يقول الأخوة الكاثوليك أن المجامع المسكونية عُقدت برئاسة بابا روما بدليل الآتي:
أولًا: مجمع نيقية انعقد بأمر سلفستروس بابا روما وتحت رئاسته ممثلًا في شخص نوابه هوسيوس أسقف أسبانيا وفيتون وفنسان الكاهنين الرومانيّين (راجع الرئاسة البابوية ص97، 98). هذا فضلًا عن أن المؤرخين اليونانيّين سقراط وسوزومان يقرّران " أنه كان يوجد عند انعقاد المجمع النيقاوي قانون كنائسي ينهي عن إصدار أي قانون أو أمر من غير مصادقة أسقف روما عليه" (رور باكر ج3ص87) " وإلاَّ فهو باطل وليس له قوة التنفيذ" (سقراط تاريخ الكنيسة ج2ص10 وسوزومان ج3ص10 ونيسيورس ج9ص10) " (148)
ثانيًا: يقولون أن مجمع نيقية سنَّ مجموعتين من القوانين وفي قوانين المجموعة الثانية نجد رئاسة بابا روما " وقد سنَّ هذا المجمع (النيقاوي) عدة قوانين قسمها إلى قسمين: إحدهما يتضمن عشرين قانونًا والآخر 84 وقد ادعى البعض أنه لا يوجد إلًا القسم الأول فقط، ولكن شهادات العلماء والمؤرخين الكثيرة تؤيد الخلاف إذ تثبت وجود القسمين كما سنرى: أما إذا كان البعض من المؤرخين أو العلماء لا ينسب للمجمع النيقاوي إلاَّ العشرين قانونًا فما ذلك إلاَّ لأنها هي التي وحدها قد سُنت مباشرة من المجمع ذاته، وأما الأربعة وثمانون الأخرى فقد كانت سابقة للمجمع متفرقة فوفقها المجمع النيقاوي وصادق عليها فنسب كلها إليه. كما وقد نُسب إليه أيضًا قوانين مجمع سرديكا للعلامة فرناند موريه ج2ص58 على لسان العلامة هيفل لكليرك {أنه بروما كان يوجد في مؤلف واحد تحت العنوان ذاته قوانين مجمع نيقية وسرديكًا الأمر الذي تسبب عنه أن يُنسب إلى مجمع نيقية كل القوانين التي كانت في المجموعات النسخية من غير عنوان " (149)
ثالثًا: أن أثناسيوس عندما ظُلم لجأ إلى بابا روما الذي أعاده إلى كرسيه، فهذا ما يؤيده أيضًا المؤرخان سقراط وسوزومانوس بذكرهما حوادث سبقت المجمع السرديقي منها قولهما "أن أثناسيوس أسقف الإسكندرية... وبولس أسقف القسطنطينية وأسكلباس... إذ قام عليهم الأعداء وطردوهم من كنائسهم قصدوا رومة المدينة العظمى وقصَّ كل منهم أمره على الحبر الروماني الذي حسب سلطته السامية عضدهم برسائل منه وأرسلهم إلى الشرق رادًا لكل منهم كرسيه... فسافر هؤلاء الأساقفة من روما واسترجعوا كراسيهم معتمدين على حكم البابا"(150)
رابعًا: يقولون عن مجمع سرديكا " ثم أن المجمع السارديكي الذي عقده البابا يوليوس سنة 347 م. وحضره أكثر من 140 أسقفًا يقرّر هذه الحقيقة عينها. تعلمون أنه في أثناء القلاقل التي سببتها بدعة أريوس في الكنيسة صار انعقاد مجمع غير قانوني في أنطاكية كان من شأنه تنزيل أبينا أثناسيوس من السدة البطريركية وإقامة من يدعى غريغوريوس الكبادوكي بدلًا منه، فلما بلغ يوليوس هذا الأمر المجحف بحقوق القديس أثناسيوس عنَّف الأنطاكيّين على عملهم هذا الغير شرعي، وأمر أن يعقد مجمع في سرديكا لفحص أعمال المجمع الأريوسي الأنطاكي الذي فضلًا عن عدم قانونيته إذ أنه عمل ما عمل بدون إخطار الكرسي الرسولي حكم على القديس أثناسيوس ظلمًا وعدوانًا... أما آباء المجمع السرديكي فأعلنوا براءة القديس أثناسيوس من التهم الكاذبة التي قرفوه بها وسنَّوا واحد وعشرين قانونًا أخصها ثلاثة تبين الصفة الواجب مراعاتها في الحكم على الأساقفة وتقرّر حق الاستئناف للبابا بما أنه خليفة بطرس هاكم نص القانون الخامس " إذ حُكِم على أسقف وكان هذا متحققًا براءته مما اشتكوه به، وشاء أن يعاد النظر في دعواه فلنكرّم هنا ذكر القديس بطرس- سبيل كل الذين نظروا في كنه المسألة أن يكتبوا للحبر الروماني فإن شاء البابا النظر في الحكم الأول يختار من أراد من القضاة لذلك، وإذا ارتأى أنه لا حاجة إلى إعادة النظر يعتبر الحكم الأول صحيحًا "(151)
ومن قوانين مجمع سرديكا أيضًا "إذا أُنزِل أسقف عن كرسيه بحكم أساقفة الأقاليم المجاورة وأراد هو أن يستأنف الحكم لروما فلا يُقام أسقف بدلًا عنه إلى أن يبت أسقف روما في الأمر أن بنفسه أو بواسطة من ينتدبه لذلك لأنه صاحب السلطان المطلق" (لاب الجزء الثاني قانون 3، 4، 5 ورورباكير ج3ص125)(152).. "فالبابا هو الجالس على كرسي بطرس وعليه فهو رئيس أساقفة العالم بأسره" (153)
وقد ضُمَت قوانين مجمع سرديكا إلى قوانين مجمع نيقية، وهي تمثل المجموعة الثانية من قوانين مجمع نيقية، ويقول الأب بولس نصير " ثبت إذن وجود القسم الثاني من قوانين المجمع النيقاوي المتضمن الأربعة وثمانين قانونًا. لذلك فإني أذكر ثلاثة من هذه القوانين تؤيد صريحًا صدق قضيتنا.
أولها: القانون السادس... {لقد حفظت الرئاسة دوامًا للكنيسة الرومانية فلتحفظ إذن بدقة في مصر وليبيا والخمس مدن العادة القديمة والتقاليد المرعيَّة بأن تكون السلطة على هذه لأسقف الإسكندرية إذ أن هذه هي العادة المرعيَّة من أسقف روما..} (روباكر ج3ص92)..
ثانيهما: القانون السابع والثلاثون: جاء في كتاب مجموعة القوانين للصفي بن العسال ص21: الباب الرابع -في البطاركة - {والمجمع المقدس (نيقية قانون 37) أمرَّ أن تكون البطاركة في جميع الدنيا أربعة لا غير مثل كتبة الإنجيل الأربعة، والأنهار الفردوسية الأربعة، والرياح، وعناصر العالم، ويكون الرأس منهم والمقدم صاحب كرسي بطرس برومة على ما أمر به الرسل، وبعده صاحب الإسكندرية العظمى وهو مرقس، والثالث صاحب كرسي أفسس وهو كرسي يوحنا الثاؤلوغوس، والرابع صاحب كرسي أنطاكية وهو كرسي بطرس أيضًا ومن خالف هذه السنة التي رسمناها فالسينودس يحرمه}..
ثالثها: القانون الرابع والأربعون نيقاوي ص23 من مجموع القوانين {وكما أن البطريرك أمرهُ وسلطانهُ على من تحت يده كذلك لصاحب رومية سلطان على سائر البطاركة فإنه الأول مثل بطرس... في ما كان له من السلطان على جميع رؤساء النصرانية وجماعة أهلها لأنه خليفة المسيح ربنا على شعبه وكنائسه} هذه هي بعض قوانين المجمع النيقاوي المقدس الناطقة صريحًا برئاسة القديس بطرس وخليفته على الكنيسة بأسرها " (154)
ويستدلون على صحة هذه القوانين بأن الصفي ابن العسال أوردها في كتاب القوانين الذي ألفه سنة 955 للشهداء وطبع سنة 1927م، وأن البابا كيرلس الخامس السكندري عندما حرم أسقف صنبو بمنشوره في 3 أغسطس سنة 1892 م. استند على قوانين 13، 30، 49، 50، 76 من قوانين مجمع نيقية، وكذلك فعلت الجمعية التوفيقية إذ اعتمدت على قوانين 11، 30، 47 (الرئاسة البابوية ص101).
