س472: هل مخطوطات القرآن حوت أخطاء أقل كثيرًا من مخطوطات الكتاب المقدَّس، لأن الناسخ يحفظ النص القرآني، بينما ناسخ نصوص الكتاب المقدَّس لا يحفظها؟ وأيضًا لأن القرآن استخدم لغة واحدة بينما الكتاب المقدَّس استخدم أكثر من لغة؟
يقول الناقد "أحمد سبيع": "النقطة السادسة: سهولة الحفظ: القرآن ميسر للحفظ جدًا... لذلك نجد الكثيرين يحفظونه، ونجد غير العرب يحفظونه لأنه نص سهل الحفظ، لكن الكتاب المقدَّس مستحيل أن يُحفظ، فلا يستطيع أحد أن يحفظ سجلات التواريخ والأنساب والقصص المذكورة في الكتاب المقدَّس. لكن بالنسبة للقرآن نجد أعدادًا لا تُحصى من الحفظة يحفظون كل حرف بكل حركة... حتى حركة الفم يحفظونها جيدًا مثل الأشمام... كيف يحرك فمه في كلمة معينة. كل هذا مأخوذ بالسند المتصل للنبي محمد (صلعم) وهذا غير متحقق بالمرة لأي سفر من أسفار الكتاب المقدَّس... غير متحقق منه الحد الأدنى فحينما يكون النص محفوظ شفهيًا فهذا بالطبع ينعكس على المخطوطة التي تُنسخ بالدقة... في حالة القرآن فالناسخ ينسخ ما يراه، وما يحفظه، وهذا يجعل المخطوطة أكثر دقة، فهو يعتمد على وسيلتين أثناء النسخ: نص محفوظ في عقله ونص مكتوب أمامه في الورق، فإذا أخطأ أحد النسَّاخ وكتب كلمة خطأ لأي سبب ما... فلا يمكن للناسخ التالي أن يقع في نفس الخطأ".
كما يقول "أحمد سبيع" أيضًا: "سابعًا: طريقة الكتابة: مخطوطات الكتاب المقدَّس كُتبت بطرق متعددة في الكتابة، الخط العبري القديم، وهذا الخط ظل فترة طويلة يُستخدم في كتابة المخطوطات. وبعد السبي البابلي استخدموا الخط الأرامي أو ما يُسمى الخط العبري المربع. فالانتقال من نوع خط إلى خط مختلف تمامًا سيكون له انعكاس في المخطوطات وسيؤدي إلى وجود أخطاء كثيرة خاصة أن الخط العبري القديم والخط الأرامي مختلفين تمامًا. لكن في حالة مخطوطات القرآن لم يحدث مثل هذا الانتقال... فقط كانت صور متنوعة لنفس الخط... مع التركيز على أن النص كان مكتوبًا ومحفوظًا في الصدور أيضًا".
ج: 1- لا أحد يستطيع أن يُنكر أن أسلوب الكتاب المقدَّس أكثر سهولة وسلاسة من أسلوب القرآن، وبالتالي فهو أسهل في الحفظ وأكثر انطباعًا في الذاكرة، فيه تجد الشعر والنثر والأسلوب القصصي... إلخ. إذا درست شخصية مثل إبراهيم أو إسحق أو يعقوب أو يوسف أو موسى أو يشوع أو داود أو سليمان أو يونان أو إيليا، فأنك تتمتع بدراستها لأنك تجد القصة كاملة من بدايتها لنهايتها، وليست مبتورة، بينما أي باحث مسلم لا يستطيع أن يعتمد على القرآن في دراسة أي شخصية لأنه يذكر نصوص مبعثرة غير وافية ولا كافية عن كل شخصية، ولذلك كل الدارسين المسلمين في دراستهم لرجال الله القديسين حتمًا ولا بد أن يرجعوا للكتاب المقدَّس.
