مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب المحبة قمة الفضائل - البابا شنوده الثالث📖

109- الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْتَدُّ

 

ص 243 الفصل السادس: المحبة لا تحتد، ولا تظن السوء ولا تفرح بالإثم، بل تفرح بالحق

 

المحبة لا تحتد

 

الذي يحب، لا يحتد على مَن يحبه. أي لا يغضب عليه، ولا يثور، ولا يعامله بحده، أي بشدة وعنف. بل على العكس بوداعة، وبحب، وطيبة قلب.

وحسنًا قال القديس بولس الرسول عن المحبة إنها لا تحتد، بل قوله إنها لا تطلب ما لنفسها.

فطبيعي أن الذي يطلب ما لنفسه، لا يحتد. إنما يحتد الذي يطلب لنفسه كرامة ومعاملة خاصة، ولا يجد ذلك. ويحتد الذي يطلب لنفسه طاعة وخضوعًا، ولا يعامل هكذا. أما إن كان لا يطلب لنفسه شيئًا من هذا كله وأمثاله، فطبيعي أن لا يحتد.

كذلك فإن الاحتداد لا يتفق مع الصفات الأخرى للمحبة.

فما دامت المحبة (تتأنى وتترفق). فإنها بالتالي لا تحتد. لأن الحدة ضد الرفق. والذي يتأنى ويطيل أناته، فإنه لا يحتد. ما دامت المحبة (لا تنتفخ ولا تتفاخر) فطبيعي أنها لا تحتد. كذلك ما دامت المحبة (لا تقبح) فإنها لا تحتد. الآن الإنسان يحتد بسبب ما يراه قبيحًا أمامه. كذلك ما دامت (تصدق كل شيء، وتصبر على كل شيء) فإنها لا تحتد. لأن الحدة لا تتفق مع الصبر. ما دامت تصدق من تحبه فلماذا إذن تحتد عليه؟!

وهكذا نجد أن صفات المحبة تتفق مع بعضها البعض...

St-Takla.org Image: Two men hugging, friendship, in front of a Church - by Amgad Wadea صورة في موقع الأنبا تكلا: رجلان يتعانقان أمام الكنيسة، الصداقة - رسم أ. أمجد وديع

ص 244 والإنسان بطبيعته قد يحتد على عدو، أو على مخالف ومعارض، أو على مقاوم أو عنيد. ولكنه لا يحتد على حبيب. حتى إن أخطأ، يميل إلى مسامحته والتغاضي عن أخطائه. وكما يقول المثل العامي (حبيبك يبلع لك الظلط). أو كما يقول الشاعر عن نفس هذا المعنى:

 عين الرضا عن كل عيب كليلة         ولكن عين السخط تبدى المساويا

وأعظم مثل للمحبة التي لا تحتد، الله تبارك اسمه.

الله مثل للمحبة التي لا تحتد، الذي قيل عنه المزمور إنه (لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا). بل أنه (كبعد المشرق عن المغرب، أبعد عنا معاصينا) (مز103: 10، 12).

الله الذي قال عنه يوئيل النبي إنه (رؤوف رحيم، بطي الغضب كثير الرأفة) (يؤ2: 13). وقال عنه يونان النبي إنه (بطيء الغضب كثير الرحمة) (يون4: 2)... وهكذا قال أيضًا داود إنه (رؤوف وطويل الروح وكثير الرحمة) (مز103: 8).

إن الله الذي لم يحتد على أحباء كلموه بأسلوب يبدو شديدًا.

لم يحتد على حبيبه إبراهيم حينما قال له (حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر تميت البار مع الأثيم... حاشا لك. أديان الأرض كلها لا يصنع عدلًا؟!) (تك18: 25).

بل لم يحتد أيضًا على حبيبه أيوب حينما قال له (لا تستذنبني. فهمني لماذا تخاصمني؟ أحسن عندك أن تظلم؟! أن ترذل عمل يديك؟! وتشرق على مشورة الأشرار؟!) (أي10: 2، 3). (كف عني، فأتبلج قليلًا) (أي10: 20). (ماذا أفعل لك يا رقيب الناس. لماذا جعلتني عاثورًا لنفسك) (أي7: 20).

ولم يحتد الرب أيضًا على حبيبه موسى حينما قال له (ارجع يا رب عن حمو غضبك، أندم على الشر) (خر23: 12). وإنما استجاب له ولم يفن الشعب في عبادته ص 245 للعجل الذهبي.

