+ اصحوا واسهروا الآن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه" [1 بط 5: 8].
+ طوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم جاء سيدهم يجدهم ساهرين [لو 12: 37].
إن سهر الروح هو سهر الإنسان على خلاص نفسه...
ولا شك أن هذا أمر خطير، ينبغي أن يضعه كل قلب في عمق أعماق اهتمامه. ولذلك نضع أمامنا قاعدة هامة وهي:
إن سهر الروح أهم بلا شك من سهر الجسد...
وذلك بمقدار ما أن نوم الروح، هو أخطر بكثير من نوم الجسد...
الأسباب واضحة وهي:
1- الجسد قد ينام في الغالب ثماني أو تسع ساعات، ثم يصحو من تلقاء ذاته، دون احتياج إلى مجهود من أحد لكي يوقظه...
أما الروح فقد تنام سنوات... وربما تظل نائمة إلى ساعة الموت، وهي لا تدري بذاتها، أو لا تدري بحالتها، ولا تشعر... تنزلق من حفرة إلى حفرة، ومن متاهة إلى متاهة، ومن ظلمة إلى ظلمة.
2- من الجائز أن تنام الإنسان ولا يخطئ... والكل ينامون، حتى القديسون ينامون أيضًا بالجسد ولا يخطئون...
أما نوم الروح فهو خطية، لأن معنى ذلك أنها غافلة وساهية عن خلاصها...
3- نوم الجسد قد يكون نومًا طبيعيًا، وشيئًا لازمًا. أما نوم الروح فهو شيء غير طبيعي، فالمفروض في الروح أن تكون ساهرة مع الرب. ولذلك فإن السهر هو الشيء اللازم لها، وليس النوم...
4- قد ينام الجسد، والقلب مستيقظ... أما نوم الروح، فهو نوم شامل، يشترك فيه القلب والضمير والعقل، سواء كان الجسد ساهرًا أو غير ساهر... فالقلب نائم من جهة مشاعره نحو الله، والضمير نائم لا يؤدي عمله في التوبيخ ولا في التوجيه، والعقل نائم لا يفكر في مصيره ولا في نتائج نوم الروح.
من أجل هذا كله، أوصى الكتاب بسهر الروح...
لقد طوب الرب الساهرين فقال "طوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين" (لو 12: 37). وما معنى كلمة (ساهرين) هنا؟
معناها أن يكون كل منهم ساهرًا على خلاص نفسه وعلى أبديته، منتبهًا إلى روحياته، بكل حرص، "واخِد باله من نفسه"، أي يكون مهتمًا بنفسه ومصيرها... سهران على كل دقيقة من دقائق وقته، كيف يقضيها حسنًا.
وفى نفس الوقت الذي يطوب الرب فيه الساهرين، نراه يحذر من عدم السهر بقوله ".. لئلا يأتي بغته فيجدكم نيامًا" (مر 13: 36).
أي لئلا يبغتكم الموت وأنتم في غفلة، أو في حالة لامبالاة... تجرفكم المياه في بحر العالم الزائل، وأنتم غير مستعدين لملاقاة الرب، ولا لتلك الساعة، ولا يخطر هذا الاستعداد على فكركم. وهكذا تضيع حياتكم..! لذلك مازلت أذكر ذلك الرجل البار الذي كان يقف في الدير ليصلي، فيقول بكل قلبه "لا تأخذني يا رب في ساعة غفلة"..
واضح إذن أن سهر الروح الذي يأمرنا به الرب، إنما هو سهر مدى الحياة سهر دائم...
إنه سهر الحياة كلها، استعدادًا لساعة الموت.
وفي ذلك يقول الرب "اسهروا إذن لأنكم لا تعلمون متى يأتي رب البيت: أمساءً، أم نصف الليل، أم صياح الديك، أم صباحًا. لئلا يأتي بغتة فيجدكم نيامًا" (مر13: 34 -36). ويقول أيضًا:
* اسهروا وصلوا، لأنكم لا تعلمون متى يكون الوقت (مر 13: 33).
إذن فالاستعداد للأبدية هو السبب الأول للسهر الروحي.
أما السبب الثاني الذي يوجب سهر الروح، فهو أن الشيطان ساهر أيضًا، يجول كأسد يزأر فلا بد من الاستعداد له بالسهر. وفي هذا قال القديس بطرس الرسول:
* "اصحوا واسهروا، لأن إبليس خصمكم يجول كأسد زائر، ملتمسًا من يبتلعه هو" (1بط 5: 8).
