هو يعقوب بن حلفى أحد الاثني عشر رسولًا، وهو أحد الأعمدة الثلاثة لكنيسة الختان حسبما دعاه معلمنا بولس (غل 2: 7- 9). عُرف باسم يعقوب أخي الرب لأنه ابن خالته بالجسد من مريم زوجة كلوبا. فكلمة حلفى آرامية ويقابلها "كلوبا"(16) في اليونانية. وعُرف باسم يعقوب الصغير (مر 15: 40) تمييزًا له عن يعقوب الكبير ابن زبدي. وعُرف أيضًا باسم يعقوب البار نظرًا لقداسة سيرته وشدة نسكه. كما عُرف باسم يعقوب أسقف أورشليم لأنه أول أسقف لها.
وقد أُثِير جدل حول شخصيته، وحول اللقب الذي عُرف به "أخ الرب".
1- رأي يقول إنه ابن ليوسف ومريم بعد ميلاد رب المجد يسوع... قال بهذا الرأي ترتليانوس(17) وتبنى هذا الرأي بعده شخص يُدعى هلفيديوس Helvidius الهرطوقي من روما سنة 380م، مما دعا القديس إيرونيموس أن يرد عليه برسالة قوية سنة 383 فند فيها كل هذه الادعاءات الباطلة(18)، ودعا كلا من ترتليانوس وهلفيديوس منشقان على الكنيسة الجامعة... وهذا الرأي هو رأي البروتستانت. وهو يتناقض مع روح الكتاب المقدس ونصوصه وعقيدة الكنيسة الجامعة منذ عصرها الرسولي. ونحن نرفض هذا الرأي ونشجبه لأن العذراء مريم ظلت عذراء أيضًا بعد ولادة المسيح، فهي "العذراء كل حين" وهي لم تعرف يوسف خطيبها معرفة الزواج قبل وبعد ميلاد المخلص.
2- رأي ثان يقول إن المذكورين في الإنجيل إخوة الرب، هم في الحقيقة أبناء ليوسف النجار من زوجة سابقة توفيت قبل خطبته لمريم العذراء وقد ظهرت هذه النظرية إلى عالم الوجود في كتابات الأبوكريفا المنسوبة للقديس يعقوب أخي الرب ومنها إنجيل يعقوب المعروف باسم Protevangelium (ف 9). وقد أخذ بهذا الرأي بعض الآباء الشرقيين - وهذا هو رأي الكنيستين اليونانية والسريانية(19). وهذا الرأي -على ما فيه من أخطاء وثغرات لا محل للرد عليها هنا- فإنه لو كان هؤلاء المدعوين إخوة الرب أولادًا ليوسف من زوجة سابقة لكانوا أكبر من الرب يسوع سنًا وفي هذه الحالة لا يعتبر يسوع وارثًا لعرش داود(20)، وفي هذا هدم لنصوص الكتاب ونبوات العهد القديم.
3- الرأي الثالث - وهو رأي كنيستنا القبطية الأرثوذكسية والكنيسة(21) اللاتينية أيضًا. بأن يعقوب هذا هو عينه ابن حلفى (كلوبا) وابن خالة السيد المسيح بالجسد من مريم أخرى شقيقة العذراء مريم، وذلك استنادًا لما جاء في الإنجيل(22) المقدس - وقد دافع عن هذا الرأي بحماس كبير كل من جيروم وأغسطينوس. والغريب أن هذا الرأي الثالث يدافع عنه حاليًا كثير من العلماء البروتستانت(23)... وفضلًا عن ذلك، فليس أدل على صحة هذا الرأي من أن التقليد الكنسي القديم في العالم كله، يجعل منهما -يعقوب بن حلفى ويعقوب أخا الرب- شخصًا واحدًا(24).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
هذا وقد أثير جدل أيضًا حول وضع هذا الرسول في الكنيسة الأولى من جهة رسوليته - هل كان رسولًا من الاثني عشر أم لا... فريق يؤكد رسوليته على اعتبار أنه ابن حلفى المذكور في قوائم الرسل، وفريق يدعي أنه شخص آخر، وبالتالي ليس من الاثني عشر... بل ذهبوا إلى أبعد من هذا، فقالوا إنه لم يؤمن بالسيد المسيح إلا بعد قيامته، وظهوره له خصوصيًّا على نحو ما حدث لشاول الطرسوسى (بولس الرسول) قرب دمشق ويستند أصحاب هذا الرأي الأخير إلى ما جاء في (يو 7: 5) "لأن إخوته أيضًا لم يكونوا يؤمنون به"، بالمقارنة مع ما قاله معلمنا بولس في (1كو 15: 7) عن ظهور الرب يسوع ليعقوب بعد قيامته المجيدة...
