تكلمنا في المقال السابق عن 6 نقاط حول لاهوت المسيح في مناقشتنا مع شهود يهود ونتابع في هذا المقال حديثنا في نفس الموضوع:
لا يستطيع مخلوق أن يقول هو الأول، لأنه لا بد قد سبقه من خلقه.
فالخالق وحده هو الأول، وبعد ذلك المخلوقات حسب ترتيب وجودها.
لذلك يقول الله أكثر من مرة إنه الأول.
حتى في نفس الإصحاح الذي أخذ منه شهود يهوه اسمهم (أش 43: 10، 12) يقول الرب الإله "قبلي لم يصور إله، وبعدى لا يكون. أنا أنا الرب، وليس غيري مخلص" (أش43: 10، 11). وعبارة "قبلي لم يصور إله" معناها أنه الأول. وعبارة "وبعدى لا يكون" معناها أنه الآخر في الألوهية. وعبارة "أنا أنا الرب وليس غيري" معناها أنه الإله الوحيد. فكيف إذن يُدعى غيره إلهًا بمعنى الألوهية؟!
وأيضًا يقول الرب في صراحة كاملة "أنا الأول والآخر، ولا إله غيري" (أش 44: 6).
ويقول في (أش 48: 12) "أنا هو. أنا الأول، وأنا الآخر. ويدي أسست الأرض ويميني نشرت السموات..". فهو الأول والآخر، وهو الخالق وحده، لم يكن محتاجًا إلى من يستخدمه في الخلق (كما يدعى شهود يهوه)! بل إنه يقول "يدي أسست الأرض، ويميني نشرت السموات".
وبينما يقول الله (يهوه) أنا الأول والآخر، يقول السيد المسيح أنا الأول والآخر. فكيف نوفق إذن بين القولين؟
منذ كنت أناقش شهود يهوه في سنتيّ 1953، 1954 (قبل رهبنتي)، واجهتهم بما ورد في الإصحاح الأول من سفر الرؤيا "هوذا يأتي على السحاب، وستنظره كل عين والذين طعنوه، وينوح عليه جميع قبائل الأرض، نعم آمين. أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية، يقول الرب الكائن والذي كان، والذي يأتي القادر على كل شيء" (رؤ 1: 7، 8).
فقالوا إن الآية الأولى عن المسيح، والثانية عن يهوه. مع أن الثانية أيضًا عن المسيح، لأنه هو الذي سيأتي في مجيئه الثاني (مت 16: 27) (مت 25: 31).
واختصارًا للمناقشة، قلت لهم: نؤجل الكلام عن هذه الآية، ونتابع ما كتب في سفر الرؤيا. يقول القديس يوحنا الرائي "كنت في الروح في يوم الرب. وسمعت ورائي صوتًا عظيمًا كصوت بوق قائلًا: أنا هو الألف والياء، الأول والآخر. والذي تراه أكتب في كتاب... "فالتفت لأنظر الصوت الذي تكلم معي. ولما التفت، رأيت سبع منائر من ذهب، وفي وسط السبع منائر شبه ابن إنسان متسربلًا بثوب إلى الرجلين... ووجهه كالشمس وهى تضئ في قوتها" (رؤ 1: 10-16) وواضح أنه المسيح، من عبارة "شبه ابن إنسان" وعبارة "متسربلًا بثوب إلى الرجلين". والكتاب يقول إن الله (يهوه) لم يره أحد قط (يو 1: 18).
إذن المسيح هنا يقول: "أنا هو الألف والياء، الأول والآخر".
وبمتابعة نفس الرؤيا يقول القديس يوحنا الرائي "فلما رأيته سقطت عند رجليه كميت. فوضع يده اليمنى علىّ قائلًا لي: لا تخف أنا هو الأول والآخر، والحي وكنت ميتاَ. وها أنا حيّ إلى أبد الآبدين آمين.." (رؤ 1: 17، 18).
وواضح أن السيد المسيح هو الذي يتكلم، وهو الذي وضع يده اليمنى على القديس يوحنا وكلّمه. لأن (يهوه) لا يمكن أن يقول عن نفسه إنه حيّ وكان ميتًا!!