خامسًا: يقولون أن مجمع القسطنطينية في مادته الثالثة قد أقرَّ برئاسة بابا روما فقال "أننا نقرُّ بأن الأولوية والسلطان الأعظم هو للحبر الروماني" (155)
سادسًا: في مجمع أفسس عندما وصل نواب البابا بعد الجلسة الأولى وقرئت رسالة البابا الروماني أثنى آباء المجمع على البابا سلتينوس قائلين "أنه الحارس الأمين للإيمان والحافظ له وأن حكمه هو الحكم العادل " ثم قال القس فيلبس النائب البابوي "تعلمون أن الطوباوي بطرس هو هامة الرسل ولذا نسألكم أن تطلعونا على ما قرَّره المجمع قبل حضورنا لكي نثّبته باسم خليفته بابانا الطوباي سلستينوس أسقف رومة" (156)
سابعًا: يقولون أن بابا روما كان الملاذ للمظلومين لذلك كتب إليه القديس يوحنا فم الذهب عندما حكموا عليه بالحرم والنفي يطالبه بمناصرة الحق.
ثامنًا: أن القديس كيرلس عمود الدين "لم يتجرأ على الحكم على نسطور ولا على قطع الشركة معه قبل أن يصدر الحبر الروماني حكمه بذلك بعد مخابرة القديس كيرلس له بهذا الشأن وذلك علمًا منه بأنه لا توجد سوى سلطة واحدة في الكنيسة هي المختصة للفصل في المسائل الهامة مثل مسألة نسطور هذه ألاَّ وهي سلطة أسقف روما ولذا كتب إليه حالًا قائلًا: {بما أن التقاليد المرعية تقرر أن الفصل في المسائل الهامة هو من اختصاص الكرسي الروماني رأيتُ من اللازم والضروري إخطار قداستكم بمسألة نسطور لتصدروا حكمكم فيها وتعلنوه للجميع للسير بموجبه... فبعد إطلاع البابا سلستينوس على رسالة القديس كيرلس أسقف الإسكندرية عقد مجمعًا برومة في أغسطس سنة 430 م. شجب فيه تعليم نسطور، وحكم عليه بالحرم والنزول عن كرسيه وقطعه من شركة المؤمنين إن لم يرجع عن أضاليله ويدحضها كتابة في ظرف عشرة أيام من تاريخ إعلانه بالحكم. ثم أرسل في الآن ذاته هذا الحكم للقديس كيرلس مع خطابه له يكلّفه فيه بتنفيذه بالنيابة عنه بقوله له {أننا نخصك بسلطان كرسينا ونقلّدك سلطتنا الرسولية فتستعمل وظيفتنا وسلطاننا لتنفيذ حكمنا هذا بشدة معتبرة على نسطور بحيث إذا لم يعدل عن أضاليله في ظرف العشرة أيام المحدَّدة له، عليكم أن تقطعوه هو بدون شفقة من جسم الكنيسة وأن تبادروا بتنصيب راع جديد مكانه على كرسي القسطنطينية... وما كتبناه إليكم نكتبه أيضًا لقداسة إخوتنا وشركائنا في الأسقفية يوحنا وروفس ويوفينال حتى أن حكمنا هذا أو بالحري حكم السيد المسيح ذاته يكون معلنا للجميع} " (157)
تاسعًا: يقولون عندما أصدر مجمع خلقيدونية القانون 28 بشأن رفع القسطنطينية في المرتبة لتتساوى مع روما وخفض الإسكندرية لتأخذ المركز الثالث تصدى لهذا لاون بابا روما قائلًا "وأما بخصوص القوانين التي وضعها آباء خلقيدونية خلافًا لما رتبه المجمع النيقاوي فبسلطان الرسول بطرس نلغيها ونبطلها إبطالًا مطلقًا "(158)
توضيح:
أولًا: بالنسبة لعقد مجمع نيقية بأمر سلفستروس بابا روما وتحت رئاسته متمثلًا في نوابه هوسيوس أسقف أسبانيا وفيتون وفنسان الكاهنين الروميّين نقول: أنه عندما علم الإمبراطور قسطنطين الكبير بمشكلة أريوس أوفد هوسيوس أسقف كوردوي بأسبانيا إلى مصر لعقد الصلح بين البابا السكندري الكسندروس وبين أريوس، ولكن عندما جاء هوسيوس إلى مصر وعرف أبعاد المشكلة ووقف على الحقيقة عاد إلى قسطنطين يعرض عليه الأمر بالتفصيل، فأمر قسطنطين بعقد مجمع نيقية ومنح الرئاسة لهوسيوس لأنه كان مُلمًا بأبعاد القضية، وبالتالي فإن نواب بابا روما لم يكن لهم الرئاسة، وكان رئاسة هوسيوس رئاسة تقدم وليس رئاسة حكم، وأسقف أسبانيا لم يكن خاضعًا لكرسي روما لأن أسبانيا كانت كرسيًا قائمًا بذاته مثل فرنسا وقرطاجنة.
لقد اعتمد الأخوة الكاثوليك في قولهم هذا على المؤرخ جيلاسيوس الذي قال أنه نقل عن افسابيوس بامفيلياس الذي حضر المجمع بالحرف الواحد مع أنه غيَّر الحقيقة، فانظر يا صديقي إلى قول كل منهما:
قال افسابيوس "وكان أسقف الأسبانيين الذائع الصيت جدًا واحدًا جالسًا مع الكثيرين" (تاريخ حياة قسطنطين 3: 7) ونقل جيلاسيوس هذا القول كالآتي "وكان جالسًا مع الكثيرين هوسيوس أسقف الأسبانيّين الذائع الصيت جدًا مع قسي رومية {ويتن} و{ديكنديوس} في مكان سيلبستروس أسقف رومية العظمى" (جيلاسيوس في المجمع النيقاوى2: 5).
كما اعتمد الأخوة الكاثوليك أيضًا على المؤرخ سوزمينوس الذي يقول "وقد اشترك في هذا الاجتماع من الكراسي الرسولية مكاريوس الأورشليمي وافسطانيوس الأنطاكي والكسندروس الإسكندري. غير أن يوليوس أسقف الرومانيين لم يحضر بسبب الشيخوخة وقد حضر عوضًا عنه {ويتن} و{ويكنديوس} قسًا تلك الكنيسة عينها" (سوزومينوس 1: 8) ويعلق على هذا الارشميندريتي جراسيموس مسرة قائلًا "فهنا نرى المؤرخ:
أولًا: يعدّد الكراسي الرسولية معتبرًا أقدميتها مبتدئا من الأورشليمي فالأنطاكي فالإسكندري فالروماني.
ثانيًا: أنه بدلًا من سيلبستوس يذكر سهوًا يوليوس الذي قام بعد المجمع بنحو 12 سنة.
ثالثًا: أنه لا يميز نواب البابا عن أحد من الحاضرين بشيء فضلًا عن أنه ما ذكر لهم أو للبابا رئاسة على المجمع.
رابعًا: أنه لم يذكر الأسقف هوسيوس مع نواب البابا البتة مع أنه ذكر النواب بأسمائهم فأين تكون دعوى الغربيين من هذه البيانات الواضحة؟ " (159)
أما بالنسبة للدعوى بأنه كان يوجد قانون كنائسي ينهى عن إصدار أي قانون أو أمر من غير مصادقة أسقف روما عليه فقد اتضح لنا من قبل أن هناك أوامر كثيرة اتخذت بخصوص حرم أريوس ورجوعه ونفى أثناسيوس ورجوعه وجميعها من الإمبراطور بدون إذن أو معرفة بابا روما.
