1- في حديثي عن الصبر أيها الإخوة الأحباء وفي كرازتي بمنافعه وامتيازاته كيف يمكنني أن ابتدأ حسنًا سوى بالإشارة إلى حقيقة أنه الآن، لأنه فقط لمجرد أن تسمعوا لي أرى أن الصبر ضروري إذ حتى ليس بوسعكم أن تفعلوا هذا أي أن تسمعوا وتتعلموا بدون الصبر. لأن كلمة الله وطريق الخلاص يتم بكفاءة تعلّمهما لو فقط أنصت الإنسان بصبر لما يُقال. ولا حتى أجد -أيها الإخوة الأحباء- بين كل طرق التلمذة السماوية التي نُوجّه بها نحن المسيحيون لطلب المكافآت التي يعطيها الله لرجائنا وإيماننا، أي شيء آخر مفضّل -سواء مفيد لحياتنا بالأكثر أو أكثر أهمية في إدراك المجد- أكثر من أننا نحن الخاضعين لوصايا الرب بخوف طائع وإخلاص، علينا أن نتمسك على الأخص بالصبر بمنتهى الحرص.
2- يعلن الفلاسفة أيضًا أنهم يجدّون في طلب هذه الفضيلة، لكن صبرهم هو مزيف كحكمتهم، لأنه كيف يمكن لأي شخص أن يكون حكيمًا أو صبورًا دون أن يعرف حكمة وصبر الله؟ لأنه هو نفسه يحذر ويقرر بخصوص الذين يظنون أنهم حكماء في هذا العالم "سأبيد حكمة الحكماء وأرفض فهم الفهماء" (1كو 1: 19). بالمثل بولس الرسول الطوباوي المملوء بالروح القدس والُمرسل ليدعو ويبني الأمميين في الإيمان يعلن ويعلّم قائلًا "انظروا أن لا يكون أحد يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل حسب تقليد الناس حسب أركان العالم وليس حسب المسيح. فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديًا" (كو 2: 8-9). وفي موضع آخر يقول "لا يخدعن أحد نفسه. إن كان أحد يظن أنه حكيم بينكم في هذا الدهر فليصر جاهلًا لكي يصير حكيمًا. لأن حكمة هذا العالم هي جهالة عند الله. لأنه مكتوب الآخذ الحكماء بمكرهم. وأيضًا الرب يعلم أفكار الحكماء أنها باطلة" (1كو 3: 18-20). لذلك إن كانت حكمتهم غير حقيقية، لا يمكن لصبرهم كذلك أن يكون حقيقي. لأنه لو ذلك الإنسان صبور، فإنه يكون (أيضًا) وديع ومتضع، ولكننا نرى أن الفلاسفة ليسوا متضعين أو ودعاء بل يُعجبون بذواتهم ويكدرون الله بحقيقة رضائهم عن ذواتهم، يتضح أن الصبر غير كائن حيث توجد الجسارة المتعظمة (أي المفرطة) لحرية فيها تصنع وافتخار وقح لصدر مكشوف ونصف عاري (حسب عادة فلاسفة ذلك الزمان).
![]() |
3- لكن، أيها الإخوة، نحن فلاسفة ليس بالكلام بل بالأفعال، نحن نُظهر حكمتنا ليس بردائنا بل بالحق، نحن نعرف الفضائل بممارستها أكثر من (مجرد) الافتخار بها (باطلًا)، نحن لا نتكلم عن أشياء عظيمة بل نعيشها. لذلك كخدام وعابدين لله نُظهر بوقار روحي الصبر الذي نتعلمه من التعاليم السماوية. لأن لنا هذه الفضيلة مشاركة مع الله.
يأخذ الصبر بدايته فيه، ومنه كمصدر له يأخذ الصبر عظمته وكرامته. منشأ وعظمة الصبر ينبع من الله كصاحب له its Author. ينبغي للإنسان أن يحب الصفة التي هي عزيزة على الله. تمتدح العزة الإلهية الفضيلة التي تحبها. لو أن الله سيدنا وأبينا، لنجدّ في طلب صبر من هو سيدنا وأبينا، لأنه يليق بالعبيد أن يكونوا مطيعين، ومن غير المناسب أن يكون الأبناء غير جديرين.
4- لكن كم أن صبر الله هو عظيم ومدهش!