2- عندما قال الناقد أنه لا يوجد من يحفظ ولو سفر واحد في الكتاب المقدَّس فقد جانبه الصواب لأن كثير من اليهود والمسيحيين يحفظون أجزاءً كثيرة، ولا سيما قبل عصر الطباعة فكثيرون حفظوا أسفارًا بالكامل مثل سفر المزامير أو الأمثال أو الجامعة أو نشيد الأناشيد، وحفظ الأطفال قصص الآباء والأنبياء والرسل القديسين، ولا سيما أن الكتاب المقدَّس تُرجم لغالبية لغات العالم، فلم يعد وقفًا على جنس بعينه ولغة واحدة، فالقرآن يستحيل ترجمته لأنه لو تُرجم سيفقد معناه ومبناه، ولذلك لم يسمحوا بترجمته، فهل يتصوَّر الناقد أن الناسخ السرياني أو اليوناني أو القبطي أو الإنجليزي أو الفرنسي أو الحبشي أو الهندي... أكثر استيعابًا للقرآن المكتوب بلغة يجهلها، من استيعابه للكتاب المقدَّس المكتوب بلغته؟!! وهل الناقد يقيس كفاءة النسّاخ على مستوى المنطقة العربية فقط أم على مستوى العالم كله؟!!. على مستوى لغة واحدة وهيَ اللغة العربية أم على مستوى مئات وآلاف لغات ولهجات العالم؟!!.. لماذا يتجاهل الناقد ترجمة الكتاب المقدَّس لنحو ألفي لغة ولهجة في العالم كله حتى غطى مساحة 84% من الكرة الأرضية ولم يفقد رونقه؟!!.. ولماذا يتجاهل شهادة القرآن: "الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ" (البقرة 2: 146) وقال أبو جعفر الطبري: "الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَه0 أحبار اليهود وعلماء النصارى". فإن كان لا يوجد إنسان سوي لا يعرف أولاده، فلا يوجد إنسان يهودي أو مسيحي متدين لا يعرف كتابه كما يعرف أولاده... أيهما نصدق: القرآن أم الناقد؟!! والأمر العجيب أن الناقد يقول: "ونجد غير العرب يحفظونه لأنه نص سهل الحفظ".. ألا يدري الناقد أن اللغة العربية من اللغات التي يصعب دراستها بنحوها وصرفها؟!!. أم أن الأجنبي سيحفظ نصوصًا لا يفهم معناها فيكون كالببغاء؟!.
وإن كانت هناك أمور في القرآن لا يدركها الذي يجيد العربية مثل الحروف المبهمة، فكيف يدرك معناها الأجنبي؟!.. وقد وردت هذه الحروف المبهمة في (29) سورة، فوردت (الر) في خمسة سور (سورة يونس 10، سورة هود 11، سورة يوسف 12، سورة إبراهيم 14، سورة الحجر 15) و (الم) وردت في ست سور (سورة البقرة 2، آل عمران 3، العنكبوت 29، الروم 30، لقمان 31، والسجدة 32) و (المر) في الرعد 13، و (المص) في الأعراف 7، و (حم) في ست سورة غافر 40، وفصلت 41، والزخرف 43، والدخان 44، والجاثية 45، والأحقاب 46، و (هم عسق) في الشورى 42، و (ص) في سورة ص 38، و (طسم) في سورتي الشعراء 26، والقصص 28 و (طس) في سورة النمل 27، و (طه) في سورة طه 20، و (ق) في سورة ق 50، و (كهيعص) في سورة رقم 19، و (ن) في سورة القلم 68، و (يس) في سورة يس 46 (راجع تاريخ القرآن ط 2 ص 299).
← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف.
3- يصعب الاعتماد على الذاكرى في حفظ القرآن كله، ومن الوارد أن الإنسان الذي حفظ القرآن كله ينسى بعض منه، وإن كان هذا النسيان حدث مع الرسول كما رأينا (راجع س470) فما بالك بالناسخ!!
ويقول "ثيودور نولدكة": "من المشكوك به أن يكون محمد قد أمر منذ البدء بتدوين كل ما أُنزل إليه من الكتاب... إذًا من المحتمل أن يكون في السنوات الأولى من رسالته، حيث لم يكن له بعد أتباع، قد نسى بعضًا مما أنزل عليه، قبل أن يطلع عليه أحد" (61).
كما يقول "ثيودور نولدكة": "القصة التالية التي يرويها معظم المفسرين (مثل الزمخشري، والبخاري، والبغوي، والزمخشري في تفسير لسورة المؤمنون 23: 14) تعليقًا على سورة الأنعام 6: 93 حين أملى محمد مطلع سورة المؤمنون 23 على عبد الله بن أبي سرح الذي كان يستخدمه أحيانًا ككاتب للوحي. أُصيب هذا بالاندهاش من وصف قدرة الخالق فصاح "تبارك الله أحسن الخالقين". فأمره النبي أن يكتبها لأنها هكذا نزلت" (62).
