← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26 - 27 - 28 - 29 - 30 - 31 - 32 - 33 - 34 - 35
[1 -4]. |
|||
[5 -10]. |
|||
[11 -26]. |
|||
[27 -28]. |
|||
[29 -35] |
1 ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «انْحَتْ لَكَ لَوْحَيْنِ مِنْ حَجَرٍ مِثْلَ الأَوَّلَيْنِ، فَأَكْتُبَ أَنَا عَلَى اللَّوْحَيْنِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى اللَّوْحَيْنِ الأَوَّلَيْنِ اللَّذَيْنِ كَسَرْتَهُمَا. 2 وَكُنْ مُسْتَعِدًّا لِلصَّبَاحِ. وَاصْعَدْ فِي الصَّبَاحِ إِلَى جَبَلِ سِينَاءَ، وَقِفْ عِنْدِي هُنَاكَ عَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ. 3 وَلاَ يَصْعَدْ أَحَدٌ مَعَكَ، وَأَيْضًا لاَ يُرَ أَحَدٌ فِي كُلِّ الْجَبَلِ. الْغَنَمُ أَيْضًا وَالْبَقَرُ لاَ تَرْعَ إِلَى جِهَةِ ذلِكَ الْجَبَلِ». 4 فَنَحَتَ لَوْحَيْنِ مِنْ حَجَرٍ كَالأَوَّلَيْنِ. وَبَكَّرَ مُوسَى فِي الصَّبَاحِ وَصَعِدَ إِلَى جَبَلِ سِينَاءَ كَمَا أَمَرَهُ الرَّبُّ، وَأَخَذَ فِي يَدِهِ لَوْحَيِ الْحَجَرِ.
في المرة الأولى قدم الله اللوحين منحوتين ومنقوشة الوصايا عليها، لكن في هذه المرة طلب الله من موسى أن ينحت اللوحين مثل الأولين، ويكتب الله عليهما. لقد جدد الله العهد مع شعبه الساقط، لكن الشعب فقد اللوحين اللذين من عمل الله.
5 فَنَزَلَ الرَّبُّ فِي السَّحَابِ، فَوَقَفَ عِنْدَهُ هُنَاكَ وَنَادَى بِاسْمِ الرَّبِّ. 6 فَاجْتَازَ الرَّبُّ قُدَّامَهُ، وَنَادَى الرَّبُّ: «الرَّبُّ إِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الإِحْسَانِ وَالْوَفَاءِ. 7 حَافِظُ الإِحْسَانِ إِلَى أُلُوفٍ. غَافِرُ الإِثْمِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْخَطِيَّةِ. وَلكِنَّهُ لَنْ يُبْرِئَ إِبْرَاءً. مُفْتَقِدٌ إِثْمَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ، وَفِي أَبْنَاءِ الأَبْنَاءِ، فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ». 8 فَأَسْرَعَ مُوسَى وَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ وَسَجَدَ. 9 وَقَالَ: «إِنْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ أَيُّهَا السَّيِّدُ فَلْيَسِرِ السَّيِّدُ فِي وَسَطِنَا، فَإِنَّهُ شَعْبٌ صُلْبُ الرَّقَبَةِ. وَاغْفِرْ إِثْمَنَا وَخَطِيَّتَنَا وَاتَّخِذْنَا مُلْكًا». 10 فَقَالَ: «هَا أَنَا قَاطِعٌ عَهْدًا. قُدَّامَ جَمِيعِ شَعْبِكَ أَفْعَلُ عَجَائِبَ لَمْ تُخْلَقْ فِي كُلِّ الأَرْضِ وَفِي جَمِيعِ الأُمَمِ، فَيَرَى جَمِيعُ الشَّعْبِ الَّذِي أَنْتَ فِي وَسَطِهِ فِعْلَ الرَّبِّ. إِنَّ الَّذِي أَنَا فَاعِلُهُ مَعَكَ رَهِيبٌ.