إنه يحتمل بمنتهى الصبر المعابد الدنسة، التماثيل الأرضية والطقوس الوثنية التي أقامها الإنسان إهانة منه لعظمته وشرفه. إنه يشرق بشمسه على الأشرار والصالحين. عندما ينزل الأمطار على الأرض لا يستثني أحد من منافعه بل يُغدق أمطار بدون تمييز على البار والأثيم. نحن نرى أنه بناء على إرادة الله وبصبر متناسق دون انقسام تجاه الأثيم والطاهر، التقي والجاحد، الشاكر وغير الشاكر، أن المواسم تطيع والعناصر تخدم والرياح تهب، الينابيع تتدفق، المحاصيل تزداد في الوفرة، ينضج ثمار الكرم، الشجر مُحمّل بالثمر، الحدائق تصير خضراء والمروج تمتلئ بالزهور. ومع أن الله يتكدر بإساءات كثيرة بل مستمرة فإنه يلطّف غضبه وينتظر بصبر ليوم المجازاة الذي سبق فحدده. ومع أن في مقدوره الانتقام فإنه يفضّل طول الأناة في صبره أي ينتظر بثبات ويتأخر بناء على رحمته (حرفيًا يتأني في رحمته) لكي لو كان ممكنًا يتحول مجرى الشر الطويل في وقت ما ويتحول الإنسان -رغم انحطاطه الشديد في الضلال والإثم- نحو الله ولو في وقت متأخر، كما هو نفسه يحذر قائلًا "لأني لا أسر بموت الخاطئ مثل أن يرجع ويحيا" (حز 18: 32). وأيضًا "ارجعوا إليّ ارجع إليكم قال رب الجنود" (ملا 3: 7). وأيضًا "ارجعوا إلى الرب إلهكم لأنه رؤوف رحيم بطئ الغضب وكثير الرأفة ويندم على الشر" (يؤ 2: 13).
يدعو بولس الرسول الطوباوي الخاطئ إلى العودة بالتوبة بتذكيره بهذا (الصبر)، ويتساءل قائلًا "أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة. ولكن من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة الذي سيجازي كل واحد حسب أعماله" (رو 2: 4-6). إنه قال إن دينونة الله هي عادلة، لأنها تأخرت، لأنها تأجلت مرارًا ولمدة طويلة لكي يهتم الإنسان لحياته الأبدية (ويستفيد) بطول أناة صبر الله. وستحل العقوبة بالخاطئ والأثيم عندما لا تعود التوبة عن الخطية تجدي نفعًا بعد.
5- ولكي يمكننا أن نفهم أكثر، أيها الإخوة الأحباء، أن الصبر هو صفة من صفات الله وأن من هو لطيف ووديع هو مقتدي بالله الآب، عندما كان الرب في إنجيله يعطي وصايا خلاصية وفي كشفه للنصائح الإلهية كان يرشد تلاميذه إلى الكمال، أعلن الرب هذا التصريح "سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم: لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات. فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين. لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم فأي أجر لكم أليس العشارون أيضًا يفعلون ذلك. وإن سلّمتم على أخوتكم فقط فأي فضل تصنعون أليس العشارون أيضًا يفعلون هكذا. فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل" (مت 5: 43-48). إنه قال أن بهذه الطريقة يتكمل أبناء الله. إنه أظهر أنه بهذه الطريقة نُدرك هدفنا وعلّم أننا تجددنا بميلاد سماوي لو بقى صبر الله الآب فينا، لو ظهر وتلألأ في أعمالنا الشبه الإلهي الذي فقده آدم بالخطية.
أي مجد أن يصير الإنسان مثل الله!
أي سعادة عظيمة وأي عجيبة أن نقتني ضمن فضائلنا ما يمكن أن يضعنا على نفس القدر مع الاستحقاقات الإلهية!
6- وهذا، أيها الإخوة الأحباء، لم يعلّمه ربنا وإلهنا بالأقوال فقط، بل أتمه أيضًا بأعماله. والذي قال أنه نزل لهذا الغرض وهو أن يعمل مشيئة أبيه، ضمن العجائب الأخرى للفضيلة والتي بها برهن على عظمته الإلهية، فإنه ثابر وجسّم صبر أبيه باحتماله المعتاد. بناء على ذلك فإن كل عمل من أعماله من بدء مجيئه ذاته هو موسوم بصبر مُصاحب، لأنه من اللحظة الأولى لنزوله من سمو السموات إلى الأرضيات، لم يزدر ولو أنه ابن الله من أن يلبس جسد الإنسان ولو أنه هو نفسه كان غير خاطئ، لم يزدر من أن يحمل خطايا الآخرين. وإذ قد تخلى مؤقتًا عن خلوده، سمح لنفسه أن يصير مائت لكي -ولو أنه بريء- من أن يُقتل لأجل خلاص الأثمة. اعتمد الرب بواسطة عبده ولو أنه معيّن لمنح غفران الخطايا. هو ذاته لم يزدر من أن يغتسل جسده بماء الولادة الثانية. ولو أنه يطعم الآخرين، صام لمدة أربعين يومًا، وشعر بالجوع لكي من كانوا جائعين لكلمة الله ونعمته يشبعوا بخبز السماء، وانهمك في صراع مع إبليس الذي جرّبه، واكتفى بهزيمة مثل هذا العدو الرهيب فلم يجعل قتاله معه يتعدى الكلمات. هو لم يُسد على تلاميذه كسيد يسود على عبيده، بل لكونه عطوف ورقيق أحبهم كأخ بل وتفضّل بغسل أرجل تلاميذه، لكي -بينما وهو كان كمعلم لتلاميذه- يعلّمهم بمثاله التصرف الذي ينبغي أن يكون للعبد تجاه رفقاؤه ومن هم مساوون له. فلا ينبغي لنا أن نندهش أنه كان هكذا وسط تلاميذه وهو الذي كان قادرًا على احتمال يهوذا إلى النهاية ذاتها، وهو الذي استطاع أن يأكل مع عدوه، الذي أمكنه أن يعرف خصمه اللدود في بيته ولم يفضحه، والذي أمكنه ألا يرفض قبّلة مُسلّمه. لكن أي اتزان مدهش في احتماله اليهود وأي صبر عجيب في إقناعه غير المؤمن ليقبل الإيمان، في ربحه غير الشاكرين بالحلم (واللطف)، في تجاوبه برقة تجاه من ناقضوه، في احتماله (الشخص) المتكبر برأفة، في خضوعه باتضاع لمضطهديه، في رغبته بالفوز -بقتلة الأنبياء ومن تمردوا باستمرار على الله- إلى الساعة الأخيرة لآلامه وصليبه!
