يقول الأخوة الكاثوليك بما أن بطرس كان رئيسًا للرسل وله الولاية على الكنيسة ككل فبالتالي يجب أن يكون لخليفته أسقف روما الولاية على الكنيسة ككل فيقول الأنبا اغناطيوس برزي "ولا تظنوا أن الكنيسة القبطية قد أكتفت بذكر كل هذه الحقائق بل أنها أثبتت بلفظ صريح في سنكسارها وجود الكرسي البطرسي في رومة. اسمعوها تنادى على مسامع الشعب في 7 أبيب قائلة أثناء القداس "في هذا اليوم نال أكليل الشهادة لينوس بابا روما أول خلفاء بطرس" (126)
ويرجع الأخوة الكاثوليك تقدم كنيسة روما ورئاستها على كنائس العالم إلى استشهاد الرسوليين العظيمين بطرس وبولس بها. قال القديس لاون في عظته على استشهاد الرسولين بطرس وبولس "ذلكما هما أبواك يا رومة اللذان بواسطتهما قد أضاء نور الإنجيل في ديارك... فذلكما هما اللذان بلغا بك قمة المجد... فقد دان لسلطانك الروحي ما لم تستطيعي أن تتسلطي عليه بحكمك الزمني... كما ترون أن بطرس وبولس هما أبوا الكنيسة الرومانية ولكن كرسيها الأسقفي قد خُصَّ ببطرس وحده وبه صارت رومة رأس العالم المسيحي كله فتدير الكنائس بأجمعها بسلطة رئاستها... أن كليهما (بطرس وبولس) كرسا الكنيسة الرومانية المقدسة للمسيح الرب وجعلاها متسامية فوق جميع كنائس العالم لداعي حضورهما في رومة واستشهادهما المجيد بها " (127)
ويقول الأب مكسيموس كابس "أن المكان الذي استشهد فيه المؤسَّس هو الذي يحمل اسمه. فلقد استشهد مرقس في الإسكندرية فحملت الإسكندرية اسمه رغم أنه كان فيها مسيحيون قبل وصوله ورغم أنه بشر في غيرها من المدن وهكذا حملت روما لقب كرسي بطرس لأنه نال الشهادة بها رغم أنه أسَّس كنائس أخرى غير مدينة روما" (128)
وقال القس فيلبس النائب البابوي في مجمع أفسس المسكوني في الجلسة الثالثة " ليس من يرتاب بل بالحري جميع الأجيال تعلم أن القديس بطرس الكلي الطوبى رئيس الرسل ورأسهم وعمود الإيمان وأساس الكنيسة الكاثوليكية... هذا عينه لا يزال حيًا للآن ولن يزال دائمًا يحيا ويحكم في شخص خلفائه " (129)
كما يقول الأخوة الكاثوليك أن أقوال الآباء القديسين تؤيد هذا، فمثلًا القديس ايرونيموس سنة 275 م. يقول {وأما أنا ابتغاء أثار المسيح والسلوك في منهج الخلاص فإني في شركة طوباويتكم. أعنى مع كرسي القديس بطرس وأعترف أن الكنيسة قد شُيّدت على هذه الصخرة فكل من ادعى وأكل الحمل خارجًا عنها فهو نجس... ومن لم يكن في سفينة نوح فهو هالك، فالكنيسة قد انقسمت إلى ثلاثة أحزاب وكل منهم يفرغ جهده ليضمني إليه، وأما أنا فأناديهم صارخًا فيهم من منكم مع كرسي بطرس فأنا معه} " (130) (وقد أورد نفس النص الأب مكسيموس كابس في كتابه إيماننا القويم ج1 ص88).
