س128: كيف أخذت اللغة القبطية حروفها من اللغتين اليونانية والمصرية القديمة؟ ومن الذي قام بهذا العمل؟ ومتى تمت ترجمة أسفار العهد الجديد إلى اللهجات المختلفة للغة القبطية؟
ج:1ـــ تعتبر اللغة القبطية التطوير الأخير للغة المصرية القديمة، ففي نحو 3000 ق. م عُرفت اللغة الهيروغليفية في مصر في الأسرة الفرعونية الأولى، وكانت تُكتَب على شكل صور، فيُكنىَ عن كل حـرف بصورة، فمثلًا في العربية حرف "الباء" يُكنىَ عنه برسم بطة، وحرف "الواو" يُكْنَى عنه برمز الأوزة... إلخ.، فكل كلمة تمثل مجموعة صور بعدد حروفها. ثم بعد هذا تم اختزال الصور فمثلًا يُكتفى برأس البطة عوضًا عن رسم البطة بالكامل، وأمكن إيصال الحروف معًا، وهذه المرحلة دُعيت "باللغة الهيراطيقية"، ثم مع الوقت تطوَّرت واختزلت بصورة أكبر فدُعيت "بالديموطيقية"، ومرَّ وقت كانت تستخدم الصور الثلاث من اللغة، فاستخدمت الهيروغليفية في الكتابات المقدَّسة. وكتب الكهنة بالهيراطيقية، بينما كان الشعب يكتب بالديموطيقية، وفي سنة 181م قام "بانتينوس" مدير مدرسة الإسكندرية اللاهوتية باستخدام 25 حرفًا من اليونانية، وأضاف إليها سبعة حروف من الديموطيقية ليس لها أصوات مشابهة في اليونانية، وبذلك صار للغة القبطية حروفها، وظلت هذه اللغة تُسْتَخْدَم في أرض مصر على مدى قرون طويلة، ثم قل استخدامها تدريجيًا بسبب انتشار اللغة العربية، لغة الحكام ولغة التعامل اليومي، حتى اختفت في القرن السابع عشر، وصار استخدامها قاصرًا على النطاق الكنسي في الصلوات الليتورجية بألحانها الرائعة. أما اللغة المصرية القديمة فقد اندثرت تمامًا، وصارت لغة مجهولة حتى سنة 1822 م.، حيث تم العثور على حجر رشيد الذي يرجع تاريخه إلى 196 ق. م، فاستطاع العالِم الفرنسي "شامبليون" فك رموزها، فأمكن قراءة الحضارة الفرعونية والاطلاع على أسرارها.
2ــ استخدمت اللغة القبطية في مصر، وظهر منها عدة لهجات، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وترجمت لهذه اللهجات أسفار العهد الجديد، ووجدت مخطوطات قبطية بلهجاتها المختلفة، حملت جميعها الرمز Cop (اختصار لكلمة Coptic) وأعلاه إشارة للهجة، فمثلًا Copsa إشارة للهجة الصعيدية، وCopbo إشارة للهجة البحيرية... وهكذا، ولأن أهل الإسكندرية والوجه البحري، الذين يتكلمون القبطية باللهجة البحيرية، كانوا يجيدون اليونانية لذلك لم يشعروا بالاحتياج لترجمة العهد الجديد للغة القبطية، بينما شعر بهذا الاحتياج أهل الصعيد بسبب تمسُّكهم باللغة القبطية الوطنية، وضعف معرفتهم باللغة اليونانية، ولذلك بدأوا بترجمة الأسفار المقدَّسة للقبطية أولًا، ومع مـرور الوقت تُرجم العهد الجديد للهجات القبطية الأربع:
أ -
ترجمة للهجة الصعيدية
ب ـ ترجمة للهجة البحيرية
جـ - ترجمة للهجة الفيومية
د - ترجمة للهجة الأخميمية
استغرقت نحو قرن كامل حتى اكتمل العهد الجديد، ومخطوطاتها ترجع إلى القرنين الثالث والرابع الميلادي، وأقدم مخطوطة على ورق البردي ترجع إلى نحو سنة 300م، محفوظة في المتحف البريطاني، كما توجد من هذه اللهجة مخطوطات عديدة تحوي أناجيل متى ومرقس ويوحنا كاملة، أما إنجيل لوقا فقد فُقد معظمه، كما توجد مخطوطات منها تحتوي رسائل بولس الرسول، ورسالتي بطرس وثلاث رسائل يوحنا، وقصاصات بسيطة من غير ذلك.
ويقول "فيكتور والتر": "إن أقدم الترجمات كانت الصعيدية في مصر العليا، حيث كانت اليونانية أقل فهمًا، يُحتمل أن يكون قد انتهى العمل في العهدين القديم والجديد في الصعيدي حوالي عام 200 ميلادية. كانت اللغة اليونانية أكثر هيمنة في الدلتا مما أخَّر ترجمة الكتاب المقدَّس إلى اللهجة البحيرية التي اكتملت في وقت لاحق. بما أن البحيرية كانت لغة الدلتا، فهيَ كانت أيضًا لغة البطريرك القبطي في الإسكندرية. عندما انتقل البطريرك من الإسكندرية إلى القاهرة في القرن الحادي عشر تقدّمت النصوص البحيرية. وبشكل تدريجي أصبحت البحيرية اللغة الدينية الرئيسية في الكنيسة القبطية"(909).
