St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد القديم من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

1212- كيف نتصوَّر أن الله يحفظ في ذاكرته قتل شاول للجبعونيين (2صم 21: 1) مع أنهم شعب وثني، والرب أمر بإبادة الشعوب الوثنية؟ وكيف كان الله يكظم الانتقام في نفسه كل هذه السنين بينما يطالبنا بأن لا تغرب الشمس على غيظنا؟

 

يقول " علاء أبو بكر": "عجيبة هذه القضية، فكيف ينتقم إله إسرائيل من بني إسرائيل بسبب شعب وثني غير إسرائيلي..؟ أليس هذا هو نفس الإله الذي وعدهم بإفناء الشعوب التي تسكن في أرض الميعاد ومنهم الأموريين..؟ ألم يفطن نبي الله داود إلى غضب الله على شعبه إلاَّ بعد ثلاث سنوات من الجوع، حتى يسأل داود بعد ثلاث سنوات عن سبب هذه المصيبة؟ ألم يدرك نبي الله لمدة ثلاث سنوات أن الله غاضب على شعبه؟ ولماذا لم يفصح الرب إله المحبة لداود عندما غضب؟ ألا يعلم أن عدم معرفة داود واستمرار غضبه على شعبه ينفي عنه صفة المحبة والرحمة؟

أيغضب إله إسرائيل من قتل أعدائه، ولم يغضب من قتل أكثر من 40000 من بني إسرائيل في قتال بين داود وابنه أبشالوم..؟ أيغضب إله إسرائيل من قتل أعدائه، ولم يغضب من قتل بعض جنود جيشه بسبب خيانة داود لجاره أوريا الحثي..؟ لم يغضب إله إسرائيل لزنى أنبيائه، ولم يغضب لعبادتهم الأوثان، لكنه غضب من أجل قتل عُبَّاد الأوثان أنفسهم، الذي وعد هو نفسه قاتليهم برقابهم..! والأعجب أن غضب الله زال بعد أن قُتل سبعة أشخاص أبرياء! هل هذا عدل إله المحبة، أم وهم مزوري الكتاب...

ثم ما الفائدة التربوية التي تعود على أبناء هذا الكتاب عند قراءة هذه القصة؟ ولماذا انحاز هذا الإله للجبعونيين بالذات دون غيرهم من الشعوب التي أفناها بنو إسرائيل..؟ ألم يقتلهم يشوع من قبل؟"(1).

ويقول " محمد قاسم محمد": "هل هذا يعني أن إله إسرائيل ينتقم من بني إسرائيل بسبب شعب غير إسرائيلي؟!! رغم أن الرب هو الذي وعدهم بإفناء الشعوب التي تسكن في أرض الميعاد ومنهم الأموريين"(2).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: 1- نعم كان الجبعونيون شعبًا وثنيًا ولكن عندما حلَّ يشوع بأرض كنعان جاء وفد من سكان جبعون " وأخذوا جوالق بالية لحميرهم وزقاق خمر بالية مشقَّقة ومربوطة. ونعالًا بالية ومرقَّعة في أرجلهم وثيابًا رثَّة عليهم وكل خبز زادهم يابس قد صار فتاتًا. وساروا إلى يشوع إلى المحلة في الجلجال وقالوا له ولرجال إسرائيل من أرض بعيدة جئنا والآن أقطعوا معنا عهدًا... من أرض بعيدة جدًا جاء عبيدك على اسم الرب إلهك" (يش 9: 4-9) وسقط يشوع في خداع هؤلاء القوم " فعمل يشوع لهم صلحًا وقطع لهم عهدًا لاستحيائهم وحلف لهم رؤساء الجماعة" (يش 9: 15) ثم اكتشفوا أن الجبعونيين يسكنون في وسط الأرض، وأراد البعض نقض العهد، ولكن رؤساء الجماعة قالوا: "قد حلفنا لهم بالرب إله إسرائيل. والآن لا نتمكن من مسّهم... يحيون ويكونون محتطبي حطب ومستقي ماء لكل الجماعة" (يش 9: 19، 21) فيشوع رجل الله أبرم معهم عهد سلام، فلا يصح أن يأتي شاول وينتقم منهم دون أن يخطئوا في شيء، ولم يكتفِ يشوع بحفظ العهد معهم، بل عندما هجم ملوك الأموريون الخمسة على الجبعونيين لأنهم صنعوا عهدًا مع يشوع أنجدهم يشوع وأنقذهم، وظل الجدعونيون يخدمون بيت الرب وعُرفوا فيما بعد باسم "النثنييم" فكانوا يساعدون الكهنة واللاويين في خدمة بيت الرب(3).

