كل خطية تُغفَر بالتوبة النقية والاعتراف، ما عدا خطية التجديف على الروح القدس، كما يقول الكتاب: "كُلُّ خَطِيَّةٍ وَتَجْدِيفٍ يُغْفَرُ لِلنَّاسِ، وَأَمَّا التَّجْدِيفُ عَلَى الرُّوحِ فَلَنْ يُغْفَرَ لِلنَّاسِ" (إنجيل متى 12: 31). ومَنْ يقول لك مثل هذا يدفعك لليأس والانغماس في الخطية، ولا يقدم تعليم يطابق الكتاب المقدس.. الله يمكن أن يغفر أي خطية إن كانت بتوبة خالصة..
والروح القدس لا ينفصل عن الإنسان الخاطئ.. بل يحثه على التوبة، وعلى التغيير.. فنرى عندما سقط داود في خطية الزنا وهو متزوج، كان يقول بتوبة: "رُوحَكَ الْقُدُّوسَ لاَ تَنْزِعْهُ مِنِّي" (سفر المزامير 51: 11).. فالروح القدس لا ينفصل عنه ولا يتركه.. أما إذا أصرّ الإنسان على الاستمرار في الخطية وعدم التوبة، فإنه يطفئ بذلك الروح القدس داخله. وهذا ما نتحدث عنه في الفقرة القادمة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت خطورة الاستهانة بالخطية، حسبما قال بولس الرسول عن بعض الرافضين لعمل الروح داخلهم: "وَكَمَا لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا اللهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ، أَسْلَمَهُمُ اللهُ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ لِيَفْعَلُوا مَا لاَ يَلِيقُ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 1: 28).
فإنه أمر خاطئ أن يقوم بعض الكهنة بإضفاء اليأس على الناس الذين يسترشدون بهم.. فيجب أن يكون الكاهن قلب مفتوح للناس، ولا يكون مصدر يأس للناس بغية التدقيق في الدين، فهذا مثلما قال السيد المسيح للكتبة والفريسيين: "تُغْلِقُونَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قُدَّامَ النَّاسِ، فَلاَ تَدْخُلُونَ أَنْتُمْ وَلاَ تَدَعُونَ الدَّاخِلِينَ يَدْخُلُونَ" (إنجيل متى 23: 13)(1).
وكما غُفِرَ لداود، تابت مريم القبطية عن هذه الخطية، وغُفِرَت لها خطاياها، وصارَت من الأبرار ومن السواح.. وأغسطينوس نفس الوضع(4)..
ولكن، دعنا نقوم بتوضيح أمر هام هنا، لئلا يفهم الزائر العزيز لموقع الأنبا تكلاهيمانوت الأمر بصورة غير سليمة.. فلا يستهِن أحد بأي خطية مهما كانت قد تبدو له بسيطة بدعوى غفران الله.. أو يقول إذا فعلت هذا أو ذاك من خطايا ثم تُبْت فكأني لم أفعل شيئًا.. ففي هذا يقول الكتاب: "أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟ وَلكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ، تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَبًا فِي يَوْمِ الْغَضَبِ وَاسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ اللهِ الْعَادِلَةِ، الَّذِي سَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِهِ.. فَأَنْتَ إِذًا الَّذِي تُعَلِّمُ غَيْرَكَ، أَلَسْتَ تُعَلِّمُ نَفْسَكَ؟ الَّذِي تَكْرِزُ: أَنْ لاَ يُسْرَقَ، أَتَسْرِقُ؟ الَّذِي تَقُولُ: أَنْ لاَ يُزْنَى، أَتَزْنِي؟ الَّذِي تَسْتَكْرِهُ الأَوْثَانَ، أَتَسْرِقُ الْهَيَاكِلَ؟ الَّذِي تَفْتَخِرُ بِالنَّامُوسِ، أَبِتَعَدِّي النَّامُوسِ تُهِينُ اللهَ؟ لأَنَّ اسْمَ اللهِ يُجَدَّفُ عَلَيْهِ بِسَبَبِكُمْ بَيْنَ الأُمَمِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 2: 4-6؛ 21-24).
فالاستهانة بالخطية أو بنتائجها أمر جد خطير.. فَمَنْ أدراك أنك سَتُمْهَل وقت للتوبة إن أخطأت عمدًا أو باستهانة قلب؟! ومَنْ أدراك أن روح التوبة الحقيقية وليست الشكلية ستنمو في قلبك؟ هذا بخلاف أن التوبة والغفران قد لا يمحي العقوبة التي يُعَاقَب بها الإنسان هنا على الأرض.. فحسب توبته لَنْ يُدان في الأبدية، لكن هناك عقوبة على الأرض.. وقد كانت هناك عقوبة لداود على خطيته(2)..