لكن ليس في هذا ما يثبت هذا الزعم. فقول يوحنا أن إخوة الرب يسوع لم يكونوا يؤمنون به، لا يعني عدم الإيمان كليةً. لكن العبارة تحمل معنى عدم الإيمان الكامل بلاهوته... ولهذا الأمر نظير فيما يختص بالرسل أنفسهم، الذين قيلت عنهم أقوال مشابهة(25)... أما عن الآية التي أوردها القديس بولس الخاصة بظهور الرب له (1كو 15: 3- 7)... فنقول أن ظهور الرب ليعقوب بعد قيامته ليس فيه أي دليل على أنه لم يكن مؤمنًا، ثم آمن بواسطة هذا الظهور كما في حالة بولس الرسول. لأنه يوجد كثيرون أظهر الرب لهم ذاته بعد قيامته، فلماذا يكون يعقوب هو الوحيد بين هؤلاء جميعًا الذي كان غير مؤمن ثم آمن بسبب هذا الظهور؟!! أما عن هذا الظهور الذي خص به يعقوب، فهناك رأي قديم بخصوصه أورده كاتب إنجيل العبرانيين الأبوكريفا -وهو من أقدم الأناجيل الأبوكريفا وأقلها مُجَانبة للصواب- ويتلخص في أن يعقوب لما علم بموت المخلص على الصليب تعاهد ألا يذوق طعامًا إلى أن يقوم الرب من بين الأموات. وحدث في صبيحة يوم القيامة أن الرب يسوع تراءى له وقدم له خبزًا وقال له: [قم يا أخي، تناول خبزك لأن ابن البشر قام من بين الراقدين](26)... وجدير بالذكر أن كاتب إنجيل العبرانيين يجعل من يعقوب ابن حلفى ويعقوب أخ الرب شخصًا واحدًا(27).
ويؤكد رسولية هذا القديس وأنه من الاثني عشر، نص صريح ذكره القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل غلاطية. يذكر بولس رسالته الأولى لأورشليم بعد إيمانه فيقول: "بعد ثلاث سنين صعدت إلى أورشليم لأتعرف ببطرس، فمكثت عنده خمسة عشر يومًا. ولكنني لم أرى غيره من الرسل إلا يعقوب أخا الرب" (غل 1: 18، 19)... وواضح من هذه الآية أن يعقوب أخا الرب رسول نظير بطرس والآخرين...
رأس كنيسة أورشليم، وصار أسقفًا عليها، واستمر إلى وقت استشهاده. ولا يُعرف بالضبط متى صار أسقفًا على أورشليم. لكن هناك رأي يقول إن ذلك كان سنة 34 م. وهذا التاريخ يتفق تقريبًا مع شهادة جيروم التي ذكر فيها أنه ظل راعيًا لكنيسة أورشليم نحو ثلاثين سنة(28). وعمله كأسقف على أورشليم يوضح لنا حكمة الكنيسة الأولى وسياستها في وضع الرجل المناسب في المكان المناسب... فقد كان هذا الرسول يتمتع بشخصية قوية بحكم صلة القرابة الجسدية بالرب، فضلًا عن تقواه الشديدة ونسكياته الصارمة. ومن هنا فقد تمتع بسلطان كبير بين اليهود المتنصرين، بل تمتع بمكانة كبيرة بين اليهود أنفسهم، ولذا وُضع في أورشليم معقل اليهودية في العالم كله، وإليها يفد الآلاف منهم، ليكون كارزًا لهم... وبناءً على تقليد قديم دونه لنا أبيفانيوس، كان يعقوب يحمل على جبهته صفيحة من الذهب منقوش عليها عبارة "قدس للرب" على مثال رئيس أحبار اليهود(29).
تمتع هذا الرسول بمكانة كبيرة في كنيسة الرسل... فقد رأس أول مجمع كنسي سنة 50 وهو مجمع أورشليم، الذي عرض لموضوع تهود الأمم الراغبين في الدخول إلى الإيمان (أع 15)، وكان رأيه فيه فصل الخطاب بالنسبة لموضوع، كان يعتبر موضوع الساعة وقتذاك. بل يبدو أنه هو الذي كتب بنفسه قرار المجمع، فقد لاحظ العلماء، تشابهًا بين أسلوب ذلك القرار وأسلوب الرسالة التي تحمل اسمه (رسالة يعقوب)، مما يدل على أن كاتبهما شخص واحد.
والرسول بولس يذكره كأحد أعمدة كنيسة الختان الثلاثة، الذين أعطوه مع برنابا يمين الشركة ليكرز الأمم، بل ويورد اسم يعقوب سابقًا لاسمي بطرس ويوحنا مما يدل على مكانته (غل 2: 9)... ويؤيد هذه المكانة أيضًا، الخوف والارتباك اللذان لحقا ببطرس الرسول في أنطاكية، الأمر الذي جعله يسلك مسلكًا ريائيًا وبخه عليه بولس علانيةً لمجرد وصول إخوة من عند يعقوب!! (انظر غل 4: 11- 14).
أما عن نسكه فقد أفاض هيجيسبوس(30) Hegesippus في وصفه، وقال إنه كان مقدسًا من بطن أمه لم يعل رأسه موسى، لم يشرب خمرًا ولا مسكرًا وعاش نباتيًا لم يأكل لحمًا... وكان لباسه دائمًا من الكتان. وكان كثير السجود حتى تكاثف جلد ركبته وصارتا كركبتي الجمل.