وقد سجل كيرلس مقار البطريرك الكاثوليكي المصري الأول بعد عودته إلى أحضان الأرثوذكسية هذه الأحداث قائلًا:
"يتضح من الوثائق التاريخية القديمة أن هذا المجمع (النيقاوي) إنما انعقد بدعوة من الملك قسطنطين لا من البابا (الروماني) سلفستروس، وأن هذا البابا لم تكن له يد في عقده، وتدل الإمضاءات التي ذيل الأساقفة بها أعمال كل من جلسات ذلك المجمع المؤلف من ثمانية عشر وثلاثمائة أبًا على أنه لم يكن ليمثل الغرب كله غير أباء خمسة، كما تدل على أن بقية الآباء إنما كانوا شرقيّين يمثلون الكنائس الشرقية، ومع أن ترؤس بابا رومة على هذا المجمع بصفة أسقف الكرسي الأول في الكنيسة كان أمرًا ميسورًا إلاَّ أن الواقع كان على النقيض من ذلك، فقد أسند المجمع منصب الرئاسة إلى هوسيوس أسقف قرطبة وكان شيخًا وقورًا مهيبًا... ولذا ترى اسم أسقف قرطبة مكتوبًا في رأس قائمة أسماء الأساقفة الذين حضروا جلسات ذلك المجمع..(هنا وجه المؤلف الخطاب إلى اللاتين..): يزعم لاهوتيكم أن هوسيوس كان ممثلًا للبابا سلفستروس بالاشتراك مع الكاهنين الرومانيّين ويتون وويكنديوس، يزعمون ذلك لأن من عقائد الإيمان عندهم أن لا يلتئم مجمع إلاَّ برئاسة البابا، ويدعمون زعمهم هذا بشهادة جيلاسيوس (مؤرخ كنسي عاش في أواسط القرن الخامس) في تاريخه عن مجمع نيقية، ولكننا لو أمعنا النظر في هذه الشهادة لوجدناها عليهم لا لهم لأن جيلاسيوس هذا الذي كتب تاريخه في آخر القرن الخامس لم يكن إلاَّ مُرددًا لما كتبه أوسابيوس (أسقف قيسارية الذي حضر مجمع نيقية) في الموضوع ممسوخًا، إذ لم يذكر النص الأوسابيوسي بحروفه فجاءت عباراته مخالفه للحقيقة... أما القديس أثناسيوس فإنه بتلقيبه هوسيوس "بأبي الأساقفة " قد أبان بجلاء أن الحبر الأسباني العظيم لم يرأس جلسات المجمع باسم البابا سلفستروس أو باسم غيره من الأساقفة... أن دعوى ترؤس بابا روما للمجمع المسكوني الأول إنما هي محض كذب على التاريخ...
والمهم الآن أن نعرف هل كان المجمع عندما أصدر حكمه في القضايا الأربع مقيدًا بأوامر بابا رومة؟ وهل أُعتبر أن ما يصدره من الأحكام يعدم قيمته القانونية إن لم يكن مصادقًا عليه من البابا؟ هذه دعوى الكنيسة الرومانية العصرية، ولكنها كلها مبنية على جرف واه، إذ من الثابت المقرر أن البابا سلفستروس لم يبعث إلى المجمع بتعليمات أيًا كانت... ومن الحقائق التي لا تُنقَض أن حكم المجمع قد أُبلغ على أثر النطق به إلى كنيسة رومة كما أُبلغ إلى غيرها من الكنائس ليُنفذ فيها على السواء باعتباره حكمًا إلهيًا لا يقبل نقضًا ولا إبرامًا، أو قل أنه حكم الروح القدس الذي يسرى على الكنائس جميعًا... وإنكم معاشر البابويّين لتعجزون عن أن تأتوني ولو برسالة واحدة موجهة من البابا سلفستروس إلى المجمع النيقاوي بشأن العقيدة أو النظام..
كان البابا (الروماني) استفانوس الأول قبل انعقاد المجمع النيقاوي بقرن كامل قد أصدر حكمًا في "قضية عماد الهراطقة".. ولكن الآباء الـ318 لم يكتفوا بعدم العمل بتعليم البابا استفانوس، بل هم على النقيض من ذلك رذلوه وعدوه تعليمًا هرطوقيًا وبدعة في الدين... وهذا ما سجله عليكم بنيديكتوس الـ12 أحد بابواتكم... فإذ كان المجمع النيقاوي قد حكم بفساد تعليم بابا رومة أفلم يكن يعتقد اعتقادًا راسخًا أن سلطته المسكونية إنما هي فوق سلطته، وأن سلطة المجامع المسكونية سلطة عامة معصومة على النقيض من سلطة البابا..؟
كان البابا (الروماني) فيكتور قبل أن يعقد المجمع النيقاوي بقرن ونصف قرن قد أصدر قرارًا بشأن تعيّيد الفصح... ألم يكن من واجب المجمع أن يقرر على الأقل أنه إنما يؤكد القرار البابوي الذي صدر منذ 150 سنة، والذي يسرى مفعوله على المسيحية جمعاء منذ يوم صدوره..؟ لم ير آباء نيقية في قرار البابا فيكتور قانونًا تتقيد به جميع الكنائس، وما ذلك إلاَّ لأنهم كانوا يعلمون أن المجمع المسكوني هو وحده الذي له سلطة التشريع في الكنيسة الجامعة، وأن القرار الذي أصدر بشأن قضية يوم تعيّيد الفصح كان أول قرار صدر في تلك القضية فتقيَّدت به المسيحية بأسرها... وهذه الحقيقة الراهنة يؤيدها القديس أثناسيوس في تصريحه {أن آباء نيقية عندما أصدروا حكمهم في قضية الفصح قالوا: هذا ما وجدناه حسنًا: لأن تلك المرة الأولى التي فيها سُنَّ قانون عام في تلك القضية (قضية يوم تعيّيد الفصح)} " (160)
وتجدر الإشارة هنا إلى أن قرارات مجمع نيقية بمجرد صدورها أصبحت واجبة النفاذ ولم تحتاج إلى تثبيت أسقف روما، فيقول كيرلس مقار "هل كان المجمع النيقاوي والمسيحية في ذلك العهد يعتقدان أن القرارات التي أصدرها الآباء الـ318 لم يكن لها قيمة أو قوة نافذة بدون تثبيت أسقف رومية؟
أن كل الوثائق الرسمية القديمة تدل على أن شيئًا من ذلك لم يكن.
أولًا: تدل شهادة هذه الوثائق على أن المجمع المسكوني الأول والمسيحية بأسرها في ذلك العهد كانا يعتبران أن القرارات المتعلقة بالعقيدة الصادرة من هيئة نيقيا المجمعية هي من تلقاء نفسها معصومة وذات سلطان... هذا ما جاء حرفيًا في الرسالة التي أعلن فيها الملك قسطنطين قرارات نيقية... {.. وهكذا فقد بتَّ الآباء الـ318 وباتحاد الآراء -بعد مداولة تامة- في جميع القضايا المختلف عليها، مشمولين بالنعمة السماوية والروح الإلهي لأن كل ما قرّره الأساقفة المجتمعون اجتماعًا مسكونيًا يجب نسبته لروح الله ولإرادته الإلهية}.
ثانيًا: هناك وثيقة ثانية هي الرسالة الخاصة التي بعث بها الإمبراطور قسطنطين لكنيسة الإسكندرية بهذه المناسبة.
ثالثًا: وهناك وثيقة ثالثة... هي رسالة المجمع المسكوني لكنيسة الإسكندرية... {لا يجوز في المقاطعات الثلاث- مصر وليبيا والخمس مدن الغربية - أن يسام أسقف على كنيسة ما، إلاَّ إذا أنتخبه شعب هذه الكنيسة وثبَّته أسقف الإسكندرية}.. فإذا كان اعتقاد الآباء الـ318 أن قوانينهم في حاجة إلى تثبيت بابوي، فكيف جاز لهم -بل كيف سمحوا لأنفسهم- أن يعلنوها للكنيسة المختصة مُحتِمين عليها أن تعجل بتنفيذها قبل أن تصل هذه القوانين إلى علم البابا؟ " (161)
ثانيًا: أما عن قوانين مجمع نيقية فهي ثابتة ومعروفة وهي عشرون قانونًا فقط لا غير، وأما المجموعة الثانية التي تشمل 84 قانونًا فهي لم توضع بمعرفة مجمع نيقية، وأيضًا لم يصدق عليها مجمع نيقية بدليل:
1- هناك بعض القوانين من قوانين مجمع نيقية تجدها مكررة في المجموعة الثانية... فما الداعي للتكرار لو كانت جميعها من وضع مجمع واحد؟!
