هو ابن زبدي، وشقيق الرسول يعقوب الكبير... هو التلميذ الذي كان يسوع يحبه (يو 19: 26)، وهو الذي اتكأ على صدره في العشاء الأخير. هو الرسول الذي جمع في شخصه بين حب البتولية، والعظمة الحقيقية، والبساطة القلبية، مع المحبة الفائقة العجيبة هو الذي انفرد من بين التلاميذ في سيره بدون خوف وراء المخلص، في الوقت العصيب الذي تركه الجميع وانفضوا من حوله... كان هو واسطة إدخال بطرس حيث حوكم الرب يسوع نظرًا لأنه كان معروفًا عند رئيس الكهنة (يو 18: 15، 16). وهو الوحيد الذي رافق الرب إلى الصليب فسلمه أمه العذراء مريم. ومن تلك الساعة عاشت معه (يو 19: 25- 27)... كان أبوه زبدي يحترف مهنة الصيد، ويبدو أنه كان في سعة من العيش، ويغلب على الظن أن أسرة يوحنا كانت تقيم في بيت صيدا.
يبدو أنه تتلمذ بعض الوقت ليوحنا المعمدان، وكان يتردد عليه (يو 1: 35- 42)... دعاه السيد المسيح للتلمذة مع أخيه يعقوب فتبعه -وقيل- بناء على رواية القديس جيروم - أن يوحنا في ذلك الوقت كان في الخامسة والعشرين. كانت أمه واحدة من النسوة القديسات اللواتي تبعن يسوع وكن يخدمنه (مت 27: 55؛ مر 10: 40، 41).
كان يوحنا واحدًا من التلاميذ المقربين إلى الرب يسوع مع يعقوب أخيه وبطرس. كان هو (مع أندراوس) أول من تبعه في بشارته (يو 1: 40)، وآخر من تركه عشية آلامه بعد موته... هو الذي سجل لنا خطاب يسوع الرائع عن الإفخارستيا (يو 6). وهو الذي انفرد بين الإنجيليين بذكر لقاء الرب مع السامرية (يو 4) وموقفه من المرأة الزانية التي أمسكت في ذات الفعل (يو 8)، وشفاء المولود أعمى (يو 9)، وإقامة لعازر من الموت (يو 11)، وصلاته الوداعية (يو 17)... ويوحنا هو واحد من التلاميذ الثلاثة الذي صحبه في إقامة ابنة يايرس من الموت، وفي حادث التجلي وفي جثسيماني ليلة آلامه. وبكر مع بطرس وذهب إلى قبر المخلص فجر أحد القيامة. وكان حماسه وحبه ظاهرين. حتى أنه سبق بطرس ووصل أولًا إلى القبر... وهو الوحيد بين التلاميذ الذي استطاع أن يتعرف على الرب يسوع حينما أظهر ذاته على بحر طبرية عقب قيامته، وقال لبطرس "هو الرب" (يو 21: 7).
والقديس يوحنا لم يكن -كما يتصوره البعض شابًا رقيقًا خجولًا- بل كان له وضع بارز في الكنيسة الأولى. نقرأ عنه في الإصحاحات الأولى من سفر الأعمال ونراه جنبًا إلى جنب مع بطرس أكبر الرسل سنًا. نراهما متلازمين في معجزة شفاء المقعد عند باب الهيكل (أع 3)، وأمام محكمة اليهود العليا (السنهدرين) يشهدان للمسيح (أع 4). وفي السامرة يضعان أياديهما على أهلها ليقبلوا الروح القدس (أع 8).
يبدو أن خدمته الكرازية في الفترة الأولى من تأسيس الكنيسة كانت في أورشليم والمناطق القريبة منها. فالتقاليد القديمة كلها تجمع على بقائه في أورشليم حتى نياحة العذراء مريم التي تسلمها من الرب كأم له ليرعاها(11). ومهما يكن من أمر فإن يوحنا الرسول -بعد نياحة العذراء مريم- انطلق إلى آسيا الصغرى ومدنها الشهيرة، وجعل إقامته في مدينة أفسس العظيمة متابعًا ومكملًا عمل بولس وأبولس الكرازي في آسيا الصغرى (أع 18: 24- 28؛ 19: 1- 12)... وأخذ يشرف من تلك العاصمة الشهيرة على بلاد آسيا الصغرى ومدنها المعروفة وقتذاك من أمثال ساردس وفيلادلفيا واللاذقية وأزمير وبرغامس وثياتيرا وغيرها، وهي البلاد التي وردت إشارات عنها في سفر الرؤيا.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وبسبب نشاطه الكرازي قبض عليه في حكم الإمبراطور دومتيان (81 - 96)، وأرسل مقيدًا إلى روما، وهناك ألقي في خلقين (مرجل) زيت مغلي. فلم يؤثر عليه بل خرج منه أكثر نضرة، مما أثار ثائرة الإمبراطور، فأمر بنفيه إلى جزيرة بطمس(12)، ومكث بها حوالي سنة ونصف كتب أثناءها رؤياه حوالي سنة 95. ثم أفرج عنه بعد موت دومتيان وعاد إلى أفسس ليمارس نشاطه التبشيري... وكل التقاليد القديمة تؤيد بالإجماع نفي يوحنا إلى جزيرة بطمس في ذلك التاريخ وكتابته رؤياه هناك... ومن الآباء الذين شهدوا بذلك إيريناؤس وإكليمنضس الإسكندري وأوريجينوس وترتليانوس. ويوسابيوس وجيروم وغيرهم(13).