هذا بخلاف أن الخطايا مع الوقت تجعل الإنسان في حالة فتور وبرود روحي، تؤدي به إلى الانحدار التدريجي، وعدم الشعور ببشاعة الخطية، والاستمرار في إهانة الله بصورة متكررة.. سواء بالفعل أو بالفِكر.. وإذا طُلِّق مثل هذا الشخص الخاطئ بسبب خطيته، لن يُسمح له بالزواج ثانية، لأنه لا يؤتمن على زواجٍ آخر(3). وهذا جانب من العقوبة الأرضية كذلك..
نختم هذه الفقرة بآيات من (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل تسالونيكي 5: 19-23): "لاَ تُطْفِئُوا الرُّوحَ.. امْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ. تَمَسَّكُوا بِالْحَسَنِ. امْتَنِعُوا عَنْ كُلِّ شِبْهِ شَرّ. وَإِلهُ السَّلاَمِ نَفْسُهُ يُقَدِّسُكُمْ بِالتَّمَامِ. وَلْتُحْفَظْ رُوحُكُمْ وَنَفْسُكُمْ وَجَسَدُكُمْ كَامِلَةً بِلاَ لَوْمٍ عِنْدَ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ".
قُلت: "فالكتاب يقول التوبة تجعل العاهرين والزناة بتوليين"، وهذه ليست آية كتابية، بل قول من أقوال الشيخ الروحاني القديس يوحنا سابا.
عن موضوع سراري داود، فنظام التسري كان مسموحًا به حسب الناموس اليهودي في إطار تعدد الزوجات، ولم يكن يعتبر زنًا، بل السرية هي زوجة، ولكن من درجة أقل. وهذا مثال ليس في محله..
وتطلب إجابة بأدلة من الكتاب المقدس، والكتاب المقدس -كما أوضحنا في مقدمة هذا السؤال هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت- قال السيد المسيح فيه صراحةً: "كُلُّ خَطِيَّةٍ وَتَجْدِيفٍ يُغْفَرُ لِلنَّاسِ، وَأَمَّا التَّجْدِيفُ عَلَى الرُّوحِ فَلَنْ يُغْفَرَ لِلنَّاسِ" (إنجيل متى 12: 31). وهذا واضح جدًا أنه "كل خطية تُغْفَر"، بما فيها هذه أو تلك.. ما عدا خطية التجديف والتي تعني رفض عمل الروح القدس في القلب مدى الحياة حتى الموت.
أمر غريب أيضًا في كلامك هو أنك تعتمد على أفكارك وتحليلاتك، وترفض كلام الآباء الكهنة الذين يرشدونك لتعليم الكتاب السليم، وتُصِر على تحليلات منقوصة للوضع.. فهذا ربما بقية لحرب الشيطان حتى يوقعك في اليأس والقنوط، والذي بدوره يؤدي إلى الانغماس في الخطية، ورفض عمل الروح القدس في القلب، الذي يؤدي إلى التوبة الحقيقية.. فكن حكيمًا يا صديقي، وعندما يقول لك الشيطان "مَكْتُوبٌ" (إنجيل متى 4: 6)، قُل لهُ: "مَكْتُوبٌ أَيْضًا" (إنجيل متى 4: 7). واحذر من خطورة الاعتماد على آية واحدة فقط، بل ضع كل الشواهد والموضوعات المتعلقة في الكتاب، ومن خلالها تستطيع تكوين فكرة سليمة عن تعليم الكتاب السليم في النقطة موضوع البحث..
قُلت: الكهنة "مستندين علي أيه واحده"، وهذا كما أوضحنا بعاليه من شواهد وآيات، فهذا الكلام غير سليم.
