محتويات |
كان يوسف الصديق رجل أحلام، ولكن أيضًا مفسرًا للأحلام.
أحلام كانت بدء مشكلته مع أخوته حتى أنهم لما رأوه قادمًا لافتقادهم -في بدء تآمرهم عليه- قالوا "هوذا صاحب الأحلام قادم. قادم. فالآن هلم نقتله... فنري ماذا تكون أحلامه!" (تك 37: 19، 20). وفعلًا كانت أحلامه من الله، وقد تحققت...
والكتاب المقدس يرينا أن هناك أحلامًا كثيرة من الله.
في مشكلة أبينا إبراهيم، لما قال عن سارة إنها أخته، وأخذها أبيمالك، يقول الكتاب "فجاء الله في حلم الليل. وقال له: ها أنت ميت من أجل المرأة التي أخذتها، فإنها متزوجة ببعل.." (تك 20: 3).." وقال له الله في الحلم: أنا أيضًا علمت أنك بسلامة قلبك فعلت هذا... فالآن رد امرأة الرجل، فإنه نبي فيصلي لأجلك فتحيا" (تك 20: 6، 7).
وفي (تك 28: 12) أثناء هرب أبينا يعقوب من وجه أخيه عيسو، قيل عنه إنه "رأي حلمًا. وإذا سلم منصوبة علي الأرض، ورأسها يمس السماء. وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها. وهوذا الرب واقف عليها فقال..".
ونلاحظ في هذين الحلمين، أن الله كلم أبيمالك في حلم، وأنه كلم يعقوب في حلم وتحقق ما قيل في الحلمين.
وفي (تك 31: 10-13) نري أن الله قد كلم يعقوب في حلم بخصوص الفحول المخططة والرقطاء. وفي نهايته قال له "أنا إله بيت إيل حيث مسحت عمودا، حيث نذرت لي نذرًا. الآن قم وأخرج من هذه الأرض، وارجع إلي أرض ميلادك".
وفي نفس الإصحاح، لما أراد لابان أن يؤدي يعقوب، ظهر الله للابان في حلم الليل لينذره. وفي هذا يقول الكتاب "وأتي الله إلي لابان الأرامي في حلم الليل... وقال له: احترز من أن تكلم يعقوب بخير أو شر" (تك 31: 24).
والسيد الرب قد صرح بأنه كان يكلم البعض في الأحلام. فلما انتقد هارون ومريم أخاهما موسي، وقال لهما الله مفصلًا موسي عليهما "إن كان منكم نبي للرب، فالرؤيا استعلن له، في الحلم أكلمه. وأما عبدي موسي فليس هكذا: بل هو أمين في كل بيتي. فما إلي فم وعيانا أتكلم معه" (عد 12: 6- 8).
نعلم أيضًا أن الله كلم سليمان في حلم، إذ يقول الكتاب إنه "في جبعون تراءي الرب لسليمان في حلم ليلًا. وقال له أسأل ماذا أعطيك.." (1مل 3: 5). فطلب سليمان الفهم والحكمة...
وسفر دانيال النبي يعطينا فكر عن أحلام نبوخذ نصر الملك التي فسرها له دانيال النبي (دا 2، 4). بل الأحلام التي رآها دانيال نفسه كما ورد في (دا 7، 8) وغيره، وكانت وكلها من الله.
وسفر يوئيل النبي يعتبر هذه الأحلام من مواهب الله ومن عطايا الروح القدس فيقول: "ويكون بعد ذلك أني أسكب روحي علي كل بشر. فيتنبأ بنوكم وبناتكم. ويحلم شيوخكم أحلًامًا، ويري شبابكم رؤى" (يوئيل 2: 28).
