رعايته لشعبه
قطعة حجر في القسطنطينية
رعايته للفقراء
اهتمامه بالعذارى والأرامل
اهتمامه بخلاص نفسه كأسقفٍ
الحواشي والمراجع
في سبتمبر 397 م. رقد نكتاريوس Nectarius أسقف القسطنطينية أو بطريركها. فاجتمع الشعب مع الإكليروس يتداولون أمر اختيار خلفًا له، وتطلعت الأنظار إلى البلاط الملكي حيث كان الشاب أركاديوس قد تولى الحكم على الشرق خلفًا لأبيه ثيؤدوسيوس. وكان أركاديوس هذا ضعيف الشخصية تسلط عليه وزيره روفينيوس ثم قوي عليه أتروبيوس الخصي Eutropius، الذي صار له وزيرًا، بل الحاكم الفعلي للمملكة الرومانية الشرقية.
سمع أتروبيوس الكاهن يوحنا يعظ في إنطاكية فأعجب به، وفي غير تروٍ نطق باسمه خلفًا لنكتاريوس دون أن يقيم حسابًا لشخصية يوحنا، فهو إنسان لا يعرف المجاملات على حساب الحق، يعمل بغير محاباة للوجوه، حازم لا يخاف إنسانًا!
هكذا شاءت عناية الله أن يرشح أتروبيوس يوحنا بطريركًا للقسطنطينية، وبالتالي أعلن الإمبراطور الاسم، فطار الشعب فرحًا وتهلل الكهنة به. ولكن كيف لشعب إنطاكية أن يتركه؟ فقد عرف أتروبيوس ما يكون عليه شعب إنطاكية إن عرفوا بخروجه من وسطهم، فأرسل إلى فيكتور أستريوس قائد جيوش الشرق يخبره بأمر الإمبراطور، طالبًا منه أن يرسل الأب إلى القسطنطينية من وراء الشعب. وفعلًا استدعى الوالي الأب يوحنا، وسأله أن يرافقه في زيارة بعض المقابر للشهداء خارج المدينة، وما أن عبر الأب خارج الأسوار حتى حُمل قسرًا إلى القسطنطينية(1).
ارتجت مدينة القسطنطينية، وتهللت بحضوره، إلا أن البابا السكندري ثاوفيلس حاول ترشيح صديق له، كاهن تقي من الإسكندرية يدعى إيسيذورس (إسيدور). وقد شهد المؤرخون بتقواه وورعه(2). لكن لماذا حاول ثاوفيلس ذلك؟
يعلل بعض المؤرخين ذلك إلى عدم راحة كنيسة الإسكندرية لقرار مجمع القسطنطينية أن يكون كرسي القسطنطينية الجديد الثاني بعد روما وقبل الإسكندرية. لأن القسطنطينية قد صارت روما الثانية، حيث أصبحت عاصمة الدولة الرومانية الشرقية. لقد رفض أساقفة الإسكندرية هذا القرار، إذ حول الكنيسة إلى مركز كرامات تتدخل فيها السياسة. فإن الإسكندرية وهي مستعمرة رومانية تخضع لمدينة روما مدنيًا، لكنها بعمالقتها الدارسين اللاهوتيين وجبابرتها الروحيين خاصة الرهبان والنساك، احتلت مركز الصدارة في العالم المسيحي، فجاء هذا القرار مثيرًا لا للإسكندرية وحدها، إنما خلق مشاكل كثيرة مع أساقفة وبطاركة الشرق. على أي الأحوال، ربما خشي البابا ثاوفيلس من شخصية الأب يوحنا أنه يطالب بتنفيذ القرار، فرشح صديقه الذي امتاز بطيبة القلب والبساطة ولا يهتم بمثل هذه الأمور، هذا بجانب أنه سكندري وصديق للبابا السكندري. لكن أتروبيوس -الحاكم الفعلي- ضغط على البابا ليوافق على رسامة الأب يوحنا، وإلاَّ قدم للإمبراطور الشكاوي المقدمة ضده. فمنعًا للمشاكل قبل الرسامة واشترك في سيامته في 26 فبراير 398م.
