محتويات
التقي يعقوب براحيل ابنه خاله عند البئر.
إنه البئر الذي كان الرعاة يستقون منه لغنمهم. وكان علي فم البئر حجر كبير فينتظر الرعاة إلي أن يجتمعوا، فيدحرجوا الحجر عن فم البئر. فلما رأي يعقوب راحيل ابنه خاله قادمة مع غنمها، تقدم ودحرج الحجر عن فم البئر، وسقي غنم لابان خاله" (تك 29: 3، 10).
لقد ذكرت المرأة السامرية بئر أبينا يعقوب في حديثها مع السيد المسيح (يو 4: 12)
إذن فهو بئر له تاريخ وشهرة، ولا شك أن أبانا يعقوب ظهرت قوته حينما زحزح الحجر عم فم البئر وسقي الغنم. وهناك قبل يعقوب راحيل، ورفع صوته وبكي وأخبرها انه أخو أبيها، وأبن رفقة (تك 29: 11).
أحجار هامة في حياة يعقوب يذكرها لنا الكتاب:
الحجر الذي كان تحت رأسه، ومنه ارتفع سلم إلي السماء، وقد صب علي هذا الحجر زيتًا، ودعا المكان بيت إيل، أي بيت الله (تك 28: 18، 19). وهو يذكرنا بحجر الأساس الذي نضعه لكل كنيسة. وهذا الحجر كان في بدء علاقته بالله. والحجر الثاني هو الحجر الكبير الذي دحرجه عن فم البئر، وكان بدء العلاقة بينه وبين راحيل وأبيها لابان (تك 29: 10). والحجر الثالث هو الذي أوقفه عمودًا، ليكون شاهدًا بينه وبين لابان، فلا يتجاوز أحدهما هذا الحد الآخر، وذلك عندما فارق يعقوب لابان (تك 31: 45- 52). أما الحجر الرابع، فهو تأكيد للحجر الأول، بعد أن ظهر له الله في بيت إيل. "فنصب يعقوب عمودًا من حجر، وسكب عليه سكيبًا، وصب زيتًا. ودعا أسم المكان الذي فيه تكلم الله معه بيت إيل" (تك 35: 14، 15). ولعل هذا يعني التصاقه ببيت الله في ذهابه وفي عودته.
قال يعقوب لراحيل أنه أخو أبيها (تك 29: 12) بينما أبوها لابان كان خاله (تك 29: 10). فماذا يعني ذلك؟
لقد كانوا يستعملون عبارة (أخ) للدلالة علي صله القرابة الشديدة القرب كالعم والخال.
ولذلك نري أن لابان بعد قابل يعقوب، وقبله في بيته، وصار يعقوب يرعَى غنمه، أن لابان قال له "ألانك أخي تخدمني مجانًا؟! أخبرني ما أجرتك؟" (تك 29: 15)، بينما لم يكن أخاه، وإنما ابن أخته رفقه...
ونفس التعبير قيل عن العلاقة بين إبرآم ولوط.
قيل فيسبي سادوم "وأخذوا لوطًا أبن أخي إبرآم" (تك 14: 12). وقيل بعد ذلك "فلما سمع إبرآم أن أخاه قد سبي، جمع رجاله المدربين" (تك 14: 14). بينما أن لوطًا كان ابن هاران أخيه (تك 11: 31).
بنفس التعبير ذكرت الأناجيل عبارة: أخوة المسيح.
ولم يكونوا أخوته، وإنما كانوا أولاد خالته (مريم زوجة كلوبا). وانظر في ذلك كتابنا (اللاهوت المقارن هنا في موقع الأنبا تكلا ص 100 إلي ص 102).
أولًا كان زواجًا مبنيًا علي حب.
وهذه الحقيقة تكررت كثيرًا في قصة يعقوب وزواجه. فقيل "وأما راحيل فكانت حسنة الصورة وحسنة المنظر. وأحب يعقوب راحيل" (تك 29: 17، 18). وأيضًا قيل عنه إنه "أحب راحيل أكثر من ليئة" (تك 29: 30). ولأنه أحبها، طلبها من أبيها أن تكون له زوجة. فقال له أبوها "أعطيتك إياها، أحسن من أن أعطيها لرجل آخر. أقم عندي" (تك 29: 19).
