ج: بالإضافة للشعوب السبعة العظيمة التي وعد الله شعبه بأن يرث أراضيها، كانت هناك شعوب أخرى التقت ببني إسرائيل بعد خروجهم من أرض مصر، وبعض هذه الشعوب استمرت في صراع طويل مع شعب الله، وفيما يلي نُلقي الضوء قليلًا قليلًا على تسعة من هذه الشعوب التي إلتقت ببني إسرائيل سواء أيام موسى أو أيام يشوع بن نون:
1- العماليق: وهم نسل عماليق بن اليفاز بن عيسو بن إسحق " وكانت تمناع سرية اليفاز بن عيسو فولدت لاليفاز عماليق" (تك 46: 12) ولذلك يعتبر شعب عماليق بنو عمومة لشعب إسرائيل بن يعقوب بن إسحق، وكان هذا الشعب عبارة عن قبائل رُحَّل يتنقلون في شبه جزيرة سيناء وحتى بادية فلسطين (1 صم 15: 7، 27: 8) وعندما خرج بنو إسرائيل من مصر تعرضوا لهجوم شرس من العماليق، وهم خارجون لتوهم من العبودية، فكلف موسى النبي الشاب الشجاع يشوع بن نون ليصد الهجوم العماليقي، بينما وقف هو يُصلي على التلة، وبصلاة موسى وحرب يشوع انهزم عماليق في رفيديم، ورغم هذه الهزيمة التي لحقت بعماليق فأنهم ظلوا يضايقون بني إسرائيل متحدين مع شعوب أخرى مثل الموآبيين والمديانيين، حتى حاربهم شاول الملك وقتل صموئيل النبي ملكهم (1 صم 15: 32) ثم طاردهم داود أيضًا (2صم 1: 1).
2- الأدوميون: هم من نسل عيسو الذي دُعي أدوم (تك 36: 1) وقد عاشوا في الجنوب الشرقي من أرض فلسطين بين برية سيناء وأرض كنعان حيث مرتفعات سعير، ووادي عربة، ومنطقة البترا، ويصعب الفصل بينهم وبين العمالقة فكليهما من نسل عيسو، وكان للأدوميين ملوك يحكمونهم، ولم يسمحوا لموسى بالعبور مع شعبه من أراضيهم، بل خرجوا عليهم بشعب غفير فتحول إسرائيل عنهم (عد 20: 14-21).
وشن داود حربًا عليهم حتى أن " يوآب وكل إسرائيل أقاموا هناك ستة أشهر حتى أفنوا كل ذكر في أدوم" (1 مل 11: 16) فهرب هدد الأدومي من وجه داود وفرَّ إلى مصر، ثم عاد منها بعد موت داود وصار خصمًا لسليمان الملك (1 مل 11: 14 - 22)، وتآمر الأدوميون مع العمونيين والموآبيين ضد يهوشافاط ملك يهوذا إلاَّ أن الرب جعلهم يفنون بعضهم البعض (2 أي 20: 1، 22، 23) وعمل الأدوميون في مناجم النحاس واغتنوا من هذا العمل، وأقاموا مملكة موحَّدة في القرن العاشر قبل الميلاد، وظلوا في البلاد حتى وقت سبي مملكة يهوذا، فعندما غزا نبوخذ نصر أورشليم شمت الأدوميون بالعبرانيين.
