St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   man
 
St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   man

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب من هو الإنسان؟ - البابا شنوده الثالث

89- أسباب ضعف الإرادة

 

نريد هنا أن نبحث: ما السبب في ضعف الإرادة؟ وكيف نقدر أن نقوى هذه الإرادة الضعيفة.

لا شك أن الميل إلى الخير هو الأصل في الإنسان الذي خلق على صورة الله كشبهه ومثاله (تك26:1، 27). إذن الميل إلى الشر، هو شيء دخيل عليه، لا بُد لنا أن نبحث عن أسبابه...

بإمكان الإنسان -وبخاصة في نعم العهد الجديد- أن يسير في طريق الرب. فما الذي يدفعه إلى طريق الخطية؟ وما الذي يضعف أرادته أمامها؟

نرجع إلى التاريخ فنجد أن أمنا حواء، عندما خلقها الله، لم تكن فيها خطية. ولكنها أخطأت حينما اشتهت أن تصير مثل الله، حسب إغراء الشيطان لها (تك5:3). وبهذه الشهوة ضعفت إرادتها، فلم تستطع أن تقاوم إغراء الشجرة المحرمة، بل على العكس رأت أن الشجرة جيده للأكل، وأنها بهجة للعيون، وأن الشجرة شهية للنظر، فأخذت من ثمرها وأكلت" (تك6:3).

 

1- إذن أول شيء يضعف الإرادة هو الشهوة:

أية شهوة: سواء شهوة الجسد، أو شهوة المال والقنية، أو شهوة المناصب وتعظم معيشة، أو شهوة الانتقام. كلها شهوات تتسبب في ضعف الإرادة. فحينما تدخل الشهوة إلى القلب، تضعف الإرادة عن مقاومتها. وكلما زادت الشهوة، فإنها تضغط على الإرادة بشدة، حتى تنهار الإرادة تمامًا. وحينئذ يتم قول الرسول "الشر الذي لست أريده، إياه أفعل"...

لذلك فمن عوامل تقوية الإرادة، ومعالجة شهوات الإنسان، وطردها من القلب.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

2- ومما يضعف الإرادة ويقوى الشهوة، القرب من مادة الخطية.

أي القرب من مسبباتها... وكما قال أحد الآباء: وأنت بعيد عن مادة الخطية، قد تأتيك المحاربة من الداخل فقط. أما إن صرت قريبًا من مادة الخطية تقوم عليك حربان:

إحداهما من الداخل، والأخرى من الخارج، ويتعاونان على إسقاطك، إذ تضعف بينهما...

لذلك على الإنسان الحكيم أن يبعد عن العثرات، وعن مادة الخطية وأسبابها، لكي لا تضعف إرادته أمام مغريات الخطية.

البعد عن مادة الخطية يشمل البعد عن كل المعاشرات الرديئة التي تتعبك، والتي تدخل فكر الخطية إلى عقلك وإلى قلبك، فيضغط الفكر عليك، فتضعف إرادتك أمامه. وهكذا قال الكتاب "المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة" (1كو33:15). ومن هذه المعاشرات المعثرة، حذرنا المرتل في المزمور الأول، فقال: "طوبى للرجل الذي لا يسلك في مشورة الأشرار، وفي طريق الخطاة لا يقف،وفى مجلس المستهزئين لا يجلس" (مز1:1). لأنك إن عشت في هذا الجو الرديء،سوف تضعف إرادتك.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: Destruction of Sodom and Gomorrah: "Escape for your life! Do not look behind you nor stay anywhere in the plain. Escape to the mountains, lest you be destroyed" (Genesis 19:17). صورة في موقع الأنبا تكلا: دمار عمورة وسدوم: "اهرب لحياتك. لا تنظر الي ورائك، ولا تقف في كل الدائرة اهرب الي الجبل لئلا تهلك" (التكوين 19: 17)

St-Takla.org Image: Destruction of Sodom and Gomorrah: "Escape for your life! Do not look behind you nor stay anywhere in the plain. Escape to the mountains, lest you be destroyed" (Genesis 19:17).