أن الزواج المبني علي الحب والمودة، أعمق بنيانًا وأكثر دوامًا.
ولا نعني بالحب علاقة شهوه جسدية، بل نعني به تعلق القلب بالقلب، في مودة وتفاهم وفي توافق فكر وأسلوب، كما يقول المثل "من شروط المرافقة الموافقة؟ فاثنان يترافقان معًا طول الحياة، لابد أن تكون بينهما هذه الموافقة. لذلك فإن الأب الكاهن قبل إجراء سر الزواج، لابد أن يتأكد انه بموافقة كل من الطرفين. أما الضغط والإرغام لإتمام الزواج، فإن من الأسباب التي تدعو إلي بطلان الزواج.
ملاحظة أخري نذكرها، وهي أن أبانا يعقوب خدم لابان سبع سنوات بزواجه من لبنته...
فهل كانت هذه هي (الشبكة)، أو ما يسمونه المهر؟ المعروف أن الشبكة تعطي للخطيبة وليس لأبيها... مثل هذه الشبكة قدمها لعازر الدمشقي لرفقة في خطبتها لإسحق ابن سيده "أخذ خزامة ذهب وزنها نصف شاقل، وسوارين علي يديها وزنها عشرة شواقل ذهب" (تك 24: 22، 30). "وأخرج آنية فضة وآنية ذهب وثياب وأعطاها لرفقه، وأعطي تحفًا لأخيها وأمها" (تك 524: 53).
ولكن ماذا أخذت راحيل، وماذا آخذت ليئة، في زواجهما من يعقوب؟ لا شيء!!
الكل أخذه لابان أبوهما، كل ما في الأمر أنه قدم لكل منهما جارية: زلفة جارية لليئة وبلهة جارية لراحيل (تك 29: 24، 29). ولم يكن كريمًا معهما...
ولذلك نري انه فيما بعد، لما هرب يعقوب من بيت لابان، انضمت إليه زوجتاه، إذ لم يكن لهما مشاعر نحو أبيهما. وقد قالتا في ذلك: "ألنا أيضًا نصيب وميراث في بيت أبينا؟! ألم نحسب منه أجنبيتين! لأنه باعنا وقد أكل أيضًا ثمننًا!! (تك 31: 14، 15)
فما هو الثمن الذي دفعه أبونا يعقوب في زواجه؟
خدم لابان سبع سنوات بأبنته راحيل. فلما خدعه وأزوجه ليئة، خدم سبع سنين أخرى بتلك الأخرى (تك 29: 18، 30)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. أي أنه اشتغل عنده بلا أخري 14 سنة راعيًا لغنمه. ثم اشتغل ست سنوات أخر بغنم أعطاها له (تك 31: 41). ما الذي أخذته البنتان من خدمة 14 سنه مجانًا، خدمها يعقوب لأبيهما لابان؟ لا شيء طبعًا. سبع سنوات خدمها براحيل بسبب محبته لها خدعه لابان وأزوجه ليئة خدمه بتلك سبع سنوات أخري، علي الرغم من أنه لم يطلبها، وقد أقحمها لابان في حياته غشًا... وقد قيل عن محبة يعقوب لراحيل: "فخدم يعقوب براحيل سبع سنين. وكانت في عينيه كأيام قليلة بسبب محبته لها" (تك 29: 20).
تعطينا القصة فكرة عن فترة الخطوبة.
لقد خطب يعقوب راحيل. ولكنه لم يأخذها زوجة إلا بعد أن أكمل السبع سنوات خدمة. وبعد السبع سنوات خدمة. وبعد السبع سنوات قال للابان "أعطني آمراتي لأن أيامي قد كملت" (تك 29: 21) فاعلها أطول فترة خطوبة سمعنا عنها. أضيف إليها أسبوع بعد زواجه بليئة. إذ قال له لابان "أكمل أسبوع هذه، فتعطيك تلك... فأكمل أسبوع هذه، فأعطاه راحيل ابنته زوجه له" (تك 29: 27، 28).
ملاحظة رابعة نقولها في قصة زواج أبينا يعقوب وهي:
عادة زواج الأخت الكبيرة قبل الصغيرة...
