ملاحظات:
ثق أنك إن بدأت، لا بُد ستبدأ النعمة معك:
الله لا يتركك وحدك في تداريبك، بل سيعمل معك. لأنك بالتدريب أظهرت أنك جاد وملتزم بالسلوك في الحياة مع الله. وهذا الشعور ستتجاوب معه المعونة الإلهية. وإن كان الشيطان يحاول أن يحاربك لتكسر التدريب، فإن النعمة سوف تسندك لتنجح فيه. المهم أنك لا تتراجع ولا تتراخى ولا تكسل. بل تكون حازمًا مع نفسك...
وإن دربت نفسك على فضيلة، فاعلم أن الثبات في الفضائل أهم بكثير من اقتنائها.
لأنه ما أسهل أن تسير في فضيلة ما يومًا أو يومين أو ثلاثة أو أسبوعًا... ولكن المهم أن تستمر، حتى تصبح هذه الفضيلة عادة فيك، أو تتحول إلى طبع، وهكذا تحتاج التداريب إلى مدى زمني طويل لكي ترسخ في أعماق النفس. وكما قال ماراسحق إن كل تدبير لا تثبيت فيه زمنًا، يكون بلا ثمر...
ذلك لأن الزمن والاستمرارية هما المحك العملي لمعرفة عمق الفضيلة فيك. والوقت أيضًا يعطي فرصة لاختيار المعوقات التي تقف ضد التدريب وطريقة النصرة عليها.
لهذا، فإن القفز السريع من تدريب إلى آخر، لا يفيد روحيًا.
كثيرون يريدون أن يصلوا إلى كل شيء، في أقل فترة من الوقت. فتكون النتيجة عدم الوصول إلى شيء..!! أو أنهم يضعون أمامهم تداريب عديدة في نفس الوقت بحيث ينسون بعضها، أو لا يستطيعون التركيز عليها جميعًا. أما أنت فاسلك في تداريبك بحكمة، شيئًا فشيئًا، لكي تصل. وهنا أضع أمامك بعض الملاحظات.
* ليكن التدريب محددًا وواضحًا.
فلا تَقُل أدرب نفسي على المحبة بينما القديس بولس الرسول يضع لهذه المحبة حوالي 14 عنصرًا في (1كو13). يمكنك الاكتفاء بعنصر واحد تركز عليه. ولا تقل أني أريد أن أدرب نفسي على حياة التواضع، أو الوداعة، أو الإيمان. بينما تكون كل كلمة من هذه غير واضحة في تفاصيلها أمامك. وهكذا لا تفعل شيئًا... إنما قل مثلًا أريد في حياة الاتضاع أن أدرب نفسي على أمر واحد فقط ، هو أني لا أمدح ذاتي. فإن أتقنت هذا، تقول: أدرب نفسي على أني أسعى وراء مديح الناس فإن أتقنت هذا، تقول أتدرب على شيء آخر، وهو إن مدحني أحد، أتذكر في الحال خطاياي وتقصيري، وأبكت ذاتي من الداخل.
* ليكن التدريب في حدود إمكانياتك، بحيث يمكنك تنفيذه عمليًّا.
البعض يضع لنفسه تدريبًا فوق مستوى إرادته، أو لا تساعد عليه ظروفه. أو يقفز في التدريب إلى مستوى درجة عالية لا يستطيع الاستمرار فيها، وقد تصيبه بنكسة فيما بعد ترجعه إلى الوراء خطوات.
فمثلًا، لا تضع لنفسك تدريبًا في الصوم فوق احتمال صحتك، ولا تدريبًا في الصمت لا يتفق مع ظروف عملك ومقابلاتك، وظروف بيتك، لا تدريبًا في الصلاة أو في الخدمة لا يسمح به وقتك...
* ويمكن أن تتدرج في التدريب، بحيث لا تأخذ في كل مرة إلا جزءًا واحدًا من تفاصيله.
