St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   dialogue-with-god
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب حوار مع الله، ومقالات منتقاه - البابا شنوده الثالث

40- القرارات الحاسمة المصيرية

 

هناك أشخاص ضعفاء مترددون، عاجزون عن اتخاذ قرار، أي قرار... وهؤلاء يحتاجون إلى مرشد حكيم، يرشدهم إلى ماذا يفعلون.

وهناك أشخاص عاديون، قراراتهم عادية، في أمور الحياة العامة، لا تشكّل حلقة مصيرية في حياتهم.

بينما البعض له قرارات حاسمة، إما في مصيره هو، أو في مصير غيره، أو في مصير شعب بأكمله. وعن هذا النوع نتكلم اليوم.

وقد يكون القرار المصيري للنفع أو للضرّ.

من ذلك قرار يتخذه إنسان بالانتحار. وهو قرار مصيري ضار به.

كقرار أخيتوفل بالانتحار، لما وجد مشورته لم يؤخذ بها "فانطلق إلى مدينته، وأوصى لبيته، وخنق نفسه ومات" (2صم23:17).

بنفس الوضع يهوذا الإسخريوطي، بعد أن ذهب إلى رؤساء الكهنة والشيوخ، وقال لهم أخطأت إذ أسلمت دمًا بريئًا. "فقالوا له: ماذا علينا، أنت أبصر. فطرح الفضة في الهيكل وانصرف. ثم مضى وخنق نفسه" (مت3:27-5).

قرار الانتحار يدل على التخلص من هذه الحياة بالموت، دون النظر إلى ما بعد الموت. وبهذا هو قرار فاقد للإيمان، وللرجاء أيضًا.

St-Takla.org Image: Hand holding a key, control of life, self-discipline, self-control, walking the path of life in a thoughtful manner - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 18 May 2025. صورة في موقع الأنبا تكلا: يد تمسك مفتاح، التحكم في الحياة، ضبط النفس، السير في طريق الحياة بصورة مدروسة. - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 18 مايو 2025 م.

St-Takla.org Image: Hand holding a key, control of life, self-discipline, self-control, walking the path of life in a thoughtful manner - AI art, idea by Michael Ghaly for St-Takla.org, 18 May 2025.

صورة في موقع الأنبا تكلا: يد تمسك مفتاح، التحكم في الحياة، ضبط النفس، السير في طريق الحياة بصورة مدروسة. - فن بالذكاء الاصطناعي، فكرة مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 18 مايو 2025 م.

* يوجد قرار مصيري لمنفعة شعب بأكلمه، وهو قرار الفتى داود، أن يتصدى لجليات الجبار ويحاربه. وفعلًا خرج إلى ساحة الحرب بمقلاعه ومعه خمس حصوات ملساء. وضرب جليات بإحداها، فأراده قتيلًا. وهرب جيشه خوفًا بعد مقتل جبارهم.

وانتصر داود وانتصر الجيش والشعب به (1صم17).

وقرار داود بالتصدي لجليات هو قرار دفعت إليه الغيرة والنخوة. وهو قرار يرتكز على الإيمان بأن الحرب للرب، وأن الله سيدفع العدو إلى يده (1 صم 17: 46-47).

* يشبهه أيضًا قرار موسى النبي بعبور البحر الأحمر، بضربه بعصاه في إيمان بعمل الرب. وهكذا قال موسى للشعب "قفوا وانظروا خلاص الرب... الرب يقاتل عنكم، وأنتم تصمتون" (خر 14: 13-14).

من القرارات المصيرية أيضًا قرار مار جرجس بتمزيق منشور الملك.

وكان ذلك المنشور يهدد كل مسيحي بالموت، إن كان معه إنجيل، أو أن ذهب إلى الصلاة في كنيسة، أو إن رفض أن يبخر للأصنام. وكان قرار مار جرجس بتمزيق هذا المنشور قرارًا جريئًا شجاعًا يتحدى فيه أكبر سلطة في أيامه. وكان قرارًا مصيريًا، من نتائجه القبض على مار جرجس وسجنه، وتعرضه لسلسلة من الإغراءات والتهديد، وإلى ألوان من التعذيب انتهت باستشهاده.

ومثله أيضًا قرارات كل الشهداء بالتقدم إلى الموت.