ومن الألقاب اللاصقة بيوحنا. لقب "الحبيب"، فقد ذكر هو عن نفسه أنه كان التلميذ الذي كان يحبه يسوع(14)... وقد ظل يوحنا رسول المحبة في كرازته ووعظه ورسائله وإنجيله... وكتابته كلها مفعمة بهذه الروح... روى عنه أنه لما شاخ ولم يعد قادرًا على الوعظ، كان يُحمل إلى الكنيسة ويقف بين المؤمنين مرددًا العبارة: "يا أولادي أحبوا بعضكم بعضًا". فلما سأموا تكرار نفس هذه العبارة، تساءلوا لماذا يعيد هذه الكلمات ويكررها. فكان جوابه لأنها هي وصية الرب وهي وحدها كافية لخلاصنا لو أتممناها...
ومن القصص التي تروى عن حبه الشديد لخلاص الخطاة، تلك القصة التي تروى أنه قاد إلى الإيمان أحد الشبان وسلمه إلى أسقف المكان كوديعة وأوصاه به كثيرًا. لكن ذلك الشاب ما لبث أن عاد إلى سيرته الأولى وصار رئيسًا لعصابة قطاع طرق... عاد يوحنا بعد مدة إلى الأسقف وسأله، عن الوديعة، واستخبره عن ذلك الشاب... تنهد الأسقف وقال [لقد مات].. ولما استفسر منه عن كيفية موته، روى له خبر ارتداده... حزن يوحنا واستحضر دابة ركبها على الرغم من كبر سنه، وأخذ يجوب الجبل الذي قيل أن هذا الشاب كان يكمن فيه... أمسكه اللصوص وقادوه إلى زعيمهم، الذي لم يكن سوى ذلك الشاب... تعرف عليه الشاب، وللحال فر من وجهه، وأسرع يوحنا خلفه وهو يناشده أن يقف ويسمع له رحمة بشيخوخته... فوقف الشاب وجاء وسجد بين يديه، فأقامه ووعظه فتاب عن إثمه ورجع إلى الله... لكن على الرغم من محبته الشديدة للخطاة، فقد كان يمقت الهراطقة جدًا. ويظهر هذا الأمر واضحًا في كتاباته المليئة بالتحذير من الهراطقة...
يذكر معلمنا بولس هذا الرسول على أنه أحد أعمدة الكنيسة الأولى، وأنه من رسل الختان (غل 2: 9)... ويذكر بوليكراتس Polycrates أسقف أفسس أواخر القرن الثاني أن يوحنا كان يضع على جبهته صفيحة من الذهب كالتي كان يحملها رئيس أحبار اليهود(15)، ليدل بذلك على أن الكهنوت قد انتقل من الهيكل القديم إلى الكنيسة... لكن مع ذلك، نستدل من مواقفه وكتاباته أنه كان معتدلًا غير متطرف...
وبعد أن دون لنا هذا الرسول إنجيلًا ورؤيا وثلاث رسائل تحمل اسمه، رقد في الرب في شيخوخة وقورة حوالي سنة 100 م.
_____
(11) تضاربت الآراء بخصوص تاريخ نياحة السيدة العذراء مريم... منها ما يذكر أنها عاشت خمس سنوات فقط بعد صعود المخلص، ومنها ما يجعل مدة هذه السنوات عشرة. ورأي يجعل نياحتها سنة 62، وآخر يذكر أنها تنيحت في شيخوخة في سن الثانية والسبعين. وهناك تقليد قديم يقرر أن نياحتها كانت حوالي سنة 48... على أننا من مراجعتنا للإصحاح الثاني من الرسالة إلى غلاطية التي يشير فيها بولس إلى مجمع أورشليم نفهم أن يوحنا كان حاضرًا هذا المجمع الذي انعقد حوالي سنة 50. فالرسول بولس يقرر أن يوحنا مع يعقوب وبطرس أعطوه وبرنابا يمين الشركة ليكونا للأمم... لكن يبدو أن يوحنا لم يكن موجودًا بأورشليم سنة 58 وهي السنة التي زار فيها بولس أورشليم زيارة أخيرة. ففي هذه المرة لم يقابل من الرسل سوى يعقوب (أع 21: 18). مما يستنتج معه أن يوحنا لم يكن موجودًا بها وقتذاك، وربما كان في مكان ما بفلسطين يكرز ويبشر.
[انظر تاريخ الكنيسة السريانية الأنطاكية جـ 1 ص 39، 40؛ الخريدة النفيسة جـ 1 ص 46، مروج الأخيار ص 362، 363: Schaff, Vol. 1, p.
424; الطرفة النقية جـ 1 ص 13].(12) تُعْرَف الآن باسم Patome أو بالموسا Palmosa من جزر بحر إيجة جنوب غربي أفسس. ومازالت في الجزيرة حتى الآن معالم أثرية عن استقرار يوحنا فيها.
(13) Schaff, Vol. 1, p. 426.
(14) انظر: (يو 13: 23؛ 19: 26؛ 20: 2؛ 21: 7، 20).
(15) انظر (خروج 28: 36، 37؛ 39: 30، 31).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-yoannes/apostolic-church/st-john.html
تقصير الرابط:
tak.la/2f8twat