يقول "المطران يوسف الدبس": "واعتلّ آسا برجليه في السنة التاسعة والثلاثين لمُلكه كأنه أُصيب بالنقرس، أو داء الملوك واشتَّدت علَّته فلم يلتمس الرب بل الأطباء، ومات في السنة الحادية والأربعين لمُلكه، ودُفن في مقبرة حفرها لنفسه، فأضجعوه في سرير كان مملوءًا أطيابًا وأصنافًا عطرية، وحرقوه بها على عادة الأقدمين واستبقوا عظامه ورماده"(1).
ج: 1- كانت مثل هذه الحرائق التي كانت تُحرق أمام أجساد الملوك، والتي ترتفع فيها رائحة البخور والأطياب عادة من عادات تلك الشعوب حينذاك، علامة على أن حياة هؤلاء الملوك كان لهم حياتهم ذات الرائحة الذكية، ولذلك عندما مات يهورام ملك يهوذا ولم تكن حياته مقدَّسة، ولا صاحب سيرة مرضية، بل قتل جميع إخوته ليضمن انفراده بالعرش، وصنع الشر في عيني الرب ولا سيما أن عثليا الشريرة كانت زوجة له، لذلك عند موته يقول الكتاب: "أَنَّ أَمْعَاءَهُ خَرَجَتْ بِسَبَبِ مَرَضِهِ، فَمَاتَ بِأَمْرَاضٍ رَدِيَّةٍ، وَلَمْ يَعْمَلْ لَهُ شَعْبُهُ حَرِيقَةً كَحَرِيقَةِ آبَائِهِ" (2أي 21: 19)... بينما قال الله لصدقيا ملك يهوذا: "اسْمَعْ كَلِمَةَ الرَّبِّ يَا صِدْقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا. هكَذَا قَالَ الرَّبُّ مِنْ جِهَتِكَ: لاَ تَمُوتُ بِالسَّيْفِ. بِسَلاَمٍ تَمُوتُ، وَبِإِحْرَاقِ آبَائِكَ الْمُلُوكِ الأَوَّلِينَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَكَ، هكَذَا يُحْرِقُونَ لَكَ وَيَنْدُبُونَكَ قَائِلِينَ: آهِ يَا سَيِّدُ" (إر 34: 4، 5). إذًا لم يحرق بنو إسرائيل جسد آسا، ولكنهم أحرقوا أمام جسده حريقة عظيمة بأطياب فاخرة، وهذا كان أسلوبهم في تكريم الملك الميت.
2- عندما قتل الفلسطينيون شاول وبنيه ومثَّلوا بجثثهم، وسمروا جسد شاول على سور بيت شان، يقول الكتاب: "ولَمَّا سَمِعَ سُكَّانُ يَابِيشَ جِلْعَادَ بِمَا فَعَلَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ بِشَاوُلَ، قَامَ كُلُّ ذِي بَأْسٍ وَسَارُوا اللَّيْلَ كُلَّهُ، وَأَخَذُوا جَسَدَ شَاوُلَ وَأَجْسَادَ بَنِيهِ عَنْ سُورِ بَيْتِ شَانَ، وَجَاءُوا بِهَا إِلَى يَابِيشَ وَأَحْرَقُوهَا هُنَاكَ. وَأَخَذُوا عِظَامَهُمْ وَدَفَنُوهَا تَحْتَ الأَثْلَةِ فِي يَابِيشَ، وَصَامُوا سَبْعَةَ أَيَّامٍ"(1صم 31: 11 - 13) وقد فعل أهل يابيش هذا خوفًا لئلا يأتي الفلسطينيون ويسلبون تلك الأجساد ثانية، ولذلك لجأوا إلى حرقها، ولم تكن هذه عادة بني إسرائيل الذين تعودوا على دفن موتاهم، فقد " دَفَنَ إِبْرَاهِيمُ سَارَةَ امْرَأَتَهُ" (تك 23: 19)، وعندما مات إبراهيم " دَفَنَهُ إِسْحَاقُ وَإِسْمَاعِيلُ" (تك 25: 9)، وإسحق "دَفَنَهُ عِيسُو وَيَعْقُوبُ"(تك 35: 29) وقال يعقوب عن زوجته المحبوبة راحيل: "فَدَفَنْتُهَا هُنَاكَ فِي طَرِيقِ أَفْرَاتَةَ" (تك 48: 7)، ويعقوب: "دَفَنُوهُ فِي مَغَارَةِ حَقْلِ الْمَكْفِيلَةِ" (تك 50: 13)، وحتى اليهود الذين تزمروا على الله، عندما ضربهم الرب دفنوهم: "حَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى الشَّعْبِ، وَضَرَبَ الرَّبُّ الشَّعْبَ ضَرْبَةً عَظِيمَةً جِدًّا... هُنَاكَ دَفَنُوا الْقَوْمَ الَّذِينَ اشْتَهَوْا" (عد 11: 33، 34)، وموسى عندما مات وحيدًا على الجبل، فإن الله " دَفَنَهُ فِي الْجِوَاءِ فِي أَرْضِ مُوآبَ" (تث 34: 6) وهكذا على مر العصور والأيام، فيوحنا المعمدان "تَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَرَفَعُوا الْجَسَدَ وَدَفَنُوهُ" (مت 14: 12) ووُضِع السيد المسيح في قبر جديد ودحرجوا حجرًا كبيرًا على باب القبر. عادة حرق الأجساد بعد الموت هي عادة شعوب الهند، وقد نظر اليهود للأمم على أنهم كلاب، وعباداتهم على أنها رجس ونجاسة، فكيف يتمثلون بهم؟!
_____
(1) تاريخ الشعوب المشرقية في الدين والسياسة والاجتماع ص 349.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1411.html
تقصير الرابط:
tak.la/tgtcj5t