والقصص في هذا المجال كثيرة، منها قصة آبا فام الجندي، الذي لبس أفخر ثيابه، وذهب لملاقاة الوالي أريانوس. فلما سألوه لماذا لبس أفخر ثيابه، قال إنه يوم عرسي (أي يوم استشهاده). وذهب أبا فام وهو مصمم على قراره. فلما رآه الوالي قال له السلام لك يا أبا فام، فرد عليه قائلًا "لا سلام، قال الرب للأشرار"... وقبض عليه، واستشهد...

كذلك أيضًا قرار القديس أغناطيوس الأنطاكي الذي رفض أن ينقذه من الموت مسيحيو رومه. وأرسل إليهم يقول "أخشى أن محبتكم تسبب لي ضررًا. وهأنذا قد ركضت شوط حياتي ووصلت إلى نهايته...".

* مثل تلك القرارات الشجاعة قرار القديس بطرس وباقي الرسل، إذ قالوا لرؤساء الكهنة "ينبغي أن يُطاع الله أكثر من الناس" (أع29:5).

وبهذا القرار استمروا في عمل الكرازة والتعليم، غير مبالين بما أصابهم من حبس ومن جلد. بل حينما أطلقوهم "خرجوا فرحين، لأنهم حُسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه. وكانوا لا يزالون كل يوم في الهيكل وفي البيوت معلمين ومبشرين بيسوع المسيح" (أع 5: 41-42).

* مثل ذلك أيضًا قرار إيليا النبي بتحدي أنبياء البعل وأنبياء السواري (1مل18).

وقال لهم تقدمون ذبيحة، ونقدم نحن ذبيحة، فالذي تنزل نار من السماء وتأكل ذبيحته، يكون إلهه هو الإله الحق. فقدّم أنبياء البعل ذبيحة وصرخوا طول النهار، وما من مجيب. ثم قدم إيليا ذبيحة وأغرقها بالماء، وصرخ إلى الرب، "فسقطت نار الرب وأكلت المحرقة والحطب والحجارة والتراب" (1مل38:18).

إنه قرار قوي مبني على إيمان، بأن الله سوف يُنزل نارًا من السماء ويقبل ذبيحته. وكان نتيجة انتصار إيليا أنه قضى على كل أنبياء البعل، أولئك الذين كانوا يأكلون على مائدة الملكة إيزابل (1مل 18: 19). فآمن الشعب بالرب.

كان قرار إيليا في القضاء على أنبياء البعل قرارًا مصيريًا.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

* من القرارات الحاسمة أيضًا في مصير البشرية والكنيسة قرار قسطنطين الملك بالحرية الدينية.

وذلك في مرسوم ميلان سنة 313م الذي به مارس المسيحيون عبادتهم بكل حرية، وانقضى الاضطهاد الجماعي، والاستشهاد الجماعي.

إنه قرار حاسم ومصيري، اتخذه الملك قسطنطين. وكان للمنفعة ليس لفرد، وليس لشعب واحد، بل لشعوب عديدة، أو قل للعالم كله.

* هناك قرار مصيري أيضًا اتخذه الفتى أنطونيوس بإعطاء كل ما له للفقراء، والذهاب إلى حياة الوحدة في البرية.

كان قرارًا مصيريًا بالنسبة إلى حياة القديس أنطونيوس، وأيضًا كان له تأثيره في تأسيس حياة الرهبنة في كل العالم كما نراها الآن في الكنائس الأرثوذكسية وفي الكنائس الكاثوليكية بآلاف من الرهبان والراهبات. وقد أخذت الرهبنة وضعها في قيادة الكنائس وفي رئاسة الكهنوت. وصار للرهبنة تأثيرها الروحي في حياة الوحدة والصلاة والتأمل...

كل ذلك كان نتيجة لقرار أنطونيوس أب جميع الرهبان.

* ومن القرارات المصيرية في حياة الأفراد: قرارات التوبة.

وهي قرارات غيرّت حياة أولئك التائبين حتى وصلوا من حياة التوبة إلى حياة القداسة: ومن هؤلاء القديس أوغسطينوس، والقديس موسى الأسود، والقديسة مريم القبطية، والقديسة سارة، والقديسة بيلاجية.

ومع أنها كانت قرارات فردية، إلا أنها كانت قدوة لكثيرين شجعتهم على التوبة والرجوع إلى الله.

ومن القرارات المصيرية: قرار التكريس.

سواء كان التكريس للخدمة أو للكهنوت أو للرهبنة.

قرار بطرس وأندراوس أن يتركا الشباك والسفينة ومهنة الصيد، حينما دعاهما الرب قائلًا: "هلما ورائي فأجعلكما صيادي الناس" (مت 4: 18-19).