إذ تمت السيامة لم يحمل البابا ثاوفيلس للقديس يوحنا إلا كل حب وتقدير، إذ لم يكن بينهما أحقاد كما صور بعض المؤرخين المتحاملين عليه بسبب سوء تصرفه مع القديس يوحنا في مجمع السنديانة كما سنرى. لقد حاولوا تصويره بالرجل المملوء خبثًا، الذي وضع في قلبه أن ينتقم لنفسه ويطرده. لكننا نقول مع هنري شادويك(3) H. Chadwick إنه لم يكن ثمة خلاف بين الأسقفين، بل كانت علاقة ثاوفيلس بيوحنا حسنة. وقد ساعده في مشكلة أوستاس Eustace بإنطاكية، حيث أراد القديس يوحنا أن يعيد الشركة بين إنطاكية وروما، وبينها وبين الإسكندرية، وأن يلم شمل إنطاكية بعد انقسامات طال زمانها، ولم يدب الخلاف بينهما إلا بسبب مشكلة "الإخوة الطوال" كما سنرى.
إذ وضعت عليه يد الأسقفية بدأ الراعي الجديد يعلن حبه لشعبه، ففي عظته الأولى يوم رسامته تحدث مع شعبه بروح صديقه بولس الرسول، يشجعهم ويكشف لهم عن غيرتهم ومحبتهم لمعلميهم، كما حدثهم عن حبه لهم قائلًا: [أتحدث إليكم اليوم: إني أحبكم كأني عشت معكم منذ البداية. هذا ليس بسبب حنوي نحوكم، لكن أنتم تستحقون كل حب... في إنطاكية يوجد شعب كثير، أما في القسطنطينية فيوجد أناس مؤمنون يظهرون ثباتًا عظيمًا وإخلاصًا، أخيرًا أعلن لهم أن الكرازة هي أعظم التقدمات وأسماها وأفضلها.]
كان الهدف واضحًا نصب عينيه، انطلق منذ البداية يتحدث بروح الإنجيل، ساعيًا إلى خلاص الناس، باعثًا فيهم روح الكرازة والخدمة. بمعنى آخر، الأسقف الجديد لم تبهره عظمة عاصمة الشرق في ذلك الحين، ولا مظاهر الحفاوة التي لاقاها، ولا سمو مركزه، ولا قربه من البلاط. إنما شغله أمر واحد: الكرازة!
كان الثمر سريعًا، فبدأت النفوس تشتاق إلى كلمة الله، وزحفت الجموع تتزاحم أمام منبره، وكما يقول سوزومين(4): [دبر يوحنا كنيسة القسطنطينية بحكمةٍ مثاليةٍ، فجذب كثيرين من الوثنيين والهراطقة للاتحاد معه. كانت جماهير الشعب تلجأ إليه كل يوم، البعض بقصد التعلم بالاستماع لمقالاته، والآخرون جاءوا يجربونه. على أي الأحوال، أبهج يوحنا كل الفئات وكسبهم، وقادهم إلى احتضان مشاعره الورعة. وإذ كان الشعب يزحمه، فلا يقدرون على الاستماع لكلماته كما ينبغي كانوا يندفعون هنا وهناك يضغطون على بعضهم البعض، معرضين أنفسهم للخطر. كل منهم يأخذ طريقه بالقوة، ليقترب منه، ويسمع ما يقوله يوحنا بأكثر دقةٍ. أما يوحنا فكان يأخذ مكانه وسطهم على المنبر، وإذ يجلس يعلم الجموع.]
ختم المؤرخ سوزومين حديثه هذا بقصة عجيبة، ربما انتشرت في القسطنطينية في تلك الآونة، وكان لها أثرها في خدمة الأسقف يوحنا، ملخصها أن رجلًا من التابعين لهرطقة مقدونيوس كان يسمع عظات يوحنا، فاِنجذب إليه ورجع إلى الإيمان الأرثوذكسي. وأما زوجته فبقيت في انحراف إيمانها. هدد الرجل زوجته بالانفصال عنها وهجرها إن بقيت في هرطقتها، فوعدته بقبول الإيمان المستقيم. وإذ دخلت الكنيسة وجاء وقت التناول من الأسرار المقدسة تظاهرت جاريتها بالصلاة في خشوعٍ، فأحنت رأسها وناولت سيدتها قطعة من الخبز كانت قد أحضرتها معها. وما أن وضعتها المرأة في فمها وحاولت مضغها، حتى تحولت بين أسنانها إلى قطعة من الحجر. للحال ارتعبت السيدة جدًا، وخشيت غضب الله، فذهبت مسرعة إلى الأب يوحنا البطريرك تعترف أمامه بكل شيءٍ، وقدمت له قطعة الحجر وآثار أسنانها عليه. وكانت تبكي بمرارة تسأل الغفران.
