محتويات
* لا نستطيع أن نجزم من هو واضع هذا الكتاب بدقة، لأن الكتاب له طابع النبوة يصعب فيه التمييز بين الرمز والحقيقة ولكن أغلب الدارسين يميلون إلى أن هرماس هو كاتب هذا الكتاب.
* "هرماس" هو أخو بيوس الأسقف التاسع في ترتيب أساقفة كنيسة روما حوالي عام 140 م.
* "جاء بالوثيقة الموراتورية (القرن الثاني) أن "هرماس كتب كتاب الراعي في زمن حديث جدًا، حين أعتلى أخوه بيوس الأسقف كرسي مدينة روما".
* وقد أكد أوريجينوس على هذه الشهادة في تعريفه لهرماس بأنه هو نفسه الذي ذكره القديس بولس في الرسالة إلى رومية (14:16).
* وهرماس كما يقول عن نفسه، ينحدر عن أسرة يونانية، جيء به إلى روما وهو بعد شاب صغير وبيع هناك عبدًا، واشترته سيدة مسيحية تدعى ردودًا. فأعتقته وتزوج وحقق ثروة لا بأس بها في التجارة والزراعة. لكن يبدو أن أخلاقيات الأسرة لم تبلغ نفس رُقى تجارته وثروته، حتى أنهم أنكروا الإيمان أثناء الاضطهاد! لكن بقى هرماس وحده يواجه بشجاعة تلك المحنة التي أحاطت به وبأسرته وهو الأمر الذي يُحسب له وخسر كل ثروته ما عدا مزرعة واحدة صغيرة كانت بالكاد تكفى احتياجاته. وتسبب الاضطهاد في تحوله الكامل إلى إنسان مسيحي تقي.
* لم يعتبر هرماس نفسه مُصلحًا لاهوتيًا، بل كاهنًا راعيًا يتحدث باسم الإكليروس في عصره. عاش أواخر أيامه حياة العفة وإماتة الذات والشهوات والبساطة في السلوك والحياة، مارس حياة الطهارة وهو كاهن ممتلئ بالإيمان الحي والغيرة على خلاص نفوس الآخرين والدفاع عن توبتهم وغفران آثامهم كما لم يكن موهوبًا في الكتابة والتأليف، ولم يكن لاهوتيًا بالمعنى الحرفي للكلمة، لكنه كان "معلمًا أخلاقيًا ممتازًا مراقبًا وملاحظًا لممارسات عصره وواعيًا لسلوكيات أبناء جيله، مرشدًا معتدلًا في إعطاء النصائح والإرشادات يفرق بشكل قاطع بين الوصايا الملزمة والمشورات التي تؤدى إلى طريق الكمال في الفضائل المسيحية".
يرجح أن التأليف بدأ في زمن رئاسة كليمندس وانتهى في عهد بيوس.
* إن كتاب الراعي لهرماس هو أوسع ما وصل إلينا من آثار الآباء الرسوليين.
* إن كتاب "الراعي" لهرماس يُعتبر من أكثر الكتب شهرة إن لم يكن أشهرها جميعًا في الكنيسة المسيحية في القرنين الثاني والثالث وكذلك الرابع. لدرجة جعلت بعض علماء الكتاب يعتقدون أنه موحى به من الله.
* ولكن ولما استقرت الكنيسة على تحديد الأسفار القانونية لم يدخل ضمنها هذا الكتاب وإن كان قد ظل إلى فترة طويلة يحظى باحترام الآباء واقتباساتهم. فالقديس أثناسيوس الرسولي بابا الإسكندرية (البابا الـ20) في القرن الرابع يقول عنه إنه (الكتاب الجليل النفع) مع انه يعترف بأنه (ليس داخلًا ضمن قانون الأسفار المقدسة) وكان يقتبس منه أحيانًا في كتاباته.