ويوردون قول القديس امبروسيوس (340-397) {أن الكنيسة حيث بطرس} (تفسير مزمور40: 3) (131) وقول القديس كبريانوس سنة 250 في كتاب وحدة الكنيسة الفصل الثاني {قد أقام (السيد المسيح) كرسيًا واحدًا ووضع مبدأ الوحدة وأساسها في واحد لا غير. قد تسلَّم بطرس زمام النصرانية وأعطى الرياسة حتى لا يكون إلاَّ كرسي واحد وكنيسة واحدة، فلا يظن من نبذ هذه الوحدة أنه متمسك بالإيمان المستقيم ولا يغرر بنفسه أنه في حظيرة المسيح من قاوم الكنيسة وانفصل عن الكرسي البطرسي... أنكم إن انفصلتم عن كرسي بطرس مبدأ الوحدة وأساس الكنيسة فباطلًا تقولون وعبثًا تتفاخرون بأنكم من كنيسة الله} " (132)
كما يذكرون قول القديس أثناسيوس "أن بابا روما هو بابا الكنيسة الجامعة وأن الكنيسة الرومانية هي أم ومعلّمة كل الكنائس في العالم " (133) وقول القديس غريغوريوس النزينذى بطريرك القسطنطينية "أن الطبيعة لم تتحفنا بشمسين ولكنها منَّت علينا برومتين (روما والقسطنطينية) إحداهما يضيء نورها في المشرق والثانية ترمى باشعتها الباهرة في الغرب. فهما درتان متضاهيتان بهاءً وجلالًا كأنهما كوكبان تألفًا وسناء، وأما حظهما في الإيمان فليس كذلك فإن إيمان رومة القديمة كان دائمًا بغير عيب وفساد ولن يزال في غاية النقاوة والضياء، فلها وحدها أن تجمع في وحدانية الإيمان ومنهج الخلاص الكنائس المتزعزعة الأركان المفتقرة إلى الثبات لأنها قابضة بيدها على أزمة سلطان العالم بآسره، وأما رومة الجديدة فهي على عكس ذلك أم الأضاليل ومنبع الشقاق " (134)
كما يذكرون أن القديس كيرلس البطريرك السكندري قال "لا ريب عند أحد بل أنه معلوم في كل الدهور أن القديس بطرس الجزيل الطوبى مقدام الرسل ورأسهم وعمود الإيمان وأساس الكنيسة الجامعة قد تسلّم من سيدنا يسوع المسيح مخلص الجنس البشرى ومنقذهُ مفاتيح ملكوت السموات، وأعطى السلطان على حل الخطايا وربطها وهو يحكم بواسطة خلفائه بالرب، وضابط مكانه البابا القديس والجزيل الطوبي سلفينوس الأسقف قد أرسلنا نيابة عنه إلى هذا المجمع المقدس} " (135) وقال أيضًا "ما من مصيبة نخشاها وما من بلية نتحاشاها أكثر من انفصالنا عن شركة الكنيسة الرومانية فهي سفينة الخلاص وأورشليم المقدسة فما من أحد يأكل الحمل السماوي خارجًا عنها إلاَّ ويصير نجسًا. هي الكرمة التي تعطى للأغصان غذاءها ونضارتها. هي المُعلّمة التي أقامها الله لتكون مستودع التعليم الخلاصية والبحر الزاخر الذي يستقى منه ماء الحياة الصافي} " (136)
ويذكرون أيضًا قول يوحنا أسقف أنطاكية الذي تولى بطريركية القسطنطينية "أتعلمون لماذا يذوب قلبي حبًا لرومة؟ إليكم السبب لأن هذه المدينة هي أشبه بجسم قوى طويل القامة له عينان كأنهما سراجان لامعان أقصد بذلك جسدي الرسولين بطرس وبولس. أن السماء الساطعة بأشعة الشمس ليست بأشد ضياء من رومة المستضيئة بمنارتين منيرتين على العالم بأسره. فمن رومة خُطِف بولس إلى السماء، ومن رومة طار بطرس إلى ربه، فضعوا نصب أعينكم هذا المشهد المحفوظ لنظر رومة التي رأت بطرس وبولس منتقلين لملاقاه ربهما. فما أجمل الوردة التي يتناولها الرب من يد رومة؟! وما أثمن التيجان التي يعصب بها جبين المدينة المقدسة؟!، وما أبهى الزنار الذهبي الذي يشد وسطها..؟! فها كم ما يجعلني أن أهيم غرامًا وأتيه عجبًا برومة، فلا كنوزها ولا أساطين قصورها ولا كل مجدها يشغل فكرى ويلفت نظري، فكفاها مجدًا كونها استولت على عامودي الكنيسة (بطرس وبولس) " (137)
