محتويات:
(إظهار/إخفاء) (5) حِفظ الفكر
(أ) معرفة خطورة الفكر
(ب) استخدم الخيال
(ج) التفكُر في بهاء الحياة السماوية
(د) كتابة بعض الآيات
وترديدها
(هـ) التأمُّل في منظر يسوع المصلوب
(و) احذر الفراغ
(ى) الابتعاد عن مصادر العثرة
لابد من حراسته إذ هو المدخل إلى باقي الكيان الإنساني.. والعدو يبدأ مفاوضته ويعرض بضاعته من خلاله.. ويخدع.. ويحتال.. ويُزين.. والشهوة كامنة تزحف وتخرج من مخبأها عندما يتفاوض الفكر معها.. وأحيانًا أخرى تتسلل بمكر أثناء التوقف عن العمل وراحة الجسد.. وهنا ندرك خطورة الفكر كما يُعلِمنا عنه الآباء "كما أنَّ الملح يُصلح ما يُملَّح به هكذا العقل يُملِّح الجسد وليس العكس".. فإذا فسد العقل فبماذا يُملَّح الجسد؟ هل الجسد يُملِّحه؟ لا يمكن ذلك.. فلذلك يجب على الإنسان أن يحرس عقله لئلا تدخل الشهوة إليه خلسة.
ومن المعروف أنَّ الحرب لها درجات وميادين ومن أشرس درجاتها وميادينها الفكر.. حيث تبدأ الخطية بمجرد فكرة فيحدث:
الاتصال- الانفعال- الاشتعال- الاستجابة.
كُلّ عضو في الإنسان يستريح وقتًا وينشط وقتًا إلاَّ الفكر.. فهو لا يستريح ولا يهدأ أبدًا.. دائمًا في نشاط.. حتُى أثناء النوم يظل نشيطًا.. وما قد اتصل به يعود ويعرضه.. وما أخطر ما يمس الغريزة.. لذلك لابد من ثلاثة أمور:
1- تقديس الفِكر.
2- الابتعاد عن مصادر العثرة.
3- طرد الأفكار من بداياتها...
وما أروع نصيحة مُعلِّمنا بولس الرسول في حصر أفكارنا في:
(1) كُلُ ما هو حق.
(2) كُلُ ما هو جليل.
(3) كُلٌ ما هو عادل.
(4) كُلٌ ما هو طاهر.
(5) كُلٌ ما هو مُسِر.
(6) كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ، إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ، فَفِي هذِهِ افْتَكِرُوا... (في 8:4).
وينصحنا الآباء بمبدأ هام وهو هدم لمح الفكر وحراسة الفكر بالالتصاق بالروحيات.. وأن يكون لأبواب أفكارنا متاريس قوية.. تُؤمِّن مصاريع مقاومتنا.. فإن أتت عليك فكرة شريرة من البداية:
· ارشم ذاتك بعلامة صليب بوعي وإيمان.
· ردِّد اسم ربنا يسوع المسيح في توسل وطلب المعونة.
· التمس شفاعة السيدة العذراء فهي حصن منيع للطهارة.
ودرب نفسك على شَحْن فِكرك بما هو مقدس وطاهر واستخدم خيالك الذي منحك الله إياه بدل من أن يستغله العدو لصالحه ويملأ أفكارك وباطنك بكُلّ ما هو نجس ورديء.. اجعل خيالك مُعينًا لطهارتك.. اجعله يتخيل الأحداث المباركة.. تخيل يسوع في بيتك واجلس تحت أقدامه وتعلَّم منه.. اسمع تعاليمه واحفظها في قلبك.. تخيل أنه يمُد يده إليك ويشفى انحناء نفسك وينزع المرض ويُخرج الشيطان.. واسمع صوته إيمانك خلصك (لو 5:7).. قم أُخرج معه إلى جبل الزيتون وتعلم منه كيف يسجد وتنحني معه حتُى يتصبب عرقك مثله.. قم استقبله مع صالبيه ومُد يدك معه للقيود وأهمِل وجهك مثله للطم والُبصاق.. مُد يدك معه للمسامير ولا تمنع رجليك.. قم باكرًا والظلاُم باقٍ واذهب إلى القبر.. ستجده يُعلن لك ذاته ويُكلفك برسالة من أجله ومن أجل إخوتك.. هكذا تجعل من خيالك مجالًا قويًا لهدم الخيالات الشريرة وبُناء حصون من الخيالات المقدسة النافعة التي تتحطم عليها قُوى الشر.