ثبت إذن أن السيد المسيح قال عن نفسه عدة مرات إنه الأول والآخر. وأنه الألف والياء. كل هذا في الإصحاح الأول من سفر الرؤيا.
كذلك في الإصحاح الأخير من هذا السفر يقول "ها أنا آتى سريعًا، وأجرتي معي، لأجازى كل واحد كما يكون عمله. أنا الألف والياء، البداية والنهاية، الأول والآخر... أنا يسوع أرسلت ملاكي لأشهد لكم بهذه الأمور عن الكنائس. أنا أصل وذرية داود، كوكب الصبح المنير" (رؤ 22: 12-16).
طبعًا هو ذرية داود حسب التجسد. أما كونه أصل داود، فعن وجوده قبل التجسد. أو عن كونه الخالق، فهو الأصل الذي أنشأ داود...
بعد كل ما أوردناه من آيات... نضع السؤال أمام شهود يهوه:
مَن هو الأول والآخر: يهوه أم المسيح؟
وكل منهما يكرر عبارة "أنا الأول والآخر".
لا يوجد حلّ إلا قول السيد المسيح "أنا والآب واحد" (يو10: 30).
كنت قد كتبت مقالًا بهذا المعنى في مجلة مدارس الأحد في يولية 1953. فحاول شهود يهوه أن يجدوا مخرجًا من هذا المأزق. فكتبوا في مجلتهم (برج المراقبة) في نوفمبر 1953 بأن ما ورد عن المسيح من حيث هو الأول والآخر، إنما قيل فقط من جهة أمور محدودة، تختص بموت المسيح وقيامته!!
والواقع أن هذا التعليل لا يمكن أن ينطبق على قوله: أنا هو الأول والآخر. فمن جهة الموت، ليس هو أول من مات ولا آخر من مات. ومن جهة القيامة فإنه وإن كان "باكورة الراقدين" بمعنى أنه أول من قام بجسد ممجد، قيامة لا موت بعدها، فإن الكتاب يقول إن الكل سيقومون، وأنه "سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" (فى 3: 21). كما يقول "المسيح باكورة، ثم الذين للمسيح في مجيئه" (1كو 15: 23).
فإن كان المسيح هو الأول في القيامة الممجدة، فليس هو الآخر.
إذن ليس هو الأول والآخر في القيامة.
كون إن السيد المسيح هو الأول، يعنى أنه ليس مخلوقًا، لأنه لا يوجد من هو قبله ليخلفه.
[يعد هذا الجزء الخاص برد شهود يهوه في مجلة برج المراقبة وتعليقي عليه]
ننتقل إلى نقطة أخرى تخص اعتقادهم في المسيح وهي:
يعتقدون أنه لما كان في السماء، كان ابن الله الوحيد. ولكنه لما تجسد، صار إنسانًا فقط شبه آدم تمامًا الذي حُكم عليه بالموت. ذلك لكي يستطيع أن يفدى آدم.
ويقولون في كتابهم (ليكن الله صادقًا](1):
"إنه في المعمودية أعلن يسوع عن خضوعه الكامل ليهوه. وهناك اعترف يهوه بأن يسوع ابنه الحبيب. فدلّ هذا على بدء ولادة يسوع ثانيةً، وصيرورته ابنًا روحيًا لله كما كان قبل نزوله من السماء... إن الله ولده في الأردن إلى المستوى الأعلى، وحسبه ابنًا روحيًا له.
وفي كتابهم [الغنى](2) "أنه صار ابن الله في المعمودية"
ويفهم من كل هذا أن المسيح صار ابنًا لله مرتين:
في السماء قبل تجسده كان ابن الله الوحيد. ثم فقد هذه البنوة لما تجسد وصار مثل آدم تمامًا. ثم أعيدت له البنوة في المعمودية.
