كنيستنا القبطية كنيسة آباء، تحيا الروح الآبائية الأصيلة ليس كتعليم وحسب، لكن كأحشاء روحية داخلية ميزت معاني الكتب المقدسة والأفكار الصالحة والثبات في الفضيلة، بروح مستقيم.... روح الحق، روح الاستقامة المؤسس على الصخر، والبعيد عن كل روح غريب، في استقامة الحياة والفكر.
تلك الروح الآبائية إنما هي دموع التائبين، وعرق الكارزين، وجهاد النساك، ودماء الشهداء، واعتراف المؤمنين، ومكابدة المدافعين، وتدبير الرعاة، وبذل الآباء الأولين الذين أسسوا جدران الكنيسة الروحية على اعتراف وتسليم الرسل الأطهار وكتاباتهم الماهرة التي هي كلمة الله الحية والفعالة والمحملة بثمار المعرفة المقدسة غير الفاسدة.
وتستطيع الكنيسة أن تنتفع من الأبحاث العلمية الحديثة في مجال دراسة الآبائيات الخاصة بعلم الباترولوچي، لأنها دعوة حياة وثبات في الفكر المسيحي الأول.
الأمر الذي جعلني أقدم سلسلة الآباء (ΥΘΧ Ι) في العيد المئوي للكلية الإكليريكية، من أجل نشر المعرفة الآبائية في عهد عاهلها حامى الإيمان ثالث عشر الرسل قداسة أبينا البابا شنودة الثالث قاضى المسكونة، الذي دفع عجلة البحث العلمي إلى الأمام، خلال الكليات الإكليريكية المنتشرة في ربوع الكرازة بالداخل والخارج، بعد أن شقت طريقها بواسطة اللجنة العليا للتربية الكنسية على يد الأرشدياكون حبيب جرجس.
ويأتي الاهتمام بفكر القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس لكونه حاملًا لروح التقليد الكنسي الأرثوذكسي والرسولي، كمعلم له عمله الأسقفي والأبوي بعد أن أتى إلى مصر ليتتلمذ على حكمة آباء البرية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. مقدمًا عصارة فكره وحياته سواء على مستوى التعليم والدفاع عن العقيدة أو على مستوى الرعاية والخدمة إلى النفس الأخير، فعلم وعمل، لذلك دعى عظيمًا في ملكوت السموات.
ولتفوق القديس أبيفانيوس الذهني والروحي بلغ أرقى درجات القداسة الشخصية وتأهل للأسقفية، فصار أسقفًا وراعيًا، يجاهد ليحمى القطيع من الذئاب الخاطفة، وبالرغم من ارتباطه بإبراشية قبرص التي أقيم عليها أسقفًا، إلا أنه سافر مرارًا كثيرة من أجل الدفاع عن الإيمان والحفاظ على نقاوته ووقاره، في حماس وغيرة أرثوذكسية، حتى أنه تنيح في سفينة.
وأبونا القديس ابيفانيوس صاحب هذه السيرة، مفكر موهوب وكاتب كنسي تقليدي له كتاباته ورسائله المشبعة بالحق الإلهي الذي تسلمه من الآباء السابقين له، فجاءت كتاباته غنية في التعليم والعقيدة، وتثبيتًا للإيمان السليم وشرحًا وافيًا للعقيدة المستقيمة، مرجعها الأول "الإيمان" وهدفها النهائي "الحياة الروحية".
لقد كانت هرطقة أريوس في القرن الرابع هي محور جهاد ودفاع آباء الكنيسة على مدى قرنين من الزمان، والتي تصدى لها أشهر آباء القرن الرابع "البابا أثناسيوس الرسولي"، واستلم منه الشعلة بعد الآباء الكبادوك في الشرق، والقديس هيلارى في الغرب، والقديس أبيفانيوس أسقف سلاميس (315-403 م.) الذي رأى أن أعظم تعبير عن الإيمان الرسولي هو قانون الإيمان الذي ختمه الآباء المجتمعون في نيقية، وربما بدون هذه الهرطقة ما كان ممكنًا أن يتحقق الاتزان الروحي واللاهوتي في التعليم، إذ أن الهرطقات بعثت دافعًا قويًا لمزيد من النشاط التأليفي والدراسي.
وقد نقل لنا القديس أبيفانيوس صورة من الصور الرائعة لشخصية البابا أثناسيوس في مواقفه الحازمة مع الإمبراطور قسطنطين، ناقلًا لنا آخر جملة نطقها البابا أثناسيوس في وجه الإمبراطور بعد أن فقد كل أمل في عدالة الأرض: "الرب يحكم بينى وبينك!!".
وكتب القديس في تسجيلاته التاريخية يقول "إن غاية البابا أثناسيوس العميقة التي تجيش في قلبه من متابعة المنشقين عن الإيمان خلال زيارته الرعوية الكبيرة، لا أن يخضعهم بالعنف بل أن يضمهم إلى الكنيسة بالحب والإقناع".
أبيفانيوس، فيشعر في نفسه بالالتزام أن يرد على كل هرطقة حتى أنه لقب بصائد الهرطقات Heresy-Hunter، وإذ هو ناسك أحس أن أوريجين قد أفسد بساطة ونقاوة الإيمان الحقيقي، فأدان هرطوقيته وتابعيه الذين شغفوا بفكره.
بكى أبيفانيوس وحزن كثيرًا على الهراطقة، ويعتبر المؤرخ الوحيد الذي اعتنى بسرد تاريخ انشقاقهم.
وقد اعتمدت بالأكثر على ما ورد في مجموعة "باترولوچي Patrology" لمؤلفها عالم الآبائيات الشهير ﭼونز كواستن Johannes Quasten المجلد الثالث.
بركة القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس وصلوات قداسة أبينا ومعلمنا ومعلم هذا الجيل البابا شنودة الثالث وشريكه في الخدمة الرسولية صاحب النيافة الحبر الجليل الأنبا بنيامين النائب البابوي بالإسكندرية تكون معنا ولربنا المجد دائمًا أبديًا آمين.
صوم الميلاد
1992
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/st-abifanios/intro.html
تقصير الرابط:
tak.la/jm95yhm