ولد بالإسكندرية وأصيب بمرض في عينيه وهو في الرابعة من عمره ففقد بصره. ولكن رغبته الشديدة في العِلم ذللت أمامه كل عقبة فلم يمنعه فقد البصر ولا الفقر من تعلم الحروف الأبجدية على لوح محفور. وهكذا تعلم النحو والمعاني والبيان والفلسفة والمنطق والرياضة والموسيقى، وكان متمكنًا من هذه العلوم وفاق أترابه ونظرائه.
وكان صديقًا حميمًا للقديس انطونيوس. وذات يوم إذ هما يتحدثان عن الكتب المقدسة سأله القديس: لعلك لا تحزن على كونك كفيف البصر، فقال له ديديموس: إن ذلك ليحزنني جدًا. فقال القديس: "إني أعجب لحزنك على فقد ما تشترك فيه معك الحيوانات... ولا تفرح متعزيًا بأن الله وهبك نظرًا آخر لا يهبه تقديس اسمه إلا لمحبيه، فأعطاك عينين كأعين الملائكة تبصر بها الروحيات، بل بواسطتهما أدركت الإله نفسه وسطع نوره أمامك فأزاح دياجير الظلام عن عيني قلبك فاستنرت، فصار ديديموس بهذا القول متعزيًا طول حياته.
عينه البابا أثناسيوس الرسولي مديرًا للمدرسة اللاهوتية بالإسكندرية سنة 340 م. فكان علمًا باهرًا قويًا عن الإيمان القويم. فتقاطر طلاب العم إليه من كل مكان وتتلمذ له روفينوس وإيرونيموس، ولما كان كثيرون من ذوي البصر يتلقون العلم عن ذلك الضرير لقب حينئذ بالأعمى البصير.
وهذه المدرسة اللاهوتية التي صار مديرًا لها أمتد فضلها إلى كل الأصقاع وانتشر نورها في كل مكان، وتخرج منها كثيرون من باباوات الإسكندرية. ومما يدل على عظم شأنها أن منصب مديرها كان يلي المنصب البطريركي في الرتبة وقد انتخب أكثر البطاركة القدماء من رؤسائها.
ولما تقدمت به السن كان حزنه على المسيحيين الذين وقعوا تحت اضطهاد يوليانوس الجاحد عميقًا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فصرف يومًا كاملًا في الصلاة والصوم يبتهل إلى الله أن يرفع البلاء عن شعبه إلى أن أضناه التعب فنام. وفي أثناء نومه سمع صوتًا من العلاء يقول: "قم وقل لأثناسيوس أن القيصر قد مات". فكتب تاريخ اليوم والساعة التي سمع فيها هذا الصوت فوافق بالتمام الوقت الذي قتل فيه يوليانوس.
قال سقراط المؤرخ:
إن ديديموس كان يعتبره الناس حصنًا حصينًا وسندًا قويًا للديانة المسيحية قبل أن يتولى رئاسة المدرسة اللاهوتية، وكان يعد خصمًا عنيدًا كسر شوكة اتباع اريوس وأذلهم في مناظرته لهم، وله مصنفات عديدة.
وقد وضع تفسيرًا للمزامير ولإنجيل متى ويوحنا وكتابًا في عقائد الدين وكتابين دحض فيهما ضلال الأريوسيين وكتابًا في الروح القدس ترجمه إيرونيموس إلى اللاتينية وعشرة كتب في تفسير نبوة أشعياء وثمانية في نبوة هوشع وبعت إلى إيرونيموس بثلاثة كتب في تفسير آيات من الأسفار المقدسة، وكتب خمسة كتب في نبوة زكريا وفسر سفرا أيوب وغير ذلك.
وإيرونيموس تلميذه الذي عدد مؤلفاته كتب عنه في سنة 392 م. يقول عنه: "وهو حي إلى الآن وقد جاوز الثالثة والثمانين من عمره". وتوفي ديديموس سنة 396 م.(1).
_____
(1) تاريخ الكنيسة لمنسى يوحنا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/youssef-habib/zakaria/didmous.html
تقصير الرابط:
tak.la/n8tn5n3