ولم يحتد الرب على أحباء له وقعوا في أخطاء شديدة:

لم يحتد على تلميذه بطرس الذي أنكره ثلاث مرات، بل كلمه بلطف بعد القيامة، ورفع روحه المعنوية بقوله له (ارع غنمي. ارع خرافي) (يو21: 15-17).

ولم يحتد على تلميذه توما الشكاك الذي قال له (إن لم أبصر في يديه أثر المسامير وأضع أصبعي في أثر المسامير، وأضع يدي في جنبه لا أؤمن) (يو20: 25)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. إنما ظهر له الرب، وحقق له ما أراد دون أن يحتد عليه. وقال له في رفق (لا تكن غير مؤمن بل مؤمنًا)...

ومن قبل الصلب، لم يحتد على التلاميذ الذين لم يستطيعوا أن يسهروا معه ساعة واحده في أشد الأوقات. بل في رقة أوجد لهم عذرًا بقوله (أما الروح فنشيط، وأما الجسد فضعيف... ناموا الآن واستريحوا) (مت26: 41، 45).

فعل الرب هذا لأنه يحبهم، والمحبة لا تحتد.

توجد أمثلة أخرى لهذه القاعدة في حياة القديسين.

St-Takla.org Image: After forty years of gaining popularity, Absalom plotted to become king instead of his father David. (2 Samuel 15) - "Absalom rebels against King David" images set (2 Samuel 15: 1 - 2 Samuel 18: 33): image (11) - 2 Samuel, Bible illustrations by James Padgett (1931-2009), published by Sweet Media\ صورة في موقع الأنبا تكلا: وفي نهاية أربعين سنة، خطَّط أبشالوم لكي يصبح ملكًا بدل داود أبيه (صموئيل الثاني 15) - مجموعة "أبشالوم يتمرد علي الملك داود" (صموئيل الثاني 15: 1 - صموئيل الثاني 18: 33) - صورة (11) - صور سفر صموئيل الثاني، رسم جيمز بادجيت (1931-2009)، إصدار شركة سويت ميديا

منها موسى النبي، الذي لم يحتد على هارون ومريم لما تكلما عليه في زواجه بالمرأة الكوشية، إذ (كان الرجل موسى حليمًا أكثر من جميع الناس الذي على وجه الأرض) (عد12: 3). بل أنه لما عاقب الرب مريم بسبب جرأتها على موسى، تشفع فيها موسى وطلب من الرب مسامحتها (عد12: 13). هذه هي المحبة التي ليس فقط لا تحتد بل تشفع.

مثل آخر هو داود النبي في معاملته لأبشالوم.

أبشالوم الذي خان أباه داود، وأساء إليه، وقاد ليستولي على ملكه... لم يحتد عليه داود، بل لرجال جيشه (ترفقوا بالفتي أبشالوم) (2صم18: 5). ص 246 ولما انتصر جيش داود كان كل همه لمن بشروه بالانتصار (أسلام للفتي أبشالوم؟) (2صم18: 29، 32). ولما علم بموته، بكى عليه وأبكى الشعب كله.

مثال آخر هو أبونا إسحق الذي لم يحتد على يعقوب لما خدعه.

خدع يعقوب أباه وقال له (أنا عيسو بكرك) (تك27: 19). ونال البركة بمكر. ولما عاد عيسو واكشف إسحق الخدعة، لم يحتد على يعقوب، بل قال (نَعَمْ، وَيَكُونُ مُبَارَكًا) (تك27: 33). إنها المحبة التي لا تحتد.

يُذَكِّرنَا هذا كله وغيره بمحبة الأم لطفلها ورضيعها.

ما أكثر ألوان الإزعاج التي يسببها الرضيع لأمه بحيث لا تعرف معني الراحة والنوم، ولكنها لا تحتد عليه لأنها تحبه. وقد خلقها الله بهذه المحبة التي لا تحتد عليه لأنها تحبه. وقد خلقها الله بهذه المحبة التي لا تحتد (بالنسبة إلى رضيعها) لكي يمكنها أن تهتم به وتربيه...

المُحِب لا يحتد على حبيبه، لأنه يود الاحتفاظ بمحبته.

لا يريد أن يفقد محبته، أو أن يعكر جوها بالحدة. وكذلك لأنه يحبه، فلا يريد أن يخدش شعوره بأي لون من الاحتداد. وأيضًا لأنه يأخذ كل تصرفاته بحسن نية، ولا يظن به السوء، لأن المحبة لا تظن السوء.

المحبة لا تظن السوء

المحبة قمة الفضائل كتب البابا شنوده الثالث

المحبة لا تطلب ما لنفسها

---