2- لماذا لم يجمعوا المجموعتين معًا ويقولون أن لنيقية 104 قانونًا.
3- القوانين 4، 5، 6 ضد القوانين 37، 44.
وإن كان الصفي بن العسال قد أورد هذه القوانين في كتابه القوانين فذلك لأنه اهتم بجمع القوانين وتسجيل كل ما استطاع التوصل إليه بكل أمانه بصرف النظر عما إذا كانت موافقة للمبادئ الأرثوذكسية أو مخالفة، وحتى لو كان ابن العسال سقط في هذا الخطأ فلا تُحسَب عثرته هذه على الكنيسة الأرثوذكسية كنيسة المجامع المسكونية.
قال كيرلس مقار البطريرك الكاثوليكي العائد إلى أرثوذكسيته " المسيحية تشهد في ذلك العهد بصوت واحد بأن المجمع المسكوني الأول لم يسن إلاَّ عشرين قانونًا لم تزل موجودة باللغة اليونانية ومنقولة بأمانة من مجموعة المجامع للابيه " (162)..
وأورد الأرشمندريت حنانيا الياس كساب ما كتبه هيفيله في مؤلفه تاريخ المجامع (المجلد الأول ص355 وما بعدها من الطبعة الثانية) " لنراجع أولًا شهادات المؤلفين من يونان ولاتين الذين ظهروا في العصر المتصل بزمن التئام المجمع:
أ- فأول من يُرجَع إليه هو العالم اليوناني ثيودوريطس الذي ظهر بعد نحو قرن من انعقاد مجمع نيقية، فهو يقول في مؤلفه تاريخ الكنيسة " أن الأساقفة بعد أن حكموا على أريوس اجتمعوا ثانية ووضعوا عشرين قانونًا في النظام الكنسي".
ب- وبعد نحو عشرين سنة من ذلك كتب جيلاسيوس أسقف كيزيكوس تاريخ مجمع نيقية بعد أن قضى وقتًا طويلًا يبحث في الصكوك القديمة. وقد ذكر القوانين العشرين بنصها كما هي وكما وصلت إلينا تمامًا.
ح- وروفينوس قبل هذين المؤرخين، وقد وُلِد في نحو الوقت الذي التأم فيه المجمع، وضع بعد نحو نصف قرن تاريخه المشهور للكنيسة وأضاف إليه ترجمة لاتينية لقوانين مجمع نيقية ولم يذكر إلاَّ العشرين قانونًا.
د- وفي البحث الذي دار بين أساقفة أفريقية وأسقف رومة في موضوع الاستئناف إلى رومة شهادة ناصعة على أن عدد قوانين مجمع نيقية لم يزد عن عشرين...
ه- أن كل مجموعات القوانين القديمة في اللاتينية واليونانية التي أُعدَّت في القرن الرابع أو أثناء القرن الخامس تتفق في أنها لا تذكر أكثر من عشرين قانونًا وضعها المجمع النيقاوي، وأقدم هذه المجموعات أُعدَّت في الكنيسة الشرقية اليونانية وصدر منها نسخ عديدة في مدة قصيرة... وفي سنة 1540 م. قدم الأسقف الفرنسي يوحنا تيليوس مخطوطة من هذه المجموعات اليونانية كما وُجدت في القرن التاسع للمكتبة في باريس، وفي هذه المخطوطة عشرون قانونًا لا غير لمجمع نيقية...
و- ويمكننا أن نذكر من الثقات اليونانيين في القرون التالية فوتيوس وزونارس وبلسامون. وكلهم لا يذكرون للمجمع النيقاوي إلاَّ عشرين قانونًا كما وردت في سائر المجموعات ولا يعترفون بوجود غيرها.
ز- وعلماء القانون في اللاتين في العصور الوسطى لا يعترفون أيضًا بغير هذه العشرين قانونًا للمجمع النيقاوي... والعالم المشهور هنكار رئيس أساقفة ريمس القانوني الأول في القرن التاسع لا يذكر لمجمع نيقية إلاَّ عشرين قانونًا" (163)
ثالثًا: أما عن قضية أثناسيوس والادعاء بأنه التجأ إلى بابا روما الذي رده إلى كرسيه، وانعقاد مجمع سرديكا وقراراته فيحسن يا صديقي أن نأخذ فكرة مختصرة أولًا عن هذه الأحداث ثم نناقش الفكر الكاثوليكي معًا... فبعد أن أعاد قسطنت بن قسطنطين الكبير أثناسيوس إلى كرسيه من منفاه في أتريف تحركت الغيرة في قلوب الأريوسيّين فعقدوا مجمعًا سنة 340 في أنطاكية أدانوا فيه أثناسيوس لأنه عاد إلى كرسيه بدون قرار مجمعي، ومع أنه نفى إلى اتريف بأمر الملك قسطنطين وليس بحكم مجمعي، وأرسل مجمع أنطاكية ثلاث قسوس إلى يوليوس أسقف روما لاستمالته إليهم، فما كان من أسقف روما إلاَّ أنه أرسل خطابًا رقيقًا لأثناسيوس يطلعه على شكاوى الأريوسيين عليه، فلم يتظلم أثناسيوس لدى البابا بل عقد مجمعًا مكونًا من 80 أسقفًا سنة 340م واحتجوا على أعمال الأريوسيّين، وحرَّر أثناسيوس رسالة إلى جميع أساقفة المسكونة تُظهِر براءته وقال "أن مثل هذه المجامع (يقصد مجمع أنطاكية) ليس لها أن تقاضى أسقف كنيسة الإسكندرية الذي لا يقاضيه إلاَّ مجمع مسكوني يمثل الكنيسة بأسرها " وأرسل بهذا أيضًا إلى أسقف روما مع وفد إسكندري، فاقترح بابا روما عقد مجمع للفصل بين الطرفين، ولم يتخذ قرارًا فرديًا ولم يفكر أن يحكم بنفسه في هذه القضية فلو كان له السلطة العامة على الكنيسة لحكم في الأمر، واستشار البابا أثناسيوس في المكان الذي يستحسنه لعقد المجمع فاختار أثناسيوس مدينة روما، وأرسل يوليوس أسقف روما كاهنين ليحضرا آباء مجمع أنطاكية إلى روما، ولكن مجمع أنطاكية الأريوسي عطَّل الكاهنين الرومانيّين لمدة شهرين عقد خلالهما جلسة بمناسبة الاحتفال بتدشين الكنيسة الذهبية وكان عددهم 79 أسقفًا أيدوا قرار حرمان أثناسيوس، ثم أرسلوا إلى أسقف روما يحتجون قائلين "أن الدعوة التي وردت إلينا لحضور مجمع رومية لم تكن دعوى مجمعية بل فردية (يقصدون أنها موجهه إليهم من بابا روما فقط) ولذا فأننا لم نعتد بها" (164) فكتب إليهم يوليوس أسقف روما يعرفهم بأنه لم يكتب لهم بصفته الفردية بل بصفته ممثلًا لمجموع إكليروس إبروشيته وقال لهم " أن القوانين الكنسية لا تخول حق الحكم على أسقف كرسي رسولي مثل أثناسيوس إلاَّ لمجمع أساقفة الكنيسة الإسكندرية، أو لمجمع مسكوني، وأنه في الحالة الثانية يجب إخطار جميع الأساقفة أصحاب الكنائس الرسولية "(165) (أليس هذا اعتراف بعدم سلطة بابا روما العامة على الكنائس، وإقرار بأن حكمه ليس فوق حكم المجامع؟!!).