وفي العهد الجديد نقرأ عن أحلام يوسف النجار التي هي وحي من الله: "ملاك الرب به فيها هو من الروح القدس" (مت 1: 20). كذلك "ملاك الرب ظهر ليوسف في حلم قائلًا: قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلي مصر" (مت 2: 13) ثم "أذا ملاك الرب قد ظهر في حلم ليوسف في مصر قائلًا: قم وخذ الصبي وأذهب إلي أرض إسرائيل، لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفسي الصبي" (مت 2: 19، 20).
نقرأ أيضًا عن المجوس أنهم "إذ أوحي إليهم في حلم أن لا يرجعوا ألي هيرودس انصرفوا في طريق أخري إلي كورتهم" (مت 2: 12).
نعرف أيضًا أن زوجة بيلاطس البنطي أرسلت إليه أثناء محاكمته للسيد المسيح قائلة: إياك وذلك البار، لأني تألمت كثيرًا جدًا في حلم من أجله" (مت 27: 19).
كل هذه وغيرها أحلام من الله، لها هدف إلهي.
ولكن ليس معني هذا أن كل الأحلام من الله، وأنها تتحقق!
هناك أحلام كثيرة ليست من الله: أحلام من أمور مترسبة في العقل الباطن. وأحلام من حالة الجسد أثناء النوم. وأحلام من الشياطين. وفي بستان الرهبان أمثلة كثيرة من الأحلام التي ليست من الله، ومن التي يراد بها تضليل من يسير وراءها...
وقد قيل في سفر ذكريا النبي لأن الترافيم قد تكلموا بالباطل. والعرافون رأوا الكذب وأخبروا بأحلام كتب" (زك 10: 2).
والرب نفسه أوصي من جهة تلك الأحلام المضللة قائلًا: "إذا قام في وسطك نبي أو حالم حلمًا، وأعطاك آية أو أعجوبة، ولو حدثت تلك الآية أو الأعجوبة التي كلمك عنها، قائلًا لنذهب وراء آلهة أخري لم يعرفها وتعبدها. فلا تسمع لكلام ذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم. لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم هل تحبون الرب إلهكم من كل قلوبكم.." (تث 13: 1-3).
أما عن ذلك الحالم حلمًا، فيقول الرب في نفس الإصحاح: "وذلك النبي أو الحالم حلمًا يقتل لأنه تكلم بالزيغ من وراء الرب إلهكم... فتنزعون الشر من بينكم" (تث 13: 5).
يوحنا الدرجي (كليماكوس) يحذر أيضًا من الأحلام الكاذبة.
ما حلم به يوسف كان من الله. كان نبوءة. وقد تحققت.
حلم يوسف أن حزم أخوته سجدت لحزمته. فقال له أخوته "ألعلك تملك علينا ملكًا، أم تتسلط علينا تسلطًا؟!" (تك 37: 8). لم يصدقوا الحلم، ولم يعتبروه من الله. إنما ازدادوا بُغضًا ليوسف.
ولما حلم أن الشمس والقمر وأحد عشر كوكبًا ساجدة له، لم يصدق أخوته هذا الحلم، ولم يعترفوا أنه من الله، بل حسدوا يوسف.
كان الحلمان رسالة من الله. لكنهم لم يتقبلوها. بل قاوموها!
وهكذا فكروا أن يقتلوا يوسف، باعتباره صاحب الأحلام (تك 37: 19، 20). أما أبوه فحفظ الأمر (تك 37: 11). ولكن عندما أخبروه أبناؤه بأمر القميص الملون الملطخ بالدم، وقالوا له "حقق أهو قميص أبنك. تحققه وقال "قميص أبني هو. وحش رديء أكله. افترس سوف افتراسًا. ومزق ثيابه ولبس مسحًا وناح علي أبنه (تك 37: 32- 34). ورفض أن يتعزي. وقال أني انزل إلي أبني نائحًا إلي الهاوية...
لقد نسي يعقوب حلمي يوسف وقتذاك. أما الله فاستمر يذكرهما.