لقد حقق الله وعده لموسى: "ويكون متى اجتاز مجدي..." (خر 33: 22)، إذ نراه هنا قد "اجتاز الرب قدامه" [6]، وأعلن الرب عن طبيعته أنه "إله رحيم ورؤوف بطيء الغضب وكثير الإحسان والوفاء، حافظ الإحسان إلى ألوف، غافر الإثم والمعصية والخطية، ولكنه لن يبرئ إبراءً، مفتقد إثم الآباء في الأبناء وفي أبناء الأبناء في الجيل الثالث والرابع" (خر 34: 6، 7).
إنه يحقق أيضًا وعده: "أنادي باسم الرب قدامك، وأتراءف على من أتراءف وأرحم من أرحم" (خر 33: 19). لقد أوضح ماذا يعني أنه يتراءف على من يتراءف ويرحم من يرحم، إنها ليس كما تبدو لأول وهلة إن الله لديه محاباة يرحم من يشاء حتى وإن كان غير تائب، ويقسو على من يشاء حتى وإن كان تائبًا! إنما أحكامه فوق الفكر البشري، هو يرحم متى رأى الإنسان قدم توبة، أو مشتاقًا إلى التوبة. هوذا الآن يعلن رحمته بتجديد العهد، لكن ليس بغير عدل إنما بعد أن قدموا توبة صادقة، ونزعوا عنهم زينتهم (خر 33: 6) وناحوا (خر 33: 4).
قوله "أرحم من أرحم" تشبه قول الرسول بولس: "أنا غرست وأبولس سقى لكن الله كان ينمي" (1 كو 3: 6). حقًا الله هو الذي يهب النمو لكرمه أي الكنيسة، لكن هل يعمل الله من غير أن يغرس الرعاة ويسقوا الكرمة؟! أو هل يتوقف الرعاة عن العمل لأن الله هو الذي ينمي؟! هم يبذلون ما في استطاعتهم لكن لا حياة بدونه! هكذا نحن نقدم التوبة لكن لا رحمة من أجل برّ فينا إنما من أجل الله الذي يرحم من يرحم. وكما يقول القديس أغسطينوس: [من يظن أن في الله ظلمًا لكونه يؤدب تأديبًا عادلًا على من يستحق ذلك أو يطيل أناته ورحمته... فهو غبي(439)].
استخدم الرسول بولس هذه العبارة في رسالته إلى أهل رومية، إذ يقول: "فماذا نقول؟! ألعل عند الله ظلمًا؟! حاشا. لأنه يقول لموسى إني أرحم من أرحم وأتراءف على من أتراءف، فإذًا ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى بل لله الذي يرحم" (رو 9: 14-16). ماذا يعني هذا، هل أننا لا نشاء ولا نسعى لأنه هو الذي يرحم أو يقسو كما يشاء؟! يستحيل. لكن يُريد الرسول أن يؤكد أن رحمة الله مجانية وحبه من أجل طبيعته، أنه يهب الذين يشاءون التوبة ويسعون إليه لكنه ليس من أجل حبه ورحمته وخلاصه المجاني. وقد أراد الرسول في هذا الأصحاح أن يوضح إن كان الرب قد قبل شعب إسرائيل ورحمه قديمًا فليس له فضل في ذلك، وإن كان الأمم قد اشتهوا الخلاص وآمنوا أيضًا ليس لهم فضل، الله الذي يرحم إسرائيل قبلًا يرحم كل الأمم حاليًا، فليس لإسرائيل أن يعترض!! فقد سبق وتنبأ هوشع النبي بلسان الرب قائلًا: "سأدعو الذي ليس شعبي شعبي والتي ليست محبوبة محبوبة" (رو 9: 25)، ليس على حساب الشعب القديم وإنما لأن الشعب القديم قد رفض والأمم قبلوا!(440).
أما قوله أنه يفتقد إثم الآباء في الأبناء، فقد شرحناه قبلًا أثناء الحديث عن الوصية الأولى (أصحاح 20).
إذ سمع موسى صوت الرب "أَسْرَعَ.. وَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ وَسَجَدَ" [8]، مقدمًا الخضوع والتوبة نيابة عن الشعب كله فجدد الرب العهد قائلًا: "ها أنا أقطع عهدًا..." [10].