وتقول " الأخت الإكليريكية وفاء فريد زخاري " الكلية الإكليريكية بدمنهور: "جاء ذكر الأدوميين في السجلات المصرية القديمة في عصر الأسرة الثانية عشر التي حكمت من سنة 2000 - 1788 ق.م، وقد طرد عيسو ونسله الحوريين من أرض أدوم وسكنوا في موضعهم (تث 2: 12) وكان حكام أدوم يدعون أمراء (تك 36: 15 - 19) ثم دُعوا فيما بعد وقبل قيام مملكة إسرائيل بالملوك (تك 36: 31 - 39) وكان الأدومي يعتبر أخًا للعبراني، فحتى الجيل الثالث الأدومي من الذين عاشوا في إسرائيل كانوا يُعدون عبرانيون (تث 23: 7، 8) وتنبأ بلعام بن بعور بغزو إسرائيل لأدوم (عد 24: 18) وعاون الأدوميون بني إسرائيل في حربهم ضد ميشع ملك موآب (2 مل 3: 4 - 27) أما أمصيا فقد طوح بعشرة آلاف منهم من فوق قمة الصخرة في وادي الملح وأخذ عاصمتهم سالع (2 مل 14: 7) وفي حكم أحاز غزا الأدوميون سبط يهوذا وأسروا منه البعض، وعندما أخرب نبوخذ نصر ملك بابل أورشليم فرح الأدوميون وابتهجوا بهذا الخراب (مز 137: 7) أما الأنبياء قد تنبأوا بالكوارث التي ستحل بأدوم بسبب عداءهم لإسرائيل، وأيضًا تبنأوا عن دخول الأدوميين لملكوت الله (أر 49: 7 - 22، مراثي 4: 21، 22، حز 25: 12 - 14، يؤ 3: 19) وعندما سبى نبوخذ نصر مملكة يهوذا إلى بابل استولى الأدوميون على الأرض وحتى مدينة حبرون، وفي القرن الخامس قبل الميلاد طرد الأنباط الأدوميين من جبل سعير، وفي القرن الثاني قبل الميلاد أسترد يهوذا المكابي مدينة حبرون وغيرها من المدن التي أغتصبها من قبل الأدوميون، وأرغم يوحنا هركانوس الأدوميين على التهود والاختتان، وكان هيرودس الكبير الملك ونسله من الأدوميين"(1).
3- المديانيون: نسبة إلى مديان بن إبراهيم من زوجته قطورة (تك 25: 1) وامتدت أرضهم من خليج العقبة إلى موآب وطور سيناء، واشتغلوا بالتجارة مع مصر ولبنان وأرض كنعان.
4- العمونيون: من نسل بين عمّى ابن لوط من إبنته الصغرى (تك 19: 38)، وقد طردوا الرفائيين (الزمزميّين) وسكنوا أرضهم (تث 2: 20، 21) ومن أشهر مدنهم " ربة عمون " في أواسط المملكة الأردنية الحالية، وعند خروج بني إسرائيل من أرض مصر، منعهم الله من الإستيلاء على أرض العمونيين المقيمين في شرقي نهر الأردن، ومن جانب آخر منع الرب دخول أحد منهم إلى جماعة الرب إلى الجيل العاشر (تث 23: 3).
وفي أيام القضاة ضايق العموميون بني إسرائيل، فانتصر عليهم يفتاح الجلعادي (قض 11: 4 - 33)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وفي أيام شاول استولى " ناحاش العموني " ملكهم على مدينة يابيش جلعاد، وأراد أن يقوّر العين اليمنى لسكانها من بني إسرائيل لكي يقطع معهم عهدًا ويستعبدهم، فخلصهم شاول وأنتصر على ناحاش (1 صم 19: 1 - 13) وعندما مات " ناحاش " ملك عمون وكان صديقًا لداود، أرسل داود رسلًا ليعزو ابنه حانون فظن أنهم جاءوا لتجسس الأرض، فقص لحاحهم وثيابهم وأساء معاملتهم، فاشتعلت الحرب بين بني عمون وبين داود، وأستأجر العمونيون المقاتلين الأراميين، وأنتصر داود على هؤلاء وأولئك بقيادة يوآب وأخيه أبشاي (1 أي 19: 1 - 19) وبعد مرور عام أخرب يوآب أرض بني عمون واستولى على ربة، وأخذ تاج ملكهم لداود ملك إسرائيل (1 أي 20: 1 - 3).
وتآمر العمونيون مع الموآبيين والأدوميين ضد بني إسرائيل، فصرخ يهوشافاط ملك يهوذا للرب إلهه، فصاروا يقاتلون بعضهم البعض حتى فنوا، ونهب نبو إسرائيل أموالهم وأمتعتهم دون أن يشتبكوا معهم في أي قتال، وفرح إسرائيل " وكانت هيبة الله مع كل ممالك الأراضي حين سمعوا أن الرب حارب أعداء إسرائيل" (2 أي 20: 29) وقد تنبأ الأنبياء عن العمونيين بالدمار بسبب شدة عدائهم لإسرائيل وحقدهم على شعب الله، وفي أيام نحميا جاء منهم " طوبيا " العبد العموني الذي أحاق المؤامرات ضد نحميا حتى لا يبني أسوار أورشليم (نح 2: 19) وعبد العمونيون "الإله ملكوم" وقدموا له أبنائهم ذبائح بشرية...