* ولا شك أن الكنيسة الجامعة حينما أجمعت على عدم إضافة هذا الكتاب إلى قانون الأسفار المقدسة، بالرغم من توقير كثير من آباء الكنيسة له ككتاب نافع للقراءة على عامة الشعب في الكنيسة إنما كانت تعبر عن وعيها الرسولي وذاكرتها التي لا تخطئ في إحساسها بالوحي الإلهي أين هو؟ وفي أي سفر أو مؤلف من المؤلفات يكمن؟ وفي أيها لا يتوفر؟
* كتاب "الراعي" كتاب رؤيوي يحكى عن رؤى أعطيت لهرماس في روما على هيئة رمزين سماويين، الأول امرأة عجوز، والثاني ملاك في هيئة "الراعي". وبسبب هذا الرمز الثاني أطلق على الكتاب اسم "الراعي".
* وهو عبارة عن عمل أدبي رائع تأثر به كثير من الأدباء الحديثين مثل: دانتي Dante Alighieri في كتابه "الكوميديا الإلهية" La Comedia Divina ويوحنا بنيان في كتابه "سياحة المسيحي". ومن دلائل العلماء على تأثر دانتي بهذا الكتاب، وجود تشابه لا يشك فيه بين رودا (امرأة هرماس) وبياتريس (عند دانتي Dante).
* ويمتاز الكتاب بسلسلة من الإرشادات والنصائح حول "ضرورة التوبة". وفي الرؤى يظهر بعض الأشخاص يرسلهم الله إلى هرماس لمنفعته، أولهم سيدة مُسنة شريفة تمثل الكنيسة، ثم تتخلى هذه عن شيخوختها تدريجيًا لتظهر في النهاية عروسًا لائقة بالمسيح، وقد ظهرت له أربع مرات متتالية ترشده نحو الصلاح، وفي الرؤيا الخامسة يظهر له الراعي الذي يبقى معه إلى النهاية، وهو ملاك التوبة. الذي يكلفه بواجب كرازة التوبة وغفران الخطايا لمن يريدون الخلاص. ويفرح هرماس بتوبة أولاده الذين يراهم وقد عادوا إلى حظيرة الإيمان قبل الانتهاء من كتابة العمل الذي أنجزه على عدة مراحل.
1- الأخطاء التي وقع فيها بخياله الدنس، بالإضافة إلى خطايا أسرته.
2- الظروف التي عانى منها بسبب الإكليروس والعلمانيين.
3- وتكراره بإمكانية الغفران بعد التوبة.
* كان هرماس بحق أول المدافعين كتابة لا عن عقيدة كنيسة، إنما عن التائبين (تمامًا مثلما كان البابا كالستوس بابا روما في القرن الثالث).
* وكتاب الراعي حسب تعريف البابا أثناسيوس له، عمل نافع من الأعمال شبه النبوية التي يظهر أثرها بشكل إيجابي في أخلاقيات المسيحي وحياته.
* اعتبره القديس إيرايناؤس وكليمندس الأسكندرى، وكذلك أوريجينوس عملًا إلهاميًا وصنفوه مع الكتاب المقدس!
* وكان لترتليان نفس الرأي ولكن سرعان ما عدل عن رأيه وقال عنه أنه: "مؤلف عن الزناة".
* "أما الوثيقة الموراتورية ويوسابيوس القيصري فقد اعتبروه كتابًا نافعًا للتعليم. ولكن بعد قوانين جلاسيوس صنفه البابوات في الغرب ضمن الأبوكريفا، وإن كان عملًا أدبيًا من التراث الرؤيوي الآبائي ذا نفع روحي جزيل لمن يقرأه.
1- الرؤى: وهي مقدمة العمل وتمهيد، في خمس رؤى.
2- الوصايا: أو الإرشادات العملية في أثنى عشر وصية.
3- الأمثال والاستعارات وعددها عشرة.
* الرؤيا الأولى: تبدو الكنيسة كامرأة مسنة ضعيفة جالسة على كرسي فضة إشارة إلى التوبة عن خطاياه وخطايا عائلته قائلة له (لأنك "يا هرماس" كنت عجوزًا بروحك وكنت بلا قوة بسبب فتورك وتشكك... لأنكم أنتم المسترخون في الأمور الحياتية قد أسلمتم أنفسكم إلى اليأس بدلًا من أن تلقوا همومكم على المخلص).