ويقول الرسول بعد هذا "فقاوموه راسخين في الإيمان"..
وكيف يمكن لإنسان مهتم بخلاص نفسه، أن يقاوم عدوًا قويًا مثل هذا، يجول كأسد، إلا إذا كان ساهرًا. فإن لم يسهر سيبتلعه العدو.
ولهذا، فإن الرب يعرض السبب الثالث للسهر في قوله:
* "اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة" (مت 26: 41).
إننا نطلب من الرب في الصلاة الربانية، ألا يدخلنا التجارب بل ينجينا من الشرير. والرب بنعمته سيحمينا من التجارب، ولكنه في نفس الوقت يوجهنا إلى دورنا في هذا المجال، فيقول "اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة"..
السهر إذن أمر إلهي، ويشرح لنا كيف ننجو من التجارب: هو يعين، ونحن نسهر. وبهذا ندخل في شركة مع الروح القدس في العمل...
ذلك لأن كثيرًا من التجارب تصيبنا بسبب تهاوننا...
بسبب تراخينا وإهمالنا وعدم سهرنا على خلاص أنفسنا...
هنا وتعجبني عبارة ذكرها الإنجيل المقدس عن الرعاة الذين عاصروا قيل عنهم إنهم كانوا:
رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم (لو 2: 8).
كانوا سهرانين على غنمهم "يحرسون حراسات الليل، لئلا يبغتهم وحش إذا ناموا فيفترس غنيماتهم أو يختطفها في الظلام، دون أن يحسوا هم...
فهل أنت أيها القارئ العزيز مثل هؤلاء الرعاة، تحيا حياتك الروحية ساهرًا تحرس حراسات الليل، لئلا يبغتك العدو، سلطان الظلام، وينتهز فرصة نومك فيختطف روحياتك التي هي في حراستك، والتي ينبغي أن تسهر لتحرسها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى... أو يختطف منك رعيتك أو تلاميذك، إن كنت خادمًا ومسئولًا عن آخرين، والمفروض أن تسهر لحراستهم، وبخاصة إن كان العدو يجول كأسد يزأر...
إن السهر هو أيضًا صفة من صفات الله كراع...
هذا الذي قيل عنه إنه "لا ينعس ولا ينام" (مز 120). فإن كنا قد خلقنا على صورة الله، وعلى شبهه ومثاله (تك 1: 26)، فلتكن لنا صفة السهر هذه -ولو بقدر- على قدر ما تحتمل طبيعتنا...
الله يسهر لأجلنا. ونحتاج أن نسهر معه لأجل أنفسنا.
أنظروا ماذا يقول سفر النشيد عن تخت سليمان، الذي يرمز هنا إلى عرش الله... يقول "حوله ستون جبارًا.." أي رجال الحرب القادرون على القتال، الذين دخلوا في حروب الرب كجبابرة... وماذا عن هؤلاء؟ يقول الوحي الإلهي: "كلهم قابضون سيوفًا ومتعلمون الحرب. كل رجل سيفه على فخذه، من هول الليل" (نش 3: 7، 8).
عبارة سيفه على فخذه، تعني حالة الاستعداد، الاستعداد لأية حرب روحية، تحاول أن تبعد القلب عن الله.
فما دام هناك ليل، وليل مرعب له هول، يجول فيه عدو الخير الذي لقبه الرب بسلطان الظلام (22: 53)، إذن لا بُد أن تكون ساهرًا "تحرس حراسات الليل "وأنت قابض على سيفك، ومستعد للحرب مع العدو، الذي قد يأتي خفية، وفي الظلام، ليضع أمامك خطية أو تجربة، ويحاول إسقاطك...
إن الغافلين والمتهاونين، والذين يعيشون في التراخي واللامبالاة، هؤلاء لا يصلحون للحروب الروحية ضد قوات الشر الملتهبة. إنما يصلح كل جبار بأس، ساهر، يحرس حراسات الليل، وسيفه على فخذه من هول الليل...
المطلوب منكم في سهركم، أن تحرسوا حراسات الليل،
والمطلوب منكم أيضًا، أن تكونوا متعلمين الحرب...