قُلت أيضًا: "يفسرون كلمة تمحي الخطايا كأن لم تكن هناك خطية"، وهذا ليس من تعليمهم.. بل الكتاب المقدس هو الذي يقول هذا.. فميخا النبي يشجع اليائس بالوحي قائلاً: "لاَ تَشْمَتِي بِي يَا عَدُوَّتِي، إِذَا سَقَطْتُ أَقُومُ. إِذَا جَلَسْتُ فِي الظُّلْمَةِ فَالرَّبُّ نُورٌ لِي"، ثم يكمل قائلًا النقطة التي تبحث عنها: "مَنْ هُوَ إِلهٌ مِثْلُكَ غَافِرٌ الإِثْمَ وَصَافِحٌ عَنِ الذَّنْبِ لِبَقِيَّةِ مِيرَاثِهِ؟! لاَ يَحْفَظُ إِلَى الأَبَدِ غَضَبَهُ، فَإِنَّهُ يُسَرُّ بِالرَّأْفَةِ. يَعُودُ يَرْحَمُنَا، يَدُوسُ آثَامَنَا، وَتُطْرَحُ فِي أَعْمَاقِ الْبَحْرِ جَمِيعُ خَطَايَاهُمْ" (سفر ميخا 7: 8، 18، 19). فلاحظ يا أخي قوله: "تُطْرَحُ فِي أَعْمَاقِ الْبَحْرِ جَمِيعُ خَطَايَاهُمْ".
بولس الذي تستشهد به في كلامك قال أيضًا: "عَالِمًا هذَا: أَنَّ النَّامُوسَ لَمْ يُوضَعْ لِلْبَارِّ، بَلْ لِلأَثَمَةِ وَالْمُتَمَرِّدِينَ، لِلْفُجَّارِ وَالْخُطَاةِ، لِلدَّنِسِينَ وَالْمُسْتَبِيحِينَ، لِقَاتِلِي الآبَاءِ وَقَاتِلِي الأُمَّهَاتِ، لِقَاتِلِي النَّاسِ، لِلزُّنَاةِ، لِمُضَاجِعِي الذُّكُورِ، لِسَارِقِي النَّاسِ، لِلْكَذَّابِينَ، لِلْحَانِثِينَ، وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ آخَرُ يُقَاوِمُ التَّعْلِيمَ الصَّحِيحَ" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 1: 9، 10). فهذه من أبشع أنواع الخطايا، والتي من أجلها وُضِعَ الناموس (أي الوصايا)، فإن كانت الوصية وُضِعَت من أجل هذا، فبهدف التوبة ومعرفة المسيح والخلاص الأبدي.. أما الدينونة فتكون على مَنْ لا يتوبون، أو يستهينون بالخطية، أو يعودون إليها مثلما يقول الكتاب: "كَمَا يَعُودُ الْكَلْبُ إِلَى قَيْئِهِ، هكَذَا الْجَاهِلُ يُعِيدُ حَمَاقَتَهُ" (سفر الأمثال 26: 11؛ رسالة بطرس الرسول الثانية 2: 22).
وفي إطار نسيان الله للخطايا، انظر داود النبي ماذا يطلب قائلاً: "لاَ تَذْكُرْ خَطَايَا صِبَايَ وَلاَ مَعَاصِيَّ" (سفر المزامير 25: 7).
والله نفسه يقول: "أَنَا أَنَا هُوَ الْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لاَ أَذْكُرُهَا»" (سفر إشعياء 43: 25).
اقرأ أيضًا قول الكتاب: "لأَنِّي أَكُونُ صَفُوحًا عَنْ آثَامِهِمْ، وَلاَ أَذْكُرُ خَطَايَاهُمْ وَتَعَدِّيَاتِهِمْ فِي مَا بَعْدُ" (رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 8: 12؛ 10: 17).
أخي العزيز، لا تدع الشيطان يوقِعَك في اليأس، ولا تتهاوَن أيضًا في النظر إلى الخطية أيًا كانت.. بل كن حكيمًا، ودع الله وروحه القدوس يتكلم في قلبك، ويدير دفة حياتك.. وليست الشكوك واليأس وتِذْكار الشر المُلبِس الموت..
(1) مرجع: سؤال لقداسة البابا شنوده الثالث في إحدى المحاضرات بعنوان: "هل خطية الزنا بعد الزواج لا تُغفر؟".
(2) مرجع: سؤال لقداسة البابا شنوده الثالث في إحدى المحاضرات بعنوان: "عن خطية الزنا وعقوبته".
(3) مرجع: سؤال لقداسة البابا شنوده الثالث في إحدى المحاضرات بعنوان: "هل إذا إعترف المطلق لعلة الزنا بخطيته فهل تغفر له خطيته ويمكن الزواج مرة أخرى؟".
(4) مرجع: سؤال لقداسة البابا شنوده الثالث في إحدى المحاضرات بعنوان: "هل تُغفر خطية الزنا بجميع أنواعه؟".
* مرجع: من مقالات وأبحاث موقع الأنبا تكلاهيمانوت www.st-takla.org (م. غ.) - مراجعة لغوية: سامي فانوس.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/faq/youth/adultery.html
تقصير الرابط:
tak.la/s3rjn6k