St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   discipleship
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب التلمذة - البابا شنوده الثالث

5- التلمذة على الحياة

 

أنت لا تتلمذ على كلام المعلمين فقط، وإنما على حياتهم، حتى دون أن يتكلموا. تمتص الحياة منهم، بما فيهم من أمثولة طيبة وقدوة صالحة.

فليست الأذون وحدها وسيلة التعليم، وإنما العين أيضًا:

يُرْوَى عن القديس الأنبا شيشوي، إنه من فرط تواضعه ما كان يعطي تعليمًا لمن يتتلمذ أليه. فلما عاتبه الآباء لأنه لم يعط أية إشادات لأخ جديد سلموه إليه ليعلمه... قال لهم: [أنا لست رئيسًا ولا معلمًا. فان أراد هو أن يتعلم شيئًا، فلينظر كيف أتصرف وكيف أعمل، ويعمل هكذا مثلي، دون أن آمره].

ومن أمثلة التعليم من السيرة، إن ثلاثة إخوة زاروا القديس الأنبا أنطونيوس، فاثنان منهما سألاه. أما الثالث فجلس صامتًا، فلما استفسر منه القديس لماذا لم يسأل عن شيء، أجابه الأخ:

[يكفيني مجرد النظر إلى وجهك يا أبي].

كان مجرد النظر إلى وجه القديس درسًا يتعلم منه الأخ وهو صامت. يرى القديس كيف يتكلم وكيف يجيب، ويبصر ملامحه الوديعة الهادئة المتضعة... وَيَتَعَلَّم...

مثال آخر: في إحدى المرات زار البابا ثاوفيلس برية شيهيت. فقال الآباء للقديس الأنبا بفنوتيوس: [قل كلمة لينتفع البابا]. فأجابهم: [إن لم ينتفع من سكوتي، فمن كلامي أيضًا سوف لا ينتفع].

حقًا أن الصمت يمكن التتلمُذ عليه، تمامًا ككلام المنفعة.

St-Takla.org Image: Saint Arsanious the teacher of the Kings' sons, a modern Coptic art icon at St. Mary Church, in  Saint Mina the Egyptian Coptic Orthodox Monastery, Mariout, Egypt - unfortunately, the original image was recently repainted (2000s) instead of being repaired in a right way!! - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة القديس الأنبا أرسانيوس معلم أولاد الملوك، لوحة من فن قبطي حديث في كنيسة العذراء بدير الشهيد مينا المصري (دير قبطي أرثوذكسي)، مريوط، مصر - للأسف الصور الأصلية تم إعادة تلوينها بدلًا من ترميمها بصورة سليمة!! - تصوير مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا هيمانوت

St-Takla.org Image: Saint Arsanious the teacher of the Kings' sons, a modern Coptic art icon at St. Mary Church, in  Saint Mina the Egyptian Coptic Orthodox Monastery, Mariout, Egypt - unfortunately, the original image was recently repainted (2000s) instead of being repaired in a right way!! - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org.

صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة القديس الأنبا أرسانيوس معلم أولاد الملوك، لوحة من فن قبطي حديث في كنيسة العذراء بدير الشهيد مينا المصري (دير قبطي أرثوذكسي)، مريوط، مصر - للأسف الصور الأصلية تم إعادة تلوينها بدلًا من ترميمها بصورة سليمة!! - تصوير مايكل غالي لـ: موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

ولعل من أروع الأمثلة على ذلك القديس أرسانيوس الكبير، الذي كان كثيرون يتتلمذون على صمته، ويستفيدون من قدرته الصالحة أكثر من كلام معلمين آخرين...

وهكذا يتتلمذ الآن على حياة الآخرين، على الصفات الجميلة التي فيهم. ويمتص فضائلهم، دون أن يلقوا عليه دروسًا في تلك الفضائل. وقد فعل القديس الأنبا أنطونيوس هكذا في أول عهده بحياة الرهبنة: فكان يتعلم من حياة النساك الذين يراهم:

كان كالنحلة التي تمتص من كل زهرة رحيقًا...

يتعلم من أحد النساك الهدوء، ومن آخر التواضع، ومن ثالث الصمت، ومن رابع حسن الكلام... وما فعله القديس أنطونيوس يذكرنا بتعليم أخر نافع وهو:

لا يحاول أن تكون في تلميذتك صورة كربونية من شخص واحد بالذات.

