قلنا أن الحياة المسيحية لا تعرف العفة بالمفهوم السلبي، إذ لا تقبل الحرمان والكبت، وإنما تسمو بالإنسان ليطلب السماويات فتعرف النفس الأمور الدنيئة. بمعنى آخر بدلًا من استهلاك طاقتنا في مقاومة الشهوة الشريرة وتحطيم أذرعنا وجهادنا لنتقبل عمل روح الله فينا الذي وحده يقدر أن يرفع الإنسان كما بجناحي حمامة لينطلق من قوة إلى قوة (مز8:84)، ويرتفع من مجد إلى مجد (2كو18:3)، ويتمتع بنعمة فوق نعمة (يو16:1). هكذا تنشغل كل طاقات الإنسان الداخلية بالمجد السماوي الداخلي (مز13:45)، لتنعم بخبرات سماوية جديدة كل يوم تسندها وتقدسها عوض الارتباك بمتاعب الشهوة المحطِّمة للنفس.
لا يكفي أن نرفض حركات الجسد ولا أن تعصى أعضاء جسدنا شهوة الجسد، لكن يليق بالأكثر أن تنطلق النفس إلى اشتياقات سماوية تبتلع كل لذة أرضية جسدانية، وكما يقول القديس أغسطينوس:
+ كيف تموت هذه الحركات إلاّ بعدم موافقة ذهننا له، وعدم خضوع أعضاء جسدنا لها كآلات، وبالأكثر بالتطلع إلى العفة باهتمام شديد، مرتفعين بفكرنا ذاته -الذي تهاجمه حركات الجسد بطريقة معينة- إلى أفكار مبهجة خاصة بالأمور السماوية.
بهذا لا يرتبط البشر بالحركات بل يتحررون منها.
وهذا نبلغه إن كنا نصغي إصغاء "مفيدًا" بمساعدة الرب الذي وهبنا وصيته خلال رسوله القائل "اطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس....."
القديس أغسطينوس (7)
من أجل هذا نجد شبابًا بل ورجالًا وشيوخًا حين يسقطون في شهوة... أن تضايقت نفوسهم جدًا يسقطون في اليأس أو في الضجر الممل، الأمر الذي يزيد من سقوطهم في الشهوة أكثر، وقدر ما يحزنون على سقوطهم لا يتمتعون بالعفة.
هنا يبرز عمل أب الاعتراف وهو الانطلاق بهؤلاء الناس إلى الجانب الإيجابي السماوي: محبة الله والشركة، وأن يطمئن قلوبهم أن لله قادر أن ينزع عنهم الحرب.
يحتاج الساقط من هذا النوع إلى أب مترفق، وأن يحس بأبوة الله فلا يكف عن الصلاة بغير ضجر أو قنوط، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى... وسرعان ما يجد نعمة الله قد ارتفعت به ونقلته إلى الحب الحقيقي.
أما إن سمع تأنيبًا شديدًا وقرأ عن بشاعة الخطية وآثارها وارتجف قلبه منها وعقد العزم على تركها... فإنه سرعان ما ينحط فيها إلى درجات أعمق وأشر وأقسى...
هكذا عاش آباؤنا الأولون حتى النساك والمتوحدين منهم يملأون قلوب الساقطين بالرجاء ويترفقون بهم ويقدمون لهم الجانب الإيجابي أولًا حتى متى امتلأ القلب بحب الله والسماء صار طاهرًا وعفيفًا.
+ عظيم هو ذاك الذي يقهر النار الناشئة عن اللذات الأرضية بواسطة التأمل في مباهج السماء!
+ الإنسان الطاهر هو من يطرد الحب بالحب، ويخمد النار المادية بالنار الروحية.
+ الإنسان الطاهر ليس من يضبط جسده الترابي ليكون بغير دنس بل ذاك الذي يخضع أعضاءه لروحه تمامًا.
+ ليكن عظيمًا في قلبك ذلك الحب الذي يوّحدك بالله، لئلا يسبيك الحب الذي علّته فاسدة.
القديس يوحنا سابا (الشيخ الروحاني)
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/grow/heart.html
تقصير الرابط:
tak.la/jns24hk