5- الموآبيون: أبناء موآب ابن لوط من ابنته الكبرى (تك 19: 37) وطرد الموآبيون الرفائيين (الأيميّين) وسكنوا في أرضهم شرق البحر الميت بجوار العمونيين ومن أراضيهم " عربات موآب " وهي وادي الأردن بين مصب نهر يبوق والبحر الميت مقابل أريحا، واشتهرت أراضيهم في شرق الأردن برعي الخراف والماعز، ومثل الموآبيون مملكة منظمة، وعند خروج بني إسرائيل من مصر أوصى الله موسى أن لا يعاديهم ولا يثر عليهم حربًا (تث 2: 9 - 12).
وقد استدعى " بالاق " ملكهم " بلعام بن بعور " ليلعن شعب إسرائيل وأغراه بالعطايا، ولكن بلعام لم يقدر أن يخالف أمر الله، ولم يجرؤ على لعن الشعب، بل باركه وتنبأ عن خراب موآب (عد 24: 17) ورغبة منه في الحصول على عطايا ملك موآب أشار عليه بأن يدفع ببنات موآب لبني إسرائيل فيزنون معهم، حينئذ يغضب إلههم عليهم، وفعلًا هذا ما حدث، وقُتل بسبب هذه الحادثة أربعة وعشرين ألفًا من بني إسرائيل.
وفي أيام القضاة أستعبد الموآبيون بني إسرائيل 18 سنة حتى صرخوا لله، فخلصهم "أهود بن جيرا" الذي ذهب إلى عجلون ملكهم وقتله بالمكر والخداع، وانتهى الأمر بأن قتل الإسرائيليون عشرة آلاف رجل من موآب واستراحت الأرض ثمانين عامًا (قض 3: 12 - 31) ومن أهل موآب خرجت المرأة الفاضلة " راعوث " الموآبية رمز الفضيلة والوفاء والأمانة والإيمان بإله إسرائيل، فاستحقت أن تكون جدة لداود النبي.
وبعد انقسام مملكة إسرائيل، أنتصر عمري ملك إسرائيل على موآب وكذلك ابنه أخاب، فكان ملك موآب يؤدي جزية قدرها عشرة آلاف خروف وعشرة آلاف كبش لملك إسرائيل (2 مل 3: 4) وبعد موت أخاب عصى موآب على إسرائيل، فخرج يهورام ملك إسرائيل وتحالف معه يهوشافاط ملك يهوذا وحاربوا موآب، فهزموا شعب موآب وهدموا مدنهم وطمروا حقولهم بالأحجار، وحاصروا ملكهم، فأصعد ابنه البكر محرقة على السور للإله كموش، فانصرف إسرائيل ورجعوا عنه (2 مل 3: 4 - 27) وتنبأ " حزقيال" و"صفنيا " النبيان على موآب بالخراب مثلهم مثل بني أدوم وبني عمون لشماتتهم في إسرائيل (خر 25: 8 - 11، صف 2: 8 -10).
وفي عام 1828م عثر "كلاين" F.A. Klein على حجر أسود يبلغ طوله مترًا وعرضه ستون سنتيمترًا، في "ديبون" (عد 32: 3) شرقي البحر الميت بنحو 13 ميلًا، وهو الآن محفوظ في متحف اللوفر بفرنسا، وجاء على لسان ميشع ملك موآب " أنا ميشاع بن كموش (الملك ينسب نفسه للإله الذي يعبده) ملك موآب... ملك أبي في موآب 30 سنة... وأقمت هذا النصب لكاموش في (كوركا).. أن عَمرْي كان ملك إسرائيل، وضايق موآب أيامًا طوالًا، لأن كاموش كان ساخطًا على أرضه، وخلفه ابنه آخاب فقال: أنا أيضًا أقهر موآب في أيامي، وأتسلط عليه وأذله هو وبيته... " ثم بدأ يحكي قصة بطولاته وانتصاراته الزائفة على بني إسرائيل، وطرحه لمذبح دودو (داود) وآنية الهيكل أمام كاموش... إلخ.(2).