صورة في موقع الأنبا تكلا: دمار عمورة وسدوم: "اهرب لحياتك. لا تنظر الي ورائك، ولا تقف في كل الدائرة اهرب الي الجبل لئلا تهلك" (التكوين 19: 17)

3- ومما يضعف الإرادة بالأكثر، طول المدة في الجو الخطية.

عنصر السرعة أمر هام، سواء السرعة في ترك الخطية، لأن هذه السرعة تقوِّي إرادتك. كذلك السرعة في العمل الخير، لأن هذا يقوِّي إرادتك إيجابيًا...

لذلك إن حاربتك الخطية، فقاومتها للتو، ولم تستبق فكرها عندك، تجد إرادتك قد قويت، وأصبحت قادرة على طرد الخطية.

أما إن تركتها ترعى في قلبك، وتدغدغ حواسك، وتلعب بعواطفك، وتغرى نفسك، وتقنع عقلك... فإنها بطول المدة تقوى عليك. فتضعف إرادتك عن مقاومتها. وإن انتصرت، يكون ذلك بمجهود كبير تبذله، وبتدخل النعمة لإنقاذك...

فرق كبير بين أن تنزع الخطية وهي عشب في الأرض، أو أن تحاول نزعها بعد أن تتأصل جذورها في الأرض، ويرتفع جذعها عاليًا في الهواء، وتنتشر فروعها هنا وهناك. لذلك حسنًا قال المزمور عن الخطية "طوبى لمن يمسك أطفالك، ويدفنهم عند الصخرة" (مز9:137). "والصخرة كانت المسيح" (1كو4:10).

إن أتاك فكر خاطئ، وطردته بسرعة، حينئذ تقوى إرادتك.

أما إن فتحت لهذا أبواب ذهنك، وتباطأت في طرده، وأخذت معه وأعطيت، واستمر الفكر في ذهنك فترة، حينئذ تضعف إرادتك أمامه. فإما أن تخضع له، أو إن طردته بعد حين، يكون ذلك بصعوبة بالغة، وما أسهل أن يعود إليك مرة أخرى، مستغلًا تساهلك أمامه...!

السرعة إذن لازمة لتقوية الإرادة، سواء في طرد الخطية، أو تنفيذ الوصية.

يوسف الصديق: لما ضغطت عليه الخطية، هرب بسرعة، ولو تمزقت ثيابه. ولو كان قد انتظر بعض الوقت، وتباطأ في الهروب، ما كان يدري ما سيحدث له!!

ولما تَبَاطأ لوط في الخروج من أرض سادوم، دفعه الملاكان دفعًا، وأخرجاه منها، وقالا له: اهرب لحياتك. لا تقف في كل الدائرة، لئلا تهلك (تك16:19، 17).

 إن طول المدة والاستمرار في جو الخطية، والتردد، كل ذلك يضعف الإرادة.

أما الإنسان القوي الإرادة، فإنه يسرع في عمل الخير، لا يؤجل.

لا ينتظر، لئلا يغريه الشيطان. بإعادة التفكير، وربما يحاول تغيير فكره! فالشيطان لكي يبعد الإنسان عن فعل الخير، لا يقول له لا تفعل. بل يقول له: انتظر. فكر. فلنناقش الأمر معًا. مجرد دقائق، وأعطيك المشورة الصالحة! وبهذا الأمر يكون قد ضيعك... إن طول المدة من جهة التباطؤ في عمل الخير، يفتح المجال لحرب مضادة، ما أسهل أن تضعف فيها الإرادة.

لنأخذ مثالًا: الابن الضال، حينما أتاه فكر التوبة:

بعد أن أدرك سوء حالته، قال:"أقوم الآن وأذهب إلى أبى، وأقول له: أخطأت إلى السموات وقدامك، ولست مستحقًا أن أدعى لك أبنًا، اجعلني كأحد أجرائك". ولم ينتظر، بل يقول الكتاب "فقام وذهب إلى أبيه" (لو17:15-20)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. من يدرى، لو كان قد تباطأ في التنفيذ، ما كان سيحدث لإرادته.