 

2- نقض شاول الملك هذا العهد مع الجبعونيين وقتل منهم الكثيرين، فغضب الرب على شعبه لأن الشعب كان متعاطفًا مع شاول في قتل الجبعونيين، فحدثت مجاعة، وظن داود أنها حدثت مصادفة في بداية عهده، ولكن عندما طالت وامتدت إلى ثلاث سنوات تضرع داود للرب ليرفع هذه المجاعة عن شعبه ويرسل مطرًا على وجه الأرض، فأعلمه الرب سبب المجاعة: "فقال الرب له لأجل شاول ولأجل بيت الدماء لأنه قتل الجبعونيين" (1صم 21: 1)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولم يذكر الكتاب المقدَّس متى قتل شاول الجبعونيين، ولماذا قتلهم..؟ وغالبًا فعل شاول ذلك في أواخر أيام مُلكه عندما قتل كهنة الرب في نوب، ولذلك أمتنع المطر في بداية ملك داود، وقبل أن يبدأ داود هروبه، ولكن قصة هرب داود من وجه أبشالوم ذُكِرت أولًا لأهميتها، ولعل شمعي بن جيرا وهو من سبط بنيامين عندما قال لداود " أخرج أخرج يا رجل الدماء" (2صم 16: 7) كان يقصد السبعة رجال من نسل شاول الذين سلَّمهم داود للجبعونيين فصلبوهم ترضية للجبعونيين واستجلابًا للمطر، وأيضًا ما جاء في سياق القصة عن داود " فأصعد من هناك عظام شاول وعظام يوناثان ابنه وجمعوا عظام المصلوبين" (2صم 21: 13) وقام بدفنهم في قبر قيس أبي شاول، يشير إلى أن هذا الحدث حدث في بداية مُلك داود، وتجاوز الكاتب الترتيب الزمني لهذا الحدث، وهذا أمر وارد في الكتاب المقدَّس، فمثلًا عندما ذكر موسى النبي وضع المن في القسط كان المن لم ينزل بعد على بني إسرائيل، فكتَّاب الأسفار المقدَّسة لم يلتزموا أحيانًا بالتسلسل الزمني، بل أحيانًا ما يؤخرون حدث معين ويقدمون حدث آخر بهدف معين.

 

3- مما زاد في جريمة شاول في قتل الجبعونيين بشاعة أن والد جده " يعوئيل " من رؤساء جبعون " وفي جبعون سكن أبو جبعون يعوئيل واسم امرأته معكة" (1 أي 9: 35) وأيضًا (1أي 8: 29) وابن يعوئيل هو نير جد شاول (1أي 9: 36)، "ونير والد قيس وقيس والد شاول" (1 أي 8: 33)(4).

 

4- ردًا على قول الناقد: كيف يكظم الله الانتقام في نفسه كل هذه السنين..؟ نقول أن الله لا ينتقم من البشر جبلة يديه، ولكن الله عادل يقرُّ عدله، ولا يجابي بالوجوه، ويقول " الأستاذ جاردنر": "يعترضنا في هذه الحادثة سؤالان (1) لماذا تأخر قصاص خطيئة شاول بهذا المقدار؟ (2) لماذا وقع هذا القصاص على داود وشعبه وهم لم يشتركوا في ارتكاب هذه الخطيئة؟ والجواب على السؤالين هو أن إسرائيل أخطأ وحل عليه القصاص كشعب متضامن جميع أفراده لأن شاول لم يذبح الجبعونيين بصفته أبن قيس بل باعتباره ملكًا على إسرائيل. ولذلك يعتبر ممثلًا للشعب كله في ارتكاب هذه الجريمة. والشعب متضامن ومشترك معه في المسئولية، ولهذا كان من المحتم أن يتحمل تبعة هذه الجريمة إلى أن ينتقل عنهم الشر بنفاذ الحكم على المجرم"(5).

ويقول "متى هنري": "لا يمكن للزمن أن يلاشي جريمة الخطيئة ولا تأخير القضاء يدعونا إلى الأمل بعدم توقيع القصاص لأن الله حر في إجراء قضائه في أي وقت يريد وهو ليس مقيد بزمان أو مكان لتنفيذ أحكامه، ويجب أن نميز بين الأعمال القضائية... وبين أعمال الانتقام... والله في معاملته مع بني إسرائيل لم يكن شخصًا عاديًا يكتفي بإظهار سخطه على الخطأ الفردي، بل هو ملك يجري القضاء المحتوم تأييدًا للعدالة والبر العام، والذي نعرفه أن ما يجب على الملك الشرعي عمله لا يصح لأي فرد كان أن يعمله... ومن حق الملك أن يصدر حكمًا بالإعدام على أي مجرم ولا جناح عليه ولا ملام لأن ذلك من ضروريات ولوازم وظيفته"(6).

 

5- ردًا على اعتراضات الناقد:

أ - أن الجبعونيين كانوا أصحاب عهد مع بني إسرائيل، والله يحافظ على العهود المقدَّسة التي قُطعت باسمه، ومن يتعداها يصير مدانًا أمامه، فلا يمكن احتساب الجبعونيين من الشعوب الوثنية التي حكم الله عليها بالفناء بسبب توغلها في الشر، وذلك لأنهم لجأوا لإسرائيل وإله إسرائيل يطلبون الحماية والعهد، ولو عن طريق الخداع لكنهم استصدروا أمرًا من يشوع بن نون باستحيائهم، وقد حلف لهم باسم الرب.