وكذلك متى الذي ترك مكان الجباية وسار وراء المسيح، حينما قال له "اتبعني" فقام وتبعه (مت9:9).

كذلك باقي الرسل الذين تبعوا السيد المسيح، وساروا وراءه، وهم لا يعلمون إلى أين يذهبون.

مثلهم في ذلك مثل أبينا إبراهيم (عب8:11)، هذا الذي دعاه الله قائلًا: "اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك" (تك1:12). فذهب إبراهيم وراء الله إلى حيث أرشده.

يدخل في زمرة المكرسين، كل من خصص نفسه لخدمة الله وعبادته، واتخذ قرارًا مصيريًا لحياته كفرد...

حنة أم صموئيل أخذت قرارًا أن تكرس ابنها لخدمة الله حتى قبل أن يولد. فقالت لله في صلاتها "إن أعطيت أمتك زرع بشر، فإني أعطيه للرب كل حياته، ولا يعلو رأسه موسى" (1صم11:1). ثم لما فطمت طفلها، أصعدته إلى الرب إلى شيلوه مع ذبيحة قدمتها للرب (1صم24:1).

من القرارات المصيرية قرار راعوث أن تتبع حماتها نعمي.

إذ قالت لها (بعد أن توفي زوجها): "لا تلحي عليّ أن أتركك وأرجع عنك. لأنه حيثما ذهبت أذهب، وحيثما بتّ أبيت" (را 16:1).

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

قرارات مصيرية خاطئة:

* أول قرار مصيري خاطئ في تاريخ البشرية، هو قرار أمنا حواء بأن تقطف من الشجرة المحرمة. وذلك بعد أن رأت أن الشجرة جيدة للأكل، وأنها بهجة للعيون وشهية للنظر (تك6:3) فأخذت من ثمرها وأكلت، وأعطت رجلها أيضًا فأكل معها.

وكانت النتيجة الخطيرة هي الموت لهما ولكل نسلهما.

* أيضًا من القرارات المصيرية قرار قايين بقتل أخيه هابيل (تك4). وكانت النتيجة أنه لعن من الله وعاش في رعب.

* من القرارات المصيرية قرار دليلة بأن تخون شمشون وتسلمه إلى أيدي أعدائه، ففقأوا عينيه وأصبح يجرّ الطاحونة كالحيوان (قض16). وسبق ذلك طبعًا قرار شمشون أن يبوح بسرّ قوته لدليلة.

* من القرارات المصيرية الخاطئة قرار أخيتوفل أن يخون سيده داود وينضم إلى أبشالوم. ثم قراره الأخير بأن يشنق نفسه.

* من القرارات المصيرية الخاطئة قرار رحبعام بن سليمان أن يطيع مشورة الشبان ويجيب الشعب بقسوة. وكانت النتيجة انقسام المملكة، وخروج عشرة أسباط عنها بقيادة يربعام (1مل12).

* من القرارات المصيرية أيضًا قرار آخاب الملك أن يأخذ حقل نابوت اليزرعيلي، مع قرار إيزابل الملكة بوضع خطة الملك واتهام نابوت بالتجديف على الله ورجمه. وكانت النتيجة قول الرب لآخاب (على فم إيليا النبي): "في المكان الذي لحست فيه الكلاب دم نابوت، تلحس الكلاب دمك أنت أيضًا" (1مل19:21).

* من القرارات المصيرية كذلك، قرار يهوذا الإسخريوطي أن يمضي ويسلم سيده. ثم قراره بعد ذلك أن يشنق نفسه (مت27).

* من القرارات المصيرية كذلك قرار هيرودس الملك أن يطيع هيروديا، ويقدم لها رأس المعمدان على طبق (مت14).

* ومن القرارات المصيرية الخاطئة قرار بلعام أن يعلّم بالاق أن يلقي معثرة أمام الشعب أن يأكلوا ما ذبح للأصنام ويزنوا (رؤ14:2). وهلك بلعام.

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org                     Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

وبعد:

ألا تفكر في أن تتخذ قرارًا مصيريًا في حياتك بأن تترك عادة ردية أو خطية محبوبة، وترجع إلى الله.

أو تتخذ قرارًا مصيريًا في خدمة الرب بأكثر عمقًا.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/dialogue-with-god/fateful-decisive-decisions.html

تقصير الرابط:
tak.la/qs446rx