محتويات |
وُلد في سميرنا (أزمير) في آسيا الصغرى في الغالب ما بين عام 140 وعام 160 م.
* اتصل بالعصر الرسولي من خلال معلمه بوليكاربوس.
* لأسباب غير معروفه ترك إيريناؤس آسيا الصغرى وذهب إلى بلاد الغال (فرنسا) وسيم كاهنًا على كنيسة ليون.
* وعندما عاد إيريناؤس من روما كان بوثينوس الأسقف الشيخ قد نال إكليل الشهادة وهو في التسعين من عمره، فصار إيريناؤس خليفته في الأسقفية:
* يُعد القديس إيريناؤس أهم لاهوتي القرن الثاني.
* وفي عام 177 م. أرسل إلى البابا الفثيروس في روما من قبل كنيسة ليون ليتوسط لديه ويراجعه في موضوع المونتانية، التي كان يحتضن أتباعها.
* عندما اختلف فيكتور أسقف روما مع الأساقفة الأسيويين في أمر عيد الفصح، كتب إيريناؤس إلى عدد من هؤلاء الأساقفة، وإلى فيكتور نفسه يحثهم ويرجوهم أن يحفظوا السلام والمحبة، لذلك قال يوسابيوس إن إيريناؤس عاش كما يليق باسمه لأنه أثبت أنه صانع سلام حقيقي كما هو تفسير اسمه.
* تاريخ نياحته غير معروف، ولكن جيروم يخبرنا أنه "عاش وظل يكتب حتى عهد الإمبراطور كومودوس Commodus الذي خلف الإمبراطور مرقس أنطونيوس فيروس على العرش وفي القوة" وتعد شهادة غريغوريوس أسقف تورز القائلة أن إيريناؤس نال إكليل الشهادة موضع شك، لأنها جاءت متأخرة، ويوسابيوس لم يشر قط إلى مثل هذا الاستشهاد.
* كرس إيريناؤس نفسه للعمل على دحض البدع الغنوسية عن طريق كتاباته ورسائله، وفي هذه الأعمال قدم تفنيدًا رائعًا وتحليلًا نقديًا لأفكار الغنوسيين وعقائدهم، وكانت معرفته التامة بالتقليد الكنسي والتي هي نتيجة تلمذته لبوليكاربوس ولتلاميذ آخرين للرسل، عونًا كبيرًا له في جهاده ضد هذه البدعة.
* وقد فقدت كتاباته في زمن مبكر، ولا يوجد إلا أثنين من أعماله الكثيرة التي كتبها باللغة اليونانية وأحد هذين العملين -وهو أهم أعماله- أصله اليوناني مفقود.
* وتعتبر كتاباته من أقوى ما كُتب في تراث الكنيسة الأولى.
* وهو يتكون من خمسة كتب، وينقسم العمل إلى قسمين:
القسم الأول: يتناول كشف ووصف البدعة الغنوسية، هذا القسم محصور في الكتاب الأول فقط.
القسم الثاني: يتكون القسم الثاني من هذا المؤلف وهو "الدحض" من أربعة كتب هي:
الكتاب الثاني: يفند بدعة الفالنتينيين وأتباع مرقيون بالاحتكام إلى العقل.
الكتاب الثالث: بالاحتكام إلى عقيدة الكنيسة في الله والسيد المسيح.
الكتاب الرابع: بالاحتكام إلى أقوال الرب.
الكتاب الخامس: أفرده إيريناؤس لشرح قيامة الجسد التي أنكرها جميع الغنوسيين.
* وقد عرف إيريناؤس كيف يقدم وصفًا بسيطًا واضحًا مقنعًا لعقيدة الكنيسة، لذا يظل عمله هذا أهم مصدر لمعرفة المنهج الغنوسي ومنهج الكنيسة الأولى.
هو كتاب دفاعي وهو يتكون من قسمين.
* يتناول القسم الأول (الفصول 4-42) المضمون الأساسي للإيمان المسيحي، فيشرح إيريناؤس فيه عقيدة الثالوث القدوس والخلق والسقوط والتجسد والفداء، ويصف علاقة الله بالإنسان منذ آدم وحتى السيد المسيح.
* أما القسم الثاني (الفصول 43-94) فيقدم أدلة على حقيقة الاستعلان المسيحي من أنبياء العهد القديم، ويقدم المسيح ابن داود المسيا المنتظر.
- من كتابات إيريناؤس الأخرى لا يوجد لدينا إلا أجزاء أو عناوين فقط:
* كتب رسالة إلى الكاهن الروماني فلورينوس عن أن "الله ليس صانع الشر" ويحتوى كتاب التاريخ الكنسي ليوسابيوس القيصري على مقطع طويل من هذه الرسالة.
* بعد أن ترك فلورينوس الإيمان المستقيم، كتب إيريناؤس عن "الثماني".
* كتب إيريناؤس رسالة أخرى عن "الانشقاق" إلى بلاستوس الذي كان يعيش في روما، ومثل فلورينوس كان يميل إلى الابتداع والانحراف الفكري، وحفظ لنا يوسابيوس عنوان هذه الرسالة فقط.
* ذكر جيروم في كتابه "مشاهير الرجال" أن إيريناؤس كتب كتاب صغير ضد "اليونانيين" وآخر عن التهذيب.
* يوجد جزء من رسالة أرسلها إيريناؤس إلى فيكتور أسقف روما في نسخة سريانية، وفي هذه الرسالة يطلب إيريناؤس من فيكتور أن يمضى قدمًا في مقاومة فلورينوس وأن يمنع انتشار كتاباته.
