جاءت طلبة السيد المسيح بقوله "أيها الآب القدوس احفظهم في اسمك.. ليكونوا واحدًا كما نحن" (يو17: 11).
إن حياة البنوة الحقيقية لله تجعل أولاد الله يسلكون بروح واحد، هو الروح القدوس كقول الكتاب "لأن كل الذين ينقادون بروح الله، فأولئك هم أبناء الله" (رو8: 14). إنهم يسلكون بالروح الواحد بقلب واحد وبنفس واحدة. "وكان لجمهور الذين آمنوا قلب واحد، ونفس واحدة.. كان عندهم كل شيء مشتركًا" (أع4: 32).
الجميع يصيرون أعضاءً في الجسد الواحد بالروح القدس ورأس هذا الجسد هو السيد المسيح كلمة الله المتجسد. فالكنيسة هي جسد السيد المسيح بالمعنى العام والسيد المسيح هو الرأس كقول معلمنا بولس الرسول: "وإياه جعل رأسًا فوق كل شيء للكنيسة التي هي جسده" (أف1: 22، 23).
وهناك فرق بين جسد السيد المسيح الخاص الذي أخذه من العذراء مريم وجعله واحدًا مع لاهوته، وبين الكنيسة كجسد للمسيح، وهي جماعة المؤمنين. فجسد السيد المسيح الخاص هو في موضع الرأس للجسد العام بمعنى الكنيسة.
السيد المسيح هو العريس السمائي والكنيسة هي عروسه التي اشتراها بدمه الخاص، لكي يرفعها معه إلى السماء.
السيد المسيح هو الفادي، والكنيسة هي المفتداة.. السيد المسيح هو الرأس، والكنيسة هي الجسد.. السيد المسيح هو الراعي الصالح، والكنيسة هي خرافه التي رعاها، وحماها، واشتراها.
الروح القدس هو الذي يجعلنا أولادًا لله في المعمودية، وهو الذي يربطنا في فكر واحد بالمسيح الرأس. كقول القديس بولس الرسول: "أما نحن فلنا فكر المسيح" (1كو2: 16). الروح القدس هو الذي يوصل إلينا عطايا الآب السماوي، باستحقاقات دم ابنه الوحيد، أي هو الذي يمنحنا عطايا الثالوث القدوس الواحد في الجوهر.
حينما قال السيد المسيح للآب: "احفظهم في اسمك.. ليكونوا واحدًا كما نحن" (يو17: 11). كان يقصد أن يسكب الآب في تلاميذه الروح القدس حتى تنسكب فيهم المحبة ويصيروا واحدًا "لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا" (رو5: 5).
الروح القدس هو الذي يسكب فينا محبة الله حتى نسلك في المحبة ونحب بعضنا بعضًا كوصية السيد المسيح الواضحة، والمحبة هي التي توحدنا على مثال الثالوث القدوس الواحد.
وحدة الإرادة هي الوحدة التي في حرية المحبة تصنع إرادة من تُحب وتجد في ذلك أقصى درجات المسرة.
ولكي تكون الإرادة واحدة يلزم أن تكون الطبيعة واحدة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. لأنه إذا انقسمت الطبيعة، انقسمت الإرادة، لكي تعمل كل إرادة مشيئة طبيعتها الخاصة.
لهذا يعطينا الروح القدس الطبيعة الجديدة، التي هي على صورة الله ومثاله، وتجعلنا نتحد في جسد واحد كصورة للوحدانية الكاملة الكائنة في الجوهر الإلهي.
الوحدة بين الأقانيم الثلاث هي وحدة فائقة لا يمكن للعقل البشرى أن يُدركها، ولكن الوحدة بين تلاميذ السيد المسيح هي وحدة نسبية على صورة الوحدة الكائنة في الله.
وكلما زادت المحبة؛ كلما اقتربنا من الوحدة التي طلبها السيد المسيح لأجلنا "ليكونوا واحدًا كما نحن" (يو17: 11).
إن الحب الكائن بين الأقانيم الثلاث منذ الأزل هو نتيجة طبيعية لوحدة الجوهر الإلهي غير المنقسم. فبالرغم من أن ولادة الابن من الآب هي ولادة حقيقية، إلا أنها لم ينتج عنها انفصال الابن عن الآب في الوجود، أو في الطبيعة أو في الإرادة.. وذلك مع التمايز الواضح بين الوالد والمولود، وبين الباثق والمنبثق..
لهذا قال الكتاب إن "الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه" (1يو4: 16).
الروح القدس يسكب فينا محبة الله لكي نحب الله ونحب كل من هو مولود منه، ويجدد طبيعتنا لكي نرى صورة الله في بعضنا البعض، ونحب هذه الصورة الجميلة التي تشهد لصفات الله الممجدة.
حقًا إن الله هو السبب الحقيقي للوحدة بين القديسين، لأنه هو المثل الأعلى في الوحدة التي سرها المحبة غير المحدودة بين الأقانيم، وواقعها هو الجوهر الإلهي الواحد، وسببها هو المصدر أو الينبوع الواحد الذي هو الآب.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/us.html
تقصير الرابط:
tak.la/8wkfd4p