وبسبب حياته ونسكه ومعرفته الواسعة بالكتب المقدسة وأقوال الأنبياء نال تقديرًا كبيرًا من اليهود، وآمن على يديه كثيرون منهم في مدة أسقفيته... بل أن يوسيفوس المؤرخ اليهودي الذي عاصر خراب أورشليم، لم يتردد عن الاعتراف بأن ما حل باليهود من نكبات ودمار أثناء حصار أورشليم، لم يكن سوى انتقام إلهى لدماء يعقوب البار...
لكن انعطاف اليهود نحو القديس يعقوب أثار حنق رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين عليه فقرروا التخلص منه.
وذكر هيجيسبوس -وأيده في ذلك إكليمنضس الإسكندري- أن اليهود أوقفوه فوق جناح الهيكل ليشهد أمام الشعب ضد المسيح... فلما خيب ظنهم وشهد عن يسوع أنه المسيا وهتف الشعب أوصنا لابن داود. صعدوا وطرحوه إلى أسفل، أما هو فجثا على ركبتيه يصلي عنهم، بينما أخذوا يرجمونه، وكان يطلب لهم المغفرة وفيما هو يصلي تقدم قصار ملابس وضربه بعصا على رأسه فأجهز عليه، ومات لوقته(31).
وكان ذلك في سنة 62 أو 63 بحسب رواية يوسيفوس وجيروم وفي سنة 69 بحسب رواية هيجيسبوس. والرأي الأول هو المرجح.
وقد خلف لنا هذا الرسول، الرسالة الجامعة التي تحمل اسمه والتي أبرز فيها أهمية أعمال الإنسان الصالحة ولزومها لخلاصه إلى جانب الإيمان. أما عن تاريخ كتابتها، فهناك رأي يقول إنه كتبها في الأربعينات قبل مجمع أورشليم، ورأي آخر يقول إنه كتبها قبيل استشهاده بوقت قصير... كما خلف لنا يعقوب الرسول اللتورجيا (صلاة القداس) التي تحمل اسمه، والتي انتشرت في سائر الكنائس(32). أما عن صحة نسبتها إليه، فالتقليد الكنسي لجميع الكنائس الشرقية يجمع على ذلك(33).
_____
(16) Carrington, Vol. 1, pp. 31, 40.
(17) عالم وقس من قرطاجنة بشمال أفريقيا. ولد حوالي منتصف القرن الثاني وتوفي بين سنتي 220، 240. انضم آخر القرن الثاني أو أوائل الثالث إلى هرطقة المونتانيين Montanists. له عدة انحرافات إيمانية عقيدية.
(18) N. P. N. F., Series 2, Vol. 6, pp. 334-346.
ترجم جزء من الرسالة دير السريان، ونشرها كميمر للميلاد في يناير سنة 1962 باسم "ميمر الابن الوحيد".
(19) انظر تاريخ الكنيسة السريانية الأنطاكية جـ 1 ص 89.
(20) انظر (مت 1: 17؛ لو 1: 27؛ رو 1: 3؛ 2تي 2: 8؛ رؤ22: 16) - وأيضًا:
Schaff, Vol. 1, p. 274.
(21) انظر: ترجمة هذا الرسول في سنكسار الروم الكاثوليك تحت يوم 9 تشرين الأول.
(22) انظر: (يو 19: 25) بالمقارنة مع (لوقا 24: 10؛ مر 15: 40).
(23) انظر التعليق على يوسابيوس ك 1 ف 12: في مجموعة:
N. P. N. F., Series 2, Vol. 1, p. 99.
(24) Dictionary of Christian Biography, Vol. 1, p. 22.
(25) انظر (مت 17: 17؛ مر 4: 40؛ 9: 19؛ 16: 14؛ لو 8: 25؛ 9: 41؛ 17: 5؛ 24: 25؛ يو 6: 64)، وانظر تلميذي عمواس ورأيهما المدوَّن في (لوقا 24: 13 - 27).
(26) ترجم هذا الاقتباس القديس جيروم من العبرية إلى اللاتينية واليونانية وأورده في الفصل الثاني من كتابه مشاهير الرجال، انظر:
N. P. N. F., Series 2, Vol. 1, p. 362.
(27) Schaff, Vol. 1, p. 266 (footnote).
(28) خلاصة تاريخ كنيسة أورشليم الأرثوذكسية ص 5.
(29) (خر 28: 16).
(30) هو أحد علماء القرن الثاني المسيحيين، كان يهوديًا وآمن، ويُرجح أنه كان من فلسطين متأثرًا بالعوائد اليهودية. كان كثير الأسفار في سوريا واليونان وإيطاليا. كتب تاريخًا للكنيسة لكنه فقد، وقد حفظ لنا يوسابيوس بعض فقرات منه:
H. E., 2-23.
(31) Eusebius, H. E., 2-23.
(32) خلاصة تاريخ كنيسة أورشليم الأرثوذكسية ص 5، 6.
(33) عن ليتورجية القديس يعقوب - انظر:
A. N. F., Vol. 7, pp. 529-550.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/saint-james-2.html
تقصير الرابط:
tak.la/s6pwbtw