وإبراهيم أبو الآباء، حينما أمره الله أن يقدم ابنه محرقة:

لم يتباطأ أبدًا، بل "بكر إبراهيم صباحًا جدًا"، "واخذ إسحق ابنه، وأخذ الحطب والسكين" (تك3:22). بكل قوة وإرادة، بدأ في تنفيذ أمر الرب، لم يتباطأ إطلاقًا. وربما لو أنتظر، أو أخذ يراجع فكره، ما كنا ندري أيَّة حروب تثور عليه! وإن لم تضعف إرادته، كانت ستضعف إرادة سارة أم الصبي... ويجد أن مشاكل كثيرة قد أحاطت به، تحاول أن تضعف إرادته.

حينما تحرك النعمة إرادتك للخير، لا تنتظر لتفكر أو تناقش الأمر. بل نفذ. وإلا انتهز الشيطان فرصة ترددك، ويشترك معك في التفكير، ويضعف إرادتك.

وإذا بالرغبة الطيبة التي كانت عندك تفتر وقد تزول... إنما تنفيذ عمل الخير دون تردد، يدل على قوة الإرادة، ويؤدي أيضًا إلى تقوية الإرادة.

* وسأضرب لك بعض أمثلة:لنفرض لك أنك في سماعك لعظة، أو قراءتك لكتاب روحي، أو سماعك لنصيحة من أب اعترافك،أتاك فكر أن تصالح شخصًا أنت متخاصم معه...لا تنتظر قم حالًا، واذهب إليه لتصالحه. أما لو أنك انتظرت، ربما تتغير نيتك.

ويأتيك فكر: ولماذا أذهب أنا لأصالحه؟ من الأفضل أن أنتظر إلى أن يأتي هو ليصالحني. أنا موافق على مبدأ المصالحة. ولكن أن ذهبت أنا إليه لأصالحه، ربما يظن هذا ضعفًا مني، أو اعترافًا مني بالخطأ. إذن حرصًا على كرامتي، ننتظر إلى أن يدخل وسيط بيننا، فهذا أفضل. وهنا تكون الإرادة قد ضعفت من جهة المبادرة للمصالحة. وقد ينتهي الأمر إلى عدم المصالحة، وقد فقدت إرادتك بسبب التردد والمناقشة!

St-Takla.org Image: Resist the devil (Satan) and he will flee from you (James 4:7), Arabic Bible Verse art صورة في موقع الأنبا تكلا: آية "قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ." (رسالة يعقوب 4: 7)، فن الآيات الكتابية

St-Takla.org Image: Resist the devil (Satan) and he will flee from you (James 4:7), Arabic Bible Verse art

صورة في موقع الأنبا تكلا: آية "قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ." (رسالة يعقوب 4: 7)، فن الآيات الكتابية

* في دَفْع العشور مثلًا. قد تبدأ بإرادة قوية لدفعها. فإن نفذت بسرعة، حينما تستلم مرتبك، تدفع عشوره مباشرة كما تدفع إيجار مسكنك، أو تحجز العشور في صندوق خاص هو صندوق الرب إلى أن تسلمه لأصحابه.

أما إن أجلت الموضوع، فإنك تفتح أمامك بابًا لحروب تضعف إرادتك في دفع العشور، إذ تبدأ أن تفكر وتتفاوض مع الموضوع، وتبحث احتياجاتك المالية في هذا الشهر، وربما تقول: لنا عذر في تأجيل العشور، أو أننا ندفعها فيما بعد ولو بتقسيطها على شهور. أو ننتظر إلى حين أن تصلنا علاوة في الشهر الفلاني وحينئذ ندفع... وهكذا تضعف إرادتك ولا تدفع.