* حفظ يوسابيوس مقتطفات من الرسالة التي كتبها إيريناؤس إلى فيكتور بخصوص حساب الفصح.
* بالإضافة إلى ذلك كان يوسابيوس مطلعًا على كتاب لإيريناؤس بعنوان (عن المعرفة) وعلى "كتاب صغير فيه أحاديث متنوعة يذكر فيها الرسالة إلى العبرانيين وحكمة سليمان ويستشهد بصفحات معينة منهما" وهذا الكتاب الأخير هو في الغالب مجموعة عظات.
لإيريناؤس أهمية كبيرة كلاهوتي، وذلك لسببين:
أ- كشف السمة المسيحية المزيفة للغنوسية.
ب- نجح في الدفاع عن حقائق وعناصر إيمان الكنيسة الجامعة والتي أنكرها الغنوسيون أو أساءوا تفسيرها، حتى استحق أن يُدعى مؤسس اللاهوت المسيحي.
* ولم يكرس إيريناؤس فكره لوضع النظريات اللاهوتية بل على العكس، كان يميل دائمًا إلى الحذر من أي علم فكرى معرفي: "من الأفضل أن لا يعلم المرء أي شيء عن أي سبب لخلق شيء ما، بل يؤمن بالله ويستمر في محبته، من أن ينتفخ بمعرفة من هذا النوع فيسقط بعيدًا عن هذه المحبة التي هي حياة الإنسان، والأفضل أن لا يطلب الإنسان أي معرفة أخرى سوى يسوع المسيح، ابن الله، الذي صلب عنا، من أن يسقط في عدم التقوى عن طريق الأسئلة الخبيثة والتعبيرات والألفاظ الخادعة".
* وبالرغم من موقفه الحذر تجاه اللاهوت الفكري النظري، إلا أنه استحق مكانة وثقة عظيمة لأنه كان أول من صاغ العقيدة المسيحية في ألفاظ ومصطلحات، وفي مواجهته للهرطقات لم يكن عدوًا للهراطقة بل راع يطلب الخروف الضال، فتميزت كتاباته بأنها كتابات راع أكثر منها كتابات لاهوتي، إلا أنه يدرك أهمية المناظرة اللاهوتية لحماية الرعية من الشرود خارج الحظيرة.
* رغم أن معاصره ثيوفيلس الأنطاكي كان قد استخدم اللفظ "ثالوث ترياس"، إلا أن إيريناؤس لم يستخدمه في الحديث عن الله الواحد المثلث الأقانيم، بل كان يفضل أن يؤكد على بُعد آخر للثالوث في جهاده ضد الغنوسيين: ذلك هو التأكيد على أن الله الحقيقي الواحد هو نفسه خالق العالم وهو نفسه إله العهد القديم وهو نفسه أبو الكلمة.
* ورغم إن إيريناؤس لم يبحث العلاقة بين الأقانيم الثلاثة في الله، إلا أنه مؤمن تمامًا بأن وجود الآب والابن والروح القدس واضح في تاريخ البشرية، فالأقانيم الثلاثة موجودة قبل خلقة الإنسان لأن الكلمات "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تك 26:1) قالها الآب للابن وللروح القدس الذين يسميها إيريناؤس مجازيًا "يدي الله": "لأنه بيدي الآب أقصد الابن والروح القدس خُلق الإنسان كله".
* "ومن ثم فإن الإنسان إذ قد تشكل منذ البدء بيدي الله أعنى الابن والروح القدس، فإنه قد خُلق بحسب صورة وشبه الله:
* "الإنسان مركب من نفس وجسد، خُلق على مثال الله وتشكل بيديه أي بالابن والروح القدس".
* "ويشرح إيريناؤس مرة ومرات كيف إن الروح القدس يملأ الأنبياء بنعمة النبوة والوحي وذلك في خدمة الابن اللوغوس، وكيف أن الآب هو الذي يدبر كل ذلك، وهكذا يقدم إيريناؤس إيكونوميا (تدبير) الخلاص بأكمله في العهد القديم كتعليم رائع واضح عن الأقانيم الثلاثة في الله الواحد.
عن علاقة الآب بالابن يقول إيريناؤس بوضوح:
* "إذا سألنا أحد كيف وُلد الابن من الآب؟ نجيبه بأن أحدًا لا يفهم ذلك الميلاد أو الدعوة أو أيًا كان الاسم الذي يمكن أن نصف به ميلاده، الذي هو في الحقيقة لا يوصف على الإطلاق.. لكن فقط نعرف أن الآب هو الذي يلد والابن هو الذي وُلد".
* ونجد في إيريناؤس أول محاولة لفهم العلاقة بين الآب والابن بطريقة منهجية نظرية: "الآب عُرف بالابن الذي هو في الآب والذي الآب فيه".
* وكما دافع قديسنا أسقف ليون عن أن الآب هو خالق العالم ضد الغنوسيين، كذلك علم بأن هناك مسيح واحد، رغم أننا نلقبه بأسماء عديدة، لذلك المسيح هو نفسه ابن الله، وهو نفسه اللوغوس الكلمة، وهو نفسه يسوع المسيح الإله المتجسد، هو نفسه مخلصنا وربنا.