يعلق سوزومين على الرواية بقوله: [من يظن في هذه القصة عدم صدقها يستطيع أن يختبر الحجر المذكور، فإنه لا يزال محفوظًا في خزينة القسطنطينية.]
لم يكن القديس يوحنا كارزًا بالإنجيل من على المنبر فحسب، لكنه يشهد لحق الإنجيل في سلوكه وتصرفاته. فقد تسلم القصر الأسقفي الذي أقامه سلفه الأسقف نكتاريوس، وقد تبقى به بعض قطع من المرمر لم تكن قد استخدمت بعد، فباعها وقام بتوزيع ثمنها على الفقراء. كما ألغى النفقات الباهظة في الولائم والاستقبالات الكبرى. عاش في دار الأسقفية ناسكًا متعبدًا، قليل النوم، كثير الصلاة، لا يحضر الولائم، ولا يتألق في ملبسه، غير محبٍ للبذخ، كل ما يتوفر لديه من أموال يقوم بتوزيعه على الفقراء أو الإنفاق به على المستشفى إلخ.
نستطيع أن نلمس مدى عشقه للعطاء وحبه للفقراء من تقديسه هذا العمل، حيث يتصور نفسه وهو يمد يده للعطاء أنه يكسب ذبيحة حب على مذبح مقدس، يتقبلها الله رائحة رضا. يرى في الفقراء مذبح الله المقدس، لا بل يرى فيهم السيد المسيح نفسه يمد يده ليتقبل عطية الحب من الإنسان، إذ يقول(5):
[إنها تقيم من البشر كهنة!
نعم إنه كهنوت يجلب مكافأة عظيمة!
الإنسان الرحوم (الكاهن) لا يرتدي ثوبًا إلى الرجلين، ولا يحمل أجراسًا ولا يلبس تاجًا، لكنه يتقمط بثوب الحنو المملوء ترفقًا، الذي هو أقدس من الثوب المقدس!
إنه ممسوح بزيتٍ لا يتكون من عناصر مادية بل هو نتاج الروح...! يحمل أكاليل المراحم، إذ قيل: "يتوجك بالمراحم والرأفات" (مز 103: 4).
عوض الصدرية الحاملة اسم الله يصير هو نفسه مثل الله.
كيف يكون هذا؟ إنه يقول: "لكي تكونوا مثل أبيكم الذي في السماوات".
أتريد أن ترى المذبح؟ أنه ليس من عمل بصلئيل(6) ولا غيره من الناس. إنه من عمل الله نفسه، ليس مصنوعًا من حجارة، بل من مادة أكثر لمعانًا من السماء، إنها نفوس متقفلة...! أعضاء المسيح نفسه. أعضاء المسيح تكون مذبحًا لك...! على جسد المسيح تقيم الذبيحة...!
ما هي رائحة البخور الطيبة التي تصعد على هذا المذبح؟ إنه الحمد والشكر! تصعد (صدقتك) كما إلى السماء، لا بل تجتاز ما وراء السماء عينها، إلى سماءٍ السماوات، حتى تبلغ عرش الملك! إذ يقول: "صلواتك وصدقاتك قد صعدتا أمام الله(7)".]
"وأنت بالحقيقة صامت أعمالك تتكلم!"
هذه إحدى عشرات الألوف من القطع التي سجلها القديس يوحنا في عظاته وكتاباته، فقد دعي بـ"Almsgiver"...
كان في مدينة القسطنطينية بيت خاص بالعذارى والأرامل من بنات الأشراف، وكان قد اعتراهن الكثير من الفتور الروحي، فأعطاهن الأب البطريرك اهتمامًا خاصًا حتى سلكن في حياة روحية سامية، كما منعهن من التردد على البيوت والملاعب والحمامات العامة.
حرم الأب البطريرك على الآباء الكهنة قبول العذارى في بيوتهم حفظًا لسمعتهم، ومنعًا من إثارة أي شك لدى الشعب.
أوجب على العذارى والأرامل العمل ليحفظهن من الفتور والضعف الروحي بسبب الفراغ أو الملل، فكن يقمن بنسج ثياب الفقراء، والاهتمام بزينة الكنائس، والخدمة في المستشفيات. كما نصح الأرامل والحدثات غير القادرات على السلوك باحتشام أن يتزوجن ثانية، فالترمل في ذاته ليس خيرًا ولا شرًا، إن لم يتحول إلى طاقات حب لله وخدمته.