هل يوسف أيضًا كان قد نسي الحلمين، حينما بيع كعبد، وحينما ألقي في السجن ظلمًا وطالت مدته فيه؟! أم اعتبرهما مجرد حلمين لا علاقة لهما بالواقع!! حينما باعه أخوته كان عمره 17 سنة (تك 37: 2). "وكان يوسف أبن ثلاثين سنه لما وقف قدام فرعون ملك مصر" (تك 41: 46).. أي أنه قضي 13 سنه في العبودية وفي السجن.
فهل آنسته الـ13 سنة وعود الله في الحلمين؟
كل ما طلبه من رئيس السقاة زميله المسجون معه في بيت السجن أن يذكره أمام فرعون ليخرجوه من بيت السجن الذي وضعوه فيه ظلمًا، قائلًا له "تصنع إلي إحسانًا وتذكرني لفرعون، وتخرجني من هذا البيت، لأني... لم أفعل شيئًا حتى وضعوني في السجن" (تك 40: 14، 15). ولن سوف طلب هنا معونة بشرية، قيل في الرد عليها:
"ولكن لم يذكر رئيس السقاة يوسف، بل نسيه" (تك 40: 33).
ربما يوسف أرهقته سنوات الألم الثلاث عشرة، فضعف أمامها وطلب من رئيس السقاة أن يذكره رئيس السقاة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولكن الملائكة كانت بلا شك تذكره أمام الله. وإن كان رئيس السقاة تذكره بعد سنتين (تك 41: 1) في مناسبة أعدها الله بنفسه، بحيث يكون لها تأثيرها. فكيف كان ذلك؟
كانت خطة الله أن يجعل يوسف متسلطًا علي كل أرض مصر. وأن يأتي أخوة يوسف ويسجدوا له، حسب وعده في الحلم.
ولكي يحدث هذا، كان لابد أن يتعرف فرعون علي يوسف ويثق به ويجعله ثانيًا له في المملكة. ولكي يحدث هذا، أرسل الله إلي فرعون علي يوسف ويثق به ويجعله ثانيًا له في المملكة. ولكي يحدث هذا أرسل الله إلي فرعون أحلامًا، وأعطي يوسف موهبة لتفسيرها. ولكي يرسل فرعون طالبًا يوسف، سمح الله ليوسف أن يفسر حلمين لاثنين يخدمان فرعون: أحدهما رئيس سقاته وثانيهما رئيس خبازيه. وقد دبر الله أن يكون يوسف زميلًا لهما في السجن. ولكي يدخل يوسف السجن ويلتقي بهما سمح الله أن تكيد ليوسف زوجة فوطيفار رئيس الشرطة. ولكي يتمكن يوسف من لقاء هذه المرأة، سمح الله أن يباع يوسف عبدًا لفوطيفار. ولكي يباع يوسف، سمح الله لأخوة يوسف أن يتآمروا ضده. وكسبب للتآمر أرسل الله أحلامًا ليوسف حسده بها أخوته، وفكروا أن يقتلوه، ثم خففوا المر فباعوه كعبد...
وهكذا اجتاز يوسف في ضيقات كثيرة، بدأت بأحلامه، وانتهت بتفسيره لأحلام، وانتهت بتفسيره لأحلام فرعون. وكانت هذه الضيقات هي الوسيلة التي أدت إلي تمجيد يوسف.
لا شك أنها موهبة من الله ليوسف. وقد نسبها يوسف إلي الله.
· عندما حلم رئيس السقاة ورئيس الخبازين، كل منهما حلمًا ولم يجد من يعبره (أي يفسره). "قال لهما يوسف: أليست لله التعابير؟ قُصًّا عليّ" (تك 40: 8). فلم ينسب لنفسه المعرفة أو القدرة علي تفسير الأحلام. إنما قال أنها لله.
· وكان صريحًا صادقًا في تفسيره.
