل هذه النفس إن لم تثبت فيما وهب لها حتى النهاية تضيع فتصير ألعوبة الشيطان!! لهذا يحذرنا الرسول بولس "إذا من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط" (1 كو 10: 12).
إن كانت كنيسة العهد القديم كما العهد الجديد قد دعيت بالكرمة بين شجر الوعر، لأنها حملت عنقود الحياة - رب المجد يسوع - الذي هو سر فرحنا وتهليلنا. حملت ثمرًا بين أشجار الوعر غير المثمرة، فإنه في هذا الأصحاح دعى الشعب القديم بعود الكرم فوق كل عود أو فوق القضيب الذي من شجر الوعر. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). أنه غصن الكرمة الذي كان يلزم أن يكون حاملًا للعنقود، لكنه للأسف إذ قطع عن الأصل صار جافًا وبلا عمل. لقد جف وأكلته النار من طرفيه كما حرق وسطه، فهل يصلح لعمل ما؟! "هوذا حين كان صحيحًا لم يكن يصلح لعمل ما، فكم بالأحرى لا يصلح بعد لعمل ما، إذ أكلته النار فاحترق؟!" [5].
أولًا: قد قُطع عن الأصل، ففقد حياته ولم يعد يصلح بعد إلا للحرق بنار الدينونة وكما يقول القديس أغسطينوس: [الغصن يناسب فقط أحد أمرين: أما الكرمة وإما النار. فإن لم يكن ثابتًا في الكرمة يكون نصيبه النار. وإن أراد أن يهرب من الموضع الأخير يلزم أن يكون له موضعه في الكرمة(129)].
ثانيًا: احتراق طرفيه هو إشارة إلى ما أصاب هذا الشعب بسبب خطاياه، فقد سقطت مملكة الشمال عام 721 ق.م. في السبي البابلي، ومملكة الجنوب في أول سبي لها حوالي عام 597 ق.م. لقد أصابها اعتزالها الله نفسه، الاحتراق الداخلي بسبب الخطيئة. لهذا لا بُد أن يتم الاحتراق الكلي.
* ثبتني فيك أيها الكرمة الحقيقية،
فبدونك أجف ولا أصلح حتى للحريق!
* هوذا أنا قصبة مرضوضة، فلا تقصفني!
أصلح حالي بلمسات يدك الشافية!
هب لي روحك القدوس عاملًا فيّ!
عوض الجفاف احمل ثمار الحية
وعوض الموت أتنسَّم حياة أبدية!
* رويت كرمك بدمك الثمين،
غرست كنيستك كرمة صالحة،
حوطتها بأسوار روحك القدوس،
وقدمت لها كل إمكانية للإثمار!
لتعمل فأحمل ثمرك في داخلي أيها القدوس!
_____
(129) St. Augustine: In Ioan., tract 81:3
← تفاسير أصحاحات حزقيال: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير حزقيال 16 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير حزقيال 14 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/q5k8zgz