إذ نتحدث عن خدمة العذارى والأرامل لا نقدر أن نتجاهل الحديث في شيء من التفصيل عن الأرملة الشماسة أولمبياذا أو أولمبياس Olympias التي نالت شهرة فائقة في ذلك الحين، ارتبط اسمها باسم القديس يوحنا، لا يقدر أحد أن يكتب عنه ويتجاهلها.
لقد أعجب القديس الأسقف بالشماسة الأرملة من أجل حبها لله وسخائها في العطاء مع نسكها وتواضعها، فأعطاها اهتمامًا خاصًا، واستغل طاقاتها في الخدمة، حتى أدركت القسطنطينية كلها ذلك، لذلك عندما نفي الأسقف انصبت عليها اضطهادات كثيرة، لكنها أيضًا تقبلت رسائل تعزية من أبيها المتألم، تعتبر مصدرًا هامًا لتاريخ حياته في أيامه الأخيرة.
لا تدهش إن كان كارز ناجح مثل القديس يوحنا الذهبي الفم وقد ذاب قلبه حبًا من أجل الخدمة وحسب شعبه كل حياته، يتطلب في الراعي يقظته لا في خلاص الآخرين بل خلاص نفسه أيضًا، إذ يقول "إن كلامي أكثر فائدة لحياتي من الذين يسمعونني(8)"، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. كأنه يضع نفسه أول المحتاجين إلى الكرازة والتعليم. لقد عرف خطورة هذا العمل وصعوبته، حتى ليصعب على نفس الراعي أن تخلص متى انجرفت وسط زوابع الخدمة واهتماماتها، إذ يقول(9):
[إني أعرف خطورة هذه الوظيفة وصعوبة عملها، والزوابع الشديدة التي تجتاح نفس الكاهن فإنها أقسى من الزوابع التي تسبب للبحر اضطرابًا.]
[لست أظن أن كثيرين من الأساقفة (والكهنة) يخلصون بالحري أكثرهم يهلكون بسبب أن أعمالهم تطلب عقلًا عظيمًا.]
[الرجل العلماني إذا زل ينتصح بسهولة، أما الإكليريكي فإذا صار رديئًا يضحي غير قابل للنصح.]
[لست أظن أن كثيرين من بين الأساقفة يخلصون، بل كثير جدًا منهم يهلكون، والسبب في هذا أن هذا العمل يتطلب ذهنًا عظيمًا... إن هلاك نفس واحدة (من رعاياه) تحمل عنها عقوبة لا يمكن للغةٍ أن تعبر عنها. فإن كان خلاص تلك النفس ذات قيمة عظيمة بهذا المقدار أن صار ابن الله إنسانًا واحتمل الكثير، تأملوا أية مرارة تكون عقوبة من يفقد هذه النفس. لا تقل إنها خطأ الكاهن أو الشماس. فإن الجريمة تقع لزامًا على رأس من سامهما(10).]
=[إن أخطأت كشخصٍ، فإن عقوبتك ليست عظيمة هكذا كما إن أخطأت كأسقف، فإنك تهلك(11).]
أ. لقد عالج القديس الكثير من الضعفات التي يتعرض لها الكاهن في بحر الخدمة المتسع، أهمها "صخرة المجد الباطل المرعبة" التي يسميها أخطر جنيات البحر"... التي أرعبته فهرب من الخدمة، قائلًا(12):
"من عهد إلي بهذا العمل يكون كمن قيد يدي خلف ظهري، وقدمني للوحوش المفترسة، وسجني في تلك الصخرة (حب المجد الباطل) فأتمزق إربًا يومًا فيومًا.
هل تسألني: ما هي هذه الوحوش المفترسة (التي تعيش على الصخرة)؟
أنها الحنق، اليأس، الحسد، العداوة، الوشاية، اتهام الآخرين، الكذب، الرياء، تدبير المكائد، الغضب على من لا يصنع بي ضررًا، السرور بأمور غير لائقة يصنعها الكهنة، الحزن على نجاحهم، حب المديح، الرغبة في الكرامة، التي يحق أن تسحب النفس البشرية برعونة إلى الهلاك الأبدي، التعليم بما يري الناس، الإطراء الدنيء، التملق غير اللائق، احتقار الفقير، محاباة الغني، طلب الكرامة المضرة، الخوف، عدم الوضوح في الحديث إلخ...
هذه هي الوحوش، بل وأكثر منها تتولد على هذه الصخرة التي تحدثن عنها...