* إن محور خريستولوجيا إيريناؤس بل وكل لاهوته هو "الانجماع الكلى في المسيح" وقد استقى هذا الفكر من رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس حيث يوضح أن غاية الله النهائية من الخليقة كلها التي سيحققها في ملء الأزمنة هي "أن يجمع كل شيء في المسيح" (أف 7:1) ويقول إيريناؤس: "في ملء الزمان صار (الكلمة) إنسانًا منظورًا وملموسًا لكي يجمع كل شيء في نفسه ويحتوى كل شيء ويبيد الموت ويظهر الحياة ويعيد الوحدة بين الله والإنسان".
* وهذه الكلمة اليونانية التي استخدمها القديس بولس الرسول ثم القديس إيريناؤس تتركب من البادئة اليونانية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فهي تتضمن معنى "جمع الأطراف في رأس واحد" أو "تلخيص وتركيز الأشياء المتعددة في مجمل واحد" أو "تكميل الأشياء الناقصة".
وما يقصده إيريناؤس من الانجماع الكلى هو انجماع الكل في المسيح، إذ أن الله يُصلح الخطة الإلهية الأولى لخلاص الإنسان والتي أفسدها سقوط أدم، ويجمع الله عمله كله منذ البدء ويجدده ويستعيده ليراه ويعرفه في ابنه المتجسد الذي صار لنا بهذه الطريقة آدم ثان ولأن الجنس البشرى كله قد سقط بسقوط آدم، لذا كان لابد أن يصير الله إنسانًا لكي يجدد الجنس البشرى: "الأمور التي فنت كان لها جسد ودم لأن الرب أخذ ترابًا من الأرض وصنع الإنسان، ومن أجله تم كل تدبير مجيء الرب لذا صار (الرب) جسدًا ودمًا جامعًا ثانية في نفسه، ليس عملًا آخر بل نفس عمل يدي الآب الأصلي طالبًا ما قد هلك".
لكن بانجماع الإنسان الأول هذا، ليس فقط آدم شخصيًا بل الجنس البشرى كله اُستعيد وتجدد: "عندما تجسد وتأنس، جمع في نفسه تاريخ الإنسان الطويل جامعًا ومعطيًا لنا الخلاص كي ننال ثانية في المسيح يسوع ما فقدناه في آدم، أي صورة وشبه الله".
* فما يقصده إيريناؤس من "الإنجماع الكلى" هو إنجماع الخليقة مع الخالق نفسه في المسيح الذي يحقق في نفسه ملء الوجود الكلى للخالق والخليقة معًا: "فإن المسيح كما قلنا قد وحد الإنسان مع الله... فقد كان لائقًا أن الوسيط بين الله والناس بحق قرابته الخاصة مع كل منهما يعيد الألفة والتوافق بينهما ويقدم الإنسان إلى الله ويُظهر الله للإنسان... فإنه من أجل ذلك قد جاء مجتازًا في جميع الأعمار لكي يعيد للجميع الشركة مع الله".
* فغاية التجسد النهائية هي إعادة الشركة بين الله والبشرية وهذا هو ما لم يفهمه الهراطقة: "إن البعض لا يقبلون عطية التبني ويحتقرون الميلاد البتولي الذي به تجسد كلمة الله، وهم بذلك يحرمون الإنسان من الارتقاء نحو الله، ويصيرون غير شاكرين لكلمة الله الذي تجسد من أجلهم، فإنه لهذه الغاية صار ابن الله ابنًا للإنسان: لكي يتحد الإنسان بالكلمة ويقبل التبني فيصير بذلك ابنًا لله".
* وهكذا جدد المسيح كل شيء بهذا الإنجماع الكلى فيه: "ما الذي أعطاه الرب عند مجيئه؟ اعلم أنه أعطى كل الجدة بأن أعطى نفسه، هو الذي قيلت عن النبوات، لأن هذا قد أُعلن قبلًا، إن جدة ستأتي وتعطى حياة للإنسان".
* ذلك أن أفعال المسيح الخلاصية التي أتاها من أجل خلاصنا إنما تبلغ إلينا من خلال هذه الحقيقة الإلهية، أي تجميع البشرية كلها في جسد المسيح، لأنه يحوى في ذاته الكل ومنه ينبع الكل ويتجدد.
* يشرح إيريناؤس تلك المقابلة البديعة بين آدم والمسيح، على اعتبار أن الخليقة هي خليقته الخاصة، التي استجمعها ثانية في نفسه، فيقول أبو التقليد الكنسي: "استجمع ثانية في نفسه كل تاريخ الإنسان، مجملًا الخلاص ومقدمًا إياه لنا، حتى ننال ثانية في المسيح يسوع ما فقدناه في آدم (أي صورة الله ومثاله)، فالله جمع في نفسه خليقته القديمة، أي الإنسان، لكي يبيد الخطية، ويهلك الموت، ويحيى الإنسان "لذلك فإن كل أعمال الله حق" (تث4:32).
* ويعبر القديس إيريناؤس بلفظ رائع أن آدم لم يفلت من تحت يدي الله، إذ حتى بعد السقوط كانت يدا الله تمسكان به، ومن خلال العهد القديم "كان الكلمة حاضرًا مع البشرية إلى اليوم الذي اتحد فيه هو نفسه بخليقته وصار جسدًا".