7- لكن في تلك الساعة ذاتها لآلامه وصلبه، قبل أن يأتوا إلى هذا العمل المرّوع لقتله وسفك دمه، أية إساءات عنيفة سمعها بصبر وأية إهانات مخزية احتملها! بل أن وجهه تغطى ببصاق شاتميه، والذي منذ وقت قصير شفى عيني الأعمى (انظر يو 9: 6). هو نفسه عانى ضرب السياط والذي باسمه يجلد عبيده إبليس وجنوده. الذي هو الآن يكلل الشهداء بأكاليل أبدية، هو نفسه تكلل بالشوك. الذي هو نفسه الآن يعطي سعف النخل الحقيقي للمنتصرين، ضُرب على وجهه بسعف العداوة. الذي يُلبس كل الآخرين برداء الخلود، نُزع منه ردائه الأرضي. الذي قد قدم كأس الخلاص، أُعطي خلًا ليشرب. الذي هو تم تبرئته، الذي هو بار بل هو البراءة ذاتها والبر ذاته حُسب ضمن المجرمين. الذي هو الحق (ذاته) اُخفي بشهادات كاذبة. الذي يدين دين وكلمة الله اقتيد إلى الصليب وهو صامت. ومع أن النجوم تزعزعت عند صلب الرب والعناصر اضطربت والأرض تزلزلت والشمس أظلّمت وحلّت الظلمة أثناء النهار لئلا تبصر الشمس جريمة اليهود، لكنه لم يتكلم ولم يتحرك ولا أعلن عن عظمته حتى أثناء الآلام ذاتها. إنه احتمل كل الأشياء إلى النهاية وبثبات مستمر لكي يتحقق فيه الصبر التام والكامل.
8- وبعد مثل هذه الآلام فإنه لا يزال يقبل قاتليه لو تحولوا وجاءوا إليه، وبصبر مُساعد على خلاص الإنسان، لا يغلق هذا السيد العطوف كنيسته أمام أحد. لو قدم -هؤلاء الخصوم والمجدفون والأعداء المثابرين لاسمه- توبة عن خطيتهم واعترفوا بالجُرم الذي اقترفوه، ليس فقط هو يقبلهم ويغفر لهم بل يعطيهم ملكوت السموات كمكافأة. من يمكنه أن يُدعى صبورًا أكثر منه؟ حتى الذي سفك دم المسيح، يُعطى حياة بدم المسيح!
هكذا يكون الصبر العجيب للمسيح! ولو لم يكن صبر المسيح هكذا عجيبًا في صفته، ما كانت الكنيسة ربحت بولس الرسول العظيم.
9- لكن لو نحن أيضًا -أيها الإخوة الأحباء- في المسيح، لو نلبسه، لو هو ذاته طريق خلاصنا، ليتنا نحن الذين نتبع الخطوات الخلاصية للمسيح، نسلك بمثال المسيح كما علّم يوحنا الرسول بقوله "من قال أنه ثابت فيه، ينبغي أنه كما سلك ذاك، هكذا يسلك هو أيضًا" (1يو 2: 6). بالمثل يكتب بطرس الرسول قائلًا "المسيح أيضًا تألم لأجلنا تاركًا لنا مثالًا لكي تتبعوا خطواته. الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر. الذي إذ شُتم لم يكن يشتم عوضًا وإذ تألم لم يكن يهدد بل كان يسلّم لمن يقضي بعدل" (1بط 2: 21-23).
10- بناء على ذلك نجد أن آباء الآباء والأنبياء وكل الأبرار الذين حملوا في أشخاصهم مثال (رمز) المسيح بصورة مسبقة لم يراعوا شيء بالأكثر ضمن فضائلهم أكثر من ممارسة الصبر بنفسٍ شجاعة وفي نفس الوقت ثابتة. هكذا هابيل كأول من افتتح وكرّس (طريق) الاستشهاد ومعاناة البار لم يقاوم أو يصارع ضد أخيه القاتل بل في أتضاع وصبر رقيق سمح لذاته أن يُقتل. كذلك إبراهيم إذ وثق بالله وكان أول من أقام أصل وأساس الإيمان، عندما تجرب من جهة ابنه لم يتردد أو يؤجل بل أطاع وصايا الله بصبر خالص وتام. وإسحق كصورة مُسبقّة في مشابهته للرب كضحية (كذبيحة) وُجد صبورًا عندما قدمه أبوه ليُذبح. عندما طُرد يعقوب من أرضه بسبب أخيه، ارتحل بصبر، وبصبر أعظم فيما بعد توسل بأتضاع بواسطة هدايا سلامية واستعاد إلى الانسجام معه أخيه الذي كان لا يزال أكثر إثمًا ومضطهدًا له.