وفي شهر نوفمبر عقد يوليوس أسقف روما مجمعًا مكونًا من 150 أسقفًا من أساقفته وبريء أثناسيوس من التهم الأريوسية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ثم انعقد مجمع سرديكا المكوَّن من 100 أسقف غربي، و70 أسقف شرقي أريوسي وترأس المجمع هوسيوس أسقف قرطبة الذي رأس من قبل مجمع نيقية، وأراد الأساقفة الغربيون دعوة أثناسيوس للمجمع فاحتج الأريوسيون وتركوا المجمع حيث عقدوا مجمعًا في مدينة "فيلبو" حرموا فيه أساقفة الغرب مع أسقف روما. أما المجمع السرديكي فقد حكم ببراءة أثناسيوس، وأرسلوا الحكم للملك قسطنت إمبراطور الغرب الذي أحسن استقبال البابا أثناسيوس الرسولي، وأرسله برسالة إلى أخيه الملك قسطنطس إمبراطور الشرق والمسئول عن مدينة الإسكندرية يُهدّده بالحرب إن لم يُعِد أثناسيوس إلى كرسيه قائلًا "أنه ينادى عليه بالحرب إن لم يرجع القديس أثناسيوس إلى كرسيه " وعندما وصل أثناسيوس بالرسالة إلى قسطنطس إمبراطور الشرق وجده قد ملَّ من مؤامرات وكذب ودسيسة الأريوسيّين فلذلك أحسنَّ استقباله ووفادته وأعاده إلى كرسيه. إذًا أثناسيوس عاد إلى كرسيه بأمر الملكين قسطنت وقسطنطس وليس بأمر بابا روما، ويعلق على هذا كيرلس مقار في شكل حوار بين شخصين إحدهما روماني أي كاثوليكي والآخر أرثوذكسي فيقول:
"الروماني: إذا لم يكن للبابا كما تقول حق إلهي في استئناف قضايا الأساقفة، وإذا كان هذا الحق قد منحه إياه مجمع سرديكا لمحادثة معينة فكيف تفسر مسلك القديس أثناسيوس الرسولي الذي بعد أن حكم الشرقيون بإسقاطه عن كرسيه استأنف ذلك الحكم الظالم أمام محكمة البابا يوليوس، وما قولك في البابا يوليوس الذي قبِل استئنافه وإعاده إلى كرسيه بمحض سلطته؟ ألم يكن البابا قد أتى ذلك - كما يقول سقراط - (في تاريخه ك11 ق8) وسوزومينوس (في تاريخه ك3: 5) معتمدًا على قانون كنسي يحظر على الكنائس أن تقضى في شيء بدون مصادقة أسقف روما..؟
الأرثوذكسي: فلنبحث هذه النقط واحدة واحدة... أن من يسمع أن الشرقيّين قد حكموا بإسقاط القديس أثناسيوس عن كرسيه يتوهم أن جميع الكنائس الشرقية قد دنست يدها بهذا الظلم، وما ذلك إلاَّ محض كذب وافتراء... فالقديس أثناسيوس أسقطه مجمع صور الأول مرة سنة 335 م كمرتكب لثلاث جرائم: هي تدنيس المقدسات والقتل والزنى، ثم أسقطه مجمع أنطاكية سنة 340م لرجوعه إلى كرسيه بغير مصادقة المجمع، ولكن لم يكن بين جميع أساقفة المجمعين المذكورين أسقف واحد تابع لبطريركية الإسكندرية، بل ولا أسقف واحد تابع للكنائس الرسولية التي في قبرص وكريت ومقدونيا وأخائيا وبلاد اليونان إلخ. إلخ... أما أساقفة أنطاكية فلم يكن منهم في المجمعين إلاَّ الأساقفة الأوسابيوسيون الذين انقادوا لأوسابيوس أسقف نيكوميديا وهو أكبر أنصار أريوس... يحلو لمؤرخيكم أن يذكروا ظلم الشرقيّين... ولكنهم يتعمدون ألاَّ يذكروا أن هناك أسقفين غربيّين (اورزاس وفالانس) وأنهما هما اللذان وضعا للأوسابيوسيّين الشرقيّين كل الأسباب التي بُني عليها هذا الظلم... أن هذين الأسقفين الغربيّين هما اللذان - عند انعقاد مجمع صور- ذهبا إلى مريوط لأجراء تحقيق قانوني عن الجرائم المنسوبة إلى القديس أثناسيوس، وهما اللذان حَّررا محضرًا قرَّرا فيه إدانة أسقف الإسكندرية {ثم ذكر كيرلس مقار في الحاشية أقوال المؤرخين ثيؤدورتيس (ك4 ف 16) وأوسيوس في رسالته للإمبراطور قسطانس وأبيفانيوس أسقف قبرص في مؤلفه عن الهرطقات والتي تذكر جميعها ندم واعتذار اورزاس وفالانس عن اتهامهما الظالم للقديس أثناسيوس}.
على أن الكنائس الغربية لم تجحد الإيمان مرة واحدة بل ثلاث مرات! الأولى: سنة 351 م. وذلك في مجمع "ارلس" حيث كان فنستنوس أسقف كابوا نائبًا عن البابا ليباريوس. فإن هذا الأسقف ومعه جميع الأساقفة الغربيّين قد نزلوا على إرادة الإمبراطور قسطانس وحكموا على القديس أثناسيوس بالاحرام وقرروا أرثوذكسية الأساقفة الأريوسيّين! والثانية: سنة 355م وذلك في مجمع ميلانو حيث صدَّق 300 أسقف غربي على خلع أثناسيوس... والثالثة: سنة 359م وذلك في مجمع ديميني الشهير حيث اجتمع 400 أسقف غربي ثمانون منهم من الأريوسيّين والباقون من الأرثوذكسيّين، وقد آل الأمر بهم (إلاَّ 18 منهم) إلى جحد دستور الإيمان النيقاوي والتوقيع على خلع أثناسيوس... أضف إلى هذا الإلحاد إلحاد البابا ليباريوس نفسه... فإن ليباريوس هذا بعد أن سئم آلام النفي مدة سنتين وتاقت نفسه إلى أن يعود إلى التربع على كرسي رومة الكبير... جحد إيمان نيقيا وقطع القديس أثناسيوس عن شركة الكنيسة واعتنق الأريوسية... تدعون بعد ذلك أن القديس أثناسيوس - بعد أن حكم عليه مجمع صور وأسقطه عن كرسيه - استأنف هذا الحكم للبابا يوليوس، وأن ذلك البابا قبِل إستئنافه وردهُ إلى كرسيه بمحض إرادته... ولكن من المقرر الثابت أن الأساقفة الذين تألف منهم هذا المجمع لم يكونوا ليملكوا حق مقاضاة أثناسيوس وعزله لأن أسقف الإسكندرية- بصفته أسقفًا لكرسي رسولي هو ثاني الكراسي الرسولية في الكنيسة - لا يمكن قانونًا أن يقاضيه ويحكم بعزله إلاَّ مجمع بطريركيته المؤلف من مجموع أساقفة الأرثوذكسيين، أو المجمع المسكوني، ولم يكن أساقفة مجمع صور من الهيئة الأولى ولا الثانية لذلك لما رأى القديس أثناسيوس أن المحكمة التي نصَّبت نفسها لمحاكمته غير مختصة بادر إلى الانسحاب منها، غير أن مجمع صور لم يمنعه انسحاب أثناسيوس من أن يُصدر حكمه عليه غيابيًا وهو يقضى بخلعه من كرسي الإسكندرية. على أن القديس أثناسيوس لم يستأنف هذا الحكم كما تدعون (لبابا روما) ولكنه كما يقرر ذلك هو نفسه - ذهب توًّا إلى القسطنطينية وتظلَّم للإمبراطور قسطنطين من الحكم الباطل الصادر ضده ومن المحكمة المُغتصِبة التي أصدرته، ولما كان الأوسابيوسيون قد اوغروا صدر الإمبراطور على أثناسيوس... نفاه إلى مدينة أتريف، ولم يحتج البابا يؤمئذ على هذا الظلم!!.. أن الاحتقار الذي قابل به الأسقف الإسكندري مجمع صور وحكمه الباطل قد أثار سخط الأوسابيوسيّين فاجتمعوا في أنطاكية سنة 340 م. وأسقطوه عن كرسيه للمرة الثانية... ورغم هذا الاغتصاب لم يفكر أثناسيوس في أن يستأنف حكم الأوسابيوسيّين للبابا، ولكنه بادر فكتب "رسالة دورية" إلى جميع أساقفة الكنيسة الجامعة أنبأهم فيها بما حلَّ بكنيسة الإسكندرية، وأوقفهم على أسماء الظَلمة الغاصبين... هذا ولو صح افتراض الرومانيّين وكان البابا معتبرًا القاضي الأعلى في القضايا الإكليريكية. أفلم يكن الواجب- منطقيًا- أن يطلب أثناسيوس تدخل البابا وحده ولا سيما إن البابا يوليوس كان على علم بقضيته منذ سنة مضت؟؟ ثم أن القديس أثناسيوس لم يكن هو الذي أدخل البابا في قضيته، وإنما أدخله الأوسابيوسيون أنفسهم. لا لأنهم كانوا يعتقدون بسلطانه - الذي أنكروه قولًا وعملًا - بل لأنهم كانوا يأملون أن يكسبوه لجانبهم ويخرطوه في صفهم... أما المؤرخان اليونانيان سقراط وسوزومينوس فلا يمكن أن يستنتج مما قالاه شيء يخالف ما سبقنا فذكرناه، إذ أنهما عند كلامهما على عدم قانونية مجمعي صور وأنطاكية- اقتصروا على أن أوردا رسالة البابا يوليوس في هذا الصدد.." (166)
رابعًا: أما عن مجمع سرديكا وقوانينه فيعلق كيرلس مقار قائلًا:
"هناك شهادة التاريخ تنطق بأن المسيحية لم تعتبر مجمع سرديكا مجمعًا مسكونيًا في عصر من عصورها، وأن حق الاستئناف الذي نصت عليه قوانين هذا المجمع، لا يتناول جميع القضايا الكنسية وليس هو حقًا إلهيًا غير قابل للتحول. بل هو حق وقتي يشمل قضايا الأساقفة في عصر البابا يوليوس، وهو حق مستحدث... وإذا كانت المسيحية لم تعتبر مجمع سرديكا مجمعًا مسكونيًا فما ذلك إلاَّ لأنه انعقد سنة 347 م. أي بعد المجمع النيقاوي باثنين وعشرين سنة، فلو كانت له الصبغة المسكونية لسمَّته الكنيسة المجمع المسكوني الثاني... وفوق ذلك فإن أحد هذه القوانين يحظر على الكهنة والشمامسة وذوى الدرجات الصغرى المحكوم عليهم في جهاتهم أن يستأنفوا قضاياهم في رومة ويأمرهم أن يستأنفوها في مجمع الجهة المجاورة لهم، وذلك القانون يدل على أن مجمع سرديكا لم يكن يرمى في قوانينه إلى السلطان العام الذي يدعيه باباواتكم والذي يريدون بمقتضاه أن تنظر محاكمهم في جميع القضايا الكنسية بلا استثناء...
وهذا نص القانون الثالث: {قال الأسقف أوسيوس: يجب أن ينظر أيضًا في المسألة الآتية وهي إذا كان لأحد الأساقفة قضية ضد زميل له في الأسقفية... فأجاب آباء المجمع (السرديكي) أنا لنجد ذلك حسنًا}.
وجاء في القانون الرابع: {قال الأسقف غودنسيوس "إذا حط الأساقفة المجاورون أسقفا من درجته... فأجابه الجميع إنا لموافقون} وجاء في القانون الخامس {قال الأسقف أوسيوس: إذا حط الأساقفة جهة أسقفًا عن درجته فانَّا نرى مناسبًا أن يستأنف ذلك الأسقف قضيته أمام أسقف الرومانيّين (يوليوس).. فأجابه الجميع إنا لموافقون}
فمن هذه القوانين... لم يرد المجمع السرديكي إلاَّ أن يؤيد العدل بأن يمنح المحكوم عليهم حقًا يمكّنهم من إعادة قضاياهم أمام هيئة ثانية غير الهيئة الأولى التي حكمت عليهم أو لم يكن في نية المجمع أن يعبر عن سلطان أسقف رومة على الأساقفة المحكوم عليهم الذين يطلبون منه أن يرسل إليهم قضاة جددًا... ويمكننا أن نفهم من قول هذه القوانين {إذا رأيتم ذلك مناسبًا} و{إنا وجدنا ذلك مناسبًا} أن ما نصَّت عليه هذه القوانين إنما هو نظام حديث وليس بحق إلهي بل ولا بعادة قديمة... ولولا هذا لما رأينا كنيسة أفريقيا (وهي غربية لا شرقية) - على الرغم من وجود هذه القوانين السرديكية - ترفض رفضًا باتًا الاعتراف بهذا الحق للبابا، ولما رأيناها تحظر على إكليروسها - من أية درجة كانوا -الالتجاء إلى رومة في قضاياهم، وإلاَّ وقعوا تحت طائلة الحرم... ولما أراد البابا زوزيموس للأفريقيّين الدليل على ما له من الحق في قبول قضايا أساقفة أفريقيا وكهنتها، أطلق على مجمع سرديكا اسم مجمع نيقية!.. ولكن ذلك لم يُجدِه نفعًا لأن كنيسة أفريقيا بعد أن تأكدت من هذا التزوير كتبت إلى البابا سلستينوس- وهو ثاني بابا أُقيم على رومة بعد زوزيموس - رسالة مجمعية غاية في الشدة فضحت فيها الغطرسة الرومانية... وقد نفت هذه الرسالة نفيًا باتًا كل سلطة يدعيها أسقف رومة للتدخل في قضايا كهنة أفريقيا " (167)
كما أن قانون 35 للرسل وقوانين 4، 5، 6 لمجمع نيقية تؤيد أن حقوق كرسي رومية محصور في منطقته مثله مثل كرسي الإسكندرية وأنطاكية وأورشليم، فالقانون 35 للرسل يقول " لا يجسرنَّ أسقف على ملء شرطونيات خارج حدوده في المدن والبلاد غير الخاضعة له " (168)
أما بالنسبة للقانون السادس الذي ترجمه الأخوة الكاثوليك إلى النص الآتي " لقد حفظت الرئاسة دواما للكنيسة الرومانية فلتحفظ إذًا بدقة في مصر وليبيا.." فيعلق على هذه الترجمة كيرلس مقار قائلًا:
"أن مجمع نيقية لم يكتب بلغتكم العصرية (أيها الأخ الكاثوليكي) على ما أظن بل كتب باللغة اليونانية، وهذا هو تعريب النص اليوناني: {فلتحفظ العادة القديمة التي في مصر على ليبيا والخمس مدن بحيث يكون لأسقف الإسكندرية السلطة على هذه المقاطعات. بما أن أسقف روما هو أيضًا محتفظ (عنده) بهذه العادة، ولتحفظ هذه العادة كذلك في أنطاكية وفي سائر ابروشيات الكنيسة، تلك الأبرشيات التي تتمتع بامتيازاتها القديمة، والمبدأ العام الواضح الذي لا يحتاج إلى برهان هو من يسام أسقفًا بدون مصادقة المتروبوليت (أسقف المدينة الرئيسة) فإن المجمع العظيم لا يعتبره أسقفًا على هذه الصفة ويقول عن هذا الرجل لا يجب أن يكون أسقفًا} فليس في النص اليوناني {قانون وضعه أسقف روما} ولكن فيه " عادة قديمة".. أنى أظن أن روفينوس كان أكثر من لاهوتييكم العصريين قدرة على معرفة موضوع القانون السادس النيقاوي لأنه كان كاهن كنيسة اكويلا بايطاليا وكان معاصرًا للمجمع النيقاوي... وإليك ما قال في ذلك القانون " لقد قرَّر الآباء بأن العادة القديمة يجب حفظها في الإسكندرية وفي رومة، وبمقتضى هذه العادة يكون لأسقف الإسكندرية الحكم في مصر ولأسقف رومة الحكم على الكنائس التابعة له " (169)
أما عن القانون 37 الذي حدد البطاركة بأربعة مثل كتبة الإنجيل الأربعة، فلماذا أهمل كتَّبة الرسائل؟ وكيف يمكن إهمال كرسي أورشليم؟ ومتى كان كرسي أفسس من الكراسى الرسولية الأربعة؟ وما رأيك في كرسي القسطنطينية الذي تساوى فيما بعد مع كرسي روما؟ هل تصبح له الزعامة أيضًا بحسب القانون 28 من مجمع خلقيدونية؟!