* ويشرح القديس إيريناؤس كيف أُلغى عصيان آدم بمقتضى الطاعة الكاملة لآدم الثاني حتى ينال الكثيرون الخلاص والتبرير بطاعته، فيقول: "وهكذا صار الكلمة جسدًا حتى تبطل الخطية تمامًا بواسطة هذا الجسد نفسه الذي سبق أن ملكت فيه الخطية، لذلك أخذ الرب لتجسده نفس الشكل الأول حتى يشترك في المعركة عن سلفائه ويغلب في آدم ما صرنا نحن مغلوبين منه في آدم".
* وفي مجال المشابهة بين آدم والمسيح نجد القديس إيريناؤس يتكلم عن الاقتداء بالمسيح عندما يوهب الإنسان مشابهة الله ومثاله، فيقول: "حيثما صار الكلمة إنسانًا وشابه الإنسان، جعل الإنسان يشابهه، وبصيرورة الإنسان على شبه الابن صار عزيزًا في عيني الآب".
* ويبين لنا إيريناؤس أن تعاليم السيد المسيح ومثال المسيح لا يمكن أن ينفصلا عن عمل الصليب، لأنه فقط بتجميع المسيح في نفسه كل مرحلة من عمر الإنسان أكمل المسيح الخلاص، بل هناك على خشبة الصليب (شجرة الطاعة) أباد المسيح الموت الذي سببته خشبة العصيان.
* والوعد للمرأة الأولى بأنها ستسحق رأس الحية، يشرح المعركة بين المسيح والشيطان والتي حدثت على الصليب، وإن كان الشيطان قد غلب في المعركة ظاهريًا وإلى حين، لكن المسيح انتصر بعد ذلك إلى الأبد، وكان لابد أن رئيس البشرية نفسه يصير إنسانًا لكي يستجمع في نفسه الحرب الدائرة بيننا وبين عدو جنسنا وليدخل المعركة مع قاهر آدم فيقهره، مقدمًا الانتصار على الموت إلى الذين كانوا في آدم أسرى الموت والشيطان.
فنسل المرأة هو المسيح الغالب الذي سحق رأس الحية وأباد آخر عدو الذي هو الموت وأطلق سراح آدم لأن خلاص المسيح هو إبادة الموت.
* فالمسيح بواسطة آلامه أباد الموت والخطية، والفساد والجهل، وألبس المؤمنين عدم الفساد، ويقول القديس إيريناؤس: "المسيح حارب وغلب. لأنه إنسان خاض المعركة عن الآباء، وبطاعته ألغى العصيان تمامًا، لأنه ربط القوى وحرر الضعيف وبإبادته للخطية ألبس خليقته الخلاص".
* ويضيف القديس إيريناؤس أن: "نزول المسيح إلى عالم الأموات (الجحيم) كان فيه أيضًا تحرير آباء العهد القديم".
* ويسوق القديس إيريناؤس دليلًا على العلاقة بين الخلاص من الموت والخلاص من الخطية، ذلك هو معجزة شفاء المفلوج (مت2:9-9)، فهذه المعجزة تعنى أن ابن الله الوحيد قد أتى من عند الله لخلاص الإنسان، والله وهب غفران الخطية في ابنه ولأن المرض كان أحد نتائج الخطية فقد أصبح من اللائق أن الذي أتى بالخلاص (سوتيريا) يصير هو الآتي بالصحة والشفاء من الموت أيضًا.
* وفي مواجهة الغنوسيين يصر إيريناؤس على أن الذي أتى بالخلاص من الخطية هو الذي أتى بالخلاص من المرض، هو المسيح نفسه، لذلك حينما غفر المسيح الخطية (في معجزة المفلوج)، ففي الوقت نفسه شفى المرض، وبالتالي أبرأ من الموت وهكذا أعلن عن نفسه من يكون، لأنه لا يستطيع أحد أن يغفر الخطايا إلا الله وحده فخلاص الشفاء وخلاص المغفرة، الذي أتى به المسيح كشف عن انه هو كلمة الله نفسه، وأنه بالرغم من أنه صار إنسانًا وتألم من أجل البشر (كإنسان)، لكنه هو الله الذي صنع رحمة بالإنسان وغفر له خطيئته (كإله).
* أكد القديس إيريناؤس على الوجود الحقيقي لجسد ودم الرب في الإفخارسيتا، ويستدل على قيامة الجسد البشرى من حقيقة أن هذا الجسد قد تغذى بجسد ودم المسيح: "عندما ينال الكأس الممزوج والخبز المصنوع كلمة الله تصير الإفخارستيا جسد ودم المسيح، ومنها يتغذى ويحيا جسدنا وينمو. كيف إذًا يؤكدون أن الجسد غير قابل على تقبل عطية الله التي هي الحياة الأبدية، وهو الذي تغذى من جسد ودم الرب والذي هو عضو فيه؟.. هذا الجسد الذي تغذى بالكأس الذي هو دمه ونال نموًا من الخبز الذي هو جسده".
* "والآن كيف يقولون أن الجسد يمضى إلى الفساد ولا يتشارك في الحياة، وهو الذي تغذى بجسد الرب ودمه، أما أن يغيروا رأيهم أو يكفوا عن تقديم التقدمات التي ذكرتها لكن رأينا هو في توافق وهارمونية مع الإفخارستيا، والإفخارستيا تؤكد رأينا ونحن نقدم له مما له معلنين شركتنا ووحدتنا، معترفين بقيامة الجسد والروح، لأنه كما أن الخبز الذي من الأرض، بعد أن ينال استدعاء الله، لا يعود بعد خبزًا عاديًا بل يصير أفخارستيا مكونة من عنصرين أرضى وسماوي، كذلك أيضًا أجسادنا باشتراكها في الإفخارستيا لا تعود قابلة للفساد بعد أن نالت رجاء القيامة الأبدية".