يوسف إذ باعه إخوته ونفوه، ليس فقط عفا عنهم بصبر بل أعطاهم بسخاء وعطف قمح مجانًا عندما مضوا إليه.
أهان الشعب الجاحد وغير الأمين موسى النبي مرارًا وكادوا أن يرجموه ولكنه بحلم وبصبر صلى إلى الرب لأجلهم (انظر عد 14: 9).
لكن أي صبر عظيم وعجيب ومسيحي هذا الذي نجده في داود الذي منه جاء المسيح بالجسد!
كان لداود فرص كثيرة ليقتل فيها الملك شاول عدوه والذي كان يشتاق بشدة لقتله. لكن عندما كان شاول واقعًا في متناول يديه، فضّل داود أن ينقذ حياته ولم يعامل عدوه بنفس معاملته بل على العكس انتقم له عندما قُتل (انظر 2صم 1: 14-15).
وبالاختصار فإن كثير من الأنبياء قُتلوا، كثير من الشهداء أُكرموا بميتات مجيدة، والكل أدركوا أكاليلهم من خلال استحقاق الصبر، لأنه لا يمكن الحصول على إكليل للحزن والتألم ما لم يسبق هذا، الصبر في الحزن وفي التألم.
11- لكن لكي يمكن بوضوح أكثر ونعرف جيدًا -أيها الإخوة الأحباء- كم يكون الصبر مفيد وضروري، لننظر إلى حُكم الله والذي أوقعه الله، عند بدء العالم والجنس البشري، على آدم الذي كان غير مبالي بوصية الله وتعدى الأمر الذي وضعه عليه. آنذاك سنعرف كم ينبغي أن نكون صبورين في هذا العالم، نحن الذين ولدنا تحت ظرف أنه ينبغي لنا أن نجاهد هنا تحت الأتعاب والبلايا إذ قال الله لآدم "لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلًا لا تأكل منها، ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك. شوكًا وحسكًا تُنبت لك وتأكل عشب الحقل. بعرق وجهك تأكل خبزًا حتى تعود إلى الأرض التي أُخذت منها لأنك تراب وإلى تراب تعود" (تك 3: 17-19).
نحن كلنا مقيدين ومُلزمين بهذا الحكم إلى أن ندفع دين الموت ونغادر هذا العالم. ينبغي أن نكون في حزن ونحيب كل أيام حياتنا وينبغي لنا أن نأكل خبزنا بالعرق والكد.
12- من ثمّ عندما يولد إنسان ويدخل هذا العالم يبتدئ بالبكاء. ولو أنه لم يختبر شيء بعد (من الألم) ويجهل كل شيء، لا يمكنه أن يفعل شيء آخر عند ولادته سوى أن يبكي. وببصيرة طبيعية يبكي قلاقل وأتعاب هذه الحياة المائتة وفي ذات بدايتها، بالبكاء والنحيب تشهد نفسه الغضة لبلايا (تجارب) هذا العالم الذي هو يدخله. لأنه يكدّ ويتعب طالما هو يحيا هنا (على الأرض). لا شيء آخر يمكنه أن يُريح من يكدون ويتعبون أكثر من التعزية التي يأخذونها من الصبر. ليس فقط هذا (الصبر) مناسب وضروري لكل واحد في هذا العالم، بل هو ضروري ويليق بنا بالأكثر نحن الذين نُنهك بالأكثر من خلال هجمات إبليس، نحن الواقفين يوميًا في صدر المعركة وقد أُنهكنا في صراعاتنا مع عدو قديم الأيام وجيد التدريب، نحن -الذين بالإضافة إلى هجمات التجارب المختلفة والمستمرة وفي جهاد الاضطهاد- يلزمنا أن نتخلى عن ممتلكاتنا ونكابد السجن ونحتمل القيود ونتخلى عن حياتنا ونُقتل بالسيف والوحوش والنار والصلب وبالاختصار كل أنواع العذابات والعقوبات، نتكل على إيماننا وفضيلة الصبر لأن الرب نفسه يعلّمنا قائلًا "قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيّ سلام. في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم" (يو 16: 33).
لكن لو نحن الذين جحدنا إبليس والعالم نكابد تجارب وهجمات أكثر عنفًا وكثيرة من إبليس والعالم، كم ينبغي لنا بالأكثر أن نتمسك بالصبر وهو الذي كمعين لنا ورفيق به نحتمل كل الضيقات.
13- إنها وصية خلاصية لربنا ومعلمنا "الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص" (مت 10: 22). وأيضًا "إن ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي وتعرفون الحق والحق يحرركم" (يو 8: 31-32).