6- العناقيون: هم ذرية عناق، وكان عناق يسكن مع أولاده في قرية دُعيت بقرية أربع نسبة إليه لأن كان له أربعة أصابع في كل من اليدين والقدمين، ثم دُعيت هذه القرية فيما بعد باسم حبرون (يش 15: 13). ويتميز العناقيون بضخامة الجسم وطول القامة وشدة البأس في الحروب، وعندما عاد الجواسيس الذين أرسلهم موسى لتجسس أرض كنعان قالوا له " وقد رأينا هناك الجبابرة بني عناق من الجبابرة. فكنا في أعيننا كالجراد وهكذا كنا في أعينهم" (عد 13: 33). وبالرغم من شدة قوتهم فإن يشوع أنتصر عليهم وقضى عليهم في منطقة حبرون " فلم يتبقَ عناقيون في أرض بني إسرائيل لكن بقوا في غزة وجت وأشدود" (يش 11: 22) وقد يكون جليات الجبار واحد منهم.
7- الفلسطينيون: هم نسل فلشتيم من نسل مصرايم بن حام بن نوح (تك 10: 13، 14) وقد سكنوا من قبل في جزيرة كفتور (كريت) ولذلك دعاهم الكتاب بالكفتوريين، وقد خرجوا من جزيرة كريت (كفتور) وسكنوا ساحل البحر الأبيض بين غزة ويافا ثم امتدوا إلى الهضاب الداخلية ومن أهم مدنهم غزة وأشقلون وأشدود وعقرون وجت، وقد شكَّلوا إتحادًا يُسمى بالأغريقية " بنتا رخيا " أي الخماسي، فهم كريتيون (كفتوريون) كقول الكتاب " والعويُّون الساكنون في القرى إلى غزة أبادهم الكفتوريون الذين خرجوا من كفتور وسكنوا مكانهم" (تث 2: 23).. " ألم أُصعد إسرائيل من أرض مصر والفلسطينيين من كفتور" (عا 9: 7) وعبد الفلسطينيون "داجون" وكان هيكله في أشدود، و"عشتاروت" ومقر عبادتها عسقلان. وقد سكن بعضهم حول جرار وبئر سبع في أيام إبراهيم " وتغرب إبراهيم في أرض الفلسطينيين أيامًا كثيرة" (تك 21: 34) وقد "ذهب إسحق إلى أبيمالك ملك الفلسطينيين إلى جرار" (تك 26: 1) وعندما أطلق الله شعبه من عبودية فرعون "أن الله لم يهدهم في طريق أرض الفلسطينيين مع أنها قريبة. لأن الله قال لئلا يندم الشعب إذ رأوا حربًا ويرجعوا إلى مصر" (خر 13: 17) ولا يعد الفلسطينيون من الشعوب السامية، ولم يمارسوا عملية الختان ولذلك دعتهم التوراة بالغلف.
وقد يتساءل البعض: أين عاش الفلسطينيون قبل أن يسكنوا في كريت؟
يقول " المطران يوسف الدبس " أن الآثار كشفت لنا عن " أن الفلسطينيين لم يكونوا من قبائل سوريا بل من ذرية البلاسج السكان القدماء في بلاد اليونان، وفي اسمهم نفسه الحروف الأصلية في كلمة بلاسج أو فلاسج، لأن إبدال الباء بالفاء كثير في مثل هذه الأسماء. وإنما بُدّلت الجيم الأخيرة بالتاء أو الطاء تخفيفًا، وقد جاء في كثير من آيات الكتاب وأقوال المؤلفين أن منشأهم جزيرة كريت، إذ هي أول مرحلة معروفة لهم، فقد ورد في سفر صموئيل الأول (1 صم 30: 14) {وقد غزونا على جنوبي الكريتيين وعلى ما ليهوذا وعلى جنوبي كالب} ولا مراء في أن المراد بالكريتيين هنا الفلسطينيون، وجاء في نبوءة حزقيال (حز 25: 16) {هانذا أمدُّ يدي على الفلسطينيين وأستأصل الكريتيين وأهلك بقية ساحل البحر} وفي نبوءة صفنيا (صف 2: 5) {ويل لسكان ساحل البحر أمة الكريتيين. كلمة الرب عليكم. يا كنعان أرض الفلسطينيين إني أخربك بلا ساكن} وصرّح تاسيتوس (وفي تاريخه ق 2) أن الفلسطينيين أتوا من كريت.