* وكانت السمة الذبيحة للافخارستيا واضحة لإيريناؤس، لأنه يرى فيها الذبيحة الجديدة التي تنبأ عنها ملكى صاداق: "بعد أن أوصى تلاميذه أن يقدموا لله أبكار خلائقه -ليس كما لو كان محتاج إليها، بل لكي لا يكونون هم أنفسهم بلا ثمر أو غير شاكرين- أخذ خبزًا، وهو جزء من الخليقة، وشكر قائلًا "هذا هو جسدي" وأخذ الكأس وهى أيضًا جزء من الخليقة التي نحن منها، وأعلن أنها دمه، وعلم القربان الجديد الذي للعهد الجديد، والكنيسة إذ استلمت هذا مع الرسل، تقدمه لله في العالم كله، لذاك الذي يعطينا أبكار عطاياه في العهد الجديد من أجل حياتنا وغذائنا.
* وملاخي من بين الاثني عشر نبيًا، تنبأ قائلًا: "ليست لي مسرة بكم قال رب الجنود، ولا أقبل تقدمة من يدكم، لأنه من مشرق الشمس إلى مغربها اسمي عظيم بين الأمم وفي كل مكان يقرب لاسمي بخور وتقدمة طاهرة لأن اسمي عظيم بين الأمم قال رب الجنود" (ملا10:1-11) فبهذه الكلمات شرح بوضوح أن الشعب السابق (إسرائيل اليهودي) سيكف عن تقديم القرابين والتقدمات لله، لكن في كل مكان ستقدم ذبيحة له، ذبيحة طاهرة وسيتمجد اسمه بين الأمم".
* وقد شرح القديس إيريناؤس الفرق بين ذبائح العهد القديم وبين ذبائح كنيسة العهد الجديد فهو يقول: "نوع الذبيحة بصفة عامة قد أُلغى وبطل لأنه كانت هناك تقدمات في ذلك الحين، وهنا أيضًا تقدمات الآن، كانت هناك ذبائح وسط الشعب، والآن هنا ذبائح أيضًا في الكنيسة، لكن نوع الذبيحة فقط هو الذي تغير، لأن الذبيحة الآن ليست ذبيحة عبيد بل ذبيحة أحرار... كان اليهود يقدمون عشور خيراتهم وثمارهم له لكن هؤلاء الذين نالوا الحرية تركوا كل ما لديهم وكل ما يملكون للرب، مقدمين بفرح وحرية ما هو أقل قيمة بالنسبة لهم، لأن لهم رجاء في الأمور الأعظم، مثل تلك الأرملة الفقيرة التي وضعت كل معيشتها في خزانة الرب (لو1:21-4).
* كما وأكد القديس على الحياة الباطنية لمُقدم الذبيحة والحذر من التظاهر (المظهرية) وأهمية انجماع الفكر والطهارة الداخلية: "لأنه منذ البداية نظر الله بسرور ورضى لتقدمة هابيل، لأنه قدمها بانجماع في الفكر وببر، ولم يرض بتقدمة قايين، لأن قلبه كان منقسم بالحسد والحقد على أخيه، كما قال الله عندما وبخ أفكاره الخفية "إن أحسنت أفلا رفع، وإن لم تحسن فعند الباب خطية رابضة وإليك اشتياقها وأنت تسود عليها" (تك7:4) لأن الله لم يقبل الذبيحة، لأنه إن حاول أحد أن يقدم ذبيحة بطهارة تقديمًا صحيحًا قانونيًا لمجرد المظهر الخارجي، بينما هو في داخله لا يتشارك مع جاره في هذه الأخوة، فهو يحفظ خطية في داخله، ولا يخدع الله بهذه الذبيحة التي هي صحيحة ظاهريًا (وشكليًا)، ومثل هذه التقدمة لن تفيده شيئًا إلا إذا ترك ما هو مخبأ داخله".
* "مريم العذراء وُجدت مطيعة قائلة (هوذا أنا أمة الرب ليكن لي كقولك) لكن حواء لم تطع، وهى لم تطع عندما كانت لا تزال عذراء، بالرغم من أنه كان لها زوج أي آدم إلا أنها كانت عذراء، وبعد أن عصت صارت سبب موت لنفسها وللجنس البشرى كله كذلك مريم، فوهى مخطوبة لرجل ومع ذلك عذراء، صارت بطاعتها سبب خلاص لنفسها وللجنس البشرى كله".
* فبحسب إيريناؤس، تدبير الفداء يوازى تمامًا مراحل السقوط، لأن كل خطوة خاطئة اتخذها الإنسان بعد أن أغراه الشيطان، يقابلها عمل في تدبير الله، لكي يكون انتصار الإنسان على إبليس كاملًا، وقد أُعطى الجنس البشرى رأسًا جديدًا عوضًا عن آدم الأول، ولكن لأن المرأة الأولى اشتركت في السقوط بسبب عدم طاعتها لذا بدأت عملية الشفاء أيضًا بطاعة المرأة، ولأنها أعطت الحياة لآدم الجديد صارت حواء الحقيقية، الأم الحقيقية لكل حيّ، وهكذا صارت العذراء مريم محامية ومدافعة عن العذراء حواء: "وإن كانت الأولى (حواء) قد عصت الله إلا أن الأخيرة (مريم) كانت مطيعة لله، حتى تصير العذراء مريم المحامية والمدافعة عن العذراء حواء، وهكذا كما أن الجنس البشرى سقط في رباط الموت عن طريق عذراء، كذلك أيضًا خُلص وأُنقذ عن طريق عذراء، فعدم الطاعة العذراوية قُوبل بالطاعة العذراوية".