والقانون 44 الذي يتحدث عن البطريركية والبطريرك مع أن هذه الألقاب لم تعرف إلاَّ في مجمع خلقيدونية في القرن الخامس ولم تكن معروفة في مجمع نيقية...
يقول كيرلس مقار البطريرك الكاثوليكي العائد " ومن له بعض المعرفة بالتاريخ الكنسي لا بُد أن يحكم بأن هذه المجموعة لم تكتب إلاَّ بعد المجمع النيقاوي بزمن طويل، والبرهان على ذلك ما جاء بتلك القوانين عن البطريركيات والبطاركة... فقد قال القانون ال37 منها ما يأتي {لا يجب أن يكون في الدنيا إلاَّ أربع بطريركيات... والرابعة في أفسس كرسي القديس يوحنا الإنجيلي، وقد نُقِلت هذه الأخيرة إلى القسطنطينية} وإذا غضضنا النظر عن بطريركية أفسس التي لم يسمع بها أحد!! فإنه لا يمكننا أن نغض النظر كذلك عن لفظتي {بطريركية وبطريرك} اللتين لم تسمعا للمرة الأولى إلاَّ في المجمع الخلقيدوني... وفضلًا عن هذا فإننا نرى النسخة العربية تتكلم عن أسقف الحبشة، وكلنا يعلم أن الحبشة لم تعتنق المسيحية قبل المجمع النيقاوي بل بعده!!
إني أتحداك (أيها الأخ الكاثوليكي) أن تذكر لي أبًا أرثوذكسيًا واحدًا اعتقد هذا الاعتقاد، فإن لاهوتيكم الرومانيّين بعد أن تصبَّبت جباههم دماُ وماء لم يعثروا إلاَّ على كاتبين اثنين يقولان بالطبيعة الواحدة قد عاشا في القرن الثالث عشر وهما وحدهما القائلان بنيقاوية هذه القوانين {هما أبنا العسال وهما من أبناء الكنيسة القبطية، ولكن يجب أن يلاحظ أن عثرة هذين المؤلفين لا يمكن عقلًا أن تُنسب إلى تلك الكنيسة} وعلى كل حال فما تأثير ذلك على الكنيسة الأرثوذكسية كنيسة المجامع المسكونية..؟ لقد قلت (أيها الأخ الكاثوليكي) أن هذه القوانين العربية موجودة عندنا وأردت أن تستنتج عن ذلك القول أننا نقدسها تقديسًا ونجلُّها إجلالًا:
فهل كل ما يوجد بين أيدينا فهو مقدس وجليل؟ ألاَّ يجرنا هذا المنطق المضحك إلى تقديس الأناجيل المزوَّرة بما أنها بين أيدينا وتحمل من الأسماء الرسولية ما راق لو أضيعها أن يصدروها بها؟! ألاَّ تشعر بأن هذا الاستنتاج من البلاهة بمكان؟!! اعلم أن آباءنا الذين نبذوا الأناجيل المزوَّرة نبذ النواة هم أنفسهم الذين نبذوا القوانين النيقاوية المزوَّرة قائلين أن الكنيسة لم تعرف للآباء الـ318 غير عشرين قانونًا فقط... أن القانون 44 بقوله أن سلطة البابا على البطاركة شبيهة بتلك التي كانت للقديس بطرس على الرسل والمجامع الرسولية ينفى كل سلطان للبابا على الأساقفة!! لأن سلطة القديس بطرس التي تكلمنا عنها بإسهاب (في الجزأين الأول والثاني) ليس لها خاصية السيادة إذ لم يكن للقديس بطرس سلطانًا على الرسل بل زميلًا لهم... " (170)
خامسًا: بالنسبة لمجمع القسطنطينية والقول بأن المادة الثالثة تنص على "أننا نقرُّ بأن الأولوية والسلطان الأعظم هو للحبر الروماني" فإننا نقول بأن هذا المجمع قد انعقد في القسطنطينية وقد أرسل البابا الروماني داماسوس للمائة وخمسين أسقفًا ليحضروا إلى روما لينضموا إلى مجمع كبير كنائسي غربي فرفض هؤلاء الأساقفة وكتبوا إلى بابا روما يشيرون إلى كسل الغربيّين في الحضور إلى القسطنطينية بينما يطلبون سفر الأساقفة الشرقيين إلى روما، وفعلًا انعقد المجمع في القسطنطينية ولم يحضر بابا روما ولم يرسل نوابًا عنه ولم يبعث برسالة للمجمع، وجاء في القانون الثاني " لا يتعدينَّ الأساقفة الذين خارج إدارتهم على الكنائس التي خارج حدوهم ولا يشوشنَّ الكنائس. بل وفقًا للقانون لأسقف إسكندرية أن يسوس أمور مصر فقط. ولأساقفة الشرق أن يسوسوا الشرق فقط... ولأساقفة ولاية أسيا أن يسوسوا أمور أسيا فقط...وللمحافظة على القانون السابق تدوينه في الإدارات نقتضى صريحًا أن يسوس أحوال كل إبروشية مجمع الأبروشية كما هو مُحدَّد في نيقية".
والقانون الثالث " أما أسقف القسطنطينية فليكن له التقدم في الكرامة بعد أسقف رومية لكونها (أي القسطنطينية) رومية الجديدة".
ويعلق على هذا الأرشميندريتي جراسيموس مسرَّة اللاذقي قائلًا "أن هذه الشهادات التاريخية تؤيد ما يأتي:
1- أن الملك ثيؤدوسيوس هو الذي عقد المجمع...
2- أن المجمع عقد بالتئام بطاركة وأساقفة الشرق فقط مع قطع النظر عن الغرب.
3- أنه سنَّ للبطريرك القسطنطيني مساواة الأسقف الروماني في الكرامة لأنه أسقف كرسي رومية الجديد، وهذا الأمر يوضح كل الوضوح أن أسباب تقدم الأساقفة بعضهم على بعض إنما هي امتيازات المراكز العالمية.
4- أن موافقة القيصر قرارات المجمع قبل أن يوقّع عليها بابا رومية وأساقفته تقطع كل شبهة في صحة قول الغربيّين.
5- أن المجمع قد عين حقوق الأساقفة وذكر حقوق البابا بأنه متقدم في الكرامة... فلو كانت له رئاسة وسلطة... فكيف لم تعترض رومية وتطلب حقوقها وتلغى أعمال المجمع الذي لم تزل تعترف به إلى اليوم أنه مسكوني مُلهم من روح الحق؟
6- أن قرارات المجمع المسكوني كان يصدَق عليها الملوك كما يتضح من طلب المجمع إلى القيصر ثيؤدوسيوس الكبير أن يصدّق على أعماله...
7- لو كان تصديق الباباوات على أعمال المجامع معناه التثبيت كما يدعون، فأعمال المجمع المسكوني كانت من ذى قبل مصدقًا عليها. فلماذا لم يرسلها الملك إلى البابا للتصديق ويرفع عن نفسه وعن المجمع ثقله عقد المجمع على أمور تخص البابا وحده؟ أو لماذا لم يُقم البابا الحجة على القيصر لبخسه حقوقه وتسليمها إلى مجمع الأساقفة..؟ " (171)
سادسًا: ومما سبق نجد الرد واضحًا على قول القس فيلبس النائب البابوي الروماني في مجمع أفسس " تعلمون أن الطوباوى بطرس هو هامة الرسل، ولذا نسألكم أن تطلعونا على ما قرره المجمع قبل حضورنا لكي نثبتّه باسم خليفته بابانا الطوباي سلستينوس أسقف رومية".