* الرؤيا الثانية: تستعيد الكنيسة قوتها وتظهر كامرأة تقف على قدميها بوجه أكثر قوة وإشراقًا، وذلك لأن هرماس كان كإنسان شيخ أقعدته خطايا أسرته وهمومه وأحزانه واستولى عليه اليأس... لكنه حينما سمع إعلان المخلص له، وتحننه عليه عادت إليه القوة في الإيمان، كإنسان سقطت عليه ثروة ما كان يحلم بها فجأة.
* الرؤيا الثالثة: تظهر الكنيسة صبية جميلة فرحة (كما أن إعلان الخير يُنسى الرجل أحزانه الماضية، فلا يفكر إلا في البشارة الجديدة، فتعود إليه كل القوى التي تفعل الخير ويشعر أن روحه قد عادت شابة بالفرح الذي غمره (هكذا صار هرماس)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى... أما كون المرأة جالسة على كرسي، فلأنها أرادت أن توضح رسوخ مركزها وثباته)
* الرؤيا الرابعة: يظهر تنين مرعب فوق رأسه، يرمز إلى الاضطهادات المحدقة لكنه لا يؤذى المؤمن الثابت في إيمانه. وتظهر الكنيسة خلف التنين في شكل عروس جميلة متوجه، رمز سعادة المؤمنين وقبولهم في الكنيسة الخالدة الآتية:
* يقول هرماس (بعد أن اجتزت التنين... قابلت فتاة مزينة كأنها خارجة من عرس... فغمرتني رؤيتها فرحًا فصافحتني... وقالت: "إذا كنت فد نجوت من التنين، فلأنك ألقيت همومك على الله، وفتحت له قلبك وآمنت أنه لا خلاص لأي إنسان إلا بواسطة اسمه العظيم... اذهب وفسر لمختاري الله أعماله المجيدة، وعرفهم أن هذا الوحش صورة للأحزان المستقبلية العظيمة. استعدوا وتوبوا من أعماق قلوبكم... آمنوا بالمخلص أيها المؤمنون المتأرجحون!!)
* الرؤيا الخامسة: يظهر ملاك التوبة في ثوب راعى يدبر أمور التوبة، ويعلن الوصايا الواجب حفظها، وهى الوصايا الاثنتي عشر التي نناقشها في القسم الثاني.
* ملاك التوبة لم يظهر لهرماس إلا بعد توبته واعترافه وفرحه الغامر، ولهذا تمتع برؤية الكنيسة الشابة الجميلة الغالبة للتنين، المتوجة بأكاليل النصرة... هذا المنظر غمره بالفرح وبعث فيه الرجاء الذي يشجعه على قبول الوصية والجهاد من أجلها لأنه يجب أن نكتشف الحياة الكنسية المجيدة المنتصرة على الشر والمتوشحة بقداسة مسيحها حتى نقبل الوصية بفرح، كطريق ملوكي ننعم فيه بشركة مسيحنا واهبًا الغلبة والقداسة في ثقة في وعده بالغلبة "ثقوا أنا قد غلبت العالم" وتصبح الوصية ليست صعبة لأنها طريق ملوكي ننعم فيه برفقة المسيح واهب النصرة.
* تسلمها هرماس من ملاك التوبة (في شكل راع) ونوجزها فيما يلي:
1- الإيمان بالله الخالق وخشيته: "آمن أن الله خالق ومدبر الكل... وأخشه وإذا خشيته تتعفف".
2- البساطة وعدم النميمة: "كن بسيطًا كالأطفال، أعط ببساطة ما تنتجه بأتعابك للمحتاجين لأن المعطى هو الله".
3- الحق والصدقة: "أحبب الحق ولا ينطق فمك إلا به، ليرى الناس جميعًا حقيقة الروح الذي اسكنه الله فيك".
4- طهارة المتزوجين والسلوك الحسن: حافظ على النقاوة فلا يدخل فكر الزنا إلى قلبك.
5- طول الأناة: "إن كنت طويل الأناة فالروح القدس الساكن فيك يبقى نقيًا... طول الأناة يفوق العسل حلاوة".