وأيضًا يقول "ثيودور نولدكة": "بعض القطع تلاها محمد على أناس مختلفين بصيغ مختلفة، إما لأنه أراد أن يحسنها، أو - وهذا أكثر حدوثًا - لأن ذاكرته عجزت عن حفظها من دون تعديل. وثمة ما يُروى حول هذا الموضوع، أشهره أن عمر وهشام بن الحكم اختلفا على سورة الفرقان (25) فاحتكما إلى النبي الذي حكم بصواب القراءتين بحسب التنزيل، معلنًا أن القرآن نزل "على سبعة حروف" كل منها حسن (البخاري كتاب بدء الخلق باب 5، 10 ب). ويُذكَر أن أُبي بن كعب سمع مرة أحدهم يقرأ القرآن في المسجد بطريقة كان هو يجهلها، فرفضها، لكن شخصًا آخر قرأ كالذي قبله وحينئذ ذهب أُبي إلى النبي الذي أقرَّ هذه القراءة. فأصاب أُبيا الذعر وخاف أن يُنعت بالكذب... هذا الاختلاف التام قد يسبب للكتَّاب المسلمين مشقة بالغة، وقد بذلوا جهدًا كبيرًا خاصة من أجل إيضاح معنى الكلمات القائلة: "أن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف".." (63).
فما بالك بالنسّاخ؟!!.. وليس شرطًا أن جميع النسّاخ كانوا يحفظون القرآن كله عن ظهر قلب، وما المانع أن يكون بعض النسّاخ الذين نسخوا القرآن كانوا من غير المسلمين بحكم عملهم وخبرتهم؟!، فقد ظهر التأثير المسيحي على مخطوطات القرآن، فيقول "محمد المسّيح": "أما في مصحف طوب قابي، فدوائر التعشير مزخرفة على شكل نبات أو صليب... في مصحف القاهرة، تغلب على نقط التعشير علامة الصليب... وبزخارف مختلفة... وكذلك الأمر في مصحف سمرقند، تبدو علامات التعشير على شكل الصليب... وبصفة عامة ففي مخطوطات الخط الحجازي، توجد على شكل دوائر... وأما في مخطوطات الخط الكوفي، فتغلب عليها زخارف على شكل صليب، الأمر الذي يُظهِر التأثير المسيحي في الزخرفة بالخط الكوفي" (64).
ولو كان الحفظ يمنع الأخطاء فليفسر لنا الناقد سبب الاختلافات الحادة في إحصاءات حروف القرآن وكلماته وآياته وسوره (راجع 471 أرقام 7 - 10).. وكيف يعتمد الناقد على حفظ النسّاخ للنص مع أن هناك قراءات مختلفة للقرآن بدأت بسبعة وانتهت إلى خمسين قراءة (راجع س471 رقم 6). ويقول "ثيودور نولدكة": "كانت المصاحف تُكتب بالحروف الساكنة التي تحتمل معاني عديدة، ولم يكن بها حروف مد ولا عناوين ولا تقسيم للآيات، مما سبب صعوبات في الاستعمال تمت إزالتها تدريجيًا بإدخال علامات القراءة وتقسيم الآيات" (65).
4- كُتبت أسفار العهد القديم قبل سبي بابل باللغة العبرية، وبعد السبي كُتبت باللغة الأرامية، وتُرجم العهد القديم في القرن الثالث قبل الميلاد إلى اللغة اليونانية على يد سبعين شيخًا من علماء اليهود بتكليف من بطليموس الثاني، وأخذت الكنيسة هذه الترجمة السبعينية وأكملت عليها جميع أسفار العهد الجديد. ومن التدبير الإلهي أن كل من حروف اللغة العبرية واللغة اليونانية كانت مكتملة، وكل منهما وصلت لمرحلة النضج الكامل، بينما حروف اللغة العربية التي كُتب بها القرآن كانت فقط (15) حرفًا لا تشكيل لها ولا تنقيط. فالنبرة يمكن أن تكون باء أو تاء أو ثاء أو نون أو ياء (راجع س479)، وكان هناك الخط الكوفي والخط الحجازي ولم تكن اللغة العربية وصلت إلى هذا النضوج، إنما كانت في مرحلة التطور... وبناءً على هذا ليحكم القارئ أي المخطوطات أدق من الأخرى، مخطوطات الكتاب المقدَّس أم مخطوطات القرآن؟!!
