الفصل الثاني: مجالات الشكر
هناك أسباب كثيرة يجب أن نشكر الله عليها، أو هي مجال للشكر. ولكننا نادرًا ما نشكر! وبعضها يبدو لنا كأنه مجرد أمور عادية... وهناك أمور أخرى ربما كل تأثيرها علينا أننا نفرح بها. ولكننا نكتفي بالفرح ولا نشكر. وأمور ثالثة يكون واضحًا جدًا عمل الله فيها وكرمه وإحسانه. ولكننا نشكر إلى لحظة، ولا يستمر معنا الشكر أكثر من ذلك، أي أنها لم تستوف حقها من الشكر! وسنحاول في هذا الفصل أن نستعرض بعض مجالات الشكر، ونذكر لها أمثلة:
حقًا مَن مِنَّا يشكر الله على أنه خلقه، ومنحه هذا الوجود؟! كان ممكنًا يا أخي أنك لا تكون موجودًا. لم يكن الله مطالبًا أن يزيد العالم واحدًا...! اشكر الله أن والدتك لم تكن عاقرًا، بل منحها الله نعمة أن تلد بنين... إن مجرد ولادتك نعمة عظيمة من الله إذ يقال في المزمور (البنون ميراث من الرب) (مز 127: 3) وكان ممكنًا أن لا يعطي والدك هذا الميراث! أو أن ينجبا أخوتك فقط، ولا ينجباك أنت بالذات... فاشكر الله إذن أنه خلقك وسمح بوجودك...
وفي هذا المعنى ما أجمل تلك القطعة التي وردت في القداس الغريغوري، والتي يقول فيها الأب الكاهن مناجيًا الرب في شكر (خلقتني إنسانًا كمحب للبشر. ولم تكن أنت محتاجًا إلى عبوديتي، بل أنا المحتاج إلى ربوبيتك. من أجل تعطفاتك الجزيلة كونتني إذ لم أكن).
ألا يليق بنا جميعًا أن نشكر الله، لأنه خلق الإنسان في اليوم السادس، وأعد كل شيء لراحته قبل خلقه... فخلق قبل ذلك السماء، وزينها بالشمس والقمر والنجوم، وأوجد النور والضياء، وأعد كل قوانين الفلك التي تربط علاقات الطبيعة في هذا الكون العجيب، ونظم الأمور الخاصة بالهواء والحرارة والأمطار. كما خلق النبات والحيوان، والكائنات الحية الأخرى سواء على الأرض، أو في الجو أو في البحر، وأوجد للإنسان طعامه قبل أن يخلقه. بل خلق له متعًا من جمال الطبيعة من جمال الورود والأزهار، وتغريد البلابل والأطيار، وجمال الحدائق والأزهار...
وبعد أن أعد الله كل سُبُل الراحة، خلق الإنسان.
فمن من الناس يشكر الله على هذه الطبيعة، في كفايتها وفي تنوعها وفي جمالها؟! إن الكنيسة المقدسة تعطينا هذا التدريب الروحي، في الصلاة الشاكرة العارفة بالجميل، التي يقول فيها الأب الكاهن في القداس الغريغوري (أقمت السماء لي سقفًا، وثبت لي الأرض كي أمشي عليها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى... من أجلي ألجمت البحر. من أجلي أخضعت طبيعة الحيوان... لم تدعني معوزًا شيئًا من أعمال كرامتك...)
كثيرون لا يشكرون إلا على المواهب الفائقة للطبيعة، مثل شفاء المرضى وإقامة الموتى، والكشف الروحي والرؤى...! ولكن من من الناس يشكر على مواهب الحكمة والمعرفة، بينما وضعت هذه المواهب أولًا قبل مواهب الشفاء وعمل القوات والعجائب (1كو 12: 8-10).
هل تشكر الله مثلًا على ما وهبك من العقل أو الذكاء أو الخيال...؟
وهل تشكره أنه أعطاك مثلًا موهبة في الرَّسْم، أو في الشِّعر أو في الموسيقى؟ أو أنه أعطاك رخامة في الصوت(1)، أو جمالًا في الوجه، أو قدرة على الإقناع، أو خِفة في الروح تحبب الناس فيك؟ أو أنه وهبك قدرة على الاحتمال والصبر؟ كلها مواهب من الله تحتاج إلى شُكر عليها...
_____
(1) "رخم الصوت" أو "رخم الكلام" (رخيم) بمعنى أن الصوت ليِّن وسهل. ورخامة الصوت بمعنى رِقة الصوت وعذوبته، وأنه حَسَنُ الوَقْع في الأُذُن (المصدر: المعجم الوسيط، إصدار مجمع اللغة العربية [الإدارة العامة للمعجمات وإحياء التُراث]، الطبعة الرابعة، 2004، ص. 336).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/thankfulness/scopes.html
تقصير الرابط:
tak.la/cpyn289