توضيح:
ناقشنا من قبل قضية رئاسة بطرس الرسول على إخوته الرسل وعلى الكنيسة العامة وأوضحنا عدم صحة هذه الدعوى وأن الذي أسَّس كنيسة روما هو معلمنا بولس الرسول، وهذا ما اعترف به الأخوة الكاثوليك غير أنهم ضموا إليه بطرس وتمسكوا بهذا بهدف الحفاظ على الرئاسة والزعامة. أما خليفة بطرس أو بولس فمثله مثل خليفة أي رسول من الرسل الأطهار، وسنكسار كنيستنا يوم 7 أبيب أورد فقط نياحة الأنبا شنودة رئيس المتوحدين وشهادة القديس أغناطيوس أسقف أنطاكية " وفي مثل هذا اليوم أيضًا استشهد القديس اغناطيوس (ذكرت سيرته في اليوم الرابع والعشرين من شهر كيهك) في رومية سنة 107م هذا الذي انتخبوه أسقفًا على أنطاكية بعد القديس بطرس الرسول " (138)
والحقيقة أن وراء رئاسة روما أهداف سياسية، فأساقفة روما لم يرضهم أن يكون أسقف العاصمة الإمبراطورية مثله مثل أي أسقف لمدينة بسيطة، وعندما بنى قسطنطين مدينة القسطنطينية وجعلها عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية شعر باباوات روما بأن مجد المدينة قد تضاءل، فأرادوا استعادة هذا المجد في صورة رئاسة بابا روما كقول لاون "فقد دان لسلطانك الروحي (ي اروما) ما لم تستطيعي أن تتسلطي عليه بحكمك الزمني".
ولو افترضنا جدلًا بأن بطرس كان رئيسًا للرسل ونائبًا للسيد المسيح، فهل معنى هذا أن جميع باباوات روما يرثون هذه الامتيازات؟!
وهل ورث هؤلاء الباباوات من بطرس الرتبة الرسولية التي تخصَّه شخصيًا؟!
وهل جميع باباوات روما على نفس الدرجة من الأمانة والشهادة والكرازة والقداسة التي كانت لبطرس؟!
وهل هذا يعود بنا إلى كهنوت العهد القديم وتوارثه في نسل هارون ولو بصورة أخرى؟!
ولو كان هناك شخصًا مميزًا بصفته الشخصية فهل معنى هذا أن خليفته ينال نفس التمييز بغض النظر إلى كفاءته؟!
وما رأيك في قول بطرس الرسول عن مرقس الإنجيلي "مرقس ابني" (1بط5: 13) أليس من الأولى أن يرث الابن أباه؟!
فهل معنى هذا أن مرقس الإنجيلي هو الوريث الشرعي لبطرس الرسول؟
وهل باباوات الإسكندرية بهذا يعتبرون خلفاءًا لمرقس خليفة بطرس وبالتالي تكون لهم الرئاسة على العالم كله..؟! صدقوني لا بطرس الرسول ولا مرقس الإنجيلي يوافق على هذا لأن هذا لا يرضى مخلصنا الصالح.
وعندما استشهد بطرس الرسول سنة 67م وصار خليفته الثالث اكليمنضس رئيسًا على الكنيسة كلها بحسب قولهم. بينما ظل يوحنا الحبيب حيًّا بعد ذلك لمدة ثلاثين عامًا. فهل كان أسقف روما رئيسًا على يوحنا الحبيب أحد أعمدة الكنيسة الثلاث؟!
وإن كان الأخوة الكاثوليك يعترفون بأن بطرس الرسول أسَّس كرسي أنطاكية أولًا قبل كرسيهم فلماذا لا تكون الرئاسة لأسقف أنطاكية على كنائس العالم كله؟!!
أما الذين يبرّرون رئاسة روما بسبب استشهاد الرسولين العظيمين بطرس وبولس، فما بالك يا صديقي بأورشليم مدينة الملك العظيم... المدينة التي عاش فيها الرب يسوع أثناء فترة تجسده فشهدت ميلاده وطفولته وصبُّوته وشبابه وكرازته ومعجزاته وصلبه وقبره وقيامته وظهوراته وصعوده... المدينة التي بها القبر المقدس الذي يسطع بالنور الإلهي للآن كل عام في سبت النور... كنيسة أورشليم التي قال عنها الآباء أنها "أم الكنائس" هل تخضع أيضًا لكنيسة روما؟! أليس بهذا المقياس نرفع بطرس وبولس فوق يعقوب أخا الرب بل فوق الرب يسوع ذاته؟!!