ب - هل داود لم يفطن إلى غضب الله إلاَّ بعد ثلاث سنوات..؟ يقول "القمص تادرس يعقوب": "حقًا لقد أدرك داود النبي والملك أن وراء المجاعة سرًّا، لهذا سأل الرب عن سببها، لكنه تأخر في السؤال. لو أنه سأل في بداية المجاعة، في السنة الأولى أو الثانية لعرف السبب وانتهت المجاعة سريعًا. للأسف لا نلجأ سريعًا للرب بل ننتظر حتى تفرغ كل حيلنا وحكمتنا وتبيد كل قواتنا ولا نجد حلًا، حينئذ فقط نلجأ إلى الله أبينا المهتم بنا"(7).

جـ- لماذا لم يفصح الله إله المحبة عن سبب غضبه..؟ لم يعلن الله غضبه بل أعطى الإنسان الفرصة للشعور بخطئه، أو على الأقل أن يفتش ويسأل عن سبب هذه المجاعة التي حلت بالبلاد، وليس من المعقول أن الإنسان كلما أرتكب خطأ يقف الله مقابله ويقول له أنت أخطأت في هذا أو ذاك، فقد أعطى الرب الوصايا والشرائع والعهود وعلى كل إنسان أن يحكم على نفسه، ومن يحكم على نفسه لا يحكم الله عليه، ولكن من لا يحاسب نفسه ويتوب عن خطاياه فأنه يُحاسب أمام الله.

د - هل الجبعونيين أعداء الله..؟ الله ليس له أعداء من البشر، فقط الله كامل في عدله، ويجري العدل، فالشعوب الوثنية التي توغلت في الشر، فأن الشر يأكل نفسه، ولا بُد أن هذه الشعوب التي سلكت في الظلم وقساوة القلب والانحدار الخلقي وممارسة السحر والعرافة وتقديم أطفالها ذبائح بشرية للأصنام ومزج عباداتها بالزنا والعهر، كان لا بُد لهذه الشعوب أن تخضع للعدل الإلهي، أما الجبعونيين أصحاب العهد المقدَّس لا يمكن أن أحد يمسهم ويتبرر.

هـ- هل قُتل في الحرب بين داود وابنه أكثر من أربعين ألف..؟ قتلى تلك الحرب كانوا عشرون ألفًا: "فانكسر هناك شعب إسرائيل أمام عبيد داود وكانت هناك مقتلة عظيمة في ذلك اليوم. قُتل عشرون ألفًا" (2صم 18: 7) وقوله: "وزاد الذين أكلهم الوعر من الشعب على الذين أكلهم السيف في ذلك اليوم" (2صم 18: 8) لا يعني أن الذين قتلوا من الوعر خارج عدد العشرين ألفًا، بل أن إجمالي الذين قُتلوا سواء بالسيف أو بالوعر كانوا عشرون ألفًا.

و - هل الله لم يغضب لقتل داود لأوريا الحثي وزنا الأنبياء وعبادة الأوثان..؟ أن هذا محض افتراء، لأن من يطالع الأحداث يدرك على الفور المآسي التي أصابت داود وأولاده وبيته جراء هذه الجريمة، ومن يتجرأ ويقول أن الله القدوس يقبل الخطية من أي كائن كان..؟! أن تأديبات الله العادلة للأنبياء على أخطائهم تُكذب هذا الافتراء.

ز - ما الفائدة الروحية التي تعود علينا من قراءة هذه القصة..؟ هذه القصة تعلمنا الحفاظ على عهودنا والالتزام بها، وأن الله يُمْهِل ولا يُهْمِل، وأن الله لا يترك حق المظلومين، وأنه ينصفهم عاجلًا أم آجلًا، وأن عيني الله مفتوحة على الكل، وأن أخطاء الآباء كثيرًا تحل عقوبتها على الآباء والأبناء، ولاسيما إذا كان الأبناء يسيرون في نفس طريق أبائهم " لأني أنا الرب إلهك إله غيور أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضيَّ" (خر 20: 5). لقد أفتقد الله شر شاول في أولاده وأحفاده، وقد رضى الله بقتل هؤلاء لكيما يُعلّم الأجيال عاقبة الظلم، وهذا لا يؤثر على حياتهم الأبدية، أي أنهم سيحاسبون على أعمالهم فقط خيرًا كانت أم شرًا، ولا يعطون حسابًا عن أعمال شاول الملك.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) البهريز في الكلام اللي يغيظ س 416 ص 293 - 296.

(2) التناقض في تواريخ وأحداث التوراة ص 402.

(3) راجع مدارس النقد جـ 8 س 942، س 943.

(4) راجع الخوري بولس الفغالي - المدخل إلى الكتاب المقدَّس جـ 1 ص 312.

(5) الغوامض المتعلقة بالمبادئ العمومية الأدبية الواردة في العهدين القديم والجديد جـ 1 ص 153.

(6) المرجع السابق ص 154.

(7) تفسير سفر صموئيل الثاني ص 140.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1212.html

تقصير الرابط:
tak.la/9fkyawt