6- السلوك في طريق العدل: "إذا فكر الرجل والمرأة في أعمال ملاك العدل في قلبيهما فإنهما يعملان أعمالًا صالحة، حتى لو كانا مجردين من كل صفات الخير... عندما تشعر بالتذمر والمرارة فأعلم أن الشيطان يسكن فيك... فابتعد عنه".
7- مخافة الله: "خف الرب وأحفظ وصاياه التي تقويك في كل أمورك، فلا يكون مثيل لأعمالك، مخافتك لله تعطيك سلطانًا على الشيطان فلا تخشاه".
8- صنع الخير (الصلاح): "إن فعلت الصلاح تحيا في الله، ويحيا أيضًا الذين يفعلون الخير مثلك".
9- الثقة بالله: "إن الذين يطلبون واثقين ينالون ما يريدون، لأن صلاتهم تخلوا من التردد والشك... أما إذا تسلل الشك إلى قلبك فلن تنال شيء".
10- تجنب الكآبة: "نق قلبك من الحزن المميت فتحيا في الله أنت وكل الذين طرحوا اليأس والحزن ولبسوا لباس الفرح.. وأطرد عنك الحزن (الكآبة) فأنه شقيق الشك والغضب، لأن الروح القدس الساكن فيك لا يحتمل الكآبة".
11- الأنبياء الكذبة وتميزهم: "من حياة المرء نميز النبي الكاذب من الحقيقي... الذي فيه روح الله يكون متواضعًا".
12- الرغبة الصالحة والشريرة: "كرس نفسك للرغبة الصالحة، وهكذا تستطيع أن تسيطر على الشهوة الشريرة".
1- الوطن السماوي والغربة: (يا خدام "عبيد" الله: إنكم تعرفون أنكم تقيمون في الغربة وأن وطنكم بعيدًا جدًا... فلماذا تقتنون الحقول والمساكن والقصور؟!. من يهيئ نفسه لهذه الحياة يصعب عليه أن يعود إلى مدينته الحقيقية).
2- الكرمة وشجرة الدردار: "كمثل للتعاون بين الغنى والفقير" (لأن الكرمة التي تعلو فروعها شجرة الدردار تعطى ثمرًا جيدًا وكثيرًا، أما إذا تُركت فوق الأرض فأنها تعطى ثمرًا قليلًا ومتهرئًا... الغنى يملك ثروة كبيرة إلا أنه فقير في خدمة الله.. أما صلاة الفقير فهي غنية ومقبولة عند الله.... الغنى والفقير يتمان عملًا واحدًا يرضى الله، هذا بالصلاة، وذاك بماله الذي أعطاه الرب).
3- الأشجار العالية في العالم "الشتاء": "لأن الصديقين والخطاة لا يتميزون في هذا العالم بل يتشابهون... ففي الشتاء تفقد جميع الأشجار أوراقها... ويصعب التميز بين الأشجار الميتة والأشجار الحية".
4- تمايز الأشجار في الدهر الأتي: "الصيف" (كما أن ثمار الأشجار تظهر في الصيف وكل شجرة تُعرف من ثمارها، هكذا سيُعرف الصديقون المثقلون بالأوراق من ثمارهم أما الوثنيون والخطاة الذين ترمز لهم الأشجار اليابسة فإنهم سيظهرون حاقدين في الدهر الأتي ويُلقى بهم في النار لأعمالهم الشريرة).
5- الصوم كتضحية مقبولة: (صُمْ للرب هكذا: لا تصنع الشر، وأعمل بقلب نقى وأحفظ وصايا الله... أجمع المال الذي وفرته بسبب صيامك وأعطه إلى محتاجيه... وبهذا تصبح تضحيتك مقبولة عند الله).
6- رؤية ملاك الشهوة وملاك العقاب في ثوبي راعيين: يمثل القطيع الغبي حشدًا عظيمًا من النفوس الذين يحيط بهم خطر الهلاك وإذا يقودهم ملاك الشهوة إلى الشر فأن الله يسلم الخطاة الذين يلهون دون فرح إلى ملاك العقاب ليعاملهم بقسوة، ليردهم عن ضلالهم وغيهم إلى الطريق الثواب "المستقيم". وهذه العقوبة عادلة بسبب خطايا الناس.