11 «اِحْفَظْ مَا أَنَا مُوصِيكَ الْيَوْمَ. هَا أَنَا طَارِدٌ مِنْ قُدَّامِكَ الأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ. 12 اِحْتَرِزْ مِنْ أَنْ تَقْطَعَ عَهْدًا مَعَ سُكَّانِ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ آتٍ إِلَيْهَا لِئَلاَّ يَصِيرُوا فَخًّا فِي وَسَطِكَ، 13 بَلْ تَهْدِمُونَ مَذَابِحَهُمْ، وَتُكَسِّرُونَ أَنْصَابَهُمْ، وَتَقْطَعُونَ سَوَارِيَهُمْ. 14 فَإِنَّكَ لاَ تَسْجُدُ لإِلهٍ آخَرَ، لأَنَّ الرَّبَّ اسْمُهُ غَيُورٌ. إِلهٌ غَيُورٌ هُوَ. 15 اِحْتَرِزْ مِنْ أَنْ تَقْطَعَ عَهْدًا مَعَ سُكَّانِ الأَرْضِ، فَيَزْنُونَ وَرَاءَ آلِهَتِهِمْ وَيَذْبَحُونَ لآلِهَتِهِمْ، فَتُدْعَى وَتَأْكُلُ مِنْ ذَبِيحَتِهِمْ، 16 وَتَأْخُذُ مِنْ بَنَاتِهِمْ لِبَنِيكَ، فَتَزْنِي بَنَاتُهُمْ وَرَاءَ آلِهَتِهِنَّ، وَيَجْعَلْنَ بَنِيكَ يَزْنُونَ وَرَاءَ آلِهَتِهِنَّ. 17 «لاَ تَصْنَعْ لِنَفْسِكَ آلِهَةً مَسْبُوكَةً. 18 تَحْفَظُ عِيدَ الْفَطِيرِ. سَبْعَةَ أَيَّامٍ تَأْكُلُ فَطِيرًا كَمَا أَمَرْتُكَ فِي وَقْتِ شَهْرِ أَبِيبَ، لأَنَّكَ فِي شَهْرِ أَبِيبَ خَرَجْتَ مِنْ مِصْرَ. 19 لِي كُلُّ فَاتِحِ رَحِمٍ، وَكُلُّ مَا يُولَدُ ذَكَرًا مِنْ مَوَاشِيكَ بِكْرًا مِنْ ثَوْرٍ وَشَاةٍ. 20 وَأَمَّا بِكْرُ الْحِمَارِ فَتَفْدِيهِ بِشَاةٍ، وَإِنْ لَمْ تَفْدِهِ تَكْسِرُ عُنُقَهُ. كُلُّ بِكْرٍ مِنْ بَنِيكَ تَفْدِيهِ، وَلاَ يَظْهَرُوا أَمَامِي فَارِغِينَ. 21 سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ، وَأَمَّا الْيَوْمُ السَّابِعُ فَتَسْتَرِيحُ فِيهِ. فِي الْفَلاَحَةِ وَفِي الْحَصَادِ تَسْتَرِيحُ. 22 وَتَصْنَعُ لِنَفْسِكَ عِيدَ الأَسَابِيعِ أَبْكَارِ حِصَادِ الْحِنْطَةِ. وَعِيدَ الْجَمْعِ فِي آخِرِ السَّنَةِ. 23 ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ يَظْهَرُ جَمِيعُ ذُكُورِكَ أَمَامَ السَّيِّدِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ. 24 فَإِنِّي أَطْرُدُ الأُمَمَ مِنْ قُدَّامِكَ وَأُوَسِّعُ تُخُومَكَ، وَلاَ يَشْتَهِي أَحَدٌ أَرْضَكَ حِينَ تَصْعَدُ لِتَظْهَرَ أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ. 25 لاَ تَذْبَحْ عَلَى خَمِيرٍ دَمَ ذَبِيحَتِي، وَلاَ تَبِتْ إِلَى الْغَدِ ذَبِيحَةُ عِيدِ الْفِصْحِ. 26 أَوَّلُ أَبْكَارِ أَرْضِكَ تُحْضِرُهُ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ. لاَ تَطْبُخْ جَدْيًا بِلَبَنِ أُمِّهِ».