اجعل فكرك يتذكر دائمًا بهاء الحياة السماوية والرغبة في نوال المكافأة السماوية التي شرطها "من يغلب".. ما أجمل الوجود في حضرة الله وملائكته.. وعلى العكس تذكر العذاب الأبدي الذي ينتظر الأشرار والتأمل الدائم في النهاية.. وفي آلام الجحيم والعذابات التي يُقاسيها الأشرار.. وينصحنا الآباء أنَّ الذي لا تربطه المحبة بالله قد يربطه به الخوف.. حتى ولو كبداية.. بحسب قول الُمرنم "رَأْسُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ" (مز 10:111).. وكما قال القديس أوغسطينوس "أنَّ الخوف يُعد مكانًا للمحبة".. وعلى ذلك فإن لم يوجد الخوف فلا سبيل للمحبة أن تدخل.. وقال القديس الأنبا أنطونيوس "كما أنَّ الضوء إذا دخل إلى بيت مُظلم طرد ظُلمته وأناره.. هكذا خوف الله إذا دخل قلب الإنسان طرد عنه الجهل.. وعلَّمه كُلٌ الفضائل والحِكَمْ".
لذلك اقرأ وتأمل في الدينونة.. وعقوبة الأشرار.. اقرأ عن مصير النفس وأماكن انتظارها.. وشارك أقرباءك وأحباءك في انتقال أحبائهم.. واجلس مع نفسك وتفكَّر في مصيرك أنت واعمل أعمال تليق بالتوبة.
قصة:
كان في أطراف بلد يعيش ناسك مشهور في مغارة مُنعزلة.. وبفعل الشيطان جاءت إحدى النساء لتُغويه في السقوط.. لأنها قالت لبعض الشباب.. ماذا تعطوني لو أسقطت الناسك؟ فاتفقوا معها على شيء قيِّم.. وفي المساء جاءت إلى هذا الناسك كما لو كانت تاهت عن طريقها.. وقرعت على المغارة فخرج هذا الناسك الذي اضطرب عند رؤيتها.. فصارت تبكى.. وقالت فقدت طريقي فاصنع شفقة وادخلني.. إلاَّ أنَّ هذا الناسك رفض دخولها عنده.. وأغلق الباب.. وبدأت تصرخ يا أبانا إنَّ الحيوانات المتوحشة ستأكلني وأنا مطروحة خارج المغارة.. ولما فكَّر في قلبه وقال أنه صعب عليه أن يُخطئ.. وكان يخاف دينونة الله.. ففتح الباب وأدخلها داخلًا وعندئذٍ بدأ إبليس يهاجمه بأسهمه.. ولما فكر الناسك في حرب العدو قال لنفسه إنَّ طرق الشيطان مُظلمة أما طرق ابن الله في نور.. فقام وأشعل المصباح ولما ابتدأت الأفكار الشريرة تحاربه.. قال لنفسه إنَّ الذين يصنعون مثل هذه الشرور إنما يذهبون للعقاب الأبدي.. فهل أقدر أن أتحمل النار الأبدية وعندئذٍ وضع إصبعه على نار المشعل لينظر مدى إمكانية تحمُّله للنار.. وظلَّ حتُى الصباح يصنع هكذا حتُى احترقت كُلٌ أصابعه في نار المصباح.. ولما رأت هذه المرأة ما فعله الناسك توقف قلبها من الخوف..
أنصحك أن تضع آيات تتحدَّث عن الطهارة وكرامة الجسد واجعلها أمامك باستمرار.. أكتُبها بخط واضح.. واملأ عقلك وعينك من النظر إليها وترديدها وحِفْظها والتفكير فيها والحياة بحسب نصيحتها.. اجعلها على سريرك وعلى مكتبك وعلى كتبك.. ونُزودك ببعضٍ منها تاركين لك مجالًا للإضافة...