7- هرماس وعائلته بين ملاك العقاب وملاك التوبة: بينما عانى هرماس من شدة العقاب لجأ إلى التوبة مفضلًا أن يتحمل آلامها الشافية... يقول ملاك التوبة: (يجب على التائب أن يفرض الألم على نفسه، وأن يكون متواضعًا وأن يتحمل آلامًا متعددة... فيتراءف خالق الكون عليه ويشفيه من كل شروره، لأنه عارف مكنونات القلوب) (قطع 4، 5).
8- عمل النعمة وشجرة الصفصاف: هناك شجرة صفصاف ضخمة، تمثل ناموس الله المعطى لكل العالم والنعمة المعطاة في الابن، وهى شجرة تظلل على كل المسيحيين في العالم (تشبيه 8، 3) ويقطع الملاك ميخائيل فروعها وأغصانها ويعطى لكل واحد ثم يجمعها بعد حين، وتكشف حالة الأغصان العائدة عن ضمائر الذين حملوها معهم.. ومن بين ثلاثة عشر صنفًا من المسيحيين، فإن ثلاثة فقط هم الذين يدخلون إلى الكنيسة (البرج) في مجد عظيم، وهم: "الشهداء والمعترفون والأبرار، أما كل الباقين فهم خطاة عليهم بالتوبة لنوال الخلاص حسب إرشادات الراعي.
9- الكنيسة كبرج عجيب مبنى على صخر الدهور: نرى منظر البرج الذي ظهر في الرؤيا الثالثة يتم اكتماله، ففي وسط سهل أركاديا تقف هذه الصخرة القديمة (وهو ابن الله) وفي الصخرة باب جديد (التجسد) محاطًا باثني عشر عذراء (رمز للفضائل المسيحية) ويبنى الملائكة برجًا "الكنيسة" على الصخرة والباب (إشارة إلى الإيمان بالمسيح الصخرة والباب بواسطة الأحجار "المؤمنين" التي يحصلون عليها من مجارى المياه (إشارة إلى المعمودية)، أو من الاثني عشر جيلًا (تشبيه للعالم كله حيث هذه الجبال تمثل أثنى عشر سبطًا يقطنون كل العالم، إشارة إلى الكنائس المحلية المنتشرة في العالم والذين كرز لهم الرسل بابن الله) وكلهم يجب أن يعبروا من الباب، وعندما كانت هذه الأحجار توضع في مكانها من البناء فإنها كانت تفقد ألوانها وتصبح كلها بيضاء (إشارة إلى الكنيسة التي تصبح قلبًا واحدًا نقيًا وبهيًا في المسيح يسوع). وفجأة يتوقف العمل إذ يأتي السيد صاحب البرج ليمتحن نوعية وجودة الأحجار المستخدمة في البناء وكثير من الأحجار تطرح وتعطى للراعي ليعيد تشكيلها من جديد بالتوبة: لأن صاحب البرج يشتاق أن يستخدم كل حجر في البناء، وهكذا يصلح بعضها للبناء، أما بقية الأحجار التي لا تستجيب فتأخذها نساء جميلات يرتدين ملابس سوداء (الرذائل الاثني عشرة) وتمثل هذه الأحجار المؤمنين الذين لم يستجيبوا لنداء التوبة وهؤلاء يهلكون إلى الأبد.
10- وصية ختامية بالكرازة والتوبة: ينصح الملاك هرماس بأن يطهر وينقى بيته شخصيًا بالتوبة، وأن يدعو الجميع للتوبة، بينما البرج لا يزال في طور البناء، لأن عملية بنيان الكنيسة معلقة بإعطاء الخاطئ فرصة للتوبة (من انتزع نفسًا من العذاب يوقظ في داخله عالم من السرور، افعلوا الخير أنتم الذين أعطاكم الله خيراته... بناء البرج توقف بسببكم! إذا لم تسرعوا في عمل الخير، فسيتم بناء البرج وستبقون أنتم خارجه!). كما يقول هرماس أن الملاك وعده بأن الذي يتوب ويحفظ الوصايا ينعم بمشاعر الفرح والبهجة طول العمر وينال حياة في ذاته..
