قال البعض أن إيليا في حياته عرف بالروح النبوي ما ستؤول إليه أحوال يهورام، فكتب ما كتب وأستودعه تلميذه أليشع الذي سلمها ليهورام وقت الحاجة إليها، وقال البعض: أنها كُتبت بيد ياهو النبي ابن حناني وغيَّر النُسَّاخ اسم ياهو باِسم إيليا، وقال آخرون: أن إيليا ظهر بعد موته لأحد الأنبياء ولقَّنه هذه الكتاب، وأمره أن يُوقّع عليها بِاسم إيليا ويرسلها إلى يهورام، وقال البعض: أن إيليا كتبها وهو في محل اختفائه بعد صعوده في العاصفة... فأين الحقيقة؟!
وقال "علاء أبو بكر": "كيف تنبأ الرجل الميت إيليا ليهورام بن يهوشافاط؟ فهل نسى الرب الذي أوحى هذا الكتاب أنه أماته قبل ذلك بسنوات (2أي 21: 12- 15)؟ لقد أخذ الله إيليا في العاصفة في أيام يهوشافاط (2مل 2: 11، 3: 1) ثم بعد ذلك تولى يهورام بن يهوشافاط الملك على بني إسرائيل (2مل 3: 1)"(1).
ج: 1- قول "علاء أبو بكر": "كيف تنبأ الرجل الميت إيليا... فهل نسى الرب... أنه أماته " قول جانبه الصواب لأن إيليا لم يمت إنما صعد إلى السماء في مركبة نارية وهو حي بروحه وجسده. إذًا قول بعض النُقَّاد أن إيليا كان قد مات يُعد مغالطة. وقد عرض "الخوري بولس الفغالي" افتراضين فقال: "هناك افتراضان: افتراض أول يقول: كان نبي آخر اسمه إيليا (افتراض ضعيف)، وافتراض ثانٍ يقول: أننا أمام كلام يشبه الكلام الذي قاله إيليا لاخآب ومضمونه: الملك الذي يقود شعبه إلى الابتعاد عن طريق الله، يُعاقب أقسى عقاب"(2). ولكن وضوح الخبر الذي جاء في سفر الأخبار بأن يهورام جاءته كتابة من إيليا النبي، يجعلنا نرفض كلاَّ الافتراضين اللذين افترضهما الخوري بولس الفغالي.
2- نحن نصدق تمامًا ما جاء في الكتاب المقدَّس أن يهورام ملك يهوذا عندما ملك قتل جميع إخوته مع بعض رؤساء إسرائيل: وَسَارَ فِي طَرِيقِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ كَمَا فَعَلَ بَيْتُ أَخْآبَ، لأَنَّ بِنْتَ أَخْآبَ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةً. وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ" (2أي 21: 6) ثم "أَتَتْ إِلَيْهِ كِتَابَةٌ مِنْ إِيلِيَّا النَّبِيِّ تَقُولُ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ دَاوُدَ أَبِيكَ: مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ لَمْ تَسْلُكْ فِي طُرُقِ يَهُوشَافَاطَ أَبِيكَ وَطُرُقِ آسَا مَلِكِ يَهُوذَا، بَلْ سَلَكْتَ فِي طُرُقِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ، وَجَعَلْتَ يَهُوذَا وَسُكَّانَ أُورُشَلِيمَ يَزْنُونَ كَزِنَا بَيْتِ أَخْآبَ، وقَتَلْتَ أَيْضًا إِخْوَتَكَ مِنْ بَيْتِ أَبِيكَ الَّذِينَ هُمْ أَفْضَلُ مِنْكَ، هُوَذَا يَضْرِبُ الرَّبُّ شَعْبَكَ وَبَنِيكَ وَنِسَاءَكَ وكُلَّ مَالِكَ ضَرْبَةً