إذا يقطع الرب عهدًا مع الشعب بعد سقوطه في عبادة الأوثان قدم لهما شرطين أساسيين:
أ. شرط سلبي: هو تحطيم الخطية بكل صورها، إذ يقول "إحترز من أن تقطع عهدًا مع سكان الأرض التي أنت آت إليها لئلا يصيروا فخًا في وسطك، بل تهدمون مذبحهم وتكسرون أنصابهم وتقطعون سواريهم، فإنك لا تسجد لإله آخر، لأن الرب اسمه غيور. إله غيور هو...". وكما قلنا قبلًا لم يكن ممكنًا للشعب أن يميز بين الخطية والخطاة، فإبادة كل ما يتعلق بالخطاة كان رمزًا لإبادة الخطية في حياتنا.
ب. شرط إيجابي: لا يكفي الهروب من الشر، ولكن الجانب الإيجابي ضروري في العهد، كحفظ الأعياد وتقديم الأبكار وتقديس يوم الرب... الأمور التي تلهب قلب الإنسان بنار محبة الله، تعطيه فرحًا وراحة! وقد سبق الحديث عن هذه الأمور.
27 وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «اكْتُبْ لِنَفْسِكَ هذِهِ الْكَلِمَاتِ، لأَنَّنِي بِحَسَبِ هذِهِ الْكَلِمَاتِ قَطَعْتُ عَهْدًا مَعَكَ وَمَعَ إِسْرَائِيلَ». 28 وَكَانَ هُنَاكَ عِنْدَ الرَّبِّ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، لَمْ يَأْكُلْ خُبْزًا وَلَمْ يَشْرَبْ مَاءً. فَكَتَبَ عَلَى اللَّوْحَيْنِ كَلِمَاتِ الْعَهْدِ، الْكَلِمَاتِ الْعَشَرَ.
امتزج العهد بالصوم، إذ "كان هناك عند الرب أربعين نهارًا وأربعين ليلة لم يأكل خبزًا ولم يشرب ماءً" [28].
إذ كان عند الرب لم يحتاج إلى خبز أو ماء، إذ كان الرب هو شعبه وسرّ ارتوائه. وقد رأينا قبلًا أن رقم 40 يُشير إلى الحياة الزمنية (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وكان الإنسان في تمتعه بلذة الوصية والشركة مع كلمة الله يلزم أن يقضي حياته بعيدًا عن حياة الترف.
29 وَكَانَ لَمَّا نَزَلَ مُوسَى مِنْ جَبَلِ سِينَاءَ وَلَوْحَا الشَّهَادَةِ فِي يَدِ مُوسَى، عِنْدَ نُزُولِهِ مِنَ الْجَبَلِ، أَنَّ مُوسَى لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ جِلْدَ وَجْهِهِ صَارَ يَلْمَعُ فِي كَلاَمِهِ مَعَهُ. 30 فَنَظَرَ هَارُونُ وَجَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُوسَى وَإِذَا جِلْدُ وَجْهِهِ يَلْمَعُ، فَخَافُوا أَنْ يَقْتَرِبُوا إِلَيْهِ. 31 فَدَعَاهُمْ مُوسَى. فَرَجَعَ إِلَيْهِ هَارُونُ وَجَمِيعُ الرُّؤَسَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ، فَكَلَّمَهُمْ مُوسَى. 32 وَبَعْدَ ذلِكَ اقْتَرَبَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَوْصَاهُمْ بِكُلِّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ مَعَهُ فِي جَبَلِ سِينَاءَ. 33 وَلَمَّا فَرَغَ مُوسَى مِنَ الْكَلاَمِ مَعَهُمْ، جَعَلَ عَلَى وَجْهِهِ بُرْقُعًا. 34 وَكَانَ مُوسَى عِنْدَ دُخُولِهِ أَمَامَ الرَّبِّ لِيَتَكَلَّمَ مَعَهُ يَنْزِعُ الْبُرْقُعَ حَتَّى يَخْرُجَ، ثُمَّ يَخْرُجُ وَيُكَلِّمُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا يُوصَى. 35 فَإِذَا رَأَى بَنُو إِسْرَائِيلَ وَجْهَ مُوسَى أَنَّ جِلْدَهُ يَلْمَعُ كَانَ مُوسَى يَرُدُّ الْبُرْقُعَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى يَدْخُلَ لِيَتَكَلَّمَ مَعَهُ.