وقد كشفت لنا الآثار المصرية المنبئة بتاريخ رعمسيس الثالث عن أن الفلسطينيين أتوا من كريت. ففي قصر مدينة أبو في تاب (طيبة) صوُّر وخطوط دالة على حصول محالفة بين الكريتيين، وعدَّهم من عشائر البلاسج في أيام رعمسيس الثالث أحد ملوك الدولة العشرين من الدول المصرية. فغشوا سورية ومصر بعد افتتاح يشوع بن نون بلاد كنعان وأتى بعضهم بحرًا والسواد الأعظم منهم كريتيون، فحاربهم رعمسيس الثالث وانتصر عليهم وأسر جميعهم. وكانوا عشيرة برمَّتها رجالًا ونساءً وأطفالًا، ولم يرَ من السداد أن يبيد هذه العشيرة جمعًا، فعوَّل على استبقائهم، وأعطاهم أرضًا يسكنونها فأقام رعمسيس الفلسطا (كما في الأصل) الفلسطينيين في جانب بلاد كنعان بين يافو (يافا) ونهر مصر فسكنوا غزة وأشدود وعسقلان حيث يمكن الحرس المصري أن يرقب تحركاتهم"(3).
ويقول القس مكسيموس وصفي " أن ذكر الفلسطينيين جاء في الآثار المصرية، ففي القرن الثاني عشر ق.م. في عهد رمسيس الثالث (1183 - 1152 ق. م.) هجمت شعوب البحر (الفلسطينيون) على أرض مصر وتوغلوا فيها، ولكن رمسيس الثالث دحرههم وأجبرهم على العودة، وقد تم تسجيل كل هذا على جدران معبد هابو، وأكتشف " بتري " مدينة غزة القديمة على بُعد نحو 10 كم شمال شرقي المدينة الحالية، وأُكتشف بها آثار معبد فلسطيني، كما كشف عن آثار معبد آخر في أشدود، حيث كانوا يعبدون داجون الذي كان له بدن السمكة (1 صم 5: 4) أما " عفرون " فكانت مركزًا لعبادة الإله " بعل زبوب"(4).
وتعتبر منطقة الكرمل هي الحد الفاصل بين أرض فلسطين في الجنوب، وأرض كنعان في الشمال، وقد أشتهر الفلسطينيون بصناعة الحديد وتشكيله، كما اشتُهروا بصناعة الخزف واستخراج المعادن، وكشفت التنقيبات الأثرية في مدينة أشدود عن كميات كبيرة من الحديد التي كانت تُشكّل في أحياء المدينة الصناعية. وتصاهر الفلسطينيون مع الكنعانيين، وعبدوا نفس الآلهة، وتميزوا بقدرتهم القتالية العالية، وقد تفننوا في تطوير صناعة الرمح والدرع (1 صم 17: 4 - 17) وأيضًا العجلات الحربية، فكان الفلسطينيون يمثلون أقوى الشعوب التي واجهها بنو إسرائيل رغم أنهم لم يكن لهم مملكة منظمة، إنما كان لهم خمسة أمراء يتخذون القرارات معًا في الأمور العسكرية والمدنية والدينية (قض 16: 5، 23، 1 صم 5: 8، 7: 7) ولم يحاربهم يشوع إنما قسَّم أراضيهم لسبط يهوذا، وبعد موت يشوع " أخذ يهوذا غزة وتخومها وأشقلون وتخومها وعفرون وتخومها" (قض 1: 18) ثم بعد ذلك أستعبد الفلسطينيون بني إسرائيل تارة 18 سنة وتارة أخرى 40 سنة، وقتل شمجر بن عناة منهم 600 شخص بمنساس البقر، وقتل منهم شمشون ألف رجل بلحي حمار.
وفي أيام صموئيل طرح إسرائيل نير الفلسطينيين عنهم، حيث صرخ صموئيل للرب فاستجاب له وبينما كان يُصعِد الذبيحة تقدم الفلسطينيون لمحاربة إسرائيل فأرعد الرب بصوت عظيم في ذلك اليوم على الفلسطينيين وأزعجهم فهزمهم بنو إسرائيل واستردوا المدن التي سبق وأخذوها من عقرون إلى جت (1 صم 7: 7 - 14) ثم امتدت الحرب بين شاول والفلسطينيين، واحتكر الفلسطينيين صناعة الأسلحة الحديدية (1صم 13: 19 - 21) وكان للفلسطينيين " ثلاثون ألف مركبة وستة آلاف فارس وشعب كالرمل الذي على شاطئ البحر" (1 صم 13: 5) ورغم هذا فإن الله خلص شعبه من سطوتهم (1 صم 13: 5) وعندما رفض الرب شاول أنتصر عليه الفلسطينيون وقتلوه مع ابنه يوناثان في جبل جلبوع (1 صم 31: 1 - 9) ورثاهما داود، وظل الصراع بين الفلسطينيين وبني إسرائيل حتى عصر المكابيين (1 مك 10: 83 -89).