* وطور إيريناؤس المقارنة بين حواء والعذراء مريم (حواء الثانية الجديدة) أكثر من ذلك فرأى أن مريم الأم الجديدة للجنس البشرى كله، حتى أنه يدعوها "رحم البشرية" وهكذا يعلم بالأمومة المسكونية للعذراء مريم، ويتحدث عن ميلاد المسيح ويصفه: "الطاهر يفتح بطهارة الرحم الطاهر الذي يلد الناس لله".
* وعن ميلاد المسيح من العذراء يقول: "الابن نفسه المولود من مريم التي ظلت عذراء أحتوى في ميلاده آدم في نفسه"، وهو بذلك يؤكد على دوام بتولية العذراء مريم التي ظلت عذراء بعد ولادتها للمولود الإلهي.
* تكلم القديس إيريناؤس عن العذراء الدائمة البتولية كبرهان للإيمان بالسيد المسيح إذ يقول: "الذين أعلنوا أنه عمانوئيل المولود من البتول (اش 14:7) أعلنوا أيضًا اتحاد كلمة الله بصنعة يديه، إذ صار الكلمة جسدًا، وابن الله ابنًا للإنسان، وافتتح الطاهر بنقاوة الأحشاء النقية معطيًا البشرية تجديدًا في الله".
* يتضمن قانون العهد الجديد بالنسبة لإيريناؤس: الأناجيل الأربعة، رسائل معلمنا بولس الرسول، أعمال الرسل، رسائل يوحنا وسفر الرؤيا، رسالة بطرس الأولى، وكتاب الراعي هرماس النبوي، ويسمى إيريناؤس العهد الجديد "سفر" لأنه له نفس سمة الوحي مثل كتابات العهد القديم، وعن أصل الأناجيل الأربعة يقول أسقف ليون: "كتب متى إنجيله بين العبرانيين بلغتهم، بينما كان بطرس وبولس يبشران بالإنجيل في روما ويؤسسان الكنيسة هناك، وبعد نياحتهما، سلم لنا مرقس تلميذ ومترجم بطرس، ما كرز به بطرس، ولوقا أيضًا، رفيق بولس، سجل الإنجيل كما كرز به في كتاب، وأخيرًا كتب يوحنا، تلميذ الرب والذي إتكأ أيضًا على صدره، بنفسه إنجيلًا عندما كان مقيمًا في أفسس في آسيا".
* وأكد إيريناؤس أن هناك أربعة أناجيل فقط لا أقل ولا أكثر: "من المستحيل أن تكون الأناجيل أقل أو أكثر من ذلك العدد، لأنه طالما أن العالم ينقسم إلى أربعة مناطق، وتوجد أربعة رياح رئيسية، والكنيسة هي مبذورة في كل الأرض والإنجيل هو عمود الكنيسة وأساسها وتنفس الحياة، فمن الطبيعي أن يكون هناك أربعة أعمدة من كل جانب يتنفسون ويطردون الفساد، وينيرون الإنسان إلى الحياة لذا من الواضح أن الكلمة خالق كل الأشياء، الجالس على الشاروبيم، والذي يحفظ الكل معًا، عندما استعلن للبشر، أعطانا إنجيله في أربعة أشكال محفوظة معًا بروح واحدة".
* ويربط إيريناؤس بين عدد الأناجيل الأربعة وبين المخلوقات الأربعة الحاملة عرش الله "الشاروبيم لهم أربعة وجوه، ووجوههم هي أيقونات لتدبير ابن الله، لأن "الحيوان الأول شبه أسد (أي القديس يوحنا) مما يدل على عمله (أي عمل المسيح) وأثره الحقيقي وقوته المرشدة وملوكيته، "والحيوان الثاني شبه عجل" (القديس لوقا) يدل على مكانته ككاهن ومقدم للذبيحة، و"الحيوان الثالث له وجه مثل وجه إنسان" (القديس متى) يرسم بوضوح شديد حضوره (أي المسيح) كإنسان، و"الحيوان الرابع شبه نسر طائر" (القديس مرقس) يوضح عطية الروح المرفرفة والنازلة على الكنيسة".
* وإيريناؤس هنا يختلف عن التطور الذي حدث في الرمزية المسيحية فيما بعد، إذ أنه ينسب الأسد هنا إلى القديس يوحنا، والنسر إلى القديس مرقس، بينما صار الأسد فيما بعد رمزًا للقديس مرقس والنسر للقديس يوحنا المحلق في سماء اللاهوتيات.
* وفي تحديد قانونية الأسفار، يؤكد إيريناؤس على ضرورة وأهمية السمة الرسولية لهذه الأسفار، للكنيسة الصوت القاطع الحاسم في تفسير الكتاب المقدس، لأن كتابات وأسفار العهد القديم والجديد هي مثل أشجار في حديقة الكنيسة التي تغذينا بثمارها: "يجب علينا إذن أن نتجنب عقائدهم (الهرطوقية) ونحذر لئلا نجرح منهم، ونهرب إلى الكنيسة ونتربَّى في حضنها وتتغذى بكتاب الرب، لأن الكنيسة غُرست كفردوس في هذا العالم، لذا يقول روح الرب "من جميع شجر الجنة تأكل أكلًا" أي كُل (أنت) من كل كتاب الرب، لكن لا تأكل مع أي فكر أو عقل منتفخ مغرور أو تقرب أي انشقاق هرطوقي".