الآية - الشاهد
(1) أِحفظ نفسك طاهرًا. (1تى 22:5)
(2) أما الشهوات الشبابية فأهرب منها واتبع البر والإيمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقي. (2 تي 22:2)
(3) كُلُ مَنْ يٌجاهد يضبط نفسه في كُلَ شيء. (1كو 25:9)
(4) الجسد ليس للزنا بل للرب والرب للجسد. (1كو 13:6)
(5) اهربوا من الزنا. كُلّ خطية يفعلها الإنسان هي خارجة عن الجسد لكن الذي يزنى يُخطئ إلى جسده. (1كو 18:6)
(6) أسلكوا بالروح فلا تُكمِّلوا شهوة الجسد. (غل 16:5)
(7) الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات. (غل 24:5)
(8) أ فآخذ أعضاء المسيح وأجعلها زانية. حاشا. (1كو 15:6).
"أنتم الذين أمام عيونكم قد رُسِمَ يسوع المسيح بينكم مصلوبًا" (غل 1:3).. وبحسب قول القديس أوغسطينوس "لا يوجد علاج يُضاد أفكار الزنا مثل التأمل في آلام سيدي يسوع المسيح وموته".. كيف هو تألم ويتألم من أجلي وأنا أتلذذ بنجاساتي.. تأمل كثيرًا في كُلٌ جرح.. وكُلٌ قطرة دم وقل لنفسك كيف يسوغ لي التلذذ بالشهوات الدنسة وأنت مجروح لأجل معاصَّ.. ومسحوق لأجل آثامي؟.. قل ما قاله أوريا الحثي لداود "إنَّ التابوت وإسرائيل ويهوذا ساكنون في الخيام وسيدي يوآب وعبيد سيدي نازلون على وجه الصحراء وأنا آتى إلى بيتي لآكل وأشرب واضطجع مع امرأتي!! وحياتك وحياة نفسك لا أفعل هذا الأم" (2صم 11:11).
وبحسب قول أبونا الُمتنيِح القمص بيشوي كامل "العين تشتهى النظر.. وأولاد الله لهم مناظر شهية وحسنة يُشبعون العين منها.. الصليب.. الجراحات.. منظر المسامير.. منظر الأذرُع المفتوحة.. منظر الرأس الُمنكس.. إنها مناظر شهية جدًا يجب أن تتدرب عليها العين وتتمتع بها وتمتلئ منها.. إنها شهية ومُشبعة".
وما أجمل العبارة التي نُصلي بها في قسمة -أيها الابن الوحيد- بالقداس الإلهي "أرسمي جُرحه أمامِك واحتمى فيه عندما يهيج عليكِ العدو".
وتعوَّد مُناجاة اسم يسوع "يا ربي يسوع المسيح رحمني أنا الخاطئ".. ويمكن أن تُردد "طهرني.. أعني.. أحفظني.. قدسني".. فهذه الصلاة القصيرة تحمل معانٍ عميقة.. أطلق عليها المجاهدون "الصلاة السهمية".. أي أنها سهام تصعد للسماء وتسحق الأعداء وتمنح نُصرة وسلام.. كما تُعلمنا الكنيسة أنَّ كُلٌ من يقول "يا ربى يسوع" كمَنْ بيده سيف يصرع العدو.
تعلٌمنا منذ حداثتنا أنَّ العقل الفارغ معمل للشيطان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.. ورأينا كيف بدأت سقطة داود النبي والملك.. حين أرسل يوآب رئيس جيشه وعبيده للحرب.. "وأما داود فأقام في أورشليم وكان في وقت المساء أنَّ داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك فرأى من على السطح امرأة تستحم.. وكانت المرأة جميلة المنظر جدًا.. فأرسل داود وسأل عن المرأة" (2 صم 2:11-3).. وعرفنا أنَّ النهاية كانت السقوط.. الذي بدأ بفراغ.. ما أخطر باب مُغلق على شاب لا يشغله شيء.. يتجول على مواقع الإنترنت بلا هدف.. إنه يترك عقله وحواسه نهبًا للطيور الجارحة.. وبالتأكيد ستكون النتيجة الطبيعية لهذه الحالة.. سقوط وانهزام.