8- الفينيقيون: الاسم يوناني ويعني أرجواني أو قرمزي، ويُعتبر الفينيقيون ورثة الحضارة الكنعانية، فمنذ نحو 1100 ق.م. قد انحصرت الحضارة الكنعانية في الشعب الفينيقي، وبلاد الفينيقيين هي بمثابة شريط مستطيل على البحر المتوسط، وتمركز وجودهم في مينائي صور وصيدا، كما كانت بيبلوس (جبيل) وبيروت من أهم مدنهم.
ويقول " قليني نجيب": "أستوطن الفينيقيون المنطقة الواقعة بين جبال لبنان شرقًا والبحر المتوسط غربًا. وكانوا على علاقة طيبة بمصر منذ عهد الدولة القديمة وهم من أنشط تجار العالم عبر البحار، وأقاموا لهم مستعمرات في الجزر وفي المدن الساحلية مثل قبرص، وميليتيوس، ورودس، وصقلية، وسردينيا، ومالطة، ومارسليا وغيرها. ومن أشهر مدنهم بيبليوس، وصور، وصيدا. وكانت بيبليوس تشتهر بتجارة البردي المجلوب من مصر... ونظرًا لأهمية موقع البلاد الفينيقية فأنها كانت محطًا لأطماع الممالك المجاورة فخضع كثير من مدنهم لمصر، وأشور، وبابل، وفارس، وكانت صور -بفضل حصانة موقعها- كثيرًا ما تستعصي على الغزاة. ولعل هذا هو السبب المباشر في جعل سقوطها في أيدي الفرس أمرًا بعيد المنال، فاحتفظت باستقلالها حتى وقعت في قبضة الإسكندر المقدوني الذي دمرها وأشعل فيها النار لما لاقاه من صعوبة في دخولها، وأسَّس بدلًا منها مدينة الإسكندرية لتحل محلها كميناء رئيسي للتجارة العالمية...
وعلى الرغم من تقدم الفينيقيين في فنون التجارة وغيرها، إلآَّ أنهم بلغوا درجات منحطة من البغي والرذيلة، فاعتادوا ممارسة البغاء في معابدهم. وقد انعكست هذه العادات السيئة على غيرهم من الشعوب حتى أن بني إسرائيل تأثروا بهم وأخذوا بأساليب بغيهم... كما كان من العادات السيئة لدى الفينيقيين وغيرهم تقديم الأطفال قربانًا لإرضاء الآلهة"(5).
ويقول " رونالد ريدفورد": "تقع مدينة بيبلوس على لسان جبلي صغير، يبرز في البحر المتوسط على بُعد حوالي أثنين وأربعين كيلومترًا شمال بيروت"(6) وكانت مساحة بيبلوس صغيرة ومحاطة بسور متين، وكان لها منذ العصور القديمة مرفأ، وكان بها معبد " بعلات جبل " وهو لقب عشتاروت سيدة المدينة، وبينما كانت بيوت الصفوة متسعة وتطل على البحر من جهة الغرب، فإن بقية السكان أقاموا في بيوت صغيرة مكدسة، ذات شوارع ضيقة وملتوية، ونظر المصريون إلى بيبلوس كمدينة حصينة، وأنها المدينة الرئيسية لتلك البلاد التي تأتي منها الأخشاب(7).
وقد اشتهر الفينيقيون ببناء السفن وركوب البحر والتجارة، فشقوا عباب البحر وصاروا سادة البحار، وفي عصر سليمان شارك بحارتهم بحارة سليمان في الرحلات التجارية إلى أوفير (1 مل 9: 26 - 28) وأرسل "حيرام" ملك حور خشبًا لسليمان لبناء بيت الرب وبناء أسطول تجاري لإسرائيل (1 مل 9: 11) واستعان سليمان ببعض الحرفيّين الماهرين في تشييد هيكل أورشليم. وأيضًا أشتهر الفينيقيون بالتقدم في العلوم والصناعة، وأخذ منهم اليونانيون حروف الهجاء.