وقول القس فيلبس في مجمع أفسس بأن بطرس ما زال حيًا فهذه حقيقة لأنه لا موت لعبيدك بل هو انتقال.
أما قوله بأن بطرس ما زال حيًا وما زال يحكم في شخص خلفائه فهو قول غير مقبول ولا يوافق عليه معلمنا بطرس الرسول لأنه لم يسعَ هو للحكم والرئاسة، وأيضًا ليس كل خلفائه بالأتقياء القديسين بل أن بعضهم انحط في شره إلى درجات تفوق التصوُّر.
أما الآباء الذين مدحوا كنيسة روما وإيمانها فجميعهم كانوا قبل حدوث الانشقاق في الكنيسة سنة 451م بسبب مجمع خلقيدونية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فمثلًا ايرونيموس رجل من رجال الكنيسة الغربية تربى في روما وكان قسًا بها وكادوا ينتخبونه بابا بعد البابا داماسوس، وعندما تكلم عن انشقاق الكنيسة إلى ثلاثة أحزاب سنة 275م كان يقصد الهراطقة الذين خرجوا من الكنيسة ولم يقصد بالطبع كنائس الإسكندرية وأنطاكية وغيرها... أنظر إلى قوله الآتي " أننا لا يجب أن نعتبر كنيسة روما سوى كنيسة من كنائس العالم. فإنه حيث يكون أسقف سواء كان في رومية أوغوبيون أو القسطنطينية أو في ريكيون أو في الإسكندرية أو في طانيَّة له القدر عينه والكهنوت نفسه، فلا قوة الغنى ولا دناءة الفقر تجعل الأسقف ساميًا أو حقيرًا لأنهم جميعًا خلفاء الرسل " (139)
وقول امبروسيوس "أن الكنيسة حيث بطرس" قول مبتور... هل يقصد إيمان بطرس بألوهية السيد المسيح؟ إن كان الأمر هكذا فهو مقبول، وبالمثل نقول أن الكنيسة حيث بولس، وحيث مرقس، وحيث الأسقف المسيحي الأمين، وحيث الكاهن المستقيم الإيمان. أما أن أخذنا المعنى على أن الكنيسة حيث بطرس كشخص فهل صار بطرس عريسًا للكنيسة؟!
ألعله هو الذي مات وفداها بالدم الكريم وخلصها من قبضة الجحيم وسلطان الشيطان؟!
ألعله هو الذي ذهب ليعدَّ لها مكانًا في الملكوت؟!
والوحدة التي تكلم عنها القديس كبريانوس بلا شك نحن نتمسك بها في شخص المسيح الواحد. كما يجب أن نلاحظ يا صديقي أنه يتحدث عن هذه الوحدة سنة 250م أي قبل انشقاق الكنيسة، والعلامة ترتوليانوس يقول "أن الأمم تقلَّدوا التعليم المسيحي من الرسل، والرسل تقلدوه من الروح القدس الذي علمهم الحق... وشادوا (الرسل) في كل من المدن التي بشروا فيها هذه الكنائس (الرسولية) التي استلمت منها بعدئذ الكنائس الأخرى... أن هذه الكنائس التالية هي محسوبة ذاتها رسولية بقدر كونها (نازلة) متعاقبة من الكنائس الرسولية، لأن كل فرع مشارك بالضرورة لطبع أصله... كل الكنائس (الأصلية والفرعية) هي أولى وكلها رسولية " (140)
ويقول كيرلس مقار أن "القديس كبريانوس لما قال أن الكنيسة الرومانية هي الأرومة والأمومة للكنيسة الكاثوليكية (رسالة 45) وأن الكنيسة الأصلية هي التي تفيض وحدة الكهنوت (رسالة 56).. كل الكنائس الرسولية كانت كنائس أمهات وأرومات وأن كل الكنائس الرسولية هي واحدة... أن الكنيسة الرومانية ليست الأصل والأمومة لكنيسة أورشليم وباقي كنائس الأرض المقدسة التي هي العنصر الأول للكنيسة الجامعة كما أعلنه ترتوليانوس ذاته. فليست مطلقًا (الكنيسة الرومانية) الأصل والأمومة لمعظم كنائسنا الشرقية التي