ينبغي لنا أيها الإخوة الأحباء أن نثابر ونحتمل لكي إذ قد أُسلمنا إلى رجاء الحق والحرية يمكننا أن ندرك تلك الحرية والحق نفسيهما لأن حقيقة كوننا مسيحيين هي ذاتها مصدر للإيمان والرجاء. لكن لكي يدرك الإيمان والرجاء ثمرتهما، هناك احتياج للصبر. لأننا لا نسعى إلى المجد الحاضر بل لمجد المستقبل (الآتي) بحسب ما يعلّم بولس الرسول قائلًا "لأننا بالرجاء خلصنا ولكن الرجاء المنظور ليس رجاء لأن ما ينظره أحد كيف يرجوه أيضًا ولكن إن كنا نرجو ما لسنا ننظره فإننا نتوقعه بالصبر" (رو 8: 24-25). انتظار الصابر هو (أمر) ضروري لكيما نحقق ما ابتدأنا أن نكونه ومن خلال معونة الله، لكيما ندرك (نحصل على) ما نرجوه ونصدقه.
بناء على ذلك في موضع آخر، نفس هذا الرسول يرشد ويعلّم الأبرار ومن يعملون الأعمال الصالحة ومن يكنزون لنفوسهم كنوز سماوية عن طريق زيادة الأرباح الإلهية (لصالحهم) من أن يكونوا أيضًا صبورين لأنه يقول "فإذًا حسبما لنا فرصة فلنعمل الخير للجميع ولاسيما لأهل الإيمان. فلا نفشل في عمل الخير لأننا سنحصد في وقته إن كنا لا نكلّ" (غلا 6: 9-10).
إنه يحذّر لئلا أي شخص بسبب نقص الصبر يكلّ في أعماله الصالحة، لئلا أي شخص إما ينحرف أو تغلبه الصعاب فيتوقف في وسط سعيه للمجد والمدح ويفقد أعماله السابقة، بينما تلك الأشياء التي ابتدأت في أن تكون كاملة تتوقف، كما هو مكتوب "إن برّ البار لا ينجيه في يوم معصيته" (خر 33: 12)، وأيضًا "تمسك بما عندك لئلا يأخذ أحد إكليلك" (رؤ 3: 11). وهذه الكلمات تحث على الصبر والمثابرة بعزيمة لكي من يسعى لإكليل، وإذ قد اقترب الآن المدح (والتمجيد) يتكلل بسبب دوام صبره.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
14- لكن الصبر، أيها الإخوة الأحباء، ليس فقط يُبقي على ما هو صالح، بل أيضًا يطرد ما هو شرير. إذ قد تكرس (المرء) للروح القدس والتصق بالسماويات والإلهيات يجاهد بترس فضائله ضد أعمال الجسد التي تهاجم النفس بعنف وتأسرها. بناء على ذلك لننظر إلى القليل من بين هذه الأعمال الكثيرة لكي من هذا القليل نفهم البقية. الزنا والغش والانتحار هبي خطايا قاتلة. لنجعل الصبر قوي ومستقر في القلب وآنذاك القلب المقدس وهيكل الله لن يفسده الزنا... الطهارة المكرسة للحق لن تُبتلى بداء الغش... واليد التي أمسكت بالافخارستيا (كما كان متبعًا قديمًا في بعض المناطق) لن تتدنس بالسيف المخضب بالدماء.
15- المحبة هي رباط الأخوية، أساس السلام، ثبات وترسيخ للوحدة. أنها الأعظم من كل من الرجاء والإيمان، هي تفوق الأعمال الصالحة والمعاناة لأجل الإيمان، وهي كفضيلة أبدية ستبقى معنا إلى الأبد في ملكوت السموات. انزع منها الصبر وبذلك تكون مهجورة (وحيدة) فلن تبقى. انزع عنها الاحتمال والصبر آنذاك تبقى بدون جذور ومعدومة القوى. بناء على ذلك فإن الرسول بولس عندما كان يتكلم عن المحبة قرن بها الاحتمال والصبر فقال "المحبة تتأنى وترفق. المحبة لا تحسد. المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتد ولا تظن السوء. وتحتمل كل شيء وتصدق كل شيء وترجو كل شيء وتصبر على كل شيء" (1كو 13: 4-5، 7).
بهذا أظهر الرسول أن المحبة يمكنها أن تثابر بثبات لأنها تعلّمت كيف تحتمل كل شيء. وفي موضع آخر يقول "محتملين بعضكم بعضًا في المحبة. مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام" (أف 4: 2-3).
إنه برهن على أن لا الوحدة أو السلام يمكن حفظهما ما لم يود الإخوة بعضهم بعضًا باحتمال متبادل ويحفظوا رابطة الوحدة بتوسط الصبر.
16- فكيف سيمكنك أن تحتمل كل الأشياء... ألا تحلف أو تلعن ولا تطلب ثانية ما أُخذ منك (انظر لو 6: 30)، وعند تلقي لطمة تعرض الخد الآخر أيضًا لضاربك، وتغفر لأخيك الذي أساء إليك ليس فقط سبعين مرة سبع مرات (في اليوم) بل كل إساءاته بدون استثناء، أن تحب عدوك وتصلي لأجل خصومك ومضطهديك، إذا لم يكن لك ثبات الصبر والاحتمال؟
نحن نرى ما قد حدث في حالة أستفانوس. عندما كان يُقتل بواسطة حجارة اليهود وعنفهم، لم يطلب الانتقام بل طلب الغفران لقاتليه قائلًا "يا رب لا تقم لهم هذه الخطية" (أنظر أع 7: 58-60). لذلك كان يليق بالأكثر أن أول شهيد لأجل المسيح في تقدمه للشهداء الآتين من بعده بميتته المجيدة أنه كان ليس فقط كارز بآلام الرب بل أيضًا كان مقتديًا جدًا بحلمه الصبور.