فاللغة العربية الحالية Modern Arabic مشتقة من اللغة العربية المبكرة Early Arabic وهذه مشتقة من اللغة النبطية Nabataean المشتقة من اللغة الأرامية، واللغة الأرامية المبكرة Early Aramaic، المأخوذة من الفينيقية المبكرة Phoenician سبقت اللغة الأرامية المتأخرة Later Aramaic.
(جزء من خريطة تطوُّر اللغات - الفيديو السادس من موقع هوليبايبل - كارثة مخطوطات القرآن).
5- تميَّز الكتاب المقدَّس بالانتشار الواسع جدًا، فلم يبلغ أي كتاب في العالم كله منذ بدء الخليقة للأن شهرة وانتشار الكتاب المقدَّس بترجماته القديمة مثل الترجمة السريانية البشيطا، واللاتينية القديمة، والقبطية والأثيوبية، أو الترجمات الحديثة التي تعدت ألفي لغة ولهجة طُبع منه ملايين النسخ (ويكيبيديا الموسوعة الحرة). وكثير من الأسفار المقدَّسة أستخدم في الليوتورجيات في الكنيسة. فصلوات الأجبية من سفر المزامير، والقطمارس (القراءات اليومية) من الأسفار المقدَّسة، وفي جمعة ختام الصوم تقرأ الكنيسة سفر طوبيا، وفي أسبوع الآلام كانت الكنيسة تقرأ تقريبًا العهد القديم كله، وفي ليلة أبو غلمسيس يقرأ سفر الرؤيا... إلخ. والكتاب المقدَّس هو أكثر كتاب على مستوى العالم تم الاقتباس منه، حتى قيل أنه لو فُقد الكتاب المقدَّس بالكامل فيمكن جمعه من اقتباسات الآباء، فاقتباسات سبعة من الآباء قبل مجمع نيقية (يوستين، وأيرينيؤس، وأكليمنضس السكندري، وأوريجانوس، وترتليان، وهيبوليتس، ويوسابيوس) بلغت (36289) اقتباس (راجع مدارس النقد - عهد جديد - مقدمة (1) س65) أما بعد مجمع نيقية إلى نحو القرن الخامس سنة 440م فبلغت الاقتباسات 200 ألف اقتباس، فمثلًا البابا أثناسيوس الرسولي له (38000) اقتباس، وهذه الاقتباسات قد تشمل جزء من آية، أو آية، أو عدة آيات، ونجد الاقتباسات في أربعة لغات سواء الذين كتبوا باليونانية، أو اللاتينية، أو السريانية، أو القبطية. بل أن الهراطقة أستخدموا نفس نصوص الكتاب المقدَّس، ولم يحدث مرة أن القديس أثناسيوس قال لأريوس أنك تستخدم نصوصًا خاطئة، فالنصوص في أيدي المؤمنين أو الهراطقة صحيحة، ولكن الاختلاف في التفسير (راجع مدارس النقد - عهد جديد - مقدمة (1) س66).
6- يتميَّز الكتاب المقدَّس بغزارة مخطوطاته، فلدينا أكثر من 25 ألف مخطوطة للعهد الجديد، ومخطوطات كثيرة للعهد القديم، مقابل عدد ضئيل جدًا من مخطوطات القرآن، حتى أن النسبة من هذه وتلك 1250: 1 (راجع العدد السابع لكارثة مخطوطات القرآن - هوليبايبل). كما يتميَّز الكتاب المقدَّس بأنه أول كتاب طُبع في العالم كله نحو سنة 1450م بعد اختراع آلة الطباعة على يد الألماني "يوهان جوتنبرج" باللغة اللاتينية - ترجمة الفولجاتا، وفي سنة 1516م طبع أيرازموس العهد الجديد باللغة اليونانية، وما زالت بين أيدينا بعض نسخ من هذه وتلك، بل بين أيدينا النسخة اليدوية التي طبع منها أيرازموس، وأيضًا النسخ اليدوية للطبعات الهامة مثل طبعة كينج جيمس الإنجليزية، وفاندايك العربية، وهذا بالطبع أمر غير مُتاح بالنسبة لطباعة القرآن، حيث لا توجد النسخة اليدوية التي تم طباعتها.
_____
(61) تاريخ القرآن ط (2) ص 42.
(62) المرجع السابق 43، 44.
(63) المرجع السابق ص 44، 45.
(64) مخطوطات القرآن - مدخل لدراسة المخطوطات القديمة ص 79.
(65) تاريخ القرآن ط (2) ص 684.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/472.html
تقصير الرابط:
tak.la/pgz643n