هي كلها رسولية والتي وُجدت قبلها بزمن طويل. أليس باطلًا الإدعاء بأن الكنيسة الرومانية هي أصل وأم الكنائس التي وجدت قبلها وبدونها... وبالتالي أنه من الواضح أن الكنيسة الكاثوليكية في الغرب هي التي تفرعت من الكنيسة الرومانية وعلى الخصوص الكنيسة الكاثوليكية الأفريقية كما يشهد بذلك البابا اينوشنسيوس الأول. فإذًا إلى هذه الكنيسة الغربية كان يشير القديس كبريانوس بقوله. أن الكنيسة الرومانية هي أصل ومصدر الكنيسة الكاثوليكية " (141)
كما يذكر كيرلس مقار قولين لكبريانوس وفرميليانوس عن اسطفانوس بابا روما فيقول "قدم القديس كبريانوس إلى الكورنتس هذه الملحوظة {أن بطرس الذي أختاره الرب الأول عند حصول جدل له مع بولس بسبب الختان لم يظهر بمظهر قليل أدب ولم يدع بقحة أنه مُتقَلد الأوَّلية وأن الذين أتوا في الرسولية متأخرًا يلزمهم الخضوع له}.. أن القديس فرميليانوس يعرف تمامًا أن اسطفانوس كان يفاخر بشرف مركزه... ومع ذلك فإليك أية عبارات تكلم بها عن هذا البابا وعن تصرفه من نحو القديس كبريانوس... {قد أَبَى أن يقبل رسلكم وبأبسط عبارة قد منع كل الرومانيين من قبولهم في بيوتهم، مع أن هؤلاء الناس أتوا بنيات صالحة، فوضح لهم أنه يرفض لا الصلح والشركة بل أيضًا حمى الضيافة... عدم إنسانيته صارت السبب لكوننا نستدل على إيمانكم وحكمتكم وفي الإمكان أن يقال أنه لم يجد سببًا يجعله أن يصنع لنا خيرًا إلاَّ تصرفه على قياس يهوذا الذي ما أمكنه أن يمجد ذاته بسبب غدره لربنا. وعلة خيانته أعطت فرصة لخير عظيم وهو خلاص العالم. ولكن فلندع اسطفانوس وما فعله لئلا ذكرى جسارته وقلة أدبه تجدد الألم الذي فينا من نحو سوء تصرفه} (رسالة 65 لكبريانوس وفيرميليانوس) " (142)
وإن كان أثناسيوس الرسولي يمتدح بابا روما والكنيسة الرومانية إلاَّ أنه لا يقصد رئاستها على بقية الكنائس الرسولية بدليل أنه كان يتصرف بدون الرجوع إلى بابا روما، فلو كان خاضعًا لبابا روما فما كان يتصرف بدون استشارته واستئذانه، وعلى سبيل المثال نذكر الأمور الآتية التي تؤكد استقلالية كل كنيسة رسولية (راجع تاريخ الانشقاق للأرشييندريتي جراسيموس مسرَّة اللاذقي ج1ص126-138):
1- عندما أعاد قسطنطين أريوس رفض أثناسيوس قبوله ولم يلجأ للبابا ليستصدر منه أمرًا برفض أريوس... فلو كان هناك سلطة عامة لبابا روما أما كان يعرض أثناسيوس الأمر عليه أولًا؟
2- اشتكى الأريوسيون أثناسيوس للإمبراطور الذي فحص بنفسه شكواهم ولم يلتفت إلى قرار مجمعهم الذي عقدوه في أنطاكية وخلعوا فيه أثناسيوس، وفي هذا لم يعترض بابا روما، ولو كان بابا روما رئيسًا عامًا للكنيسة فلماذا لم يشكو له الأريوسيون أثناسيوس؟! ولماذا لم يستشره الإمبراطور؟!
3- عندما حكم مجمع صور على أثناسيوس لجأ أثناسيوس للإمبراطور ولم يلجأ إلى بابا روما... لماذا؟!
4- عندما نفى أثناسيوس إلى تريف لم يشكو ظلمه لبابا روما.
5- عندما أجبر الإمبراطور بطريرك القسطنطينية الكسندروس على قبول أريوس لم يلجأ إلى بابا روما يحتج لديه. إنما دخل الهيكل واحتمى بالله ولم يلتمس الحماية من بابا روما.