ماذا سأقول عن الغضب، الخلاف، النزاع، الشرور التي لا ينبغي أن تكون للمسيحي؟ ليكن هناك صبر في القلب، آنذاك لا يمكن لهذه الشرور أن تجد موضع هناك، وإن حاولت الدخول ستُطرد من هناك بسرعة فترحل لكي يستمر القلب في أن يكون موضع سلامي حيث يلذ لرب السلام أن يبقى. لذلك ينصح الرسول ويعلّم قائلًا "لا تحزنوا روح الله القدوس الذي به خُتمتم ليوم الفداء. ليُرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح وتجديف مع كل خبث" (أف 4: 30-31). لأنه لو انسحب المسيحي من ثورة ونزاع الجسد كما من عواصف البحر، وقد ابتدأ الآن في أن يكون هادئ ولطيف في ميناء المسيح، ينبغي له أن لا يقبل في قلبه سواء غضب أو خصام لأنه لا يليق به أن يجازي الشر بالشر أو أن يبغض أحد.
17- كذلك الصبر مطلوب أيضًا من جهة الصعاب (المشقات) المختلفة للجسد والعذابات القاسية والكثيرة التي ترهق وتتعب الجنس البشري يوميًا. لأنه منذ التعدي الأول لوصية الله رحلت قوة الجسد مع الخلود ودخل المرض مع الموت، وحيث أنه لا يمكن استعادة القوة (للجسد) إلا عند استعادة الخلود، (لذلك) يلزم مواصلة النضال والجهاد مع هذا الوضع الذي للضعف الجسدي والمرض، ولا يمكن احتمال هذا الصراع والعقوبة بدون قوة الصبر. لكن وُضع علينا أنواع مختلفة من الأتعاب لاختبارنا وامتحاننا ونحن نُبتلى بأشكال متنوعة من التجارب بفقد الثروة والحمى الملتهبة، آلام الجروح، موت الأعزاء. لا شيء آخر يميز الأثيم عن البار أكثر من هذا: أن الأثيم يشتكي ويجدف في البلايا بسبب عدم الصبر، بينما البار يتزكى بالصبر كما هو مكتوب "اصبر على الوجع وفي أتضاعك (أي مذلتك) كن صبورًا لأن الذهب يُجرّب بالنار والناس المقبولون يُجربون في أتون التواضع" (سيراخ 2: 4-5).
18- هكذا اُختبر أيوب وتزكى ورُفع إلى قمة المجد بسبب فضيلة الصبر. كم كانت كثيرة، الأسلحة التي صوبها إبليس ضده. إنه عانى من فقدان ثروته وحُرم من أولاده العديدين، وكسيد غني في المال وأب له أولاد كثيرين فجأة صار بلا أولاد وبلا ثروة. قروح قاسية هاجمت جسده وسوط الدود الشره التهم أعضاءه الهزيلة. ولئلا لا يتبقى شيء لم يختبره أيوب من بلاياه، جرّد الشيطان زوجته ضده مستخدمًا الحيلة القديمة في خبثه كما لو كان يمكنه أن يخدع ويغش كل الرجال من خلال المرأة كما فعل في البدء (مع آدم). مع ذلك لم ينكسر أيوب (وينهزم) بهذه الهجمات والضيقات، لم يكف عن تمجيد الله بصبره المنتصر.
أيضًا طوبيا الذي بعد أعمال برّه العظيمة ورحمته تجرّب بفقده عينيه، احتمل بصبر عظيم عماه وربح تقدير بارز من الله بسبب اشتهار صبره.
19- ولكي تلمع فضيلة الصبر ببهاء أكثر لننظر -أيها الأخوة الأحباء- من ناحية أخرى أية شرور يسببها عدم الصبر. كما أن الصبر هو فضيلة المسيح، كذلك عدم الصبر هو على العكس شر من شرور إبليس. وكما أن الإنسان الذي يحيا فيه المسيح ويقيم، نجد أنه إنسان صبور، كذلك هو دائمًا عديم الصبر من ذهنه يملكه خبث إبليس.