فلا يوجد شخص واحد من بني البشر فيه كل الفضائل. كما ان ما يناسب شخصًا معينًا قد لا يناسبك أنت. إنما خذ من كل شخص ما يعجبك فيه من صفات جميلة. وخذ من هذه الصفات بالقدر الذي يصلح لك وبالأسلوب الذي يوافق طبعك وعقليتك وظروفك.

وهكذا تكون التلمذة على الحياة، ومنها التلمذة على سير القديسين.

وفي هذا يقول القديس بولس الرسول: "اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله. انظروا إلى نهاية سيرتهم، فتمثلوا بأيمانهم" (عب7:13).

ولقد قدَّم لنا الكتاب المقدس أمثلة عملية من كل نوع، كما قدم لنا التاريخ أمثلة أخرى في كل فروع الفضيلة، وفي كل ألوان الحياة، يمكن ان نتتلمذ عليها.

إن السيد المسيح بكت اليهود بمثال ملكة التيمن.

فقال لهم: "ملكة التيمن ستقوم في (يوم)الدين مع هذا الجيل وتدينه، لأنها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان. وهوذا أعظم من سليمان ههنا" (مت42:12). أنها كانت مثالًا عجيبًا في طلب الحكمة والمعرفة، أي في التلمذة. وقد تتلمذت على إنسان أخذ الحكمة من الله نفسه، وكان أحكم أهل جيله (1مل12: 3). وأصبحت هذه الملكة مثالًا لنا نقتدي به.

وقد قدم السيد لجيله ولنا أمثلة نتتلمذ عليها:

قدم لنا المرأة الكنعانية في أتضعها، إذ قالت عن نفسها وابنتها: "والكلام أيضًا تآكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها"، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.

وقدَّم لنا الرب أيضًا مثال قائد المائة في أيمانه، إذ قال: "يا سيد لست مستحقًا أن تدخل تحت سقفي، لكن قل كلمة فقط فيبرأ غلامي". فقال الرب للذين يتبعونه: "الحق أقول لكم: لم أجد ولا في إسرائيل إيمانًا بمقدار هذا".

وهكذا قدم الرب للناس أمثلة حية ممن يعيشون حولهم، ويصلحون قدوة للتلمذة على مثالها.

وقدم لهم أيضًا مثال الأرملة التي أعطت من أعوازها (مر12:9) ومثال الأرملة التي سكبت قارورة الطيب الغالي الثمن على رأسه في بيت سمعان الأبرص. وقال: (الحق أقول لكم حيثما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم، يخبر أيضًا بما فعلته هذه تذكارًا لها) (مر 14: 9).

إذن ليست الأمثلة التي تتلمذ عليها، هي فقط للقديسين الذين رقدوا، إنما أيضًا الأمثلة الحية من حولك.

ولعلك تجد فيمن تعاشرهم وتختلط بهم، وفي من يعيشون في جيلك -حتى لو لم تختلط بهم- ربما تجد في هؤلاء وأولئك أمثله طيبة يمكن أن تلتقطها وتمتصها وتحتذيها.

ونحن نرى في الأطفال مثالًا لمن يتعلم بالمحاكاة:

إنهم لم يصلوا بعد إلى درجة الفهم والنضوج الفكري الذي يساعدهم على تلقي العلم أو فهم النصائح. ولكنهم كما يعيش الذين حولهم يأخذون الحياة والدين وكل شيء عن طريق التسليم، وليس عن طريق التعليم.

وكما تتعلم من فضائل الناس، يمكنك التعليم من أخطائهم:

فأنت إذ ترى الخطأ، ونتائجه السيئة، وردود فعله عند الآخرين، تستطيع أن تأخذ درسًا في تحاشي هذا الخطأ في حياتك. أو كما قال الأسد: [من علمك الحكمة أيها الثعلب؟] فأجابه: [تعلمتها من رأس الذئب الطائر عن جثته]..

وما أجمل المَثَل الذي يقول: [تعلمت الصمت من الببغاء].

أي أنني لما رأيت مساوئ كثرة الكلام، أخذت درسًا في سمو الصمت وفائدته واحترام الناس للصامتين.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/discipleship/life.html

تقصير الرابط:
tak.la/th5gw68