* نفس الوضع بالنسبة إلى مقاومة الخطية. لما حسد قايين هابيل أخاه، وفكر في قتله، قال له الرب يحذره "عند الباب خطية رابضة، وإليك اشتياقها، وأنت تسود عليها" (تك7:4)... عبارة "وأنت تسود عليها" معناها أن إرادته في ذلك الوقت كانت تقوى على مقاومتها. فلما لم يطردها من ذهنه ومن قلبه، وتباطأ في ذلك، أصبحت هي التي تسود عليه... أي تسود على إرادته، فقام على أخيه وقتله...

اعرف أنك أجهزة حساسة تتأثر بسرعة: سواء عقلك، أو حواسك، أو قلبك أو مشاعرك... فلا تترك كل هذه للحرب الروحية فترة طويلة، وإلا ضعفت إرادتك!

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

4- مما يضعف الإرادة أيضًا: التدرج في جو الخطية.

إن النزول السريع ملحوظ. ولكن التدرج البطيء في النزول قد لا تلحظه. وربما لا تدرك مثلًا أنك تنزل عشرات الأمتار في سفرك من وادي النطرون حيث الأديرة إلى القاهرة... أو إلى الإسكندرية حينما تصل إلى البحيرة المالحة!

كذلك في الحياة الروحية، قد تنزل تدريجيًا نزولًا من الحرارة إلى الفتور إلى البرودة فالسقوط، حيث تنهار إرادتك، وأنت لم تلحظ كيف ضعفت بالتدريج!

احترس إذن لنفسك... إن وجدت أن خطايا معينه ترفضها تلقائيًا وبسرعة، اعرف إن إرادتك لا تزال قوية.

ولكن أن وجدت أنك ترفض، ولكن بعد أن تفكر بعض الشيء أو بعد تردد، أعرف أنك قد بعدت عن قوتك الأولى وأخذت إرادتك تضعف، إذ لم يعد لها الصد المباشر للخطية. وإن وجدت أنك تسير مع فكر الخطية بضعة خطوات ثم تستيقظ لنفسك. وتمتنع عن الاستمرار... أعرف أن إرادتك بدأت في الضعف، ولكن لم تستمر. سقطت ولم تكمل السقوط!

أما إن سقطت ولم تعرف كيف تقوم، أو لا تريد أن تقوم، فاعرف أن إرادتك قد انهارت وأصابها العجز. وتحتاج إلى علاج قوي وسريع.

إن الخطية قد لا تحاربك دفعة واحدة. وبوجه مكشوف، لكي لا ترفضها إرادتك. بل تخدع هذه الإرادة بالتدرج.

تتدرج معك تدرجًا طويلًا، ربما لا تشعر به، وفي كل ذلك تضعف إرادتك بقبول هذا التدرج... إلى أن توقعك في الهوة... وربما تكون الخطوة الأولى التي تقودك إلى الخطية، ليست خطية في ذاتها، بل هي خطوة مخادعة مستترة. ولكن بتدريجها تخدع إرادتك لتقبلها فتفقد هيبتك الأولى، وتسلب قوة الإرادة بالتدريج حتى تستسلم.

إذن مما يضعف إرادتنا أننا لم نكن حازمين ولا حاسمين من أول خطوة.

وبسبب التهاون والتراخي تفقد الإرادة قوتها، وتقف موقف الضعف. إن محاربة الخطية تحتاج إلى موقف حاسم من الإرادة، لكي تصدها من بادئ الأمر. فالتراخي والتكاسل والتباطؤ يؤدي إلى إضعاف الإرادة...

إن شمشون الجبار، بالتدرج وطول المدة، ضعفت إرادته أمام إلحاح دليله...هذا الإلحاح الذي لم يطرده شمشون عنه من أول الأمر... وبالوقت انهارت إرادته فكشف سره، وسقط سقوطًا عظيمًا (قض16).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/man/weakness.html

تقصير الرابط:
tak.la/5ddp9w6