لننظر بناء على ذلك إلى منابع عدم الصبر. إن إبليس احتمل بعدم صبر حقيقة أن الإنسان جُعل على صورة الله، ولهذا السبب كان هو الأول في الهلاك وإهلاك الآخرين. آدم في انتهاكه للوصية السماوية، كان عاجزًا عن مقاومة اشتهاء الطعام المميت فسقط في موت الخطية ولم يحفظ تحت وصاية الصبر، النعمة التي تلقاها من الله. كان قايين عديم الصبر من ذبيحة أخيه وعطيته فقتله. بسبب أن عيسو فضّل السفليات على العلويات، فقد بكوريته بسبب عدم الصبر لأجل أكلة عدس. لماذا كان الشعب اليهودي جاحد وعديم الشكر من جهة النعم الإلهية؟ ألم تكن خطية عدم الصبر هي أول من جذبهم بعيدًا عن الله؟ عندما لم يمكنهم تحمل تأخر موسى الذي كان يتكلم مع الله، تجاسروا على طلب آلهة دنسة وادّعوا كقائد لرحلتهم رأس عجل وصورة أرضية (أو تمثال أرضي). إنهم لم يتخلوا أبدًا عن نفس خطية عدم الصبر، بل كانوا دائمًا عديمي الصبر من جهة التعليم الإلهي والإرشاد بقتل كل أنبيائهم وكل الأبرار (ثم) سارعوا إلى صلب الرب وسفكوا دمه. إن عدم الصبر أنتج أيضًا الهراطقة في الكنيسة وعلى طريقة اليهود دفعهم كمتمردين ضد سلام ومحبة المسيح إلى أعمال عدائية وعداوات شرسة. ولكي لا تملّوا من مزيد من التفاصيل، فإن كل الأشياء التي يؤول بها الصبر إلى المجد، يؤول بها عدم الصبر إلى الخراب.
20- ولذلك، أيها الإخوة الأحباء، بعد أن وازنا بعناية بين منافع الصبر وشرور عدم الصبر، لنراعي بدقة ونتمسك بالصبر الذي به نبقى في المسيح، ومع المسيح يمكننا أن نأتي إلى الله. إن الصبر غني ومتنوع ولا تحده حدود ضيقة ولا ينحصر في تخوم محدودة. إن فضيلة الصبر تمتد باتساع وثروتها وفيضها ينبع من مصدر له اسم وحيد لكن مع كل أنهاره الممتلئة تدفق، ينتشر خلال مجاري (أنهاره) وليس من شيء في أعمالنا يمكن أن يرقى نحو التحقيق الكامل للاستحقاق (التقدير الإلهي) دون أن يأخذ قوة اكتماله من ذلك المصدر (الذي هو الصبر). الصبر هو الفضيلة التي تزكينا لدى الله وتحفظنا له. نفس هذا الصبر هو الفضيلة التي تهدئ الغضب وتلجم اللسان وتحكم (تتسيد على) العقل، ويحفظ السلام، يكسر هجمة الشهوة، يقمع عنف الكبرياء، يطفئ نيران الشقاق، يحصر سلطان الغني (ويردعه)، ويجدد احتمال الفقير في احتمال نصيبه، يحفظ الطهارة المباركة للعذارى والتعفف الصعب للأرامل والحب غير المنقسم للأزواج والزوجات. إن الصبر يجعل الناس متضعين في الرخاء، شجعان في البلية، ودعاء في مواجهة الإهانات والإساءات. إنه يعلّمنا أن نغفر بسرعة لمن يسئ إلينا، وإن أنت ذاتك أسأت لأحد، يعلّمك أن تسأل الغفران مرارًا وبمثابرة. إنه يطفئ التجارب، يعضد في الاضطهادات، يجعل الإنسان يحتمل الأتعاب والميتات إلى النهاية. الصبر هو الفضيلة التي تقوي بشدة أساسات إيماننا. الصبر هو الفضيلة التي تشجع على نمو الرجاء بطريقة فائقة. إنه يوجّه تصرفنا لكي يمكننا أن نحافظ -بينما نحن نتقدم- على طريق المسيح إقتداءً منا باحتماله. إنه يؤّمن مثابرتنا كأبناء لله بينما نحن نقتدي بصبر الآب.
21- وحيث أنني أعلم، أيها الإخوة الأحباء، أن الكثيرين إما بسبب ثقل جروحهم الضاغطة أو بسبب استياءهم من الذين يهاجمونهم ويحتدون عليهم، فيرغبون في أن ينتقموا منهم بسرعة (لو استطاعوا)، ينبغي لي أن أحذّر قبل أن أنهي مقالي: أنه إذ نجد ذواتنا في هذه الزوابع لعالم مضطرب وفي وسط اضطهادات من قبل اليهود أو الوثنيين أو من الهراطقة، ينبغي لنا أن ننتظر بصبر يوم النقمة (الإلهي). لا ينبغي لنا أن نسارع إلى الانتقام لأجل تعبنا بسرعة غاضبة إذ أنه مكتوب "انتظروني يقول الرب إلى يوم أقوم إلى السلب لأن حكمي هو بجمع الأمم وحشر الممالك لأصب عليهم سخطي، كل حمو غضبي" (صف 3: 8). يأمرنا الرب أن ننتظر ونحتمل بصبر قوي يوم النقمة الآتية. ويتكلم أيضًا في سفر الرؤيا قائلًا "لا تختم على أقوال نبوة هذا الكتاب لأن الوقت قريب. من يظلم فليظلم بعد ومن هو نجس فليتنجس بعد ومن هو بار فليتبرر بعد ومن هو مقدس فليتقدس بعد. وها أنا آتي سريعًا وأجرتي معي لأجازي كل واحد كما يكون عمله" (رؤ 22: 10-12). لذلك حتى الشهداء بينما هم يصرخون طالبين الانتقام ممن أذاقهم العذابات الشديدة، أُعطوا أمرًا أن ينتظروا ويُظهروا صبرًا إلى أن يتم الوقت المحدد ويكتمل عدد الشهداء "ولما فتح الختم الخامس رأيت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من أجل كلمة الله ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم. وصرخوا بصوت عظيم قائلين حتى متى أيها السيد القدوس والحق لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض. فأعطوا كل واحد ثيابًا بيضًا وقيل لهم أن يستريحوا زمانًا يسيرًا أيضًا حتى يكمل العبيد رفقاؤهم وإخوتهم أيضًا العتيدون أن يقتلوا مثلهم" (رؤ 6: 9-11).