من الصعب مثلًا أن تدرب نفسك على الصمت، في حياة المجتمع الذي تضطر فيه بالضرورة إلى الكلام.
ولكنك قد تتدرج فتقول: أدرب نفسي على عدم الإطالة في الحديث. فما يحتاج إلى كلمة، لا أقول فيه جملة (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وما يحتاج إلى جملة، لا ألقى فيه محاضرة. وإن فهم محدثي ما أريد، لا داعي لأن أزيد...
فإن أتقنت هذا، تقول: لا أبدأ الكلام إلا لضرورة. ثم تدخل في تدريب آخر، وهو البعد عن الصوت الحاد، وعن الصوت العالي، وتقول أدرب نفسي على "الصوت المنخفض الخفيف" (1مل 19: 12). ثم تدخل في مقاومة أخطاء اللسان واحدة فواحدة. إلى أن تصل إلى حسن الكلام. وحينئذ إن بعدت عن الصمت، تصل إلى النقطة التالية وهو حسن الكلام، فلا تخطئ. لأن هناك من ينطبق عليه المثل القائل: سكت دهرًا ونطق كفرًا!!
* ولتكن تداريبك من صميم حياتك العملية الواقعية.
فما يصلح لغيرك من تداريب، قد لا يصلح لك أنت. أما تداريبك فليكن مصدرها مقاومة أخطائك الخاصة، وتقصيراتك الروحية، وما يناسبك في حياة الفضيلة بحسب قامتك الروحية. وتداريبك يجب أن تتفق مع حياتك وظروفك الداخلية والخارجية.
* ولتكن لك كراسة خاصة بالتدريبات.
تكتب فيها التدريب، وآية أو ضع آيات من الكتاب تشجعك، وتحثك على هذا التدريب بالذات. واحفظ هذه الآيات ورددها باستمرار، لكي تكون حاضرة في ذهنك كلما حوربت بشيء ضد ما تدرب نفسك عليه. وتذكر أيضا قصص القديسين الذين كانوا أمثلة عليا في الفضيلة التي تدرب نفسك عليها.
* وإن سقطت في تدريبك في وقت ما، اعرف أسباب السقوط، وحاول أن تتحاشاها فيما بعد.
وهكذا تأخذ خبرة روحية في كل ممارساتك، وتعرف حروب العدو وطريقة الانتصار عليها. حتى أن البعض -بهذه التدريبات- صاروا مرشدين لغيرهم. كالأم التي جربت الحياة، وتستطيع أن تنصح ابنتها بنصائح عملية تفيدها.
* وحاول أن تستفيد من فشلك أحيانًا في تداريبك.
ليكن ذلك سببًا في اتضاعك وشعورك بالضعف، حتى لا تتكبر نفسك بتوالي النجاح.
وأيضًا ليكن ذلك سببًا يدعو إلى الإشفاق على الضعاف والمخطئين. ولتكن سقطاتك موضوعًا لمطانيات أمام الله تقدم فيها انسحاق قلبك ولتكن مجالًا لصلوات ترفعها إلى الله ليمنحك قوة ونعمة.
وبعد، فإن التداريب في صورتها الظاهرة، هي جهاد للوصول إلى نقاوة القلب، حتى يستحق سكنى الله فيه. ولكنها ليست مجرد جهاد، وإنما هي طلبة مقدمة إلى الله ليتدخل. وكيف؟
كثيرون يقدمون لله رغباتهم الروحية في أسلوب نظري، في مجرد مشاعر القلب أو كلام في الصلاة. أما التداريب الروحية فهي رغبات تقدم إلى الله بأسلوب عملي...
هي جهاد عملي صارخ إلى الله لكي يتدخل ويمنح من عنده النصرة لهذا الجهاد...
والله هو العامل فينا أن نريد وأن نعمل من أجل المسرة (في 2: 13)... المسرة في أن يتمجد اسمه فينا كلما ننجح في جهادنا وتداريبنا.
وليكن اسم الرب مباركًا من الآن وإلى الأبد.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/kr2m4ry