الفصل الرابع:
سلسلة أنساب المؤمنين من نسل شيث (تك5)
إن أحد مقاصد السفر قد تحققت الآن. الميول للشر في نسل قايين قد تم تعقبه إلى أن كُشف تمامًا، ومملكة هذا العالم قد ظهرت بصفتها الحقيقية. ومن ناحية أخرى تجمع نسل شيث حول اعتراف علني بتصديقهم للمواعيد وبنيتهم على خدمة الله وعبادته وبناء على هذا عزلوا أنفسهم عن ذرية قايين.
لقد تميز الطريقان بمنتهى الوضوح وشخصية وصفات من يسيرون فيهما قد تحددت. لذلك لم يعد هناك من ضرورة تعقب تاريخ بني قايين، والسفر حاد عنهم وأغفلهم ليعطينا تقرير عن الشيوخ الذين بالإيمان نالوا صيتًا حسنًا.
ويبدو للوهلة الأولى كما لو أن الرواية تُفتتح بمجرد كتاب أو خبر عن "مواليد آدم" يحتوي على ملاحظة مختصرة تُنثر هنا وهناك، لكن الحقيقة هي عكس ذلك.
من البداية نلاحظ كمفارقة ذات مغزى، أنه بينما قرأنا عن آدم أن الله خلقه على صورته، يُضاف الآن أنه "ولد ولدًا على شبهه كصورته" (تك 5: 3). وبينما خُلق آدم في حالة نقاوة على شبه الله، نجد أن شيث ورث الطبيعة الساقطة لأبيه. بعد ذلك نلاحظ كيف أن كل الأنساب المنحدرة من آدم لها هذا العامل المشترك، أنها تعطي أولًا عمر الآب عند ميلاد بكره (باستثناء شيث الذي بالطبع لم يكن بكر آدم)، ثم عدد السنوات التي عاشها بعد هذا الحدث، وأخيرًا عمره بالكامل عند وقت موته.
والذين تم تسميتهم من بدء الخليقة إلى الطوفان عشرة شيوخ ونجمعهم هكذا(2):
الاسم |
العمر عند ميلاد الابن |
عدد السنوات بعد ميلاده |
العمر الكلي |
سنة الميلاد من بدء الخليقة |
سنة الوفاة من بدء الخليقة |
130 |
800 |
930 |
1 |
930 |
|
105 |
807 |
912 |
130 |
1042 |
|
90 |
815 |
905 |
235 |
1140 |
|
70 |
840 |
910 |
325 |
1235 |
|
65 |
830 |
895 |
395 |
1290 |
|
162 |
800 |
962 |
460 |
1422 |
|
65 |
300 |
365 |
622 |
987 |
|
187 |
782 |
969 |
687 |
1656 |
|
182 |
595 |
777 |
874 |
1651 |
|
500 |
450 |
950 |
1056 |
2006 |
|
100 |
|
|
|
|
|
المجموع |
1656 |
|
|
|
|
وعند الفحص عن قرب أكثر، ما يجذب انتباهنا في سجلات أنساب رؤساء الآباء هذه، هو أن التفاصيل التي يقدمها افتقرنا إليها وافتقدناها في تاريخ بني قايين، حيث ذُكر ببساطة: آدم، قايين، حنوك، عيراد، محويائيل، متوشائيل، لامك وبنيه.
وسبب هذا الاختلاف هو أنه بينما أبناء قايين فعليًا ليس لهم مستقبل، لكن أبناء شيث الذين "دعوا باسم الرب" كان محددًا ومعيّنًا لهم أن ينفذوا مقاصد الله بالنعمة إلى النهاية.