22- لكن عندما سيأتي (يوم) الانتقام الإلهي لدماء الأبرار، يعلن الروح القدس بفم ملاخي النبي قائلًا "هوذا يأتي اليوم المتقد كالتنور وكل المستكبرين وكل فاعلي الشر يكونون قشًا ويحرقهم اليوم الآتي قال رب الجنود" (ملا 4: 1)، ونقرأ بالمثل في المزامير حيث يُعلن أن مجيء الله الديان ينبغي أن يُبجل venerated بسبب عظمة دينونته "يأتي إلهنا ولا يصمت نار قدامه تأكل وحوله عاصف جدًا. يدعو السماوات من فوق والأرض إلى مداينة شعبه. اجمعوا إلي أتقيائي القاطعين عهدي على ذبيحة. وتخبر السماوات بعدله لأن الله هو الديان" (مز 50: 3-6)، وإشعياء يتنبأ بنفس الأشياء قائلًا "لأنه هوذا الرب بالنار يأتي ومركباته كزوبعة ليرد بحمو غضبه وزجره بلهيب نار. لأن الرب بالنار يعاقب وبسيفه على كل بشر ويكثر قتلى الرب" (إش 66: 15-16)، وأيضًا "الرب كالجبار يخرج كرجل حروب ينهض غيرته يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه. لقد صمت منذ الدهر فهل سأصمت إلى الأبد؟" [(إش 42: 13-14) بحسب النص].
23- لكن من هو الذي يقول أنه كان صامتًا في السابق ولن يصمت إلى الأبد؟ بالتأكيد هو الذي قُيد إلى الذبح كخروف وهو الذي كحمل لم يفتح فاه أمام جازيه (انظر إش 53: 7). بالتأكيد هو الذي لم يصيح ولم يسمع أحد في الشوارع صوته. بالتأكيد هو الذي لم يعاند ولم يناقض (يقاوم) عندما قدم ظهره للجلد وخده للطم ولم يحيد وجهه عن البصق، هو الذي عندما كال له الكهنة والشيوخ الاتهامات لم يُجب وثابر على الصمت الشديد حتى اندهش بيلاطس من هذا، هو الذي بينما كان صامتًا في آلامه لن يصمت فيما بعد في يوم الحساب. إنه إلهنا... إنه إلهنا الذي لم يعرفه سوى الأمناء ومن آمنوا به، وعندما سيأتي سيُظهر ذاته في المجيء الثاني ولن يصمت. لأن ولو أنه كان سابقًا مختفيًا في التواضع، سيأتي ظاهرًا في قوته.
24- هذا هو الديان والمنتقم الذي علينا أيها الإخوة الأحباء أن ننتظره، الذي عندما ينتقم لذاته سينتقم لنا كذلك نحن شعب كنيسته مع جموع الأبرار منذ بدء العالم. ليت من يسارع ويتعجل كثيرًا لينتقم لذاته، أن ينظر (بتمعن) أن الوحيد الذي له أن ينتقم لم ينتقم لذاته بعد. أوصى الله الآب بالسجود لابنه وإذ ينتبه بولس الرسول لهذه الوصية الإلهية يعلن هذا ويقول "لذلك رفعه الله أيضًا وأعطاه اسمًا فوق كل اسم. لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض" (في 2: 9-10). وعندما أراد يوحنا في سفر الرؤيا أن يسجد للملاك قاومه الملاك قائلًا "انظر لا تفعل هذا لأني عبد معك ومع إخوتك. اسجد للرب يسوع" [(رؤ 22: 9) بحسب النص].
إذًا كم عجيب هو يسوع ربنا وكم أن صبره عظيم ذاك الذي يُسجد له في السموات ولم ينتقم لذاته بعد على الأرض! لنتفكر أيها الإخوة الأحباء في صبره (ونحن) في الضيقات والاضطهادات. لنُظهر الطاعة الكاملة التي نستلهمها من انتظارنا لمجيئه، وليتنا لا نسارع بسرعة أثيمة ومخزية لا تليق بنا كعبيد لله فننتقم لأنفسنا قبل نقمة الرب. بل ليتنا بالأحرى نثابر ونكدّ ونسهر بكل قلوبنا ونصمد في استسلام كامل لله، ولنحفظ وصايا الرب لكي عند مجيء يوم الغضب والانتقام لا نُعاقب مع الأثمة والخطاة بل نُكرّم مع الأبرار والذين يتقون الله، آمين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/cyprian-treatises/virtue-of-patience.html
تقصير الرابط:
tak.la/qt2dk93