ليتك تستبدل الفراغ والوحدة بنوع من الانشغال.. من الُملاحظ في جيلنا هذا أنَّ الدراسة لم تعُد تستوعب الوقت والعقل.. بدأ الشباب يلجئون إلى الاستذكار في الفترات السابقة للامتحانات وهذا يُشكل خطرًا على شباب مشحون بطاقة جبارة.. لا بد أن تُوجَّهه في أعمال نافعة.. وبنَّاءة.. لا بد من رسالة.. من الضروري تحديد أهداف والسعي في تحقيقها.. لأنَّ الخطورة الحقيقية ليست في فراغ الوقت بل في خواء الحياة.. هنا بداية الضياع والسقوط في العبث.. ما أروع أن يكون لك طموحات روحية وعلمية.. (هناك دراسة أثبتت أنَّ الإنسان قد يقضى عُمره كُلّه دون أن يستثمرِ أكثر من 3% من قُدراته العقلية والفكرية).. ما أحوج الكنيسة إلى وقتك وطاقتك.. أخرج من ذاتك ومن بيتك لتزرع الحب والسلام.. في كُلٌ مكان.. ولكُلٌ إنسان.
اهتم بدراستك.. جدِّد في قدراتك.. طورَّ في مهاراتك.. لا تدرس للامتحان فقط بل أهدف إلى حب دراستك لتُنميك في عملك في المستقبل.. لتكن أكثر تميُّزًا وإتقانًا.. إنَّ انشغال قلبك بأهداف طاهرة يسكب الطهارة في أحشائك.. أما تفاهة الحياة وفراغ القلب فلا منفعة فيهما.
أنت تعرف الأبواب التي تأتى إليك منها الخطية فعليك على قدر طاقتك أن تسد هذه الأبواب وتبتعد عن كُلٌ أنواع الُمثيرات سواء الآتية من الحواس أو الأصدقاء.. وسائل الإعلام.. الكمبيوتر.. أو حتُى الأماكن التي تذكرك بالخطية.. واعلم أنَّ الخطية خاطئة جدًا (رو 13:7).. " طَرَحَتْ كَثِيرِينَ جَرْحَى، وَكُلُّ قَتْلاَهَا أَقْوِيَاءُ" (أم 26:7).. فلا تثق بنفسك أنك سوف لا تتأثر.. بل اتَّبع مبدأ الهروب.. وإن استدعى الأمر أن تترك ثوبك أفضل من أن تُدنس حواسك وجسدك.. واعترف بضعفك ولا تظن أنَّ الهروب لون من ألوان الجبن أو الخوف.. فهو العلاج الأول والأساسي لهذه الحروب النجسة.. لا تثق بجسدك لأنه كما أنَّ الحديد من طبيعته أن يصدأ كذلك الجسد تتولَّد فيه الشهوات الشريرة.. وبحسب قول الحكيم "اَلْحَكِيمُ يَخْشَى وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ، وَالْجَاهِلُ يَتَصَلَّفُ وَيَثِقُ" (أم 16:14).
كتب القديس أثناسيوس الرسولي سيرة العظيم الأنبا أنطونيوس.. وعرَّفنا بأنَّ الشياطين حين كانت تحاربه بمناظر النساء.. أنه كان "يَحْمَرْ خجلًا".. ما أروعها كلمة وما أعمقها مشاعر.. وكم يُعوزنا أن نتشبه به ونقتنى هذا الخجل المبارك ونهرب.
ومن المعروف أنَّ مَنْ يرغب في إطفاء حريق فلا يسكب عليه بنزين بل ماء.. أنت تعرف سلطان نيران الشهوة في داخلك.. هل يليق أن تغذيها بما يُزيد اشتعالها.. أم تُطفئها بماء عمل الروح القدس من خلال الجهاد المسنود بالنعمة.
لا تجلس أمام الإنترنت أو الدِش وتعبث وقد تُقنِع نفسك أنك لا تتأثر...
جيد أن تخاطب نفسك "أنت لست أبر من داود ولا أحكم من سليمان".. وأنت تعرف أنَّ داود قيل عنه "وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلًا حَسَبَ قَلْبِي" (أع 22:13) ومع ذلك لم يحتمل منظرًا واحدًا وسقط (2صم 11).. ولا أحكم من سليمان صاحب القلب الفهيم الحكيم.. الذي أمالت النساء قلبه.. فهل تثق أنت بنفسك؟!!.. لا.. بل اهرب وداوم على الهروب وليكن لك شعور بضعفك يجلب عليك بركات النعم الإلهية.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-antonios-fahmy/purity/keeping-thoughts.html
تقصير الرابط:
tak.la/wn3wndj