العجيب أن أساقفة الغرب يتمسكون بأي كلمة تكريم قيلت لأسقف روما أو أي رسالة أرسلت إليه ويعتبرونها أنها اعتراف برئاسة بابا روما، مع العلم بأن رسائل الآباء مملوءة ومشحونة بعبارات التبجيل والتقريظ والتكريم، فمثلًا " القديس غريغوريوس قال في كبريانوس {أنه راعٍ وأفضل وأحسن الرعاة لأنه لم يكن رئيسًا على كنيسة القرطاجنيّين فقط ولا على أفريقيا وحدها الشهيرة به من وقته بل على الغرب وتقريبًا على الشرق عينه أيضًا من جنوبه إلى شماله حيث جاء هو بالعجائب} وقال أيضًا في أثناسيوس {أنه إذ صار أسقفًا على إسكندرية أؤتمن على إدارة الشعب ورئاسته، وبقولٍ واحدٍ أُؤتمن على كل المسكونة} " (172)
سابعًا: كتابة يوحنا فم الذهب لبابا روما لا تثبت رئاسة بابا روما، فقط ارتبطت مشكلة فم الذهب بمشكلة الأخوة الطوال، ويرد على هذا الأرشميندريتي جراسيموس مسرَّة قائلا:
" يرى الغربيون أن كتابة القديس (يوحنا فم الذهب) للبابا اينوشنسيوس دليل على سلطة للبابا على الكنيسة، ولكن الشرقيّين يدفعون هذه الدعاوى... فيقولون:
1- أنه لو كان البابا ذا سلطة على الكنيسة لما التجأ الرهبان الهاربون من ثاؤفيلس (الأخوة الطوال) إلى القسطنطينية بل إلى رومية.
2- لما تظلَّم الرهبان إلى الملكة قالت "من متعلقاتي أنا أنى أجمع مجمعًا وأدعو ثاؤفيلس" ولم تقل أن ذلك من متعلقات البابا البتة.
3- أن ثاؤفيلس وابيفانيوس جمعًا مجمعًا بسلطانهم ولم يستشيروا أسقف رومية.
4- لما لم يرضَ يوحنا بمجمع البلوطة لم يرفع قضيته إلى رومية بل إلى مجمع مسكوني.
5- لما رجع من منفاه الأول كان يستعفى من أن يدخل المدينة قبل عقد مجمع كبير لرؤية القضية، ولم تخطر رومية على باله...
6- لما نفى المرة الثانية لم يكتب للبابا وحده... بل لرؤساء كنائس كثيرة مستقلة...
وأخيرًا لما كتب البابا يلوم ثاؤفيلس على سلوكه في مسألة يوحنا الذهبي الفم. فمع أن ثاوفيلس ملام حقيقة على ذلك السلوك لم يطق ملامة البابا (بابا روما) إياه بل رفضها بكل سلطان إيضاحًا لمساواة الحقوق ولتعدي البابا على ما ليس له" (173)
ثامنًا: القول بأن البابا كيرلس عمود الدين كتب إلى البابا بخصوص قضية نسطور لأن بابا روما هو الرئيس المسئول عن الكنيسة ككل، فقول مردود عليه بدليل:
1- البابا كيرلس عندما علم بهرطقة نسطور لم يعرض الأمر على بابا روما بل كتب يفنّدها في منشوره الفصحى.
2- كتب البابا كيرلس لكلستينوس بابا روما لأنه عَلِم أن نسطور كتب له، فخوفًا على بابا روما من الانحدار إلى بدعة نسطور كتب إليه البابا كيرلس وأوصى رسوله أن لا يُسلّم رسالته إلى بابا روما إلاَّ بعد التأكد من أن نسطور كتب له.
3- البابا كيرلس لم يكتب لبابا روما فقط بل كتب لنسطور ذاته، وعندما لم يرضَ نسطور برسالة البابا كيرلس كتب يرد عليه ولم يشكوه لبابا روما. كما كتب البابا كيرلس للملوك والإكليروس وأساقفة الكنائس وقال لشعب الإسكندرية " أن المجمع يطهر الكنيسة " ولم يقل " أن البابا يطهر الكنيسة".
4- كتب البابا كيرلس لرهبان القسطنطينية يقول "أنى لا أعطي نوما لعيني ونعاسًا لأجفاني إلى أن أجاهد الجهاد في سبيل خلاص الجميع" فيعتبر نفسه مسئولًا عن توضيح الإيمان ككل، ولم يلق بالمسئولية على بابا روما.
5- قول بابا روما للبابا كيرلس "أننا نخُصَّك بسلطان كرسينا ونُقلّدك سلطتنا الرسولية فتستعمل وظيفتنا وسلطاننا لتنفيذ حكمنا " معناه إضافة سلطة بابا روما إلى سلطة البابا كيرلس، وليس معناه منح السلطة للبابا كيرلس لأنه لم يقل له " أننا نمنحك سلطتنا"، ويوضح هذا عندما أرسل بابا روما نوابه إلى مجمع أفسس المسكوني أوصاهم بأنه بمجرد وصولهم يضعوا أنفسهم تحت أمر وسلطة البابا كيرلس.
6- عندما صدر حكم مجمع أفسس على نسطور قال "فإننا قد إضطررنا ضرورة من القوانين، ومن كتابة أبينا الجزيل القداسة ومساهمنا في الخدمة كلستينوس أسقف كنيسة الرومانيّين. فبعد أن أذرفنا الدموع مرارًا كثيرة أصدرنا الحكم عليه " فلا توجد في هذا أي إشارة إلى رئاسة بابا روما.
تاسعًا: أما قانون 28 من مجمع خلقيدونية الذي ساوى كرسي القسطنطينية بكرسي روما حتى لو إعترض عليه نواب البابا ثم البابا فإنه لم يقدر على إلغائه من جملة القوانين الصادرة من هذا المجمع المشئوم.
ملاحظة: جميع الدساتير والمراسيم والقرارات التي صدرت من المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965م) مُزيَّلة بالتوقيع الآتي "أنا بولس أسقف الكنيسة الكاثوليكية" أليس هذا اعتراف واضح وصريح بان بابا روما أسقف مساو لأخوته أصحاب الكراسي الرسولية في الرتبة؟!
_____
(148) الرئاسة البابوية ص105.
(149) المرجع السابق ص88، 89.
(150) المرجع السابق ص110.
(151) قيام الأرثوذكسية الحقيقة على الاعتصام بكاتدرا بطرس الرومانية ص81، 82 .
(152) الرئاسة البابوية ص109.
(153) مرشد الأرثوذكسي الكاثوليكي ص18.
(154) الرئاسة البابوية ص100-104.-
(155) مرشد الأرثوذكسي الكاثوليكي ص19.
(156) الرئاسة البابوية ص119.
(157) المرجع السابق ص116، 117.
(158) قيام الأرثوذكسية الحقيقة على الاعتصام بكاترا بطرس الرومانية ص88 .
(159) تاريخ الانشقاق ج1 ص115.
(160) الوضع الإلهي في تأسيس الكنيسة ح3 ص18-28.
(161) المرجع السابق ج3 ص 32-35.
(162) المرجع السابق ح3 ص38.
(163) مجموعة الشرع الكنسي ص98-100.
(164) تاريخ الكنيسة القبطية للقس منسي يوحنا ص125.
(165) المرجع السابق ص125.
(166) الوضع الإلهي في تأسيس الكنيسة ح3 ص58-73.
(167) المرجع السابق ح3 ص43-47.
(168) تاريخ الانشقاق ج1 ص 54.
(169) الوضع الإلهي في تأسيس الكنيسة ح3 ص30، 31.
(170) المرجع السابق ح3 ص39-42.
(171) تاريخ الانشقاق ج1 ص151-154.
(172) المرجع السابق ص163 .
(173) المرجع السابق ص168-172.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/catholic/pope-head.html
تقصير الرابط:
tak.la/46whcr7