* ويحدد القديس إيريناؤس طريقة التفسير الإنجيلي وشرح الأسفار وتقديم المنهج الإيماني، فيقول: "إن العقل الراجح الذي لا يعرض صاحبه للخطر، المكرس للتقوى ومحبة الحق، يتأمل بشغف في الأشياء التي جعلها الله في حدود قدرة البشر وفي متناول إدراكنا، ويمكنه أن يحرز تقدمًا فيها جاعلًا معرفتها سهلة عليه بالمثابرة اليومية على دراستها، هذه الأشياء هي التي تضعها الأسفار المقدسة أمام عيوننا بوضوح وتعرضها لنا بلا غموض في كلمات معبرة، فلا ينبغي إذن أن تفسر الأمثال بتعبيرات غامضة، حتى لا يعرض الشارح نفسه للخطر، وتحظى الأمثال بشرح واحد من الجميع ويظل جسد الحقيقة سليمًا بواسطة تفسير متجانس لكل أعضائه وبلا أي تعارض، ولكنه أمر يتنافى مع العقل أن تُستخدم تعبيرات غير واضحة في تفسير الأمثال حسب هوى كل واحد وكما يراءى له، لأنه لن يقتنى أحد بهذه الطريقة قاعدة الحق بل على قدر تعدد الشارحين ستتعدد صور الحق وتتعارض مع بعضها البعض وينتج عن ذلك خليط من عقائد متضاربة، كالمسائل التي تتردد بين فلاسفة الأمم".
* وخلال كتابات القديس إيريناؤس نلمس استعماله الكثيف لآيات الكتاب والاقتباسات الكتابية مع تقييم شديد لنبوات العهد القديم وتأثره بفكر معلمنا بولس الرسول.
* استخدم القديس إيريناؤس في تفسيره للكتاب الأسلوب التصوفي المجازى، على اعتبار أن الوحي مشحون بالإعلان الإلهي خلال الرمز والمثال، كما يعتبر أن الأفعال التي ورد ذكرها في الأسفار المقدسة، يلزم أن نبحث لها عن مغزى.
* يرتبط الإكلسيولوجي عند إيريناؤس بمبدأ الانجماع الكلى، فالله يجمع في المسيح ليس فقط الماضي بل وأيضًا المستقبل، لذلك جعله رأسًا للكنيسة كلها كي يستمر عمله في التجديد من خلالها حتى نهاية العالم: "لذلك هناك إله آب واحد، ويسوع المسيح ربنا الواحد، الذي يأتي بتدبير مسكوني ويجمع كل الأشياء في نفسه، لكن في "كل الأشياء" الإنسان متضمن أيضًا، إذ أنه خليقة الله، لذلك فهو (المسيح) يجمع الإنسان فيه، الغير منظور يصير منظورًا، غير المدرك يصير مدركًا، والمستحيل يصير ممكنًا، واللوغوس إنسانًا مُجمعًا ومُعيدًا كل الأشياء فيه، وهكذا، كما أنه الأول في الأمور السمائية الروحية غير المنظورة، هو أيضًا الأول في الأمور المنظورة المحسوسة، وجعل نفسه رأسًا للكنيسة وسيجمع كل الأمور فيه في الوقت المعين".
* ويرى إيريناؤس أن الكنيسة حفظت التقليد المسلم من الرسل حيًا بلا تغيير وتسلمه لأطفالها، وهذا التقليد هو نبع ومعيار الإيمان، هو قانون الإيمان، ويبدو أن قانون الإيمان هذا بالنسبة لإيريناؤس هو القانون الذي يتلى عند المعمودية لأنه يقول أننا نستلمه في المعمودية.
* ورأى أن التقليد المقدس تقليد حي "أن تقليد الرسل الذي صار واضحًا في العالم كله يمكن لهؤلاء الذين يريدون أن يعرفوا الحق أن يروه في كل كنيسة، ويمكننا أن نعدد هؤلاء الذين أقامهم الرسل أساقفة في الكنيسة، ونعدد خلفائهم حتى وقتنا هذا، وسنجد أن أيًا منهم لم يعلم ولم يفكر مثل هذه الأفكار المجنونة، وحتى لو كان الرسل قد احتفظوا بمعرفة الأسرار في الخفاء وعلموها للكاملين سرًا بعيدًا عن الآخرين، لكانوا سلموها خاصة لهؤلاء الذين استأمنوهم على الكنائس ذاتها، لأنهم أرادوا بالتأكيد أن يكون هؤلاء الذين سيخلفونهم والذين سيستلمون مركزهم التعليمي كاملين بلا لوم، إذ أن سلوكهم الصحيح منفعة عظيمة، أما فشلهم فهو كارثة كبيرة".
1. التسلسل الأسقفي الغير منقطع الذي يعود للرسل هو الذي يحفظ ويحرس تطابق وتماثل التقليد الشفاهي مع الاستعلان الأصلي بلا تغيير.
2. الروح القدس هو أيضًا حارس لهذا التماثل لأن الرسالة سُلمت في الكنيسة، والكنيسة هي بيت الروح، وأساقفة الكنيسة هم رجال مملوؤون من الروح القدس وقد أُعطوا "نعمة الحق التي لا تخطئ".