![]() |
ثم أنه تكرر في حالتين نفس الأسماء في الجنسين: أخنوخ (هو نفس اسم حنوك بالعبري חֲנוֹךְ)، ولامك، لكن السفر قدم سمات خاصة تميز كل واحد منهما. فمقابل حنوك الذي بنى قايين مدينة على أسمه، نجد أن أخنوخ سار مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه، ومناقضة للامك قايين بأغنية السيف التي تباهى بها، لدينا لامك الآخر الذي دعا أبنه "نوح" قائلًا: "هذا يعزينا عن عملنا وتعب أيدينا من قبل الأرض التي لعنها الرب". وهكذا تشابه الأسماء أدى فقط إلى إبراز تناقض شخصيتهما بوضوح أكثر.
أخيرًا كما أن شر جنس قايين ظهر على أشده في لامك الذي كان السابع في سلسلة أنساب قايين، كذلك تقوى الجنس الآخر ظهرت في أخنوخ، الذي هو أيضًا السابع في سلسلة أنساب أبناء شيث.
وإذ نعبر من هذه المقارنة لسلسلة أنساب الفريقين إلى جدول أبناء شيث، يتم تذكيرنا بالقول إن سلسلة الأنساب الأولية هذه هي نصب تذكارية لأمانة الله في تحقيق وعده وكذلك هي دليل على إيمان وصبر الآباء. فكل جيل عاش فترته المحددة له ونقلوا الوعد لأبنائهم، وبعد أن أتموا سعيهم: "فِي الإِيمَانِ مَاتَ هَؤُلاَءِ أَجْمَعُونَ، وَهُمْ لَمْ يَنَالُوا الْمَوَاعِيدَ، بَلْ مِنْ بَعِيدٍ نَظَرُوهَا وَصَدَّقُوهَا وَحَيُّوهَا، وَأَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ غُرَبَاءُ وَنُزَلاَءُ عَلَى الأَرْضِ" (عب 11: 13)، وهذا بكل تأكيد هو كل ما نعرفه عن أغلبهم.
لكن التشديد والتكرار الذي يبدو أن لا أهمية له في الكلمات "ومات" التي تختم مسيرة كل واحد منهم، تخبرنا أنه "قد ملك الموت من آدم إلى موسى" (رو 5: 14)، مع كل الدروس التي نقلتها عن منشأه بالخطية وهزيمته بواسطة آدم الثاني. ولم يحدث سوى استثناء واحد لهذه القاعدة العامة في حالة أخنوخ، عندما بدلًا من الملاحظة المختصرة المعتادة عن عدد السنوات التي عاشها بعد ولادة ابنه، نقرأ: "وسار أخنوخ مع الله بعدما ولد متوشالح ثلاثمائة سنة"، وبدلًا من جملة الختام البسيطة "ومات" لم يتم إخبارنا للمرة الثانية أنه "سار مع الله" وحسب، بل أيضًا تم إضافة عبارة: "ولم يوجد لأن الله أخذه".
هكذا كل من حياته ونقله مرتبطان بكونه "سار مع الله"، وهذا التعبير فريد ووحيد في الكتاب ولم يتكرر سوى مع نوح "وسار نوح مع الله" (تك 6: 9). وتكرر فقط مرة ثانية من جهة تواصل عشرة الكاهن مع الله في الموضع المقدس (ملا 2: 6). وهذا يشير إلى حديث شخصي ولصيق وودي مع الرب.
وكل من حياة أخنوخ وعمله ونقله تم شرحهم هكذا في رسالة العبرانيين بالقول: "بِالإِيمَانِ نُقِلَ أَخْنُوخُ لِكَيْ لاَ يَرَى الْمَوْتَ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ نَقَلَهُ إِذْ قَبْلَ نَقْلِهِ شُهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ قَدْ أَرْضَى اللهَ" (عب 11: 5). نقله كان مثل نقل إيليا (2مل 2: 10) ومثل ما سيحدث للقديسين في المجيء الثاني لربنا المبارك (1كو 15: 51-52).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وبهذا الصدد من الملاحظ جدًا أن أخنوخ تنبأ عن ذات الشيء الذي كان ظاهرًا في حالته: [14- قَائِلًا: «هُوَذَا قَدْ جَاءَ الرَّبُّ فِي رَبَوَاتِ قِدِّيسِيهِ. 15- لِيَصْنَعَ دَيْنُونَةً عَلَى الْجَمِيعِ، وَيُعَاقِبَ جَمِيعَ فُجَّارِهِمْ عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِ فُجُورِهِمُِ الَّتِي فَجَرُوا بِهَا، وَعَلَى جَمِيعِ الْكَلِمَاتِ الصَّعْبَةِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا عَلَيْهِ خُطَاةٌ فُجَّارٌ». (يه14-15). ].
