والحجة التي يتذرع بها هؤلاء هي أن السيدة العذراء أخرجوها من الهيكل حينما بلغت الثانية عشرة. ولكن هناك أمرين على غاية من الأهمية يجب تأملهما قبل تقديم هذه الحجة. أولهما أن السيدة العذراء نشأت على شريعة موسى وعاشت بمقتضاها في الفترة الأولى من حياتها، وثانيهما أنه لا رهبنة إطلاقًا في الشريعة الموسوية. بل أن هذه الشريعة قد حددت الرجال الذين يجب على البنت أن تتزوج من بينهم تحديدًا حاسمًا قاسيًا. وعلى سبيل المثال نقدم جدتين من جدات المسيح له المجد. الأولى ثامار والثانية راعوث فقد مات زوج ثامار دون أن يكون له نسل -وكان ابنًا ليهوذا. فأشار يهوذا عليها بأن تنتظر لكي يزوجها من أبنه الأصغر كما أمر موسى في شريعته. ولكن يهوذا لم ينفذ وعده وتناسى ثامار.
فغضبت لهذه الخديعة وتخفت في هيئة زانية وخدعته بدورها وحبلت منه. فغضبت عليها وأمر بحرقها تنفيذا للشريعة الموسوية أيضًا. فأرسلت إله خاتمه وعصاه وشاله قائلة: "ان صاحب هذه الأشياء هو الأب". فماذا قال يهوذا حين تحقق الأمر؟ لقد قال: "هي أبر مني لأني لم أعطها لشيلة ابني(40) فإلى هذا الحد وصلت حتمية الناموس الموسوي.
أما راعوث فقد تزوجها بوعز. ولكن بما أنه كان الثاني في ترتيب من لهم الحق في اتخاذها زوجة كان عليه ان يعرض الأمر على صاحب الحق الأول أمام شيوخ المدينة. وحين رفض الأول تنفيذ الشريعة خلع نعله أمام الشيوخ في ذلة. والعجيب أن الشيوخ الذي شهدوا على هذا التنازل المهين دعوا لبوعز بالخير قائلين له: "ليكن بيتك كبيت فارص الذي ولدته ثامار ليهوذا"(41).
← انظر كتب أخرى للمؤلفة هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
إذن فشريعة موسى الواجبة التنفيذ كانت تحتم الزواج على الشابة ضمن من حددتهم لها. لذل كان على السيدة العذراء أن تخرج من الهيكل لتنفيذ الشريعة - إذ من أين لشيوخ المسئولين عن تربيتها أن يعرفوا ما هيأه الله لها؟ على انه لما كانت نذيرة للرب وقد عاشت منذ الثالثة من عمرها في الهيكل رأى شيوخ الكهنة أن لا يعطوها لصاحب الحق الأول (أو لغيره) بل قرروا اتباع الخطة التي اتبعها موسى عند اختيار هارون لرياسة الكهنوت. فهو كان قد أخذ عصا كل أبي بيت من جميع رؤسائهم حسب بيوت آبائهم ووضع العصى داخل خيمة الشهادة. وفي اليوم التالي وجدوا أن عصا هرون قد أفرخت وازدهرت وانضجت لوزا(42). فكانت علامة من الله على اختياره لهرون. وعلى هذا النمط سلك الشيوخ حين أرادوا أن يعطوا العذراء للرجل الذي زعموا أنه سيكون زوجها إذ قد أخذوا عصا كل من أصحاب الحق ووضعوها داخل الهيكل. وفي الصباح رأوا حمامة بيضاء تخرج من عصا يوسف النجار. فأعطوه تلك التي -في ملء الزمان- ولدت المخلص. ودليلنا على أن هذا هو السبب الحقيقي الذي خرجت من أجله والدة الإله ما يقوله لنا لوقا البشير عن حنه بنت فنوئيل. فماذا يقول؟ أنه يحدثنا عن أنها "عاشت مع زوج سبع سنين بعد بكرويتها. وهي أرملة نحو أربع وثمانين سنة لا تفارق الهيكل عابدة بأصوام وصلوات ليلًا ونهارًا"(43). وما دمنا نؤمن بكتاب الله تحتم علينا أن نؤمن بأن حنة بنت فنوئيل ظلت طيلة هذه السنوا في الهيكل لم تفارقه حتى في الليل بل كانت تنام فيه. فلماذا تركها رؤساء الكهنة تعيش داخل الهيكل وتبيت فيه دون أن يخرجوها طوال هذه السنوات؟ أنها لم تكن لتزيد عن التاسعة عشرة حين دخلت لتعيش في الهيكل لأن الفتاة إذ ذاك كانت تتزوج غالبًا في الثانية عشرة من عمرها. فكيف سكت عنها المسئولون؟ أنهم سكتوا لأنها كانت قد تزوجت- أي أنها كانت قد نفذت شريعة موسى في وجوب الأرتباط بالزواج... وما دامت تبغي الزواج ثانية فلا ضير عليها (علمًا بأن هذا المسلك سابق على عهد النعمة) وهكذا بقيت داخل الهيكل شأنها في ذلك شأن سمعان الشيخ الذي شاركته الاحتفاء بالطفل يسوع حين دخل به أبواه إلى الهيكل. فبين لنا رب المجد من البداية أن عهده عهد الإنسانية جمعاء. رجالًا ونساء. فتلقاه سمعان الشيخ على يديه بينما وقفت حنة تسبح الرب... فعهد المسيح عهد النعمة الشاملة حيث الجميع واحد فيه: "ليس يهودي ولا يوناني. ليس عبد ولا حر. ليس ذكر ولا أنثى"(44).
_____
(40) (تكوين 38؛ متى 1: 3).
(41) (راعوث 4: 12)
(42) (عدد 17).
(43) (لوقا 2: 36-38).
(44) (غلاطية 3: 29).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/iris-habib-elmasry/woman-christ/virgin-mary-temple.html
تقصير الرابط:
tak.la/8m8nn6r