* وقدم أبو التقليد الكنسي وصفًا لإيمان الكنيسة يتبع فيه تمامًا قانون إيمان الرسل.
* هذا التعليم وهذا الإيمان تحفظه الكنيسة بعناية وحرص بالرغم من انتشارها في العالم كله كما لو كانت تسكن في بيت واحد، وتؤمن كما لو كان لها عقل واحد وتعلم كما لو كان لها فم واحد، ورغم أن هناك لغات كثيرة في العالم، إلا أن معنى التقليد هو هو واحد لأن نفس الإيمان تتمسك به وتسلمه الكنائس التي في ألمانيا وأسبانيا والتي بين قبائل الـCelts، والتي في الشرق، في مصر، في ليبيا والتي في مركز الأرض، إذ كما أن الشمس، خليقة الله، هي واحدة في العالم كله، كذلك أيضًا كل نور تعليم الحق يسطع على كل هؤلاء الذين يرغبون في معرفة الحق".
* لذا لا يمكن الاعتماد على الكنائس المؤسسة على الرسل، من أجل التعليم الإيماني الصحيح ومن أجل الحق، لأن التسلسل والتتابع الأسقفي الغير منقطع في هذه الكنائس يحرس ويحفظ حقيقة وصدق عقيدتها، ففي الكنيسة: "أستودع الرسل وديعتهم كما يصنع الأغنياء، إذ سلموها كل ما يتعلق بالحق حتى إن كل من يريد يستطيع أن يأخذ منها ماء الحياة، فالكنيسة هي باب الحياة، والآخرون هم سُرَّاق ولصوص، لذا يجب علينا أن نتجنبهم ونحب بغيرة عظيمة كل شيء في الكنيسة وبذا نتمسك بتقليد الحق".
* وأكد القديس على أننا ننال حياة داخل الكنيسة، لأن فيها يوجد روح الله وكل نعمة: "لقد أؤتمنت الكنيسة على عطية الله، تمامًا مثل النفس في خليقة الله، حتى إن كل الأعضاء الذين يستلمون هذه العطية ينالون حياة، وفيها نجد شركة مع المسيح، أي الروح القدس عربون الأبدية، ثبات إيماننا، سلم الصعود إلى الله، فالرسول يقول "وضع الله أناسًا في الكنيسة أولًا ورسلًا، ثانيًا أنبياء، ثالثًا معلمين" (1و28:12)... وهؤلاء الذين لا يأتون إلى الكنيسة لا يتشاركون في النعمة بل يحرمون أنفسهم من الحياة بعقائدهم وأعمالهم الشريرة، لأنه حيثما توجد الكنيسة يوجد روح الله وحيثما يوجد روح الله توجد الكنيسة وكل نعمة.
* ولأن الروح هو الحق، لذلك هؤلاء الذين لا يتشاركون في الروح لا يتغذون على صدر الأم الكنيسة إلى الحياة، ولا ينالون غذاء من نبع صافى ينبع من جسد المسيح بل يحفرون لأنفسهم " أبارًا مشققة" (أر13:2).
* لأن فداء الفرد تحققه الكنيسة وأسرارها باسم وفي اسم المسيح، فالسر هو للطبيعة، مثل ما يكون آدم الجديد للعتيق، فالمخلوق ينال كماله في الأسرار، لأن السر هو ذروة انجماع الخليقة في المسيح.
* وحث إيريناؤس شعبه على التمسك بالتسلسل الرسولي والهيرارخية في كنيسة الله، والتعلم من هؤلاء الذين أقامهم الروح في الكنيسة: "يجب أن نستمع ونصغى لهؤلاء الشيوخ في الكنيسة " الذين لهم التسلسل من الرسل، مع تتابع الأسقفية واستلموا نعمة الحق الخاصة، أما الباقون، هؤلاء الذين يبتعدون عن التتابع الأصلي ويجتمعون بعيدًا، فيجب أن نشك فيهم إما أنهم هراطقة أو أن لهم أفكارًا خاصة أو أنهم منشقون متكبرون ومكتفون بذواتهم، أو أنهم منافقون يعملون من أجل المال أو من أجل الشهرة، وهؤلاء جميعهم ضالون عن الحق.
* يجب أن تبتعدوا عن كل من هم مثل هؤلاء، وتظلوا قريبين من هؤلاء الذين يتمسكوا بالتتابع الرسولي في طقس الكهنة، الذين لهم تعليم صحيح وسلوك بلا عيب كمثال وقدوة صالحة لتقويم الآخرين".
* "لا يستطيع أحد أن يعرف الآب إلا إذا أعلنه له كلمة الله الذي هو الابن، كما لا يمكن لأي إنسان أن يعرف الابن إلا بحسب مسرة الآب الصالحة حيث أن الابن يفعل مسرة الآب الصالحة".
^ والابن من خلال الخليقة يعلن الآب كخالق:
^ " من خلال العالم، يعلنه كرب صنع العالم
^ ومن خلال صنعة يديه، يعلنه كفنان مبدع
^ ومن خلال الابن، يعلنه كآب ولده منذ الأزل".
_____
(*) المرجع:
سلسلة آباء الكنيسة - القديس إيريناؤس (أسقف ليون) - أنطون فهمي جورج.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-athnasius-fahmy/patrology/erineus.html
تقصير الرابط:
tak.la/rdbdja8