ربما يتساءل البعض: إن كانت المسيحية قد احتضنت الثقافات وقدستها فلماذا هجم الآباء المسارح والملاعب؟
كانت المسارح والملاعب تُستخدم عادة للاحتفالات الخاصة بالآلهة الوثنية أو بالإمبراطور كإله، وكان لها طقوسها الخاصة، مثل إنارة مشاعل ووضع أكاليل من الزهور على رؤوسهم. وقد اضطر البعض، بسبب البسطاء أو الضعفاء في الإيمان، رفض استخدام الزهور، ليس لأنها دنسة، ولكن لأنها ارتبطت بعبادة الشيطان والأوثان. مع هذا يقول الشهيد يوستين (110- 165):
[كل شيء يُولد كعطية الله التي لا تُنتهك حرمتها، لا يُمكن انتهاكها بعمل بشري (حتى وإن استخدمت في طقوس وثنية). على أي الأحوال، نحن نمتنع عن استخدامها حتى لا يعتقد أحد أننا نخضع للشياطين الذي من أجلهم يُشرب الخمر، أو أننا نخجل من ديانتنا.
بالتأكيد زهور الربيع مبهجة لنا، فإننا نختار وردة الربيع والسوسنة وغيرها من الزهور ذات الألوان المبهجة للغاية والرائحة الذكية، ونستخدمها سواء كلٍ منها بمفردها أو ننثر أوراقها أو ننسجها معًا كأكاليل نزين بها رقابنا[52].]
ويقول مونيكوس فيلكس Minucius Felix (القرن الثاني أو الثالث) إن الزهور نافعة لحاسة الشم حيث تستقبل الأنف رائحة زكية[53].
يقول القديس إكليمنضس السكندري: [الذين تعلموا بواسطة اللوغوس يمتنعون عن ارتداء أكاليل (الزهور). إذ يحسبون أنه ليس من الضروري أن يقيدوا أذهانهم التي في رؤوسهم، ليس لأن الإكليل رمز لحياة السكر الجامحة، وإنما لأنها ترتبط بالوثنية[54].]
يؤكد العلامة ترتليان (160- 225) أن كل ما في العالم صالح في ذاته، حتى حجارة المسارح، وصوت المغني والسيف والأعشاب. إنما إساءة استخدامها سواء في المسارح وللغناء الفاحش أو القتل أو للسم هو شر[55]، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.
لقد هاجم بعض الآباء الذهاب للمسارح، لأنها كثيرًا ما كانت تُستخدم للمصارعة بطريقة عنيفة قاتلة، وكان المتفرجون يجدون مسرتهم عندما يُقتل أحد على المسرح. يقول أثنياغوراس (القرن الثاني) أن من يُسر بشخص يُقتل في المسرح لا يختلف عمن يقتل نفسه[56]. كانت الألعاب التي تدور حول القتل تمثل مدرسة غاية في الوحشية[57].
كثيرًا ما هاجم العلامة ترتليان في مقاله De Spectaculis المسارح والملاعب مقدمًا الأسباب التالية:
1. تقدم فيها ذبائح بشرية استرضاء للموتى (ف 12).
2. يقدم فيها أمور مخزية، وينطقون بألفاظ مشينة (ف 22).
3. تتم فيها جرائم قتل تحت شعار الرياضة، بهذا تُكسر وصية إلهية أساسية: لا تقتل (ف 2).
4. ممارسة العبادة الوثنية فيها (ف 10).
5. ما تدينه القوانين خارج المسارح يتم كأمر طبيعي في المسارح (ف 17).
6. ما يتم في المسارح لا يخنق العين كعضو للنظر فحسب، وإنما له تأثيره على الفكر، حيث يتعلم الشخص التسيب والحسد والغضب. إنه يثير العواطف ويفسدها (ف 17).
يقول العلامة ترتليان إن المسيحيين "كهنة السلام"، فإن كانوا يدانون خارج المسارح، فإنهم يُدانون أيضًا داخلها، إن لم يكونوا أمناء في دورهم كرجال سلامٍ (ف 16).
مع تحليله الأسباب التي لأجلها يرفض المسيحيون الذهاب إلى المسارح والملاعب، يقول العلامة ترتليان بأنه يجب تذكر "إن المواضع في ذاتها لا تدنسنا، وإنما ما يمارس فيها" (ف 8).
_____
[52] Justin 3: 2.
[53] Minucius: Octavius, 38: 2.
[54] Paedagogus 2: 8 PG 8: 484.
[55] Tertullian: De spectaculis,1.
[56] Legatio, 35.
[57] De Spectaculis, 12.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/patristic-social-line/theaters.html
تقصير الرابط:
tak.la/4snpkz2