لكنني لا أستطيع أن أحمل الكهنوت مسئولية شرور الكهنة، وإلا كان هذا جنونًا مني. فالعاقلون لا يلومون السيف الذي في يد المجرم ولا الخمر بالنسبة للسكير ولا القوة بالنسبة للمغتصب ولا الشجاعة بالنسبة للمشهور، بل يلقون باللوم على إساءة استخدام العطايا الممنوحة لهم من قبل الله.
بالتأكيد سيديننا سر الكهنوت إن لم نحسن استخدامه، فهو في ذاته ليس سببًا للشرور السابق ذكرها".
"من يدخل عمل التبشير وبه رغبات كهذه (حب المديح)، أي آلام وشدائد تلاحقه؟ أنه من الهين أن يكون البحر بلا أمواج عن أن يكون مثل هذا الشخص بلا متاعب أو أحزان!(13)".
خاف القديس يوحنا على نفسه كبطريرك القسطنطينية فقال(14):
أني أسكب الدموع عندما أرى نفسي في كرسي فوق كراسي الآخرين، وعندما يقدم لي احترام أكثر من غيري".
ب. أما الخطر الثاني الذي يتعرض له الراعي فهو انحراف نظرته إلى إخوته الخدام، أما بحسد أكثر من هم أكثر منه موهبة، أو الزهو على من هم أقل منه موهبة... فأن الله قد أعطى كل خادم موهبة بالقدر الذي يتناسب معه لخلاص نفسه ومجد الله وبنيان الكنيسة، ليشكر الله عاملًا حسب ما أُعطى من موهبة، متحدًا مع إخوته الخدام بروح واحد من أجل غاية واحدة.
يقول(15): "بما أن المعطي واحد... فأنك إن أخذت موهبة أصغر إنما لنفعك. فلا تحزن كأنك مرذول، لأن الله لم يصنع بك ذلك احتقارًا منه بك، ولا لأنك أقل من الآخرين، إنما لأجل فائدتك. فلو حمل إنسان موهبة أكثر من إمكانياته تكون غير مفيدة بل ضارة له، وتؤدي إلى رفضه".
"هذه هي إرادة الله في توزيع المواهب، ليس لنا أن نعارض.
لعلك لا تزال مضطربًا، فلتنظر أن عملك الصغير غالبًا ما لا يستطيع أخوك (الذي تجسد لعظم مواهبه) أن يقوم به. فبالرغم من صغرك عنه لكنك أنت بهذا نافع".
"لم يعط المعلمون لنا ليقاوم بعضنا البعض، إنما للتآلف فيما بيننا..."
ج. لعل ظروف القديس يوحنا جعلته يحذر رجال الكهنوت من خطر "دخول النساء" في حياتهم. فقد استطاعت بعض النسوة الملتفات حول الإمبراطورة أن يسببن الكثير من المشاكل في الكنيسة بالقسطنطينية خلال تأثيرهن على بعض الكهنة.
"من يسقط أسيرًا في المجد الباطل يسقط إلى عمق العبودية حتى يصل أحيانًا إلى أمور لا يليق ذكرها، إذ يهتم كيف يسر النساء.
حقًا أن الشريعة الإلهية قد استبعدت النساء عن الكهنوت لكنهن يسعين إلى دفع أنفسهن فيه، وإذ لا يستطعن ذلك بأنفسهن يصبغن إياه عن طريق الآخرين (أي بتأثيرهن عن الكهنة)...
يوجد البعض، بل كثيرون من الكهنة أسمى من هذه الإشراك، لكن البعض سقطوا فيها(16)".
_____
الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:
(1) Soz. 13: 2. Palladuis 5: 19.
(2) Soz. 8: 2. راجع ص 67 من هذا الكتاب (مشكلة الأخوة الطوال)
(3) H. Chadwick: The Early Church, p 187.
(4) Soz. 8: 5.
(5) In 2 Cor. Hom. 20 (P. G 61: 540).
(6) (خر 31: 2) صانع خيمة الاجتماع.
(7) (أع 10: 4).
(8)In 2 Thes, PG 62:498.
(9) الحب الرعوي ص 157، 162، 164.
(10) Hom. On Acts, Homily 3.
(11) Hom. on Acts, Homily 3.
(12) الحب الرعوي ص 192-193.
(13) الحب الرعوي ص 196. راجع ص 193-196، 197-201.
(14) الحب الرعوي ص 764.
(15) الحب الرعوي ص 770-775.
(16) الحب الرعوي ص 668.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/chrysostom/bishop.html
تقصير الرابط:
tak.la/zjry6z9