* إن التعليم عن التوبة كما ورد في هرماس كان محور مناقشات حادة. هذه المناقشة دارت حول الفقرة 4 و3 و1-6 التي تقدم حوارًا بين هرماس وملاك التوبة:
هرماس
(أنا سمعت، يا سيدي، من بعض المعلمين أنه ليست هناك توبة أخرى غير تلك التي كانت عندما غطسنا في المياه ونلنا مغفرة خطايانا السالفة).
فقال لي (الملاك):
* ما سمعته فهو صحيح لأن الأمر هكذا فعلًا. إن الذي نال مغفرة لخطاياه يلزم ألا يخطئ مرة أخرى بل أن يعيش في طهارة. ولكن حيث أنك تسأل بمثابرة عن كل شيء فسوف أوضح لك ذلك أيضًا، لا تفسح المجال للذين آمنوا الآن وسيؤمنون، لأن الذين آمنوا وسيؤمنون قد غفرت لهم خطاياهم السابقة التي قبل المعمودية. المعمودية تغفر الخطايا. والمخلص وضع التوبة للذين آمنوا قبل هذه الأيام، لأنه وهو العارف خفايا القلوب والمالئ الكل. رأى ضعف البشر ورأى أحاييل الشيطان والشباك التي يحاول أن يوقع بها خليقته. لذا تحنن برحمته وأوجد التوبة وأعطى لي سلطانها إني أقول لك إن الإنسان يخطئ خطيئة كبرى إذا وقع في التجربة بعد تلك الدعوة العظيمة الشريفة للإنسان نوبة واحدة أما إذا أخطأ ثانية وتاب، فتوبته باطلة ومن الصعب أن يجد الحياة.
قلت:
* لقد تنفست الصعداء بعد سماعي هذه الكلمات. لقد فهمت أنى إن لم أخطئ ثانية فسأخلص. وسيخلص أولئك الذين يفعلون هكذا.
* وحسب هذا النص فإن التعليم عن التوبة كما يقدمها هرماس تتلخص في النقاط الآتية:
أ- هناك توبة للخلاص بعد المعمودية.
ب- للتوبة طابع شمولي: فلذلك لا يمكن استبعاد أي خاطئ أو دنس أو جاحد. بل الخاطئ الذي لا يتوب هو الذي يُستبعد من الكنيسة.
ج- لابد أن نستحث الإنسان على التوبة. ولابد أن تؤدى التوبة إلى العلاج، والفرصة توفرها التوبة لا يصح إساءة استعمالها بالسقوط ثانية في الخطية. وهو يحرص على ضرورة العلاج حتى من الناحية الفسيولوجية. والكاتب ينشغل هنا بالرعاية أكثر من العقيدة، والحث على التوبة هنا يتم على أساس أسخاتولوجي، فلابد أن تتم التوبة قبل أن يصير "بناء البرج أي الكنيسة" حقيقة واقعة، لأن عملية بنيان الكنيسة معلقة بإعطاء الخاطئ فرصة للتوبة.
د- إن المعنى الحقيقي للتوبة هو تغيير شامل للخاطئ، ورغبة صادقة في أداء التأديبات الاختيارية، والصوم، والصلاة من أجل طلب مغفرة الخطايا التي ارتكبت.
ه- التبرير الذي يحصل عليه الخاطئ بالتوبة لا يكون فقط تطهيرًا بل تقديسًا إيجابيًا كمثل التقديس الذي سبق أن ناله بانسكاب الروح في المعمودية.
و- إن التعليم عن التوبة، لدى هرماس، متماش تمامًا مع التعليم بان الكنيسة ضرورية لأجل خلاصنا. لذلك يتحدث هرماس عن صلوات يرفعها شيوخ الكنيسة (القسوس) عن الخطاة. والمصالحة بهذا المعنى ليست مذكورة صراحة، وذلك لأسباب عديدة ولكن لابد من قبول ورودها في ضمير الكاتب كحقيقة ضمنًا.