إذ وقف موسى أمام الله صار "جلد وجهه يلمع في كلامه معه" [29]، الأمر الذي لم يحدث طوال السنوات السابقة، أثناء لقائه معه خلال العليقة الملتهبة أو عند تسلم الوصايا العشر في المرة الأولى أو الشريعة... وكأن الله أراد أن يكافئه في هذه المرة لقاء حبه الشديد لشعبه، فإن كان بالحب قَبِلَ أن يُمْحَى اسمه من الكتاب الأبدي، فإنه بالحب صار وجهه يضيء وهو بعد على الأرض! هذا هو بهاء حياة الحب الحقيقية ومجدها!
يرى القديس اكليمندس الإسكندري في لمعان وجه موسى رمزًا للإنسان الغنوسي أي صاحب المعرفة الحقيقية العملية، فإنه يتمجد هنا على الأرض كما حدث لموسى، فيحمل جسده سمات النفس البارة(441). يرى العلامة ترتليان في هذا الحدث إعلانًا لعمل الله في القيامة، فإن كان موسى هو بعينيه قد تمجد حتى لم يستطع الشعب أن ينظر إلى وجهه المضيء، هكذا يكون حالنا في القيامة(442).
أما البرقع الذي وضعه موسى حين كان يتحدث مع الشعب حتى يقدر أن يقف بينهم ويحدثهم، فهو ذاك الذي أزاله السيد المسيح بنوالنا نعمته (2 كو 3: 13-14)، وكما يقول القديس بولس أن البرقع لا يزال موجودًا لدى اليهود على قلوبهم غير المؤمنة (2 كو 3: 7)، لهذا لا يستطيعوا إدراك أسرار الناموس وروحه الخفي!
يتحدث العلامة أوريجانوس عن هذا البرقع قائلًا:
[إن قرأنا بإهمال بلا غيرة للفهم أو الإدراك يكون الكتاب كله مُغطى بالبرقع حتى الأناجيل والرسائل(443)].
[يأتي بعضكم بعد القراءة مباشرة، والبعض لا يناقش ما يسمعه، ولا ينطق به، هؤلاء لا يتذكرون وصايا الناموس الإلهي القائلة: "اسأل أباك فيخبرك وشيوخك فيقولوا لك" (تث 32: 7). والبعض لا ينتظر حتى نهاية القراءة في الكنيسة، وآخرون لا يهتمون إن كانت القراءات قد تليت أم لا... أقول عن هؤلاء أنه عند قراءة موسى ليس فقط لا يوضع برقع بل يوضع حائط وسور في قلبهم(444)].
[لا تكفي الدراسة لمعرفة الكتب المقدسة إنما يليق بنا أن نتضرع إلى الرب ونتوسل إليه نهارًا وليلًا حتى يأتي الحمل الذي من سبط يهوذا ويمسك الكتاب المختوم ويفك ختومه (رؤ 5: 5). هذا الذي لما شرح الكتب لتلميذيه التهب قلباهما فقالا: "أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِبًا فِينَا إِذْ كَانَ [يشرح] لَنَا الْكُتُبَ" (لو 24: 32). ليتحنن الرب علينا الآن، إذ قيل: الرب هو روح، وحيث روح الرب هناك الحرية (2 كو 3: 17) حتى تثبت حرية المعرفة ونخلص من عبودية البرقع، لهذا أضاف الرسول قائلًا: "ونحن جميعًا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف"... ولكن كيف يمكن أن نجد هذه الحرية إن كنا لا نزال عبيدًا للعالم والمال وشهوات الجسد؟!(445)].
_____
(439) Enchiridion 98.
(440) سأعود لشرح هذا الأمر بأكثر تفصيل في شرحنا لرسالة بولس الرسول إلى أهل رومية إن شاء الرب.
(441) Strom 6: 12.
(442) In Exod, hom 12: 4.
(443)On the Resurr. Of the Flesh, 55.
(444)Ibid 12: 2.
(445)Ibid 12: 4.
← تفاسير أصحاحات الخروج: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير الخروج 35 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير الخروج 33 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/thjxfc9