قال لرئيس السقاة "إنها ثلاثة أيام، ويردك فرعون إلي مقامك، فتعطي كأس فرعون في يده كالعادة الأولي حينما كنت ساقيه" (تك 40: 13)." فلما رأي رئيس الخبازين أن وسف قد عبر جيدًا "أي أتي لرئيس الساقيين بخبر طيب، قص عليه أيضًا حلمه، ظانًا أنه سيسمع نفس البشري. ولكن يوسف لم يجامله، بل كلمه بصراحة قائلًا "في ثلاثة أيام أيضًا، يرفع فرعون رأسك عنك، ويعلقك علي خشبة، وتأكل الطيور لحمك عنك (تك 40: 19).. وقد كان. ولما حلم فرعون حلمين: أحدهما السبع بقرات السمينات التي أكلتها السبع بقرات الهزيلات. والثاني السبع سنابل الممتلئة التي ابتلعتها السبع سنابل الرقيقة المفلوجة... ولم يستطع كل سحره مصر وحكمائها تفسير الحلمين. حينئذ تذكر رئيس السقاة يوسف، وقص خبره علي فرعون، فاستدعاه فرعون.
ونجد أن اسم الله استمر علي لسان يوسف، في حديثة مع فرعون. ونسب لله تفسير الحلمين، خمس مرات.
· لما قال له فرعون "أنا سمعت عنك قولًا إنك تسمع أحلامًا لتعبرها" أجاب يوسف فرعون قائلًا "ليس لي. الله يجيب بسلامة فرعون" (تك 41: 16).
· ولما قص عليه فرعون الحلمين. قال له: "حلم فرعون واحد. قد أخبر الله فرعون بما هو صانع" (تك 41: 25). وفسر حلم البقرات.
· وتفسيره لحلم السنابل، كرر نفس العبارة "قد أظهر الله لفرعون ما هو صانع" (تك 41: 28).. فأجع كل ما سيأتي في المستقبل إلي تدبير الله. أما تفسير الحلم فهو ما أراد الله أن يظهره لفرعون. وهكذا اختفي يوسف، لكي يظهر الله في الصورة أما فرعون.
· أما عن تكرار الحلم مرتين بنفس المعني. فقد قال عنه يوسف "لأن الأمر مقرر من قبل الله. والله مسرع ليصنعه" (تك 41: 32).
· ولم يكتف يوسف بتفسير الحلمين، بل قدم أيضًا النصيحة لفرعون فيما ينبغي أن يعلمه، من جهة أن يبحث عن رجل بصير وحكيم يجعله علي أرض مصر: ليخزن في سني الرخاء ما يصبح ذخيرة في سني الجوع (تك 41: 33- 36).
· وتكرار اسم الله 5 مرات في حديث يوسف مع فرعون، جعل اسم الله يكون أيضًا علي لسان فرعون، فقال لعبيده عن يوسف "هل نجد مثل هذا رجلًا فيه روح الله! ثم قال ليوسف "بعد ما أعملك الله كل هذا، ليس بصير وحكيم مثلك" (تك 41: 38، 39). وسلمه كل السلطة في مصر.
وذلك بأن تحول يوسف السجين إلي ملك علي كل مصر... وقال له فرعون "بدونك لا يرفع إنسان يده ولا رجله في كل أرض مصر"، "أنظر قد جعلتك علي كل أرض مصر"، "وخلع فرعون خاتمه من يده، وجعله في يد يوسف. وألبسه ثياب بوص، وجعل طوق ذهب في عنقه. وأركبه في مركبته الثانية. ونادوا أمامه اركعوا. وجعله علي كل أرض مصر" (تك 41: 43). ولعل من الذين ركعوا له، فوطيفار سيده الأول!
كل ما كان يريده يوسف أن يخرج من السجن. وما كان يحلم بكل هذا. ولكن الله الكريم في عطائه، أعطاه ما لم يطلب.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/jacob-joseph/dreams.html
تقصير الرابط:
tak.la/5gb858j