6- عندما أعاد قسطنطين الصغير أثناسيوس من منفاه بعد موت والده قسطنطين الكبير وحسب وصيته لم يستأذن من بابا روما في عودة أثناسيوس إلى كرسيه.
7- عندما حاول حزب أريوس استمالة يوليوس بابا روما، كتب يوليوس لأثناسيوس يخبره بشكاوى الأريوسيّين ضده، فعقد أثناسيوس مجمعًا بالإسكندرية وردُّوا على بدع الأريوسيّين في منشور أرسلوه لأساقفة الكنائس المختلفة ولم يُرسَل لبابا روما رغم أنه كان هو السبب في هذا الاجتماع، وفي هذا لم يغضب بابا روما مطالبًا بحقه كرئيس على الكنيسة ككل، وعندما أرسل أثناسيوس سفراءه إلى روما وكان هناك سفراء الأريوسيين لم يتحاكما الاثنان أمام البابا، ولم يقيما البابا حكمًا بينهما بل طلبا بعقد مجمع فسمح بابا روما لهما بهذا.
8- يشهد القديس أثناسيوس في رسالته إلى الأنطاكيين " أن الكنيسة فيها رؤساء كثيرون متساوون في الكرامة يقودهم رئيس واحد ربنا يسوع المسيح " (143)
9- كتب أثناسيوس للمتوحدين يقول " أن مشايخ الشعوب ومعلمي الإيمان يُطرَدون، والكفرة يدخلون الكنائس، فلما نُفى ليباريوس أسقف رومية وكابد أوسيوس العظيم أبو الأساقفة ما يكاد لا يُحصى... " (144) فبينما ذكر أثناسيوس ليباريوس أسقف روما بدون تعظيم ولا تفخيم وصف أوسيوس بالعظيم وأبو الأساقفة، فلو كان ليباريوس زعيمًا ورئيسًا للجميع أما كان يكرمه مثل أوسيوس أو أكثر؟!
10-كتب أثناسيوس أيضًا في كتابه للمتوحدين: أن البابا ليباريوس طلب إلى القيصر أن يجمع مجمعًا، وأن البابا الروماني ليباريوس سقط في الأريوسية وأمضى عليها أما الأسقف اوسيوس قال للملك " أن الله سلَّمك مملكة وائتمنَّا نحن على الكنيسة" (ولم يقل له أن الله إئتمن بابا روما فقط على الكنيسة).
11-وصف البابا أثناسيوس فيلكس أسقف روما خليفة ليباريوس بأنه هرطوقي، وأنه شُرطن من اثنين من الأساقفة في أحد البيوت، ويقول "أن جنون الهراطقة قد أقام واحدًا اسمه فيلكس أسقفًا على كنيسة رومية عوضًا عن ليباريوس، وقد حلَّ عليه جزاء من عند الله فإنه أولًا فقد بصره وكان يعترف بأن الغضب الإلهي جاءه بحق. ثم أصيب بمرض وبائي مدة فانحلَّ ومات " (145)
يقول كيرلس مقار " أضع أمام العيون ترجمة لاتينية لفقرة القديس غريغوريوس النازينزى حيث قال فيها عن القسطنطينية {المدينة التي لا نظير لها في العالم التي تتصل بها جميع المراكز البعيدة من الكرة والتي منها أخذ الكل مبدأه بصفة كونها مخزن الإيمان العام} (خطب النازينزي: 32).. فهل هذا يعطينا الحق أن نستدل من ذلك على أن رومة الجديدة هي مركز سلطانة المسيحية الروحية وأنها مركز شركة الأرثوذكسية الجامعة؟ " (146)
فإذًا في القرون الأولى لم يعتقد أحد برئاسة بابا روما ولا الباباوات أنفسهم طالبوا بأن يكونوا رؤساء للكنائس أما أقوال البابا كيرلس عمود الدين فلنا عودة معها في النقطة القادمة، ويسرُّنا أن نختتم هذه الجزئية برد البطريرك الكاثوليكي العائد إلى أصله الأرثوذكسي حيث يقول:
" ومن المؤكد أنه في الوقت الذي ترى فيه قديمًا رومة وإسكندرية وأنطاكية أصبحت ثلاثة مراكز أولي لكل الكنيسة ترى في نفس الوقت كنيسة أورشليم خاضعة لمركز قيصرية بصفة كونها مركز مطرانيتها (راجع مجمع نيقيا قانون 6، 7) لماذا وُضِعت المدينة المقدسة لقيادة مدينة أخرى في وسط بلاد الختان؟ بالتأكيد أن السبب لذلك ليس هو انحطاطًا ذاتيًا خُصّص لها بالنظر إلى قيصرية لأن جانب أورشليم بالنسبة للوضع الإلهي هو أنه أصل ومركز المسيحية المكان الذي أُكملت فيه كل أسرار سلامنا وعاصمة مملكة يسوع المسيح ملك إسرائيل ومنشأ كل الكنيسة... فالسبب الوحيد الذي خُضِعت به المدينة المقدسة في النظام الكنسي لقيصرية كأنها البلد الأم لها هو من جهة نظام فلسطين السياسي المعمول من الإمبراطورية الرومانية في وقت تسلطها... وبهذا السبب ذاته حصلت قسمة الكنيسة العمومية إلى ثلاث بطريركيات وتحديد درجاتها المعتبرة لأن الحكومة الرومانية كانت حينئذ ثلاث ولايات مدنية، ولاية الغرب وعاصمتها رومة، وولاية مصر وعاصمتها إسكندرية، وولاية الشرق وعاصمتها كانت أنطاكية وبين هذه المدن الأساسية الملكية رومة وقد امتازت بأول درجة بصفتها مركز الإمبراطورية وتليها في الرتبة الثانية الإسكندرية... أن المجمع الخلقيدوني لنهى هذا الموضوع بكلمته الأخيرة فقد سجَّل هذا البند الذي هو الـ17 من قوانينه المجمعية قائلًا {إن كانت قد تجددت أو ستجدد فيما بعد مدينة من سلطة ملكية فليكن ترتيب الأبروشيات الكنسية تابعًا لصفة الحكومة المدنيَّة}.. قال المجمع المسكوني الثاني في القانون الثالث {وأما أسقف القسطنطينية فلتكن له أولية الكرامة بعد أسقف روما بسبب كون (أرجوك أن تلاحظ ذلك) القسطنطينية هي رومة الجديدة}.. هذه الأوَّلية ليست وضعًا إلهيا بل وضع كنسي من أصل بشرى بحت فنقول أن الآباء (لا يسوع المسيح) أعطوا التقدم لكرسي رومة القديمة بما لها في الأصل من الأوَّلية في الكنيسة، وأن أصل هذا الامتياز الوحيد هو أنها المدينة المالكة وبذلك فقط نالت التقدم على إسكندرية وعلى أنطاكية " (147)
_____
(126) المرجع السابق ص71 .
(127) المرجع السابق ص35، 36.
(128) إيماننا القويم ج1 ص86.
(129) الرئاسة البابوية ص119، 120.
(130) مرشد الأرثوذكسي الكاثوليكي ص18، 19.
(131) الرئاسة البابوية ص86.
(132) مرشد الأرثوذكسي الكاثوليكي ص17 .
(133) إيماننا القويم ص88 .
(134) قيام الأرثوذكسية الحقيقية على الاعتصام بكاتدرا بطرس الرومانية ص 48.
(135) مرشد الأرثوذكسي الكاثوليكي ص17، 18 .
(136) قيام الأرثوذكسية الحقيقية على الاعتصام بكاتدرا بطرس الرومانية ص8 .
(137) المرجع السابق ص52، 53 .
(138) السنكسار ح2 طبعة مكتبة المحبة سنة 1979م ص294.
(139) تاريخ الانشقاق ج1 ص141.
(140) الوضع الإلهي في تأسيس الكنيسة ص202-203.
(141) المرجع السابق ص205-207.
(142) المرجع السابق ص256-257.
(143) في رسالته إلى الأنطاكيين. وذوسيئاوس 1: 17 - أورده تاريخ الانشقاق ج1ص136.
(144) تاريخ الانشقاق ج1 ص136.
(145) ذوسيئاوس 1: 17 - أورده تاريخ الانشقاق ج1ص138.
(146) الوضع الإلهي في تأسيس الكنيسة ص232.
(147) المرجع السابق ح2 ص171-175.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/catholic/pope-roman-church.html
تقصير الرابط:
tak.la/xnh7f2r