وخلال الفترة (1911 - 1924م) نشر "جورج هورز" العهد الجديد باللهجة الصعيدية في سبعة مجلدات، وفي سنة 1969م أعاد طباعتها بعد الاستعانة بمخطوطات أخرى كانت قد توفرت لديه.
وجاءت بعد الترجمة للهجة الصعيدية، وهيَ من أفضل الترجمات المصرية، وتعتبر الترجمة الرسمية للكنيسة القبطية، وترجع إلى القرن الثالث ويوجد منها نحو 100 مخطوطة، يرجع أقدمها إلى سنة 1174 م. وهيَ مخطوطة كاملة، ولكن تم اكتشاف مخطوطة بودمر الخاصة بإنجيل يوحنـا على ورق البردي باللهجة البحيرية، واتضح أنها ترجع للقرن الرابع الميلادي.
وُجِدت منها مخطوطة على ورق البردي يرجع تاريخها إلى القرن الرابع الميلادي، تحتوي على جزء كبير من إنجيل يوحنا، من (يو 6 : 11) إلى (يو 15 : 11)، وهيَ أقرب للهجة الصعيدية عنها للبحيرية، وتمثل لهجة مصر الوسطى.
واستخدمت هذه اللهجة في منطقة أخميم وامتدت إلى طيبة (الأقصر)، ووُجِدت منها مخطوطة تحتوي على إنجيل يوحنا ترجع للقرن الرابع، وتتفق تمامًا مع الترجمة الصعيدية.
وقد بدأت الترجمات القبطية في عصر مبكر، والدليل على هذا أن الأنبا أنطونيوس الذي لا يعرف اليونانية كان يعرف الأسفار المقدَّسة جيدًا، وجاء في كتاب "فكرة عامة عن الكتاب المقدَّس" إصدار دير القديس أنبا مقار ص 114، 115 : "ولم ينته القرن الثالث الميلادي حتى كانت المسيحية قد انتشرت في كل أنحاء مصر، وصار لكل مدينة أسقفها، وأضحت الرهبنة التي أسَّسها القديس أنطونيوس الكبير غرسًا ناميًا يبسط أطرافه في أرجاء البلاد. ومما لا شك فيه أن عامة الشعب لم يكونوا عارفين باليونانية، لذلك فمن المتوقع أن تكون أسفار الكتاب المقدَّس قد تُرجمت إلى لغتهم وهيَ القبطية، ويبرهن على ذلك بعض المخطوطات اليونانية القديمة التي وُجدت مشتملة على ترجمة قبطية للنص مقابلها. وهكذا يمكن أن نستنتج أن أول ترجمة قبطية للكتاب المقدَّس كانت في القرن الثاني الميلادي.
ومن قصة حياة أنبا أنطونيوس (251 - 356م) نفهم أنه كان لا يعرف سوى القبطية لغة بلاده... كما يشهد البابا أثناسيوس الرسولي عن القديس أنطونيوس أنه كان عارفًا بالكتب المقدَّسة، مما يدلنا على أن الكتب المقدَّسة كانت مترجمة في أيامه إلى اللغة القبطية. وجدير بالملاحظة أيضًا أنه في الكتابات التي وصلت إلينا منسوبة للقديس أنطونيوس نلاحظ وجود كثير من الاقتباسات من العهدين.
ويحمل التاريخ أدلة كثيرة على أن عددًا كبيرًا من الأساقفة ورهبان ذلك العصر كانوا يحفظون الكتب المقدَّسة مع جهلهم باليونانية. وكانت اللغة الدارجة في أديرة مصر هيَ القبطية. ولم يتعلّم القديس باخوميوس (292 - 348) اليونانية إلاَّ في سن متأخرة، وفي قوانينه الديرية كان يحتم على الراهب دراسة الكتب المقدَّس. ومن أهم هذه الاعتبارات وغيرها نستطيع أن نحدد تاريخ الترجمة القبطية للكتاب المقدَّس في أواخر القرن الثاني الميلادي".
وعُرفت الترجمة القبطية بالدقة لقربها من عصر الرسل، كما أنها حوت بعض الكلمات اليونانية ذات المعاني العميقة. كما تُرجمت أسفار العهد القديم من النسخة السبعينية اليونانية للغة القبطية، واُشتهرت مدرسة الإسكندرية بشغفها بالأسفار المقدَّسة سواء للعهد الجديد أو للعهد القديم.
_____
(909) أورده ف. ف. بروس - قصة الكتاب المقدَّس ص 227، 228.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/128.html
تقصير الرابط:
tak.la/crgqt54