9- الأراميون: هم نسل آرام بن سام بن نوح، وسكنوا في أرض آرام (سوريا حاليًا) وامتدت أرضهم من جبال لبنان غربًا إلى ما وراء الفرات شرقًا، ومن جبال طرسوس شمالًا إلى ما وراء دمشق جنوبًا، وتكلموا اللغة الآرامية.
ويقول "قليني نجيب" عن الآراميين "وقد استقروا في بلاد سوريا على ضفاف وادي الفرات الأوسط، وكوَّنوا مملكة قبل منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، فكانوا يهددون الأموريين والحوريين والحيثيين وغيرهم من الشعوب المجاورة... كما أدت قوتهم المتزايدة إلى تقلص دولة الحيثيين. وتحدث الأراميون اللغة التي تحمل أسمهم، والتي بدأت تنافس ثم تحل محل اللغة البابلية وكتابتها المسمارية المعقدة Cuneiform، واستعاضت عنها بكتابة أبجدية بسيطة اقتبستها من الفينيقية، وأمتد انتشارها حتى استخدمت في الدواوين إبان العصر الفارسي... بينما ظل الناس يتكلمونها حتى القرن السابع الميلادي، إذ بدأت اللغة العربية تحل محلها...
وانقسم الأراميون إلى ثلاث ممالك أحداها تسمت باسم آرام النهرين لوقوعها بين الفرات ورافده الخابور، وكانت عاصمتها حاران {وهي أقدم الأمارات الأرامية في سورية وشرق الأردن، وقد عاشت هذه الأمارة حتى قضى عليها نبوخذ نصر في عام 609 ق.م.}(9) وقد جاء ذكرها في الآثار المصرية باسم نهارين، وذكرت في سفر التكوين باسم فدان آرام...
وأسَّس الأراميون مملكة ثانية كانت متاخمة للأراضي الآشورية في الشمال وكانت عاصمتها دمشق، ومنها أتخذ إبراهيم اليعازر الدمشقي خادمه الوفي والقائم على بيته (تك 15: 2) وكانت لهم مملكة ثالثة عاصمتها صوبة والتي يعتقد أنها عنجر الحالية ويُظن أنها أيطورية الواردة في (لو 3: 1) وامتدت هذه المملكة من جبل لبنان غربًا، إلى حدود ومملكة آرام دمشق شرقًا يحدها شمالًا زحلة"(8).
وقد دُعي إبراهيم آراميًا تائهًا لأنه خرج من أرض حاران إلى كنعان (تث 26: 5) كما دُعي بتوئيل وابنه لابان أراميان (تك 25: 20) وكان نعمان السرياني الذي نال الشفاء من البرص في عصر أليشع النبي أراميًا (2 مل 5: 20). وفي عصر داود تحالفوا في البداية ضده مع بني عمون مقابل الفضة، ولكن عندما انكسروا أمام يوآب. ثم أمام داود تصالحوا معه وخدموه (1 أي 19: 1-19) وبعد انقسام مملكة إسرائيل بعد موت سليمان، كانت هناك مناوشات وحروب عديدة مع مملكة إسرائيل ومملكة يهوذا وقد سجلها سفر الملوك الأول والثاني.
_____
(1) من أبحاث النقد الكتابي.
(2) راجع قليني نجيب - الكتاب المقدَّس بين التاريخ والآثار ص 93، 94.
(3) تاريخ الشعوب المشرقية في الدين والسياسة والاجتماع جـ 2 ص 216، 217.
(4) راجع المرشد الجغرافي التاريخي للعهد القديم ص 112.
(5) الكتاب المقدَّس بين التاريخ والآثار ص 87، 88.
(6) ترجمة بيومي قنديل - مصر وكنعان وإسرائيل في العصور القديمة ص 70.
(7) راجع مصر وكنعان وإسرائيل في العصور القديمة ص 70، 71.
(8) الكتاب المقدَّس بين التاريخ والآثار ص 82، 83.
(9) د. محمد بيومي مهران - تاريخ مصر الفرعونية والشرق الأدنى القديم ص 179.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/907.html
تقصير الرابط:
tak.la/2rcg9d3