وعندما نُقل أخنوخ كان آدم وحده هو الذي مات، بينما شيث وأنوش وقينان ومهللئيل ويارد لا يزالوا أحياء بعد. ومن ناحية أخرى ليس فقط متوشالح ابن أخنوخ، بل أيضًا حفيده لامك الذي كان عمره في ذلك الوقت 130 سنة، يلزم أنه كان معاصرًا لنقله. لم يكن نوح قد ولد بعد. لكن كم كان عميقًا التأثير الذي أحدثته نبوة أخنوخ على أتقياء تلك الفترة، وبما يمكن أن ندعوه تحقيق مُسبق ونموذجي بنقله، فهذا التأثير يظهر من الظروف التي جعلت لامك -عندما أعطى اسم نوح لابنه والذي ولد بعد نقل أخنوخ بتسع وستين سنة، حيث نوح تعني راحة أو تعزية- يقول: "هَذَا يُعَزِّينَا عَنْ عَمَلِنَا وَتَعَبِ أَيْدِينَا بِسَبَبِ الأَرْضِ الَّتِي لَعَنَهَا الرَّبُّ".
من الواضح أن لامك شعر بثقل التعب على أرض لعنها الله وتطلع إلى خلاص من البؤس والفساد الموجود كنتيجة للعنة، بتحقق الوعد الإلهي بخصوص المخلّص. وفي رجائه المتلهف لتحقق هذا الوعد دعا ابنه نوحًا.
يقينًا تغير قد حدث، لكنه بإفناء ذلك الجيل الشرير وببدء فترة جديدة في تاريخ العهد. ونلاحظ أنه في حالة نوح لم يعد يذكر الكتاب سوى ابنًا واحدًا كما كان من قبل، بل يعطينا أسماء أبناء نوح الثلاثة، ليُرينا من الآن فصاعدًا أن الخط الواحد كان له أن ينقسم لثلاثة، كان لهم أن يصيروا مؤسسي التاريخ البشري.
من المفيد لنا أن نلاحظ أيضًا أن أخنوخ الذي سار قريبًا من الله قد عاش على الأرض فقط لمدة 365 سنة وهي أقل من نصف الفترة التي عاشها من سبقوه ومن جاءوا بعده. قد تكون الحياة طويلًا بركة بكونها تقدم مساحة من الوقت للتوبة والاستفادة من النعمة، لكن من جهة من هم أعزاء لدى الله يمكن تقصيرها على سبيل الراحة من الكد والتعب الذي جلبته الخطية على هذا العالم. وفي الواقع ستبين لنا العاقبة أو التتمة أن طول الحياة غير العادي وإن كان ضروريًا في البداية، لكنه لم يبرهن بالمرة أنه كان مصدر خير لجيل شرير وفاسد.
_____
(2) هذه هي الأرقام بحسب النص العبري، وتوجد اختلافات بين هذا النص وبين الترجمة اليونانية التي تُدعى السبعينية وأيضًا مع النص السامري. ولأجل مزيد من التفاصيل نحيلكم إلى الفصل العاشر حيث أيضًا يتم شرح الاختلاف في سلسلة التواريخ بين أشير وهاليس.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-angelos-almaqary/bible-history-edersheim-1/genealogy-seth.html
تقصير الرابط:
tak.la/gv472tk