25- الخروج من الذات

إذلال الجسد وضبطه.. والاكتفاء بالقوت الضروري لأنَّ الطاقة الزائدة تُولِّد حرارة في الجسم تُزيد رغبة انفعال الشهوات.. وقد قال أحد الآباء "إنَّ جميع الحيوانات والوحوش إذا أنت أكرمتها فإنها لا تؤذيك.. إلاَّ جسدك وحده.. فإذا أنت أحسنت إليه قابل إحسانك بالإساءة.. واعلم أنَّ الصوم هو خير مُعين لتهذيب الحواس".

ولا تنس أنَّ حب التلذذ بالأطعمة مرتبط بالخضوع للذات والرغبة في تنعُمها.. ولكن العدو يُهيئ بواحدة ويُسقط بالأخرى.

فهي تُشجع على نمو الحب والبذل لكُلّ مَنْ حولك.. كن دائم التذكر للمرضى والمطروحين والفقراء.. ولا تكتف بمجرد الإشفاق بل كن إيجابيًا مُشاركًا فعَّالًا في محبتك.. احرص على زيارة المرضى والحزانى والفقراء..

بداخلك طاقات حب هائلة لابد أن تخرج وتُبذل وإلاَّ تنحصر في داخلك وتزيد من عُزلتك وتوترك.. وهنا يبدأ طريق السقوط.

اعلم أنَّ الذات لا تسترِح حينما تأخذ لكن بالعكس عندما تعطى.. فجمالها في سكبها وليس الاحتفاظ بها.. "لأنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا" (مت 25:16).

ما أكثر العوامل التي تُحيط بالإنسان وتجعله يفشل، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.. فيقع تحت تأثير ضغط نفسي عنيف.. ويشعر بخيبة الأمل ومرارة الفشل فسرعان ما يريد أن يُلقى عنه هذه المشاعر.. ويلجأ إلى أسلوب خاطئ وهو الهروب من الواقع.. وبطريقة الإشفاق على الذات.. فيبحث عن لذة أو مخرجًا بديلًا لمجرد التعويض.. ويتعود ذلك ويصل إلى حالة الإشفاق المريض على الذات.. دون أن يواجه الفشل.. لذلك ننصحك بأن تكون أكثر جدية وإيجابية.. وتواجه المواقف بأكثر شجاعة.. وتتعرف على الأسباب وتُضاعف الجهد ولا تُدلل ذاتك ولا تلتمس لها الأعذار.. مهما كلفك ذلك من تعب.. واعرف أنَّ النجاح يأتي بعد الفشل.. وأنَّ الحياة تجربة طويلة ومُعرَّضة للمحاولة والخطأ وتعلَّم أن تستفيد من الخطأ ومن تجارب الآخرين.. فهذا يقود إلى النجاح وللنجاح فرحته الكفيلة بتدعيم ثقة الإنسان في نفسه.. وينصحنا معلمنا بولس أن لا نفشل.. ولا نكل.. " فَلاَ نَفْشَلْ فِي عَمَلِ الْخَيْرِ لأَنَّنَا سَنَحْصُدُ فِي وَقْتِهِ إِنْ كُنَّا لاَ نَكِلُّ" (غل 9:6)..

وكما شدَّد نحميا كُلُ مَنْ حوله وأوصاهم على ضرورة الفرح ومواجهة الفشل إذ قال "لأَنَّ فَرَحَ الرَّبِّ هُوَ قُوَّتُكُمْ" (نح 10:8).

St-Takla.org Image: Thinking young man, contemplation, thoughts - with a church dome and a cross behind him. صورة في موقع الأنبا تكلا: شاب، رجل يفكر، التأمل، متأمل، الأفكار - مع قبة كنيسة وصليب خلفه.

العدو مخادع وماكر.. ويعرف أنَّ النفس الحزينة البائسة هي فريسة سهلة للالتهام.. فلنحذر.. ونتمسك بمواعيد إلهنا الصالح.. ونطمئن ولا نحزن أو نفشل.. إنَّ لحظات المخدع التي تتحاور فيها مع الله بخصوص مشاكلك المادية والعملية تُهدِّى نفسك.. تسكُب السلام في داخلك فلا تشعر بتوتر نفسي يدفعك إلى السقوط.

ومن الأمور النافعة تحقيق الذات في مجالات عديدة.. مثل الالتحاق بعمل كنسي خدمي لتشعر بوجودك في وسط نقي.. وترتفع بطاقاتك نحو الآخرين في حب واتضاع.. أن تُمارس هواية تُحقق شعورك بالتميز والاكتفاء والقناعة بالذات فهذا يُؤمِّن الذات من مشاعر النقص والحرمان ويمنحها التقدير والاستقرار.

وننصحك أيضًا بممارسة رياضة تُناسِبك وتُحبها لأنَّ الرياضة الجسدية نافعة لقليل (1تي 8:4) بحسب قول الكتاب فهي تُخرِج الطاقة الزائِدة وتُشارِك الآخر وتُهذِّب النفس...

كشف هذه الخطية بالذات في سر الاعتراف بكُلُ صراحة مع عدم الاكتفاء بمجرد التلميح دون أي مراوغة.. وقد تخجل الشابات من ذِكْر هذه الخطية بالذات ولكننا ننصحها بضرورة كشفها لأنَّ هذا يساعدها كثيرًا بنعمة الله على الخلاص منها لأنَّ "مَنْ يَكْتُمُ خَطَايَاهُ لاَ يَنْجَحُ، وَمَنْ يُقِرُّ بِهَا وَيَتْرُكُهَا يُرْحَمُ" (أم 13:28).

ولأننا أوضحنا أنَّ الذات وتدليلها من أهم أسباب الخطية لذلك فكشف الخطية بروح الاتضاع يُساعد كثيرًا في العلاج لأنه لا يوجد شيء يهزم شيطان الشهوة مثل كشف أعماله.. ولا شيء يُسِر الشيطان قدر كتمان أفكاره.

ولنتعلم مما فعله القديس القوى الأنبا موسى الأسود حين ذهب للقديس إيسيذورس في ليلة واحدة ثلاثة عشرة مرة.. ولم يخجل فكانت المكافأة أنه رأى جماعة شياطين عن اليسار.. ورأى جماعة ملائكة تُحارب عنه عن اليمين فاطمأن، وانصرف بسلام وهدوء.

وهنا نتذكر قصة أخ هُوجم بالشهوة.. وجاهد لكي يُقوى عزيمته حتُى لا يسقط حارسًا أفكاره لكي لا يقبل هذه الرغبة.. ولكنه جاء أخيرًا وكشف هذه الحروب أمام الجميع.. وكان طلبه أن يجاهد الجميع من أجله أمام الله.. وعندئذ توقفت الحرب.

"نعم قد يسمح الله بثقل هذه الحرب من أجل دفعنا إلى طلب ما لا نستطيع الحصول عليه بذواتنا فنزداد في الانسحاق أمام الله".