هنا وأذكر قول داود النبي: مبارك الرب صخرتي:
"الذي يعلم يدي القتال، وأصابعي الحروب" (مز 144: 1).
أي مبارك الرب الذي يعلمني أسرار الحرب الروحية، وكيف أدخل في الجهاد الروحي، وكيف أقاتل الشياطين، وكيف أفهم أساليبهم وخططهم وحيلهم. وكيف أكون ساهرًا باستمرار متيقظًا لكل حرب يثيرها الشيطان...
في الواقع أن عبارة السهر، تعني أيضًا والاستعداد...
تعني أن يكون الإنسان مستعدًا لكل حرب روحية، متنبهًا لكل خطية تحاول أن تزحف إلى قلبه، أو تحاول أن تسيطر على إرادته، وملتفتًا تمامًا إلى كل أفكار الشيطان... وكما قال القديس بولس الرسول في هذا السهر ضد الشيطان: "لأننا لا نجهل أفكاره" (2 كو 2: 11).
السهر يعني أن يكون الإنسان مستعدًا للحروب الروحية. ويعني أيضًا أن يكون مستعدًا للأبدية...
وفي هذا الاستعداد، أعطانا الرب مثال العذارى الحكيمات...
لقد كُنَّ ينتظرن العريس، والجاهلات أيضًا كن كذلك... ولكن الحكيمات تميزن على الجاهلات بأنهن زيت لمصابيحهن في آنيتهن. ولذلك يقول الكتاب عبارة هامة جدًا في مجيء العريس... يقول (متى 25: 10):
والمستعدات دخلن معه إلى العرس، وأُغْلِقَ الباب".
والاستعداد هو السهر. ولذلك فإن الرب ختم هذا المثل بقوله "فاسهروا إذن لأنكم لا تعلمون اليوم ولا الساعة التي يأتي فيها إبن الإنسان" (مت 25: 13). ويقول في إنجيل معلمنا لوقا "فكونوا أنتم إذن مستعدين.." (لو 12: 40)، والاستعداد يعني السهر، السهر الروحي الدائم...
هنا ونسأل: ما الفرق بين أقدس وأخطأ خاطئ؟
الفرق أن القديس سهران ومستعد. أما الخاطئ فغافل ومتهاون.
إن الشيطان يحارب الاثنين معًا، يحارب القديس كما يحارب الخاطئ تمامًا، وربما أكثر والاثنان معرضان للسقوط، وفيهما الضعف البشري، وليس أحد منهما معصومًا...
لكن الفرق، وهو أن الشيطان حينما يأتي لمحاربة القديس، يجده مستعدًا له، سهران للقائه، وسيفه على فخذه، وهو متعلم الحرب... أما الخاطئ فيجده الشيطان غافلًا عن خلاص نفسه، لا سلاح في يده، ولا قدرة على القتال، فيصبح سقوطه سهلًا.
فهل أنت في حالة استعداد؟ وهل أنت في سهر روحي مستمر، لا تؤخذ فيه على غفلة؟ إن لم تكن ساهرًا، فابدأ السهر.
ولكن ما مظاهر هذا السهر وهذا الاستعداد؟
يقول السيد الرب في ذلك (في 12: 35):
"لتكن أحقاؤكم مُمَنْطَقَة، ومصابيحكم مُوقَدَة.."
"الأحقاء المُمَنْطَقَة" تعني الاستعداد: الاستعداد للعمل أو للسفر، وكلاهما لازم في السهر الروحي. ولعل أول مرة سمعنا فيها أمرًا إلهيًا بهذا، كان في يوم الفصح، والشعب مستعد لمغادرة أرض العبودية، والعبور إلى حيث يكونون تحت قيادة الرب نفسه... أمرهم الرب في تلك الليلة أن تكون "أحقاؤكم مشدودة" (خر12: 11). أي أن يكونوا مستعدين للسفر وللعبور وللخروج من عبودية الخطية.
والإنسان الذي يشعر بغربته في هذا العالم الحاضر، وبأنه مسافر منه إلى مدينة الله، تكون أحقاؤه ممنطقة ومشدودة باستمرار وسواء في عمله الروحي، أو استعداد للسفر...
والراهب الذي يمثل الغربة عن العالم، والاستعداد للأبدية، يلبس دائمًا منطقة على حقويه، كيوحنا المعمدان (مت 4: 3).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/vigil/soul.html
تقصير الرابط:
tak.la/j6xs7m5