ليس ألصق إلى الإنسان من جسده حتى أن الكتاب المقدّس أحيانًا يستخدم كلمة "جسد" ليعني بها الإنسان ككل (مت 22:24)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ومع هذا فقد اختلفت نظرة الناس إلى الجسد، فالبعض أبغضه تمامًا حتى حسبه عنصر ظلمة من صنع إله الشر، أو الإله خالق المادة مثل بعض الغنوسيّين. والبعض عشق الجسد فقاموا بتأليهه أو تأليه بعض أعضائه. والبعض صارت آلهتهم بطونهم (في 19:3). أما وقد صار الكلمة الإلهي جسدًا (يو 1: 14) فقد قدَّم لنا نظرة جديدة فائقة للجسد. لم نعد نستنكف منه، ولا نريد تدميره، بل نعتز به، لأن خالقنا نفسه شاركنا طبيعتنا البشريَّة وصار جسدًا.
الجسد هو عطية إلهية، نلتزم أن نهتم به ونقدم له احتياجاته، لكي يتعاون مع النفس والفكر وكل الطاقات، فيعيش الإنسان في تناغمٍ بلا نزاعات داخلية. فالإنسان السوي يعرف كيف يتمتع بتوازنٍ داخلي.
* الجسم البشري هو إعلان عن صلاح الله وعناية خالق الجسم.
* نعترف بأن طبيعة الجسم كلها هي من الله، خالقها القدير.
* الجسد ليس شرًا متي تجنب الشر، أي الخطأ الذي به يصير الإنسان مخطئًا، الأمر الذي لم يخلق عليه الإنسان، إنما هو أوجده. لأن كلا جانبي الإنسان – الجسد والنفس – خلقهما الله الصالح صالحين. أما الإنسان فصنع الشر وبذلك صار شريرًا[2].
* لهذا فإنني لا أقول أي خطأ، بل أي جنون مطبق هذا الذي ينسبه أتباع ماني لجسدنا، أنه "عنصر ظلمة".. مع أن المعلم الحقيقي يوصي الرجال أن يحبوا نساءهم علي مثال حبهم لأجسادهم، وفي نفس الوقت علي مثال حب المسيح للكنيسة[3].
* كيف يكون الجسد من خلق العدو (الشيطان) إن كانت النفوس ذاتها التي تحكم الجسد، تقتدي بأعضاء الجسد، لكي لا يوجد بينها انقسامات عدائية، إذ وهب الله ذلك للجسد بالطبيعة، فيلزم للنفوس أن تقتدي به أيضًا، فتحب بعضها البعض بالنعمة؟
* إنه بسب حسن كتب إلى أهل رومية: "فأطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله أن تقدموا أعضائكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية". (رو 12: 1) باطلًا نناضل بأن الظلمة غير النور، والنور خلاف الظلمة إن كنا نقدم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله من أجسادنا التي هي "عنصر الظلمة[4]".
* لنهتم بالجسد، وإنما فقط في حدود الصحة[5].
* لا يرفض الرسول مادة الجسم (رو 8: 7) إنما يظهر أنه يليق بالروح (القدس) أن يخترقها[6].
* في هذه العبارة (رو 8: 8) وما يماثلها لا يوجه اللوم إلى مادة الجسد بل إلى أعماله[7].
* حكمة هذا العالم هي في الجسد، فإنهم يرفضون ناموس الله وهم ملتصقون بحكمتهم. فإن كل ما هو ضد ناموس الله هو من الجسد لأنه من العالم. فإن كل العالم جسد وكل شيء منظور يُنسب للجسد[8].
أمبروسياستر
* هل نقطع أجسامنا إربًا لكي نرضي الله؟ هل يلزمنا أن نكون مجرمين لكي نمارس الفضيلة؟ ها أنتم ترون أي نتائج متناقضة إن فهمنا هذه الكلمات حرفيًا! ماذا يعني بولس بالجسد في هذه العبارة ليس مادة الجسم بل الحياة الجسدانية العالمية، التي تخدم التهاون مع النفس أو المبالغة والتطرف إلى النهاية[9].
* لماذا هذا (رو 8: 8)؟ أليس المتكلم نفسه ملتحفًا بالجسد؟ لا يعني بولس أن هؤلاء الذين يلتحفون بالجسد عاجزون عن أن يسروا الله، بل بالأحرى الذين لا يسروا الله هم الذين يحزنون الفضيلة، الذين أفكارهم جسدانية تمامًا ومستعدون لملذات مثل هذه، غير مبالين بنفوسهم العقلية غير الهيولية[10].
* إن كان كل الذين لهم جسد لا يستطيعون أن يسروا الله فكيف يمكن لبولس نفسه -المتكلم- أن يّسر الله؟ كيف يمكن لبطرس وباقي الرسل والقديسين الذين لا نستطيع أن ننكر أن لهم جسدًا ويسرون الله؟.. هذا لأنهم هم ونحن لا نعيش حسب الجسد. نحن نسير على الأرض، هذا حق، لكننا نسرع في طريقنا نحو السماء، فإنه ليس لنا هنا مدينة باقية، إنما نحن غرباء وعابرون سبيل، مثل كل آبائنا[11].
* لم يقل بولس إنه يجب أن نميت الجسد، وإنما أعمال الجسد، بمعنى حكمة الجسد، أي هجمات الأهواء. لكن لنا نعمة الروح تعيننا. الحياة الأبدية هي ثمرة النصرة[12].
يصارع القدِّيس غريغوريوس النزينزي بين الرغبة في تكريم الجسد الذي يصاحب النفس يوم الرب ويشترك معها في المجد وبين ما يثيره الجسد من شهوات جسدية تحارب النفس. إنه يحبه ويربيه، لكنه يخشاه حيث يحمل الجسد نوعًا من العداوة والمقاومة للنفس.
* هذا هو الجسد الذي ارتبط به، ولست أدري كيف أكون به حيث أكون صورة الله، أو كيف أعود به إلى التراب. إنه متى صار في صحةٍ يحاربني، وإن حاربته يمرض. إني أحبه كرفيقٍ لي، ومع هذا أبغضه كعدوٍ. أهرب منه كما من سجنٍ، ومع هذا أُقدّره كشريك في الميراث. إني عازم على تدميره، ومع هذا فهو معيني، به أفعل أجمل الأشياء. إنه معاون، يعرف لِمَ خُلق وأنه سيصعد إلى الله بتصرفاته[13].
216 | |
217 | |
218 | |
219 | |
220 | |
221 | |
222 |
_____
[2] العفة للقديس أغسطينوس، 20.
[3] العفة للقديس أغسطينوس، 22.
[4] العفة للقديس أغسطينوس، 24.
[5] Ep 130: 7.
[6] Against Heresies, 5: 10: 2.
[7] On the Resurrection of the Flesh.
[8] Commentary on Paul’s Epistles (Rom 8: 8).
[9] Homilies on Romans, 13 (on Rom. 8:8).
[10] Homilies on Genesis, 24: 6.
[11] Homilies, 63.
[12] Interpretation of the Letter to the Romans (Rom. 8: 13).
[13] On the Love for the Poor (14), 6.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/patristic-social-line/gift.html
تقصير الرابط:
tak.la/vx4jap2