كانت راحيل الصغيرة أجمل من أختها الكبيرة ليئة "كانت حسنة الصورة وحسنه المنظر. وكانت عينا ليئة ضعيفتين" (تك 29: 17). فماذا يحدث أن أحب طالب الزواج الأخت الصغيرة وأرادها زوجة؟ هل تقف الكبيرة عقبة أمامها؟ وطبيعي أن كل من يأتي ليطلب الزواج -سواء يعقوب أو غيره- سيطلب الصغيرة الجميلة!! وتبقي عبارة التي قالها لابان وهي "لا يفعل هكذا في مكاننا أن تعطي الصغيرة قبل الكبيرة" (تك 29: 26). فماذا كان الحل إذن؟
الحل هو الخداع الذي قام به لابان، أنه أعطي ليئة علي اعتبار إنها راحيل. فخدع يعقوب.
ولم يطلب يعقوب بطلان الزواج، وقبل. وعلي الرغم من أنه واجه لابان وقال له "لماذا خدعتني"، إلا أنه لعله تذكر أن البركة كان سيقدمها أبوه إسحق لأخيه عيسو، ولكنه بالخدعة أخذ البركة منه. فكانت هذه العقوبة نالها لخديعته لأبيه... ولو أنها جاءت متأخرة...
أما طريقة الخداع في الزواج، فربما كانت هكذا...
كانت الزوجة تزف إلي زوجها منقبة، بحيث لا يري من وجهها شيئًا. ثم يرفع نقابها عندما يدخل بها إلي خيمته. وقد أعطاه لابان أبنته ليئة بعد أن صنع وليمة "وكان في المساء، أنه أخذ ليئة وأتي بها إليه" (تك 29: 23). ولعل النور لم يكن كافيًا في ذلك الزمان "وفي الصباح إذا هي ليئة"!!
الضُرّة هي الضرة، حتى لو كانت أختًا وشقيقة.
وحسنًا أسموها ضرة، ولعلها مشتقة من الضرر. وهذا يرينا بلا شك حكمة التزوج بامرأة واحدة، التي صارت شريعة العهد الجديد، بعد أن تأكد للكل عمليًا مشاكل تعدد الزوجات. فماذا حدث لزوجتي يعقوب؟
تصارعت الزوجتان، حول محبة الرجل وإنجاب البنين.
من جهة محبة الرجل قيل أن يعقوب "أحب راحيل أكثر من ليئة" (تك 29: 30). في الواقع لست أدري في أسبوع ليئة، أي خلال الأسبوع الأول لزواجها، كيف كان شعورها وهي تعلم أنها مكروهة، وإنها دخلت بخدعة في حياة هذا الرجل، وأنه يقضي معها هذا الأسبوع لكي تعطي له أختها الجميل راحيل..؟ وكيف كان شعور راحيل خلال ذلك الأسبوع، وهي تشعر أنه كان من حقها، وقد ظلمها أبوها، وقدم أختها بدلًا منها فاغتصبت منها خطيبها؟! وماذا كان شعور يعقوب، وهو مضطر أن يقضي ذلك الأسبوع مع ليئة علي الرغم منه، وبخاصة بعد أن أكتشف الخديعة في صباح اليوم الأول؟! أكان ذلك أسبوعًا طبيعيًا بين زوجتين؟! لست؟أعلم. المهم أن هذا الأسبوع الأول الغريب قد أنتهي. وعاد يعقوب، فأخذ راحيل زوجه له، وجمع بين الزوجتين الأختين، الأمر الذي نهت عنه الشريعة أيام موسى النبي، فأمرت بأنه "لا تأخذ امرأة علي أختها للضر" (لا 18: 18).
وهنا تدخل الرب لعمل توزان بين الزوجتين.
إن كان لراحيل فضل محبة الزوج، فليكن لليئة فضل إنجاب البنين. وهكذا قيل "ورأي الرب أن ليئة مكروهة، ففتح رحمها. وأما راحيل فكانت عاقرًا" (تك 29: 31). وكانت ليئة تعتقد أن كثرة إنجابها سوف تجذب محبة زوجها لها. كما قالت بعد إنجاب ابنها الأول: "الآن يحبني رجلي" (تك 29: 32).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/jacob-joseph/marriage.html
تقصير الرابط:
tak.la/cgrg855