* إن القارئ لكتاب "الراعي" لهرماس يلاحظ أنه لم يذكر أبدًا لقب (اللوجوس الكلمة) في وصفه للسيد المسيح له المجد، بحسب عادة الكُتَّاب الكنسيين في ذلك الزمان. كذلك لم يستخدم اسم " يسوع المسيح"، لكنه يطلق على المخلص لقب "ابن الله" أو "الرب".
* تعتبر الكنيسة في نظر هرماس أنها أول خليقة بين كل المخلوقات، لذلك أتت إليه في شكل امرأة عجوز وقور، والعالم كله خلق خصيصًا لأجلها:
" لقد أوحى إلىّ يا أخوتي، وأنا مستغرق في نومي، بواسطة شاب جميل جدًا، وقال لي: من تكون المرأة المسنة التي أخذت أنت منها الكتيب؟ قلت: إنها سيفيلا أو سبله الحكيمة (إحدى نبيات الوثنيين). قال: لا، إنك مخطئ. قلت: ومن تكون إذا، أتكون الكنيسة ولماذا خلقت قبل الكل ومن أجلها وجد العالم".
* لا يقبل أحد في هذه الكنيسة إلا بنواله المعمودية:
(اسمع لماذا يبنى البرج فوق الماء. إن حياتنا خلصت وتخلص بالماء. للبرج أساس وأساس كلمة اسم الله العظيم الممجد، وسنده قوة المعلم غير المنظورة).
وفى المثل 16:9 يدعو المعمودية بالختم ويذكر تأثيرها.
* (لماذا أخرجت هذه الحجارة من الأعماق لتوضع في جدران البرج، مادام الرجال الذين تمثلهم هذه الحجارة كانوا يحملون في ذواتهم هذه الأرواح؟
* أجابني: كان عليهم أن يخرجوا من الماء لينالوا الحياة، ولم يكن بإمكانهم أن يدخلوا الملكوت قبل أن يطرحوا الطبيعة الميتة لوجودهم الأول. مع أن هؤلاء البشر كانوا أموات إلا أنهم قبلوا ختم الله ودخلوا الملكوت.
* وقد سبق وقال لي الراعي: الذين لا يحملون اسم ابن الله هم أموات، إلا أنهم ينالون الختم ويخلعون عنهم الموت ويلبسون الحياة. الختم هو ماء المعمودية. ننحدر إلى الماء ونصعد أحياء منه. هؤلاء سمعوا بالختم، فاختتموا لكي يدخلوا الملكوت.
* قلت: لماذا يا سيد صعدت الأربعون حجرًا من الأعماق كالأحجار السابقة، مع العلم أن البشر الذين كانت ترمز إليهم قد نالوا الختم؟
* قال: إليك السبب. الرسل والمعلمون بعد أن بشروا بابن الله وبالإيمان به ورقدوا في ابن الله وبقوته، بشروا به أيضًا أولئك الذين سبقوهم إلى القبر وأعطوهم ختم البشارة وأنزلوا معهم إلى الماء وصعدوا معهم: نزلوا أحياء وصعدوا أحياء. إذا اخذ الأموات الحياة بالرسل والمعلمين وعرفوا ابن الله، لهذا بعد أن صعدوا معهم أخذوا مكانهم مثلهم في البناء ودخلوا مثلهم إليه بدون صقل أو نحت، لأنهم كانوا ينامون في البر والطهارة الكبرى ولم يكن ينقصهم غير هذا الختم. أفهمت هذا التفسير؟ قلت: نعم يا سيد.
* وهكذا فإن هرماس يعتقد جازمًا بأن المعمودية ضرورية تمامًا للخلاص.
* وغير ذلك هناك بعض القواعد الأخلاقية التي وردت في سياق الرؤى والأمثال والوصايا عن العفة والزنا والزواج الثاني والفضائل المسيحية.
_____
(*) المراجع:
* الآباء الرسوليون - سلسلة آباء الكنيسة - ترجمة البطريرك إلياس الرابع 1970 م.
* الآباء الرسوليون - المدخل في علم الباترولوجى - القمص تادرس يعقوب 1991 م.
* آباء الكنيسة في القرون الثلاثة الأولى - د/ أسعد رستم 1983 م.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/patrology/hermas.html
تقصير الرابط:
tak.la/7axah95