عَظِيمَةً. وإيَّاكَ بأَمْرَاضٍ كَثِيرَةٍ بِدَاءِ أَمْعَائِكَ حَتَّى تَخْرُجَ أَمْعَاؤُكَ بِسَبَبِ المَرَضِ يَوْمًا فَيَوْمًا" (2أي 21: 12 - 15)... وهل تحقق قول إيليا..؟. نعم، فقد صعد الفلسطينيون والعرب والكوشيون على مملكة يهوذا وسبوا بني الملك ونسائه ولم يفلت إلاَّ يهوآحاز ابنه الأصغر "وبَعْدَ هذَا كُلِّهِ ضَرَبَهُ الرَّبُّ فِي أَمْعَائِهِ بِمَرَضٍ لَيْسَ لَهُ شِفَاءٌ. وَكَانَ مِنْ يَوْمٍ إِلَى يَوْمٍ وَحَسَبَ ذِهَابِ الْمُدَّةِ عِنْدَ نَهَايَةِ سَنَتَيْنِ، أَنَّ أَمْعَاءَهُ خَرَجَتْ بِسَبَبِ مَرَضِهِ، فَمَاتَ بِأَمْرَاضٍ رَدِيَّةٍ" (2أي 21: 18، 19)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فهل نترك النبوءة وقوتها وتحقيقها، ونقف أمام طريقة وصول الرسالة من إيليا ليهورام، وهل قصرت يد الرب عن أن يرسل إيليا برسالة إلى يهورام؟! كان من الممكن أن يرسل الله الرسالة عن طريق أي شخص يعيش على أرضنا هذه، ولكنه قصد أن تأتي الرسالة عن طريق إنسان قد فارق عالمنا بطريقة معجزية، لكيما يكون لها أثرها البالغ على ذلك الملك الشرير.
3- هؤلاء النُقَّاد العقليون في الأصل لا يقبلون فكرة الحياة الأخرى، وأن الموت ما هو إلاَّ انتقال من حالة إلى حالة، من الحياة بالروح والجسد إلى الحياة بالروح بدون الجسد، وأن هذه الروح بعد انطلاقها من الجسد تظل تعي وتعرف وتفهم وتدرك، وأن هذه الروح يمكن أن تؤدي رسالة في العالم الحاضر بتكليف من الله، وهذا هو إيماننا في شفاعة القديسين، وقد عشنا تجليات العذراء القديسة مريم في سنة 1968م على قباب كنيستها في بالزيتون، وأيضًا في سنة 1986م في كنيسة القديسة دميانة في شبرا، وفي سنة 2000م في كنيسة مارمرقس بأسيوط. وفي حالة إيليا النبي فإن الأمر أكثر سهولة في قبوله لأنه صعد بروحه وجسده، فهو موجود في مكان معين يعرفه الله، وقد سبقه أخنوخ البار، ولذلك من السهل أن إيليا يكتب هذه الرسالة ليهورام، والله قادر على نقل هذه الرسالة بطريقة أو بأخرى، ونحن نثق تمامًا أنه لا يعصى عليه أمر.
4- جاء في سفر دانيال أن بيلشاصَّر ملك بابل صنع وليمة عظيمة لعظمائه الألف، فشربوا الخمر في آنية الهيكل المقدَّسة والمخصَّصة للرب، وسبحوا للآلهة المصنوعة من الذهب والفضة والنحاس والحديد والخشب والحجر: "في تِلْكَ السَّاعَةِ ظَهَرَتْ أَصَابعُ يَدِ إِنْسَانٍ، وَكَتَبَتْ بِإِزَاءِ النِّبْرَاسِ عَلَى مُكَلَّسِ حَائِطِ قَصْرِ الْمَلِكِ، وَالْمَلِكُ يَنْظُرُ طَرَفَ الْيَدِ الْكَاتِبَةِ"(دا 5: 5) فاضطرب الملك وعجز السحرة والمنجمون عن قراءة الكتابة، فأتوا بدانيال النبي الذي بكَّت الملك على شربه الخمر في الآنية المقدَّسة وقال له: "أَمَّا اللهُ الَّذي بِيَدِهِ نَسَمَتُكَ، وَلَهُ كُلُّ طُرُقِكَ فَلَمْ تُمَجِّدْهُ. حِينَئِذٍ أُرْسِلَ مِنْ قِبَلِهِ طَرَفُ الْيَدِ، فَكُتِبَتْ هذِهِ الْكِتَابَةُ. وَهذِهِ هي الْكِتَابَةُ الَّتِي سُطِّرَتْ: مَنَا مَنَا تَقَيْلُ وَفَرْسِينُ. وَهذَا تَفْسِيرُ الْكَلاَمِ: مَنَا، أَحْصَى اللهُ مَلَكُوتَكَ وَأَنْهَاهُ. تَقَيْلُ، وُزِنْتَ بِالْمَوَازِينِ فَوُجِدْتَ نَاقِصًا. فَرْسِ، قُسِمَتْ مَمْلَكَتُكَ وَأُعْطِيَتْ لِمَادِي وَفَارِسَ" (دا 5: 23 - 28) حدثت هذه الحادثة في العهد القديم، وفي العهد الجديد في التاريخ الكنسي نلتقي مع حادثة محاولة هدم كنيسة السيدة العذراء في أتريب، فطلب كاهن الكنيسة من القائد المُكلف بتنفيذ الأمر إمهاله ثلاثة أيام فيأتيه بمرسوم عفو لهذه الكنيسة من الخليفة هارون الرشيدي في بغداد ودفع له بعض المال، فوافقه القائد وهو يوقن تمامًا أنه من المستحيل أن يصل مرسوم الخليفة في هذه الفترة الوجيزة، فالسفر لبغداد والعودة يحتاج أيام طويلة، ولكن صلوات هذا الأب الكاهن مع شعبه حرَّكت السماء، فظهرت العذراء أم النور لهارون الرشيدي وأيقظته من النوم فكتب مرسوم العفو، والتقطته حمامة وحملته من بغداد وألقت به في خيمة القائد المكلَّف بهدم الكنيسة، فذهل القائد وانصاع لأمر الخليفة ولم يهدم الكنيسة، وكانت هذه معجزة عظيمة سجلها التاريخ لنا. ونحن نوقن أن الله لا يعدم الوسيلة لتوصيل مكاتبة هارون من بغداد إلى مصر، أو توصيل كتابة إيليا ليهورام بطريقة أو بأخرى.
5- يقول "القمص تادرس يعقوب": "كيف أرسل إيليا رسالة ليهورام خليفة يهوشافاط، بينما يبدو أن إيليا صعد إلى السماء قبل أن يملك يهوشافاط (2مل 1-3)؟ هل كتب إيليا هذه الرسالة قبل ذلك بمدة ووصلت إليه بعد موت يهوشافاط؟ أو هل كتب إيليا الرسالة ليهورام قبل اعتلائه العرش كنوع من النبوءة لما سيحدث معه؟ هذا ما نادى به بعض الربيين القدامى، حاسبين أن إيليا وُهِبَ معرفة الكثير من الأمور المقبلة. أو هل بعد صعود إيليا في المركبة النارية أرسله الله إلى الأرض إلى حين ليرعى هذا الأمر.
يرى البعض أن هذه الرسالة أبلغها إيليا النبي لتلميذه أليشع قبل إصعاده في المركبة النارية. وغالبًا ما بعث بها أليشع إلى يهورام الملك كي يرجع عن طريقه الشرير، ويقتدي بأبيه الصالح يهوشافاط وجده آسا، اللذين عاشا في سلام وتقوى وماتا مكرمين. على أي الأحوال كثير من تصرفات إيليا حتى وهو على الأرض كانت فائقة، ولا يمكن تصوُّر أي تحليل لأعماله. لهذا يمكن قبول أي احتمال بالنسبة لإيليا في تصرفاته"(3).
_____
(1) البهريز في الكلام اللي يغيظ جـ 1 س 439 ص 313.
(2) التاريخ الكهنوتي - أسفار الأخبار الأول والثاني وعزرا ونحميا والمكابيين الأول والثاني ص 146.
(3) تفسير أسفار أخبار الأيام الثاني ص 275.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1413.html
تقصير الرابط:
tak.la/6cnmc4r