السيد المسيح لم يصر ابنًا لله في المعمودية. وإنما المعمودية كانت إحدى المناسبات التي أعلن فيها الله أن يسوع المسيح هو ابنه. ومناسبة أخرى هي التجلي حينما قال عنه "هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا" (مر 9: 7). وهو ابنه منذ الأزل كما قيل له في المزمور "أنت أبنى، وأنا اليوم ولدتك" (مز 2: 7). وشهد بهذا القديس بولس الرسول في (عب 1: 5).
على أنه في تجسده، وقبل المعمودية بأكثر من ثلاثين سنة، شهد له بهذه البنوة في البشارة لمريم: "ها أنت ستحبلين وتلدين ابنًا وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيمًا وابن العلى يدعى..." (لو 1: 31). وأيضًا "القدوس المولود منك يُدعى إبن الله" (لو 1: 35).
وفي أثناء الحمل، لما زارت مريم أليصابات، قالت لها أليصابات "من أين لي هذا أن تأتى أم ربى إلىً" (لو 1: 43).
وفي الرحلة إلى أورشليم، قال السيد المسيح (وكان عمره 12 سنة) للقديسة مريم والقديس يوسف النجار "لماذا كنتما تطلبانني. ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون فيما لأبى" (لو 2: 49). أي أنه اعترف ببنوته لله، قبل أن يعلنها الآب أثناء المعمودية بـ18 سنة.
ما معنى أن المسيح كان ابن الله الوحيد وهو في السماء قبل التجسد. ثم يفقد هذه البنوة لما تجسد. ويحتاج أن توهب له في المعمودية؟! هل البنوة مجرد لقب؟! أو هي مسألة فخرية تشريفية تُمنح له، وتُسحب منه، ثم تعود إليه.
وهنا علينا أن نشرح معنى بنوة المسيح لله.
بنوة المسيح لله كان لها معنى آخر -حتى عند اليهود أنفسهم- غير بنوة باقي البشر لله. لذلك في معجزة شفائه مريض بيت حسدا أرادوا أن يقتلوه، "لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أيضًا إن الله أبوه معادلًا نفسه بالله" (يو 5: 18).
إذن بنوته لله كانت تعني في مفهومهم مساواته بالله.
وبهذا المعنى فهم مجمع السنهدريم بنوته لله: فمزق رئيس الكهنة ثيابه، وقال "قد جدّف. ما حاجتنا بعد إلى شهود؟!" (مت 26: 63-65).
وبهذا المعنى آمن به البعض وسجدوا له كابن لله، كركاب السفينة "سجدوا له قائلين: بالحقيقة أنت ابن الله" (مت 14: 33)، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. والمولود أعمى -بعد شفائه- لما عرف أنه ابن الله، قال له: أؤمن يا سيد، وسجد له" (يو 9: 35-38) ونثنائيل لما عرف معجزة رؤية المسيح وهو تحت التينة، قال له "يا معلم، أنت ابن الله. أنت ملك إسرائيل" (يو 1: 48-50).
والقديس بطرس الرسول، لما شهد لهذه البنوة قائلًا له "أنت هو المسيح ابن الله الحي" طوبه السيد المسيح قائلًا له "إن لحمًا ودمًا لم يعلن لك، لكن أبى الذي في السموات" (مت 16: 16، 17).
إذن بنوة المسيح من الله تدل على لاهوته.
وليست كبنوة البشر "الذين قبلوه أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنين باسمه" (يو 1: 12). ولا هي بنوة بالمحبة "أنظروا أية محبة أعطانا الآب أن ندعى أولاد الله" (1يو 3: 1). ولا هي بنوة بالتبني (رو 8: 23).
ولكنها بنوة ذاتية من جوهر الله ومن طبيعته.
كبنوة الشعاع من الشمس، وبنوة الحرارة من النار، وبنوة الفكر من العقل. بهذه البنوة التي لها نفس الطبيعة دعى المسيح ابن الله الوحيد. وبهذه البنوة قال المسيح "أنا والآب واحد" (يو 10: 30) "من رآني فقد رأى الآب" (يو 14: 9) "أنا في الآب والآب فيَّ" (يو 14: 10، 11).
_____
(1) ص 49.
(2) ص 21.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/watchtower/baptism.html
تقصير الرابط:
tak.la/5hzyckf